الاثنين، 31 أكتوبر 2011

مدى انسجام مشروع قانون "مكافحة الفساد والكشف عن الذمة المالية"

مدى انسجام مشروع قانون "مكافحة الفساد والكشف عن الذمة المالية"
مع مقتضيات اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد

ايمانًا منّا بأن مشروع قانون "مكافحة الفساد والكشف عن الذمة المالية" الحكومي، وبمجرد وصوله الى أروقة مجلس الأمة الكويتي، يصبح مشروعاً وطنياً تلتزم به دولة الكويت بكافة مؤسساتها وسلطاتها الدستورية عملاً بمقتضيات اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد... فان من الواجب الأخلاقي والعلمي أن يطرح كل من له وجهة نظر في الموضوع ما لديه على بساط البحث العلني، كي يتم تدارك أي نقص أو خلل مفترض قبل صدور القانون بصيغته النهائية. ففي هذه المقارنة البحثية، وجهة نظر – قد تصيب وقد تخيب- نخلص فيها الى أن مشروع القانون الحكومي موفّق في التوقيت وفي المضمون، ولا يضير ان يكون فيه بعض أوجه القصور والخلل التي نقترح معالجتها في التوصيات النهائية.
(((والله من وراء القصد، وهو وليّ التوفيق)))
أن تصل متأخراً خير من ألاّ تصل أبداً... هذا خير ما يمكن أن نصف به خطوة الحكومة الكويتية باقرار مشروع قانون مكافحة الفساد والكشف عن الذمة المالية وإحالته الى مجلس الأمة لإقراره بالصيغة النهائية... فاتساقاً مع متطلبات اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، أحالت الحكومة الكويتية بموجب المرسوم رقم (380) لسنة 2011 مشروع قانون بشأن مكافحة الفساد والكشف عن الذمة المالية، عالجت فيه معظم المتطلبات التشريعية التي تلتزم الدول المنضوية تحت لواء الاتفاقية المذكورة بإصدارها بتشريعات المناسبة، فجمع مشروع القانون بين مكافحة جرائم الفساد والكشف عن الذمة المالية، وأنشأ هيئة متخصصة لمكافحته وتعزيز الشفافية، إضافة إلى تنظيم التعاون المحلي والدولي، وحماية الشهود...الخ
الّا ان هذه الخطوة أتت متأخرة في الزمن، لأكثر من خمس سنوات، حيث أنه وبمجرد أن صادق مجلس الأمة على الانضمام إلى الاتفاقية المذكورة بموجب القانون رقم (47) لسنة 2006 تكون دولة الكويت قد ألزمت نفسها باصدار تشريع خاص بمكافحة الفساد، الامر الذي تأخرت فيه كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية. هذا في الشكل، أما في المضمون، فان مشروع القانون الحكومي، قد انسجم مع كثير من متطلبات الاتفاقية، وعابه في نفس الوقت بعض الخلل الذي من المفيد تسليط الضوء عليه، ان من حيث تبريره من بعض الزوايا والرؤى أو لناحية التنبيه الى ضرورة معالجته عند الاقرار النهائي للقانون في مجلس الأمة للانسجام أكثر مع متطلبات وأغراض الاتفاقية .
انضمام دولة الكويت لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد
رغبةً في تعزيز التعاون بينها وبين المجتمع الدولي في سبيل منع الفساد والقضاء عليه ومكافحته بصورة فعالة، وإيمانًا منها بأن محاربة الفساد يشكل دعامة رئيسية لكفالة حقوق الإنسان من أية انتهاكات تنال من أمن الإنسان وحقه في الحياة والرخاء، وقعت دولة الكويت بتاريخ 9/12/2003 على انضمامها إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي اعتمدتها الجمعية العامة في قرارها رقم 58/4 المؤرخ 31 أكتوبر 2003.
وقد دخلت هذه الاتفاقية حيز التنفيذ على الأراضي الكويتية بعد أن صادق مجلس الأمة على الانضمام إليها بموجب القانون رقم (47) لسنة 2006. وبذلك تكون دولة الكويت قد أكملت الدورة التشريعية اللازمة لتلزم نفسها -كما جميع الدول المنضمة- بأحكام هذه الاتفاقية بما احتوته من التزامات وأهداف ومبررات والتي من أبرزها -وفق ما جاء في ديباجة الاتفاقية نفسها- اقتناع الدول المتفقة بأن الفساد لم يعد شأنًا محليًا بل هو ظاهرة وطنية تمس كل المجتمعات والاقتصادات، مما يجعل التعاون الدولي على منعه ومكافحته أمرًا ضروريًا، بما في ذلك التعاون السياسي والتقني... وذلك بدعم ومشاركة أفراد وجماعات المجتمع الأهلي والمنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المحلي. حيث أن الدول المتفقة بمجرد انضمامها إلى هذه الاتفاقية تعلن إيمانها وقناعتها بخطورة ما يطرحه الفساد من مشاكل ومخاطر على استقرار المجتمعات وأمنها، وأثره السلبي على المال العام بما يترافق معه من هدر لمقدرات ولموارد الدولة، وكذلك أثره على تقويض مؤسسات الديمقراطية وقيمها والقيم الأخلاقية والعدالة، وتعريضه التنمية المستدامة وسيادة القانون للخطر. ناهيك عن خطورة الصلات القائمة بين الفساد وسائر أشكال الجريمة، وخصوصًا الجريمة المنظمة والجريمة الاقتصادية، بما فيها غسل الأموال.
هذا مع العلم أن القانون رقم (47) لسنة 2006 بشأن موافقة دولة الكويت على انضمامها إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد المشار اليه، قد نص في مادته الأولى "البند (أ)" على تحفظ دولة الكويت على الاختصاص الإلزامي الخاص بالتحكيم أو العرض على محكمة العدل الدولية المنصوص عليه في البند (2) من المادة (66) من الاتفاقية. وبالتالي تكون دولة الكويت قد أعلنت عدم التزامها بالنص الذي يلزم بعرض ((أي نزاع ينشأ بين دولتين أو أكثر من الدول الأطراف بشأن تفسير هذه الاتفاقية أو تطبيقها، وتتعذّر تسويته عن طريق التفاوض في غضون فترة زمنية معقولة، على التحكيم بناءً على طلب إحدى تلك الدول الأطراف. وإذا لم تتمكن تلك الدول الأطراف، بعد ستة أشهر من تاريخ طلب التحكيم، من الاتفاق على تنظيم التحكيم، جاز لأي من تلك الدول الأطراف أن تحيل النزاع إلى محكمة العدل الدولية بطلب يقدم وفقًا للنظام الأساسي للمحكمة)).
منهج وتقسيم البحث:
ومن منطلق التدقيق البحثي في أحكام مشروع القانون بشأن مكافحة الفساد والكشف عن الذمة المالية (ويشار إليه في هذا البحث بعبارة القانون)، كشفاً لأي نقص أو خلل تشريعي محتمل في مضمونه، قد يكون مفيداً مقاربته من جهة مدى انسجامه مع مضامين اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (ويشار إليها في هذا البحث بالاتفاقية)، معتمدين في ذلك على منهج تحليلي يقارن بين أحكام القانون وأبرز الأحكام التي انضوت تحت فصول الاتفاقية، مرتكزين في ذلك – قدر الإمكان- على تسلسل في العناوين أقرب الى التقسيم المتّبع في القانون نفسه، تسهيلاً لوصول الفكرة واتساقاً مع المنهج المنطقي والعلمي السليم.
هذا وقد تضمن القانون المشار إليه أبواب ستة، حيث تطرق الباب الأول منه إلى الأحكام العامة وقد تضمن بعض التعاريف للألفاظ والعبارات الواردة في نصوصه، إضافة إلى تحديد نطاق تطبيقه. وتطرق الباب الثاني إلى إنشاء الهيئة العامة لمكافحة الفساد وتنظيمها واختصاصاتها. وكرّس الباب الثالث للتعاون المحلي والدولي الذي يعالج مسألة الإبلاغ عن الجريمة وحماية الشهود والتعاون الدولي في مجال مكافحة الفساد. وتناول الباب الرابع مسألة التعريف بجرائم الفساد ودور الهيئة العامة لمكافحة الفساد بالتنسيق مع الجهات المختصة بتعقب وضبط وحجز واسترداد والتحفظ على الأموال والعائدات المتحصّلة من هذه الجرائم، وخصّص الباب الخامس لتنظيم إجراءات الكشف عن الذمة المالية. ونص الباب السادس على العقوبات الخاصة بالجرائم التي نص عليها مشروع القانون.
بالمقابل، أوضحت المذكرة الايضاحية للقانون رقم (47) لسنة 2006 بالموافقة على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد ، فصول الاتفاقية وما تضمنته من احكام رئيسية، حيث يتضح ان الاتفاقية قد اشتملت على ثماني فصول، خصّص الفصل الأول منها للأحكام العامة، وبيّن الفصل الثاني التدابير الوقائية. أما الفصل الثالث فقد جاء بعنوان التجريم ونفاذ القانون، كما جاء الفصل الرابع تحت عنوان التعاون الدولي، وخصص الفصل الخامس لأسس استرداد الموجودات ووضع تدابير لمنع وكشف العائدات المتحصلة من الجريمة.وجاء الفصل السادس بعنوان المساعدة التقنية وتبادل المعلومات. أما الفصل السابع والخاص بآليات التنفيذ فقد قضى بإنشاء مؤتمر للدول الأطراف في الاتفاقية من أجل تحسين قدرة هذه الدول على تحقيق أهدافها المبينة في الاتفاقية، وخصص الفصل الثامن والأخير لأحكام ختامية.
لدواعي المنطق العلمي اذاً، تم تقسيم البحث الى سبعة عناوين رئيسية، هي :
أولاً : نطاق تطبيق أحكام القانون الخاصة بجرائم الفساد ومكافحتها.
ثانياً: الهيئة العامة لمكافحة الفساد، حصانة ونزاهة العاملين فيها.
ثالثاً : التعاون المحلي مع الهيئة، إجراءاتها في التحقق من جرائم الفساد ومتابعتها.
رابعاً : حماية الشهود والمبلغين والخبراء.
خامساً: التعاون الدولي.
سادساً : الكشف عن الذمة المالية.
سابعاً : الخلاصة والتوصيات.
أولاً : نطاق تطبيق أحكام القانون الخاصة بجرائم الفساد ومكافحتها
لقد كان القانون واضحاً في تحديد نطاق سريانه، حيث أشار في المادة (2) إلى انطباقه على جرائم الفساد ومرتكبيها التي تقع كلها أو جزء منها في الكويت أو في إحدى المؤسسات التابعة لها خارج الكويت أيا كانت طبيعة وجنسية مرتكبيها وتكون المحاكم الكويتية وحدها هي المختصة بنظر هذه الجرائم وفقا للقوانين النافذة
ولم يترك الأمر على إطلاقه، فتطرق في المادة (21) إلى تعريف وتحديد جرائم الفساد التي تدخل في نطاق أحكامه، ومعظمها جرائم منصوص عليها في قانون العقوبات والقوانين المكمّلة له، وبهذا تكون الحماية والرادع القانونيين تطالان مجالات متعددة : جنائية ، جمركية، اقتصادية،...إضافة إلى الجرائم المتعلقة بعرقلة سير الهيئة المختصة بمكافحة الفساد. وقد أصبغ القانون صفة "جرائم الفساد"، على مجموعة من الأفعال والتصرفات الجرمية، وذلك وفق ما يلي:
1) جرائم الاعتداء على الأموال العامة المنصوص عليها في القانون رقم (1) لسنة 1993 بشأن حماية الأموال العامة، بما في ذلك الجرائم المتعلقة بالمناقصات العامة والمزايدات والممارسات.
2) الرشوة واستغلال النفوذ المنصوص عليها في القانون رقم (31) لسنة 1970 المعدل لقانون الجزاء الصادر بالقانون رقم (16) لسنة 1960.
3) جرائم غسل الأموال المنصوص عليها في القانون رقم (35) لسنة 2002 بشام مكافحة غسيل الأموال .
4) جرائم التزوير والتزييف المنصوص عليها في قانون الجزاء رقم (16) لسنة 1960 المشار إليه.
5) الجرائم المتعلقة بسير العدالة المنصوص عليها في قانون الجزاء رقم (16) لسنة 1960 نفسه.
6) جرائم الكسب غير المشروع المنصوص عليها في هذا القانون.
7) جرائم التهريب الجمركي المنصوص عليها في القانون رقم (10) لسنة 2003 بإصدار قانون الجمارك الموحّد لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
8) جرائم التهرب الضريبي المنصوص عليها في المرسوم رقم (3) لسنة 1955 في شأن ضريبة الدخل والقوانين والمعدلة له .
9) جرائم إعاقة عمل الهيئة أو الضغط عليها لعرقلة أدائها لواجباتها أو التدخل في اختصاصاتها أو الامتناع عن تزويدها بالمعلومات المطلوبة والمنصوص عليها في هذا القانون .
10) الجرائم المنصوص عليها في القانون رقم (10) لسنة 2007 في شأن حماية المنافسة.
ولم يغفل القانون النص على أن يسري بشأن الجرائم والأفعال المبينة فيما سلف العقوبات والجزاءات المقررة في القوانين النافذة، بما فيها هذا القانون.
وبالعودة إلى أحكام القوانين التي أحال إليها قانون مكافحة الفساد، يتضح انه وسع مروحة أحكامه لتطال عدة جرائم منها : المساس بالمال العام، الرشوة واستغلال النفوذ ، التزييف والتزوير، والتلاعب في المزايدات والمناقصات والمواصفات المتعلقة بالعقود الحكومية، إضافة إلى الجرائم الماسة بالاقتصاد الوطني، كالإخلال بمبادئ المنافسة المشروعة والاحتكار والتهرب الضريبي والتهريب الجمركي، والتصرفات المخلة بسير العدالة وعرقلة سير العمل في الهيئة، ناهيك عن جرائم غسل الأموال، وجريمة الكسب غير المشروع... الا ان القانون قد غفل عن ذكر الجرائم المتعلقة بالوظيفة العامة المنصوص عليها في قانون الجزاء، كانتحال الوظيفة العامة وغيرها من الجرائم...
وهكذا نجد أن القانون قد انسجم إلى حد معيّن مع أحكام الفصل الثالث من الاتفاقية التي عددت في المواد (من 15 إلى 25) التصرفات التي ترتكب عمداً ويستفيد منها المرتكب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، فاعتبرتها جرائم فساد تستحق العقاب، ومن أبرز ما تناولته الاتفاقية في هذا الشأن:
- رشو الموظفين العموميين الوطنيين، وتتحقق هذه الجريمة بمنظور الاتفاقية عندما ترتكب عمدًا الأفعال التالية:
(أ) وعد موظف عمومي بمزية غير مستحقة أو عرضها عليه أو منحه إياها، بشكل مباشر أو غير مباشر، سواء لصالح الموظف نفسه أو لصالح شخص أو كيان آخر، لكي يقوم ذلك الموظف بفعل ما أو يمتنع عن القيام بفعل ما لدى أداء واجباته الرسمية.
(ب) التماس موظف عمومي أو قبوله، بشكل مباشر أو غير مباشر، مزية غير مستحقة، سواء لصالح الموظف نفسه أو لصالح شخص أو كيان آخر، لكي يقوم ذلك الموظف بفعل ما أو يمتنع عن القيام بفعل ما لدى أداء واجباته الرسمية.
- رشو الموظفين العموميين الأجانب وموظفي المؤسسات الدولية العمومية: وتتحقق هذه الجريمة بمنظور الاتفاقية عند القيام، عمدًا، بوعد موظف عمومي أجنبي أو موظف مؤسسة دولية عمومية بمزية غير مستحقة أو عرضها عليه أو منحه إياها، بشكل مباشر أو غير مباشر، سواء لصالح الموظف نفسه أو لصالح شخص أو كيان آخر، لكي يقوم ذلك الموظف بفعل ما أو يمتنع عن القيام بفعل ما لدى أداء واجباته الرسمية، من أجل الحصول على منفعة تجارية أو أي مزية غير مستحقة أخرى أو الاحتفاظ بها فيما يتعلق بتصريف الأعمال التجارية الدولية.
كما تتحقق هذه الجريمة عند قيام موظف عمومي أجنبي أو موظف في مؤسسة دولية عمومية عمدًا، بشكل مباشر أو غير مباشر، بالتماس أو قبول مزية غير مستحقة، سواء لصالح الموظف نفسه أولصالح شخص أو كيان آخر، لكي يقوم ذلك الموظف بفعل ما أو يمتنع عن القيام بفعل ما لدى أداء واجباته الرسمية.
- الرشوة في القطاع الخاص: وهي التصرفات التي تمارس عمدًا أثناء مزاولة أنشطة اقتصادية أو مالية أو تجارية ويتحقق من خلالها:
(أ) وعد أي شخص يدير كيانًا تابعًا للقطاع الخاص، أو يعمل لديه بأي صفة، بمزية غير مستحقة أو عرضها عليه أو منحه إياها، بشكل مباشر أو غير مباشر، سواء لصالح الشخص نفسه أو لصالح شخص آخر، لكي يقوم ذلك الشخص بفعل ما أو يمتنع عن القيام بفعل ما، مما يشكل إخلالاً بواجباته.
(ب) التماس أي شخص يدير كيانًا تابعًا للقطاع الخاص، أو يعمل لديه بأي صفة، أو قبوله، بشكل مباشر أو غير مباشر، مزية غير مستحقة، سواء لصالح الشخص نفسه أو لصالح شخص آخر، لكي يقوم ذلك الشخص بفعل ما، مما يشكل إخلالاً بواجباته.
- اختلاس الممتلكات في القطاع الخاص: تجرم الاتفاقية تعمد شخص يدير كيانًا تابعًا للقطاع الخاص، أو يعمل فيه بأي صفة، أثناء مزاولة نشاط اقتصادي أو مالي أو تجاري، اختلاس أي ممتلكات أو أموال أو أوراق مالية خصوصية أو أي أشياء أخرى ذات قيمة عهد بها إليه بحكم موقعه.
- اختلاس الممتلكات أو تبديدها أو تسريبها بشكل آخر من قِبل موظف عمومي: ويتحقق ذلك بقيام موظف عمومي باختلاس أو تبديد أي ممتلكات أو أموال أو أوراق مالية عمومية أو خصوصية أو أي أشياء أخرى ذات قيمة عهد بها إليه بحكم موقعه، أو تسريبها بشكل آخر.
- المتاجرة بالنفوذ: ويعنى بذلك تحريض الموظف العمومي أو الشخص على استغلال نفوذه الفعلي أو المفترض بهدف الحصول من إدارة أو سلطة عمومية تابعة للدولة الطرف على مزية غير مستحقة لصالح المحرّض الأصلي على ذلك الفعل أو لصالح أي شخص آخر، وذلك من خلال الوعد بأي مزية غير مستحقة أو عرضها عليه أو منحه إياها، بشكل مباشر أو غير مباشر. كما تتحقق هذه الجريمة بقيام موظف عمومي أو أي شخص آخر، بشكل مباشر أو غير مباشر، بالتماس تلك المزية أو قبولها لصالحه أو لصالح شخص آخر، لكي يستغل نفوذه الفعلي أو المفترض بهدف الحصول من إدارة أو سلطة عمومية على مزية غير مستحقة.
- إساءة استغلال الوظائف: وتتحقق هذه الجريمة بموجب الاتفاقية حين يتعمد موظف عمومي إساءة استغلال وظائفه أو موقعه، أي قيامه أو عدم قيامه بفعل ما، لدى الاضطلاع بوظائفه، بغرض الحصول على مزية غير مستحقة لصالحه هو أو لصالح شخص أو كيان آخر، مما يشكل انتهاكًا للقوانين.
- الإثراء غير المشروع: ويعني الإثراء غير مشروع زيادة موجودات المظف العام زيادة كبيرة لا يستطيع تعليلها بصورة معقولة قياسًا إلى دخله المشروع.
- غسل العائدات الإجرامية: وتتعدد صور هذه الأفعال المجرمة بمنطوق الاتفاقية، وذلك وفق ما يلي:
(أ) إبدال الممتلكات أو إحالتها، مع العلم بأنها عائدات إجرامية، بغرض إخفاء أو تمويه مصدر تلك الممتلكات غير المشروع أو مساعدة أي شخص ضالع في ارتكاب الجرم الأصلي على الإفلات من العواقب القانونية لفعلته.
(ب) إخفاء أو تمويه الطبيعة الحقيقية للممتلكات أو مصدرها أو مكانها أو كيفية التصرف فيها أو حركتها أو ملكيتها أو الحقوق المتعلقة بها، مع العلم بأن تلك الممتلكات هي عائدات إجرامية.
(ج) اكتساب الممتلكات أو حيازتها أو استخدامها مع العلم، وقت استلامها، بأنها عائدات إجرامية.
- إعاقة سير العدالة، ويتحقق ذلك عند:
(أ) استخدام القوة البدنية أو التهديد أو الترهيب أو الوعد بمزية غير مستحقة أو عرضها أو منحها للتحريض على الإدلاء بشهادة زور أو للتدخل في الإدلاء بالشهادة أو تقديم الأدلة في إجراءات تتعلق بارتكاب أفعال مجرّمة وفقًا لهذه الاتفاقية.
(ب) استخدام القوة البدنية أو التهديد أو الترهيب للتدخل في ممارسة أي موظف قضائي أو معني بإنفاذ القانون مهامه الرسمية فيما يتعلق بارتكاب أفعال مجرّمة وفقًا لهذه الاتفاقية، وذلك دون الإخلال بحق كل دولة في أن تكون لديها تشريعات تحمي فئات أخرى من الموظفين العموميين.
ثانياً: الهيئة العامة لمكافحة الفساد، حصانة ونزاهة العاملين فيها
التزاماً بأحكام الفصل الثاني من الاتفاقية التي نصت على بعض التدابير التي اسمتها "وقائية"، والتي يفترض بالدول الأعضاء اتخاذها وفقاً لتشريعاتها الداخلية، نصت المادة (4) من القانون على تنشأ هيئة عامة مستقلة ذات شخصية اعتبارية تسمى (الهيئة العامة لمكافحة الفساد)، وأثير النقاش حول أهمية تبعيتها إلى مجلس الوزراء، أو لوزارة العدل، وكان لكل حججه في هذا النطاق، إذ اعتبر البعض أن تبعيتها لمجلس الوزراء سوف تعطيها قوة معنوية كونها تمارس أعمالها تحت رعاية قمة هرم السلطة التنفيذية، إلا أن البعض الأخر رفض هذا الطرح واتجه إلى المضمون العلمي والتقني لأحكام القانون. وفي نهاية المطاف غلب الرأي الثاني وحسم مبدأ تبعيتها لوزارة العدل على سند من القول أن عمل الهيئة والجهاز المتعلق بالكشف عن الذمة المالية يرتبط ارتباطاً مباشراً باختصاصات الوزارة وعمل الهيئات والأجهزة القضائية التي تسهر على حسن سيرها الوزارة المذكورة.
وقد نص القانون على أن تتولى الهيئة إعداد وتنفيذ السياسات العامة الهادفة إلى مكافحة الفساد ووضع الآليات والخطط والبرامج التنفيذية اللازمة لذلك ومتابعة تنفيذها مع الجهات المعنية والمختصة، ولها على وجه الخصوص ما يلي:
1) التحري عن كافة أوجه الفساد وجمع الأدلة عنها.
2) تلقى التقارير والشكاوى بخصوص جرائم الفساد المقدمة إليها ودراستها.
3) إحالة الوقائع التي تنطوي على شبهة جرائم فساد إلى الجهات القضائية المختصة.
4) التنسيق مع الجهات المختصة والمعنية قانونا نحو اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لإلغاء أو فسخ أي عقد تكون الدولة طرفا فيه أو سحب امتياز أو غير ذلك من الارتباطات إذا تبين أنها قد أبرمت بالمخالفة لأحكام القوانين النافذة ، أو يجري تنفيذها بالمخالفة للعقد المبرم ، وتلحق ضرراً بالصالح العام .
5) دراسة وتقييم التشريعات والأدوات القانونية المتعلقة بمكافحة الفساد بشكل دوري لمعرفة مدى فعالياتها واقتراح مشروعات التعديلات لها لمواكبتها للاتفاقيات والمعاهدات التي صادقت عليها الكويت أو انضمت إليها ، وتطوير التدابير اللازمة للوقاية من الفساد وتحديث آليات ووسائل مكافحته بالتنسيق مع كافة أجهزة الدولة.
6) التنسيق والتعاون مع الدول والمنظمات الإقليمية والدولية ذات الصلة بمكافحة الفساد والمشاركة في البرامج الهادفة إلى منع الفساد.
7) تمثيل الكويت في المؤتمرات والمحافل الإقليمية والدولية المتعلقة بمكافحة الفساد.
8) اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لإسترداد الأموال والعائدات الناتجة عن جرائم الفساد بالتنسيق مع الجهات المختصة.
9) التنسيق مع وسائل الإعلام لتوعية المجتمع وتبصيره مخاطر الفساد وآثاره وكيفية الوقاية منه ومكافحته.
10) اتخاذ التدابير الكفيلة بمشاركة منظمات المجتمع المدني في التعريف بمخاطر الفساد وآثاره على المجتمع وتوسيع دور المجتمع في الأنشطة المناهضة للفساد ومكافحته.
11) دراسة وتقييم التقارير الصادرة عن المنظمات المحلية والإقليمية والدولية المتعلقة بمكافحة الفساد والإطلاع على وضع الكويت فيها واتخاذ الإجراءات المناسبة حيالها.
12) جمع المعلومات المتعلقة بكافة صور وأشكال الفساد والعمل على إيجاد قواعد بيانات وأنظمة معلومات وتبادل المعلومات مع الجهات والمنظمات المعنية في قضايا الفساد في الداخل والخارج وفقاً للتشريعات النافذة.
13) رفع تقرير سنوي إلى مجلس الوزراء وإلى مجلس الأمة يتضمن ما قامت به الهيئة من مهام وأعمال خلال مدة التقرير ، والنشاطات ذات الصلة بالوقاية من الفساد ومكافحته والعوائق والنواقص والتوصيات المقترحة.
14) نشر ملخص الأحكام الباتة ، الصادرة في جرائم الفساد وفقاً لما تحدده اللائحة التنفيذية.
15) أي مهام واختصاصات أخرى تناط بها وفقا للقانون.
وبذلك يكون القانون قد انسجم مع متطلبات المادة (6) من الاتفاقية، التي نصت على أن تكفل كل دولة طرف، وفقًا للمبادئ الأساسية لنظامها القانوني، وجود هيئة أو هيئات، حسب الاقتضاء، تتولى منع الفساد، بوسائل مثل: تنفيذ السياسات المشار إليها في المادة (5) من نفس الاتفاقية ، والإشراف على تنفيذ تلك السياسات وتنسيقه، عند الاقتضاء.بالاضافة الى زيادة المعارف المتعلقة بمنع الفساد وتعميمها.
وقد يعاب على القانون عدم التزامه بكافة متطلبات المادة (6) من الاتفاقية، حيث فرضت أحكام هذه المادة أن تنظر كل دولة طرف أيضًا في اعتماد تدابير تشريعية وإدارية مناسبة لما يلي :
- وضع معايير تتعلق بالترشيح للمناصب العمومية وانتخاب شاغليها.
- تعزيز الشفافية في تمويل الترشيحات لانتخاب شاغلي المناصب العمومية وفي تمويل الأحزاب السياسية، حيثما انطبق الحال.
- اعتماد وترسيخ وتدعيم نظم تعزز الشفافية وتمنع تضارب المصالح.
إلا أن الرد على هذا النقد المفترض للقانون يستخرج من نص المادة (6) نفسها، حيث اشترطت أحكامها أن تكون التدابير المتخذة في الدول ((بما يتوافق مع أهداف هذه الاتفاقية ووفقًا للمبادئ الأساسية لقانونها الداخلي))، وبالتالي فان هذه التدابير المغفلة لا تتلاقى مع المبادئ والنظم القانونية الكويتية حيث لا يعرف نظام الموظفين العامين في دولة الكويت مبدأ الانتخاب لشغل المناصب، ولا يتصور انسجام ذلك مع القواعد السارية في هذا الشأن، خاصة أنه، وبمجرد انضمامها إلى الاتفاقية، تلتزم دولة الكويت، بالأحكام التي تؤكد على مسلكها المفترض باختيار الموظف المناسب للمنصب المناسب، وذلك وفق الأسس والقواعد القانونية السليمة التي تكفل الحيادية والشفافية في حسن الاختيار. وذلك انسجاماً مع ما نصت عليه المادة (7) من الاتفاقية التي تفترض أن تسعى كل دولة طرف، إلى اعتماد وتدعيم نظم، لتوظيف المستخدمين المدنيين، وغيرهم من الموظفين العموميين غير المنتخبين عند الاقتضاء، واستخدامهم واستبقائهم وترقيتهم وإحالتهم على التقاعد، بحيادية وشفافية ومساواة...من جانب آخر، فإن الأحزاب غير مشرعة قانوناً – على الأقل إلى حينه- في دولة الكويت، وبالتالي لا جدوى للبحث في آلية تمويلها من عدمه.
كما أن الحكومة والمشرع الكويتيين يعملان في كافة المجالات والمناسبات على اعتماد وترسيخ وتدعيم نظم تعزز الشفافية وتمنع تضارب المصالح، ومثال على ذلك الأزمة التي عصفت بهيئة أسواق المال بانهاء خدمات ثلاثة من اعضاء مجلس المفوضين الذي يدير الهيئة، على سند من القول ممارستهم ومشاركتهم في أعمال وتصرفات تدخل بحكم القانون رقم (7) لسنة 2010 الذي انشأ الهيئة ضمن خانة تضارب المصالح، فوفق رأي ادارة الفتوى والتشريع بهذا الشان، ((يتعين اصدار مرسوم بإنهاء عضوية المفوضين الثلاثة اعمالا لحكم المادة «10» من قانون هيئة أسواق المال وتعيين أعضاء بدلا منهم باعتبار ان المفوضين الثلاثة خالفوا أحكام المواد «6» و«10» و«27» من القانون... وأشارت الفتوى والتشريع الى ان الأعضاء الثلاثة الذين هم من وضع اللائحة التنفيذية وبالتالي فانهم على علم بحظر ممارسة العمل التجاري أو أي وظيفة أو مهنة أو عمل آخر في القطاع العام أو الخاص أو تقديم استشارات بشكل مباشر )).
كما عاب البعض على القانون أنه لم يفصّل بشكل دقيق بعض الأحكام التي تعطي الهيئة ومسؤوليها والعاملين فيها، الحصانة اللازمة في ممارسة أعمالهم بعيداً عن أي تاثير او ضغط أو تهديد معنوي خارجي، رغم ان استقلالية الهيئة هي مطلب أساسي للاتفاقية حيث نصت على أن تقوم كل دولة طرف، وفقًا للمبادئ الأساسية لنظامها القانوني، بمنح الهيئة ما يلزم من الاستقلالية، لتمكينها من الاضطلاع بوظائفها بصورة فعالة وبمنأى عن أي تأثير لا مسوغ له .
وعلى الرغم من صوابية الطرح في خلو القانون من بعض الأحكام التي تعزز حصانة الهيئة والعاملين فيها ، إلا انه يمكن التخفيف من وطأة هذا النقد بنص المادة (13) من القانون التي حرصت على أن ((تؤدي الهيئة مهامها واختصاصاتها باستقلالية وحيادية كاملة وفقا لأحكام هذا القانون، ولا يجوز لأي شخص أو جهة التدخل في شؤونها بأي صورة كانت)). كما قد يخفف أيضاً من حدة هذا النقد ما نص عليه القانون بشأن ما يمكن ان نسميه بالحصانة الأخلاقية للقائمين على عمل الهيئة التي يديرها وفق نص المادة (6) مجلس أمناء يتكون من سبعة أعضاء ممن تتوافر فيهم الخبرة والنزاهة والكفاءة من بينهم رئيس بدرجة وزير ونائب رئيس متفرغين للعمل في الهيئة. وقد نص القانون على أن يؤدي الرئيس، قبل مباشرة مهامه اليمين القانونية أمام الأمير كما يؤدي نائب الرئيس وأعضاء المجلس وشاغلي الوظائف في الهيئة الذين تحددهم اللائحة التنفيذية ذات القسم أمام الرئيس. ولعل حين يقسم الموظف المعني أن يكون مخلصاً للوطن والأمير وأن يحترم الدستور وقوانين الدولة، وأن يؤدي أعماله بالأمانة والصدق، ما يلزمه –على الأقل معنوياً وأخلاقياً- بحصانة واستقلالية منشودين في ممارسة أعماله.
كما لم يغفل القانون النص على بعض المتطلبات الضرورية لضمان نزاهة وحسن سير عضو مجلس الأمناء، على الأقل من حيث المبدأ، فاشترط به:
أ‌- أن يكون حسن السيرة والسلوك والسمعة.
ب‌- ألا يقل عمره عن أربعين عاماً.
ت‌- أن يكون حاصلاً على مؤهل جامعي على الأقل.
ث‌- ألا يكون قد صدر بحقه حكم قضائي بات في قضية من قضايا الفساد أو في قضية مخلة بالشرف أو بالأمانة.
وتأتي هذه المتطلبات التي يمكن أن نصفها "بالمتطلبات الأخلاقية" لتجاري في المفهوم النظري على الأقل ما يتولاه مجلس الأمناء من مهام وصلاحيات مهمة في مجال رسم السياسة العامة لمكافحة الفساد بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة ووضع الخطط والبرامج اللازمة لتنفيذها .
وفي نفس إطار الحرص على نزاهة وكفاءة الجهاز الاداري للهيئة، نصت المادة (11) من القانون على أن تختار الهيئة كادرها الإداري والفني من ذوي الخبرة والكفاءة والنزاهة والتخصصات العلمية وبشفافية وفقا للمعايير التي تحددها اللائحة التنفيذية. وقد حظرت المادة (14) من القانون على أعضاء مجلس الأمناء وعلى العاملين بالهيئة ((إفشاء أي سر أو معلومات أو بيانات وصلت إلى علمهم بسبب أدائهم لمهامهم ويظل هذا الحظر بعد انتهاء الخدمة)). إضافة إلى ذلك أكدت المادة (27) من نفس القانون على أن ((تعتبر المراسلات والمعلومات والبلاغات المتصلة بجرائم الفساد وما يجري في شأنها من فحص أو تحقيق من الأسرار التي يجب المحافظة عليها ويجب على كل من له علاقة بتنفيذ هذا القانون عدم إفشائها إلا وفق القانون))، ورتبت المادة (39) على من يخالف هذا الحظر عقوبة جزائية تتماثل مع العقوبة التي تترتب على جريمة إعاقة عمل الهيئة أو الضغط عليها لعرقلة أدائها لواجباتها أو التدخل في اختصاصاتها أو الامتناع عن تزويدها بالمعلومات المطلوبة والمنصوص عليها في هذا القانون، وقد نص في هذا الشأن على ((الحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على ألف دينار ولا تقل عن مائتي دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين)). ويعاب على هذه العقوبة عدم شدتها بالنسبة للجرمين المشار إليهما، فقد يكون في عرقلة عمل الهيئة وبكشف أسرار عملها، خطورة وتستر على المجرمين بشكل أكبر وأخطر من جرم الفساد نفسه
ومن ضمن منطق الحيادية المفترضة في موظفي الهيئة والمتعاملين معها من مستشارين وخبراء، نص القانون على أن يكون للهيئة جهاز تنفيذي يتولى الشئون الفنية والإدارية والمالية، ويحظر على أي موظف أثناء توليه لعمله : تقاضي مقابل مادي أو عيني بشكل مباشر أو غير مباشر من أية جهة، والقيام بأي عمل تجاري عن نفسه أو بصفته وكيلا أو وليا أو وصيا عن غيره أو توكيل غيره في ذلك. كما يحظر عليه ممارسة أية وظيفة أو مهنة أو عمل آخر، بما في ذلك أن يشغل منصبا أو وظيفة في أية شركة، أو في الحكومة أو الهيئات والمؤسسات العامة أو الخاصة، كما يمنع عليه المشاركة في عضوية مجلس إدارة أو تقديم أي خدمة أو استشارة بشكل مباشر أو غير مباشر لأية جهة بمقابل أو غير مقابل.
وزيادة في الحرص، والتزاماً بأحكام الاتفاقية ، نص القانون على أن تصدر الهيئة لائحة للسلوك الوظيفي تضمن تجنب تضارب المصالح والممارسات الأخرى غير المرغوب فيها وتنظيم نشاطات أعضائها، والعاملين بها الحاليين والسابقين في المجالات الخاضعة للتنظيم وفقا لهذا القانون. وفي نطاق تضارب المصالح، وجد البعض أن مشروع القانون قد استبعد مكون أساسي من مكونات قوانين مكافحة الفساد لا غنى عنه، إذ لا يمكن تصور وجود قانون لمكافحة الفساد من دون أن يعالج موضوع تعارض المصالح، ويحدد حالاته، وكيفية الإفصاح عند توافر حالة من حالات تعارض المصالح، اضافة الى فرض عقوبات رادعة للحد من هذه الجريمة. الا أنه وعلى الرغم من صوابية هذا الطرح النظرية، فانها من الصعوبة بمكان عملياً حيث لا يفضل تحديد حالات تضارب المصالح في قانون من الصعب تعديله كلما دعت الحاجة وطرأ مضهراً من مظاهر تضارب المصالح غير المعروفة من قبل، ولعل في الاحالة الى لوائح السلوك الوظيفي ما يخفف من هذا النقص التشريعي المفترض.
وكما سبق القول تلتزم دولة الكويت، ومجرد انضمامها إلى الاتفاقية، بواجب اختيار الموظف المناسب للمنصب المناسب، بما فيهم الموظفين في الهيئة، وذلك وفق الأسس والقواعد القانونية السليمة التي تكفل الحيادية والشفافية في حسن الاختيار. وفي هذا الاطار نصت المادة (7) من الاتفاقية على أن تسعى كل دولة طرف، حيثما اقتضى الأمر ووفقًا للمبادئ الأساسية لنظامها القانوني، إلى اعتماد وتدعيم نظم، لتوظيف المستخدمين المدنيين، وغيرهم من الموظفين العموميين غير المنتخبين عند الاقتضاء، واستخدامهم واستبقائهم وترقيتهم وإحالتهم على التقاعد، تتسم بأنها:
(أ) تقوم على مبادئ الكفاءة والشفافية والمعايير الموضوعية، مثل الجدارة والإنصاف والأهلية.
(ب) تشتمل على إجراءات مناسبة لاختيار وتدريب أفراد لتولي المناصب العمومية التي تعتبر عرضة للفساد بصفة خاصة وضمان تناوبهم على المناصب عند الاقتضاء.
(ج) تشجع على تقديم أجور كافية ووضع جداول أجور منصفة، مع مراعاة مستوى النمو الاقتصادي للدولة الطرف المعنية.
(د) تشجع على وضع برامج تعليمية وتدريبية لتمكين أولئك الموظفين من الوفاء بمتطلبات الأداء الصحيح والمشرّف والسليم للوظائف العمومية، وتوفر لهم التدريب المتخصص والمناسب من أجل إذكاء وعيهم بمخاطر الفساد الملازمة لأداء وظائفهم، ويجوز أن تشير هذه البرامج إلى مدونات أو معايير سلوكية في المجالات التي تنطبق عليها.
ثالثاً : التعاون المحلي مع الهيئة، إجراءاتها في التحقق من جرائم الفساد ومتابعتها
أنشأ القانون الهيئة العامة لمكافحة الفساد ولم يتركها في ممارسة مهامها كالجزيرة المنعزلة، بل ربط ممارستها لمهامها بببعض الاشارات الموجهة الى الجهات الحكومية والخاصة وعلى الأفراد في سبيل التعاون المحقق للمصلحة العامة، وقد نص القانون في هذا الإطار على أن تباشر الهيئة من تلقاء نفسها دراسة جرائم الفساد التي تصل إلى علمها، وخاصة تلك المنشورة في وسائل الإعلام، و يجب عليها فور علمها بوقوع إحدى جرائم الفساد القيام بجمع الاستدلالات بشأنها ولها في سبيل ذلك الإطلاع على السجلات والمستندات والوثائق المتعلقة بالجريمة محل العلم وكذلك طلب موافاتها بأي بيانات أو معلومات أو وثائق متعلقة بها ، ولها أن تقرر إحالتها إلى الجهات القضائية المختصة .وتقوم الهيئة بالتنسيق مع الجهات المختصة بتعقب وضبط وحجز واسترداد والتحفظ على الأموال والعائدات المتحصّلة من جرائم الفساد وفقا للأحكام والقواعد والإجراءات المقررة في القوانين النافذة والاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي صادقت عليها دولة الكويت أو انضمت إليها، ولا يتم استرداد الأموال والعائدات إلا بحكم قضائي نهائي. وفي سبيل ممارسة أعمالها ومهامها على الوجه المطلوب، سمح القانون للهيئة بمخاطبة واستدعاء المعنيين من الموظفين العموميين أو موظفي القطاع الخاص أو أي شخص له علاقة للاستفسار والتحري حول واقعة تتعلق بالفساد وفقاً للقوانين النافذة. كما أعطى القانون في المادة (25) منه لبعض موظفيها صفة الضبطية القضائية التي تخولهم القيام بالتفتيش بعد الحصول على إذن من الجهة المختصة وفقاً للإجراءات المقررة في قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية.
وفي المجمل، فان ما نص عليه القانون من آلية عمل وتعاون بين الهيئة وكافة الأجهزة الوطنية، القضائية، الحكومية، والإعلامية، إضافة إلى الأفراد، وما تقوم به الهيئة من تدابير من تلقاء نفسها في سبيل تحري ومتابعة جرائم الفساد، يلتقي بعموميته وتفصيله مع متطلبات الاتفاقية في هذا المجال، حيث نصت المادة (38) منها على عنوان ((التعاون بين السلطات الوطنية))، حيث يتطلب أن تتخذ كل دولة طرف، ما قد يلزم من تدابير لتشجيع التعاون بين سلطاتها العمومية، وكذلك موظفيها العموميين، من جانب، وسلطاتها المسؤولة عن التحقيق في الأفعال الإجرامية وملاحقة مرتكبيها، حيث يشمل ذلك التعاون المبادرة بإبلاغ السلطات الأخيرة، حيثما تكون هناك أسباب وجيهة للاعتقاد بأنه جرى ارتكاب أي من الأفعال المجرّمة، وتقديم جميع المعلومات الضرورية في هذا الشأن.
ودائماً في مجال التعاون بين الهيئة والجهات المحلية في شأن مكافحة الفساد المرتبط بالعقود الحكومية، نستذكر ما نصت عليه المادة (5) من القانون حيث نصت على أن تتولى الهيئة إعداد و تنفيذ السياسات العامة الهادفة إلى مكافحة الفساد ووضع الآليات والخطط والبرامج التنفيذية اللازمة لذلك ومتابعة تنفيذها مع الجهات المعنية والمختصة، ولها على وجه الخصوص التنسيق مع الجهات المختصة والمعنية قانونا نحو اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لإلغاء أو فسخ أي عقد تكون الدولة طرفا فيه أو سحب امتياز أو غير ذلك من الارتباطات إذا تبين أنها قد أبرمت بالمخالفة لأحكام القوانين النافذة ، أو يجري تنفيذها بالمخالفة للعقد المبرم ، وتلحق ضرراً بالصالح العام. وهذا ما ينسجم مع متطلبات المادة (34) من الاتفاقية التي تحمل عنوان(( عواقب أفعال الفساد))، حيث نصت على أنه ((مع إيلاء الاعتبار الواجب لما اكتسبته الأطراف الثالثة من حقوق بحسن نيّة، تتخذ كل دولة طرف، وفقًا للمبادئ الأساسية لقانونها الداخلي، تدابير تتناول عواقب الفساد. وفي هذا السياق، يجوز للدول الأطراف أن تعتبر الفساد عاملاً ذا أهمية في اتخاذ إجراءات قانونية لإلغاء أو فسخ عقد أو سحب امتياز أو غير ذلك من الصكوك المماثلة أو اتخاذ أي إجراء انتصافي آخر)).
وفي إطار تعاون الهيئة مع مكونات المجتمع الكويتي من قطاع خاص، ومواطنين وجمعيات أهلية ووسائل الإعلام، تنص المادة (5) المشار إليه على قيام الهيئة بالتنسيق مع وسائل الإعلام وبمشاركة منظمات المجتمع المدني في التعريف بمخاطر الفساد وآثاره لتوعية المجتمع وتبصيره مخاطر الفساد وآثاره وكيفية الوقاية منه، مع التركيز على دور المجتمع والإعلام في الأنشطة المناهضة للفساد ومكافحته. وتأتي هذه الاحكام في صلب ما نصت عليه المادة (13) من الاتفاقية، تحت عنوان "مشاركة المجتمع"، حيث يجب على الدول الأطراف أن تتخذ تدابير مناسبة تهدف الى تشجيع أفراد وجماعات لا ينتمون إلى القطاع العام، مثل المجتمع الأهلي والمنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المحلي، على المشاركة النشطة في منع الفساد ومحاربته، ولإذكاء وعي الناس فيما يتعلق بوجود الفساد وأسبابه وجسامته وما يمثله من خطر. الا ان الرهان يبقى على التدابير الفعلية التي يجب أن تتخذها دولة الكويت في هذا الاطار، بحيث لا يبقى التزامها القانوني والاتفاقي، حبراً على ورق. فالحكومة الكويتية كما مجلس الأمة وكافة أجهزة الادارة مدعوون للمشاركة الفعلية مع أجهزة الاعلام والمجتمع المدني لاتخاذ ما يلزم من تدابير لتعزيز الشفافية في عمليات اتخاذ القرار وتشجيع إسهام الناس فيها، وضمان تيسّر حصول الناس فعليًا على المعلومات، وذلك تحديداً من خلال القيام بأنشطة إعلامية تسهم في عدم التسامح مع الفساد، وكذلك برامج توعية عامة تشمل المناهج المدرسية والجامعية.
ويعاب على القانون انه لم ينص على مواد خاصة بمكافحة الفساد في القطاع الخاص، ولعله كان من المناسب الأخذ بالمبادئ العامة التي نصت عليها الاتفاقية في هذا الشأن، حيث حفزت المادة 0(12) منها،كل دولة طرف أن تتخذ تدابير لمنع ضلوع القطاع الخاص في الفساد، ولتعزيز معايير المحاسبة ومراجعة الحسابات في القطاع الخاص، وتفرض عند الاقتضاء عقوبات مدنية أو إدارية أو جنائية تكون فعّالة ومتناسبة ورادعة على عدم الامتثال لهذه التدابير. وفي هذا الصدد أغفل المشرع أيضاً ما نصت عليه الاتفاقية من تقرير مسؤولية الأشخاص الاعتباريين جنائياً، مدنياً أو إدارياً، وذلك دون المساس بالمسؤولية الجنائية للشخصيات الطبيعية التي ارتكبت الجرائم.
وقد نصت الاتفاقية على بعض التدابير الرامية إلى تحقيق هذه الغايات، من ذلك تعزيز التعاون بين أجهزة إنفاذ القانون وكيانات القطاع الخاص ذات الصلة، كما يشمل العمل على وضع معايير وإجراءات تستهدف صون نزاهة كيانات القطاع الخاص ذات الصلة، بما في ذلك وضع مدونات قواعد سلوك من أجل قيام المنشآت التجارية وجميع المهن ذات الصلة بممارسة أنشطتها على وجه صحيح ومشرف وسليم ومنع تضارب المصالح، ومن أجل ترويج استخدام الممارسات التجارية الحسنة بين المنشآت التجارية وفي العلاقات التعاقدية بين تلك المنشآت والدولة. ناهيك عن منع إساءة استخدام الإجراءات التي تنظم نشاط كيانات القطاع الخاص، بما في ذلك الإجراءات المتعلقة بالإعانات والرخص التي تمنحها السلطات العمومية للأنشطة التجارية. ويضاف الى ذلك منع تضارب المصالح بفرض قيود، حسب الاقتضاء ولفترة زمنية معقولة، على ممارسة الموظفين العموميين السابقين أنشطة مهنية، أو على عمل الموظفين العموميين في القطاع الخاص بعد استقالتهم أو تقاعدهم، عندما تكون لتلك الأنشطة أو ذلك العمل صلة مباشرة بالوظائف التي تولاها أولئك الموظفون العموميون أو أشرفوا عليها أثناء مدة خدمتهم.
كما حرصت الاتفاقية في مجال مكافحة الفساد في القطاع الخاص النص على واجب الدول بضمان أن تكون لدى منشآت القطاع الخاص، مع أخذ بنيتها وحجمها بعين الاعتبار، ضوابط كافية لمراجعة الحسابات داخليًا تساعد على منع أفعال الفساد وكشفها وضمان أن تكون حسابات منشآت القطاع الخاص هذه وبياناتها المالية اللازمة خاضعة لإجراءات مراجعة حسابات وتصديق ملائمة. مع التركيز في هذا الشأن على منع القيام بإنشاء حسابات خارج الدفاتر، أو إجراء معاملات دون تدوينها في الدفاتر أو دون تبيينها بصورة وافية، أو تسجيل نفقات وهمية، أو قيد التزامات مالية دون تبيين غرضها على الوجه الصحيح، أو استخدام مستندات زائفة، أو الإتلاف المتعمد لمستندات المحاسبة قبل الموعد الذي يفرضه القانون.
كما يعاب على القانون اغفاله النص على حرية تداول المعلومات، وهو ما جاء في المادة (10) من الاتفاقية تحت عنوان "إبلاغ الناس"، حيث فرضت الاتفاقية ان تتخذ كل دولة طرف، ومع مراعاة ضرورة مكافحة الفساد، ما قد يلزم من تدابير لتعزيز الشفافية في إدارتها العمومية، بما في ذلك ما يتعلق بكيفية تنظيمها واشتغالها وعمليات اتخاذ القرارات فيها، عند الاقتضاء، ولا سيما اعتماد إجراءات أو لوائح تمكّن عامة الناس من الحصول، عند الاقتضاء، على معلومات عن كيفية تنظيم إدارتها العمومية واشتغالها وعمليات اتخاذ القرارات فيها، وعن القرارات والصكوك القانونية التي تهم عامة الناس، مع إيلاء المراعاة الواجبة لصون حرمتهم وبياناتهم الشخصية. ومن ذلك ايضاً نشر معلومات يمكن أن تضم تقارير دورية عن مخاطر الفساد في إدارتها العمومية، وتبسيط الإجراءات الإدارية، عند الاقتضاء، من أجل تيسير وصول الناس إلى السلطات المختصة التي تتخذ القرارات.
رابعاً : حماية الشهود والمبلغين والخبراء.
وتحت عنوان التعاون المحلي، نص مشروع القانون على إلزام كل من علم بوقوع جريمة من جرائم الفساد الإبلاغ عنها للهيئة أو الجهة المختصة مع تقديم ما لديه من معلومات حولها لتتولى دراستها للتأكد من صحتها واتخاذ الإجراءات القانونية بشأنها، الا أنه وبالمقابل تكفل الهيئة بموجب نص المادة (19) للشهود والخبراء والمبلغين عن جرائم الفساد توفير الحماية اللازمة بالتنسيق مع الجهات المختصة وفقاً للقوانين المعمول بها. الا أن القانون قد اقتصر النص على حماية الخبراء والشهود والمبلغين ذاتهم، وأغفل حماية أسرهم وأقاربهم والاشخاص ذوات الصلى الوثقى معهم، الذين قد يشكلوا مركز الضعف الاساسي للتأثير والضغط عليهم فيما خص اجراءات التحقق من جريمة الفساد.
وهذا ما لا يتطابق مع ما نصت عليه المادة (32) من الاتفاقية المخصصة لنفس الشأن، والتي تفرض احكامها أن تتخذ كل دولة طرف تدابير مناسبة وفقًا لنظامها القانوني الداخلي، وضمن حدود إمكانياتها، لتوفير حماية فعّالة للشهود والخبراء الذين يُدْلون بشهادة تتعلق بأفعال مجرّمة وفقًا لهذه الاتفاقية وكذلك لأقاربهم وسائر الأشخاص الوثيقي الصلة بهم عند الاقتضاء من أي انتقام أو ترهيب محتمل. بحيث تشمل هذه التدابير على سبيل المثال، إرساء إجراءات لتوفير الحماية الجسدية لأولئك الأشخاص، كالقيام مثلاً، بالقدر اللازم والممكن عمليًا، بتغيير أماكن إقامتهم والسماح عند الاقتضاء، بعدم إفشاء المعلومات المتعلقة بهويتهم وأماكن تواجدهم أو بفرض قيود على إفشائها. كما تشمل تلك التدابير توفير قواعد خاصة بالأدلة تتيح للشهود والخبراء أن يدلوا بأقوالهم على نحو يكفل سلامة أولئك الأشخاص، كالسماح مثلاً بالإدلاء بالشهادة باستخدام تكنولوجيا الاتصالات، مثل وصلات الفيديو أو غيرها من الوسائل الملائمة. وفي هذا الاطار نصت الاتفاقية على تنظر الدول الأطراف في إبرام اتفاقات أو ترتيبات مع دول أخرى بشأن تغيير أماكن إقامة الشهود والخبراء.
من جانب آخر، وفيما خص حماية المبلّغين، نصت المادة (33) من الاتفاقية على أن تنظر كل دولة طرف في أن تدخل في صلب نظامها القانوني الداخلي تدابير مناسبة لتوفير الحماية من أي معاملة لا مسوّغ لها لأي شخص يقوم، بحسن نيّة ولأسباب وجيهة، بإبلاغ السلطات المختصة بأي وقائع تتعلق بأفعال مجرّمة وفقًا لهذه الاتفاقية.
وليس بعيداً عن ذلك انسجمت مادة (40) من القانون مع ما فرضته احكام المادة (37) من الاتفاقية، حيث نص القانون على أنه ((يعفى من العقاب كل من بادر من الجناة بإبلاغ الهيئة أو جهة التحقيق بوجود اتفاق جنائي لارتكاب إحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون وبمن اشتركوا فيه قبل البدء في تنفيذها، ويجوز للمحكمة الإعفاء من العقوبة إذا حصل البلاغ بعد إتمام الجريمة وقبل البدء في التحقيق، كما يجوز لها ذلك إذا مكن الجاني – في التحقيق السلطات من القبض على مرتكبي الجريمة الآخرين أو ضبط الأموال موضوع الجريمة أو على مرتكبي جريمة أخرى مماثلة لها في النوع والخطورة)). وهذا ما يتلاقى مع ما نصت عليه الاتفاقية في المادة المذكورة، حيث فرضت أن تتخذ كل دولة طرف تدابير مناسبة- بما في ذلك تخفيض العقوبة ومنح الحصانة من الملاحقة القضائية - لتشجيع الأشخاص الذين يشاركون أو شاركوا في ارتكاب فعل مجرّم وفقًا لهذه الاتفاقية على تقديم معلومات مفيدة إلى السلطات المختصة لأغراض التحقيق والإثبات، وعلى توفير مساعدة فعلية محددة للسلطات المختصة يمكن أن تسهم في حرمان الجناة من عائدات الجريمة واسترداد تلك العائدات.
خامساً: التعاون الدولي
اكتفى القانون بشأن "التعاون الدولي" بنص المادة (20) حيث جاءت بحكم عام، هو من بديهيات العمل الدستوري والقانوني، حيث تلتزم دولة الكويت بحكم نظامها القانوني بكافة الاتفاقيات الدولية التي تعقدها وتصدق عليها، وقد جاء في المادة المذكورة ما يكرر هذا الامر من خلال النص على أن ((يطبق بشأن التعاون الدولي في مجال مكافحة الفساد الأحكام الواردة في الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ذات العلاقة التي صادقت عليها دولة الكويت أو انضمت إليها)).
الا أن التعاون الدولي ظهر اضافة الى ذلك ، بصور أخرى مباشرة او غير مباشرة، في بعض البنود المتفرقة في القانون، حيث نصت المادة (5) من القانون على أن تتولى الهيئة إعداد و تنفيذ السياسات العامة الهادفة إلى مكافحة الفساد ووضع الآليات والخطط والبرامج التنفيذية اللازمة لذلك، ولها على وجه الخصوص التنسيق والتعاون مع الدول والمنظمات الإقليمية والدولية ذات الصلة بمكافحة الفساد والمشاركة في البرامج الهادفة إلى منع الفساد، وتمثيل الكويت في المؤتمرات والمحافل الإقليمية والدولية المتعلقة بمكافحة الفساد. كما تقوم الهيئة دراسة وتقييم التشريعات والأدوات القانونية المتعلقة بمكافحة الفساد بشكل دوري لمعرفة مدى فعالياتها واقتراح مشروعات التعديلات لها لمواكبتها للاتفاقيات والمعاهدات التي صادقت عليها الكويت أو انضمت إليها، وتطوير التدابير اللازمة للوقاية من الفساد وتحديث آليات ووسائل مكافحته بالتنسيق مع كافة أجهزة الدولة.
وعلى الرغم من اقتصار عنوان التعاون الدولي على بعض الأحكام العامة والقليلة، وذلك على عكس الاحكام التفصيلية التي جاءت بها الاتفاقية تحت عنوان خاص بهذا الشان، فإن الأمر قد يكون مبرراً لسببين رئيسيين:
- السبب الاول يعود الى أنه بمجرد انضمام دولة الكويت الى الاتفاقية، فانها تصبح ملزمة بجميع ما ورد في احكامها، ما عدا المتحفظ عليه من قبلها، وبالتالي فان جميع ما ورد في الفصل الرابع من الاتفاقية المخصص للتعاون الدولي، على اختلاف صوره، هو ملزم لدولة الكويت، وليس شرطاً أن ينص على كافة التدابير في هذا الشأن بقانون مكافحة الفساد نفسه.
- السبب الثاني يعود الى أن كثيراً مما نصت عليه الاتفاقية في فصلها الرابع وغير ذلك من صور تعاون بين الدول الأطراف، تأخذ به الكويت في أكثر من اتفاقية تعاون ثنائية ودولية... سواء في مجال التعاون المشترك في تعقب الجرائم وازدواجية التجريم، او تسليم المجرمين، و ما يتعدى ذلك الى التزام الكويت بارتباطاتها الدولية والأ ممية تحت راية هيئة الأمم المتحدة والوكالات والاجهزة المنبثقة عنها.
وقد يكون مفيداً في هذا الاطار، القاء الضوء على بعض ما جاءت به الاتفاقية من احكام تتعلق بالتعاون الدولي، حيث نصت المادة (43) منها على ان تتعاون الدول الأطراف في المسائل الجنائية. وتنظر الدول الأطراف، حيثما كان ذلك مناسبًا ومتسقًا مع نظامها القانوني الداخلي، في مساعدة بعضها البعض، في التحقيقات والإجراءات الخاصة بالمسائل المدنية والإدارية ذات الصلة بالفساد. وفي مسائل التعاون الدولي، كلما اشترط توافر ازدواجية التجريم وجب اعتبار ذلك الشرط مستوفى بصرف النظر عما إذا كانت قوانين الدولة الطرف متلقية الطلب تدرج الجرم المعني ضمن نفس فئة الجرائم التي تدرجه فيها الدولة الطرف الطالبة أو تستخدم في تسميته نفس المصطلح الذي تستخدمه الدولة الطرف الطالبة، إذا كان السلوك الذي يقوم عليه الجرم الذي تُلتمس بشأنه المساعدة يعتبر فعلاً إجراميًا في قوانين كلتا الدولتين الطرفين.
وفي مجال تسليم المجرمين، نصت المادة (44) من الاتفاقية على أن تنطبق هذه المادة على الأفعال المجرّمة وفقًا لهذه الاتفاقية عندما يكون الشخص موضوع طلب التسليم موجودًا في إقليم الدولة الطرف متلقية الطلب، شريطة أن يكون الجرم الذي يُلتمس بشأنه التسليم جرمًا خاضعًا للعقاب بمقتضى القانون الداخلي لكل من الدولة الطرف الطالبة والدولة الطرف متلقية الطلب. الا انه على الرغم من ذلك، يجوز للدولة الطرف التي يسمح قانونها بذلك أن توافق على طلب تسليم شخص ما بسبب أي من الجرائم المشمولة بهذه الاتفاقية والتي لا يعاقب عليها بموجب قانونها الداخلي.
ومن ابرز ما جاءت به المادة (44)، أنه إذا شمل طلب التسليم عدة جرائم منفصلة يكون جرم واحد منها على الأقل خاضعًا للتسليم بمقتضى هذه المادة ويكون بعضها غير خاضع للتسليم بسبب مدة الحبس المفروضة عليها ولكن لها صلة بأفعال مجرّمة وفقًا لهذه الاتفاقية، جاز للدولة الطرف متلقية الطلب أن تطبق هذه المادة أيضًا فيما يخص تلك الجرائم. وإذا تلقت دولة طرف، تجعل تسليم المجرمين مشروطًا بوجود معاهدة، طلب تسليم من دولة طرف أخرى لا ترتبط معها بمعاهدة تسليم، جاز لها أن تعتبر هذه الاتفاقية الأساس القانوني للتسليم فيما يخص أي جرم تنطبق عليه هذه المادة. كما تسعى الدول الأطراف، رهنًا بقوانينها الداخلية، إلى التعجيل بإجراءات التسليم وتبسيط ما يتصل بها من متطلبات إثباتية فيما يخص أي جُرم تنطبق عليه هذه المادة.و إذا لم تقم الدولة الطرف التي يوجد الجاني المزعوم في إقليمها بتسليم ذلك الشخص فيما يتعلق بُجرم تنطبق عليه هذه المادة لمجرد كونه أحد مواطنيها، وجب عليها القيام، بناءً على طلب الدولة الطرف التي تطلب التسليم، بإحالة القضية دون إبطاء لا مسوّغ له إلى سلطاتها المختصة بقصد الملاحقة، وتتخذ تلك السلطات قرارها وتتخذ ذات الإجراءات التي تتخذها في حالة أي جرم آخر يعتبر خطيرًا بموجب القانون الداخلي لتلك الدولة الطرف، وتتعاون الدول الأطراف المعنية، خصوصًا في الجوانب الإجرائية والإثباتية، ضمانًا لفعالية تلك الملاحقة.
كما تضمنت المادة (44) سالفة الذكر، عدة احكام تتعلق بتسليم المجرمين شملت تنظيم عدة مسائل خاصة برفض التسليم، والمعاملة المنصفة بما في ذلك التمتع بجميع الحقوق والضمانات التي ينص عليها القانون الداخلي للدولة الطرف التي يوجد ذلك الشخص في إقليمه، كما اشتملت المادة على احكام خاصة بعدم جواز تفسير أي حكم في هذه الاتفاقية على أنه يفرض التزامًا بالتسليم إذا كان لدى الدولة الطرف متلقية الطلب أسباب وجيهة لاعتقاد أن الطلب قدّم لغرض ملاحقة أو معاقبة شخص بسبب جنسه أو عرقه أو ديانته أو جنسيته أو أصله الإثني أو آرائه السياسية، أو أن الامتثال للطلب سيلحق ضررًا بوضعية ذلك الشخص لأي سبب من هذه الأسباب. وفي جميع الأحوال فرضت الاتفاقية على الدول الأطراف السعي إلى إبرام اتفاقات أو ترتيبات ثنائية ومتعددة الأطراف لتنفيذ التسليم أو لتعزيز فاعليته.
ومن جهة أخرى، تضمنت المادة (45) من الاتفاقية احكاماً خاصة بنقل الأشخاص المحكوم عليهم، حيث نصت على أنه يجوز للدول الأطراف أن تنظر في إبرام اتفاقات أو ترتيبات ثنائية أو متعددة الأطراف بشأن نقل الأشخاص الذين يحكم عليهم بعقوبة الحبس أو بأشكال أخرى من الحرمان من الحرية، لارتكابهم أفعالاً مجرّمة وفقًا لهذه الاتفاقية، إلى إقليمها لكي يكمل أولئك الأشخاص مدة عقوبتهم هناك. وحثت المادة (46) على المساعدة القانونية المتبادلة بين الدول، بهدف تحقيق بعض الأغراض الخاصة بهذا الشأن ، بحيث يجوز، وفق هذه المادة، نقل أي شخص محتجز أو يقضي عقوبته في إقليم دولة طرف ويُطلب وجوده في دولة طرف أخرى لأغراض التعرف أو الإدلاء بشهادة أو تقديم مساعدة أخرى في الحصول على أدلة من أجل تحقيقات أو ملاحقات أو إجراءات قضائية تتعلق بجرائم مشمولة بهذه الاتفاقية، شرط موافقة ذلك الشخص بحرّية وعن علم واتفاق السلطات المعنية في الدولتين الطرفين، رهنًا بما قد تراه هاتان الدولتان الطرفان مناسبًا من شروط. وفي جميع الأحوال لا يجوز أن يُلاحَق الشخص الذي يُنقل، أيًا كانت جنسيته أو يُحتجز أو يُعاقَب أو تُفرض أي قيود أخرى على حريته الشخصية في إقليم الدولة التي ينقل إليها، بسبب فعل أو إغفال أو حكم إدانة سابق لمغادرته إقليم الدولة التي نقل منها، ما لم توافق على ذلك الدولة الطرف التي نقل منها.
كما تضمنت الاتفاقية العديد من الأحكام الخاصة بالتعاون الدولي ومن ذلك: ننظر الدول في نقل إجراءات الملاحقة المتعلقة بفعل مجرّم وفقًا لهذه الاتفاقية إلى بعضها البعض بهدف تركيز تلك الملاحقة، ومن ذلك ايضاً : تبادل المعلومات وتعزيز قنوات الاتصال بين سلطاتها وأجهزتها ودوائرها المعنية والتعاون في التحقيق المشترك والتحريات بشأن هوية الأشخاص المشتبه وأماكن الأشخاص المعنيين الآخرين، حركة العائدات الإجرامية أو الممتلكات المتأتية من ارتكاب تلك الجرائم، حركة الممتلكات أو المعدات أو الأدوات الأخرى المستخدمة ...ومن ذلك سعي الدول الأطراف إلى التعاون، ضمن حدود إمكانياتها، على التصدي للجرائم التي ترتكب باستخدام التكنولوجيا الحديثة... الخ.
سادساً : الكشف عن الذمة المالية
وفي موضوع الكشف عن الذمة المالية، أفرد مشروع القانون أحكام باب خاص بهذا الشأن، فوسّع نطاق تطبيقه على شريحة كبيرة من أصحاب القرار السياسي والإداري والمالي، حيث نصت المادة (29) منه على أن تسرى أحكام هذا الباب على الفئات التالية :
1) رئيس ونائب رئيس وأعضاء المجالس والهيئات واللجان التي يصدر بتشكيلها وتعيين أعضائها مرسوم.
2) من يشغل وظيفة بدرجة وزير.
3) رجال القضاء والنيابة العامة وأعضاء إدارة الفتوى والتشريع وأعضاء الإدارة العامة للتحقيقات وأعضاء الإدارة القانونية في بلدية الكويت.
4) أعضاء السلكين الدبلوماسي والقنصلي .
5) شاغلو الوظائف القيادية وتشمل الوظائف من الدرجة الممتازة ووظائف الوكلاء والوكلاء المساعدين في الوزارات والإدارات الحكومية ومن في مستواهم في الجهات ذا ت الميزانيات الملحقة والمستقلة وديوان المحاسبة .
6) الموظفون المدنيون والعسكريون الذين لهم شأن في عقود المقاولات أو التوريدات أو الأشغال العامة المتعلقة بالدولة أو الهيئات أو المؤسسات العامة أو الشركات والمنشآت التي تساهم فيها الدولة بنسبة لا تقل عن 25% من رأسمالها.
7) الأعضاء الذين تعيينهم الحكومة في إدارات الشركات المساهمة التي تساهم فيها الدولة بأي نسبة كانت وسائر أعضاء مجالس الإدارة الآخرين التي تملك الحكومة أكثر من نصف رأسمالها.
من أبرز الملاحظات التي تخفف من أهمية تشريع الكشف عن الذمة المالية، ان القانون وعلى الرغم من توسيعه لمروحة المكلفين بالكشف عن ذممهم المالية، قد حصر الاقرار بشخصهم وأولادهم القصر، وفي هذا الأمر ما يفسح المجال واسعاً أمام إمكانية التحايل من خلال اخفاء الكسب غير المشروع المفترض في حسابات الزوجة أو باقي الاولاد البالغين.
وقد فرض القانون على كل من الأشخاص المشمولين بأحكام الباب الخاص بالكشف عن الذمة المالية، أن يقدم إقرارا يتضمن جميع عناصر ذمته المالية وقت تقديمه، وذلك خلال تسعين يوما من تاريخ تعيينه وخلال ذات المدة من تاريخ تركه لمنصبه، ويقدم الإقرار كذلك كل خمس سنوات ما بقي الشخص في منصبه أو عضويته وذلك خلال ثلاثين يوما من تاريخ انقضاء هذه المدة . وقد نص على أن تبدأ مدة تقديم الإقرار بالنسبة لمن هم في وظائفهم من تاريخ نفاذ القانون.
من جانب آخر، أوكل القانون مهمة فحص إقرارات الذمة المالية لجهاز يرأسه أحد وكلاء محكمة التمييز، ويتألف من لجنة أو أكثر تشكل كل منها برئاسة أحد وكلاء محكمة التمييز أو أحد وكلاء محكمة الاستئناف، ويعاونهم عدد كاف من رجال القضاء ممن لا تقل درجاتهم عن وكيل محكمة يتم ندبهم بقرار من وزير العدل بعد موافقة المجلس الأعلى للقضاء، بحث يكون للجهاز عدد كاف من الموظفين للقيام بالأعمال الإدارية والكتابية، يندبون لهذا الغرض. وتتولى اللجان المشار إليها فحص إقرارات الذمة المالية ولها في سبيل ذلك أن تطلب من الجهات المختصة التحري عن عناصر الذمة المالية لمقدمي الإقرارات ولها أن يطلب من الجهات المعنية أية بيانات أو إيضاحات ولها عند الاقتضاء وبعد استئذان النيابة العامة طلب أية بيانات أو إيضاحات من البنوك، فإذا تبين من فحص عناصر الذمة المالية لأحد مقدمي الإقرار أن لديه زيادة في ذمته المالية أو لأولاده القصر لم يستطع تبريرها اعتبرت ناتجة عن كسب غير مشروع ويتم إحالة التقرير مشفوعا بنتيجة الفحص إلى النيابة العامة لاتخاذ ما يلزم بشأنه، حيث يصبح معرضاً إلى احتمالية معاقبته بالحبس مدة لا تزيد على سبع سنوات وبغرامة لا تزيد على سبعة آلاف دينار ولا تقل عن ألفين دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين. ناهيك على أن كل من هؤلاء الأشخاص ضمن إقرار الذمة المالية معلومات غير صحيحة مع علمه بذلك يتعرض لعقوبة الحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تزيد على ثلاثة آلاف دينار ولا تقل عن ألف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين.
من جانب آخر، وزيادة في تحصين العمل الإداري والنيابي من المتورطين في جرائم الفساد، رتب النص على حكم الإدانة في الجريمتين المشار إليهما حرمان المحكوم عليه من تولي الوظائف العامة أو الترشح لعضوية المجالس أو التعيين فيها مدة عشر سنوات ما لم يكن قد رد إليه اعتباره وفي جميع الأحوال يحكم برد ضعف مبالغ الكسب غير المشروع ومصادرتها.ويترتب على حكم الإدانة في الجريمتين المشار إليهما حرمان المحكوم عليه من تولى الوظائف العامة أو الترشح لعضوية أية هيئة نيابية مدة خمس سنوات ما لم يكن قد رد إليه اعتباره وفي جميع الأحوال يحكم برد ضعف مبالغ الكسب غير المشروع ومصادرتها. وقد انسجم القانون في هذا الإطار مع متطلبات البند رقم (5) من المادة رقم (52) التي نصت على بعض الإجراءات التي تؤدي إلى منع وكشف إحالة العائدات المتأتية من الجريمة، وقد جاء النص على تنظر كل دولة طرف في إنشاء نظم فعّالة لإقرار الذمة المالية، وفقًا لقانونها الداخلي، بشأن الموظفين العموميين المعنيين، وتنص على عقوبات ملائمة على عدم الامتثال.
وقد يكون البعض محقاً في اعتراضه على الفصل غير المبرر بين الجهاز الذي أوكل به فحص اقرارات الذمة المالية والهيئة العامة لمكافحة الفساد التي اصبحت بهذا الفصل، من غير صلاحيات رادعة في مجال جريمة الاثراء غير المشروع التي قد تنتج عن فحص الذمة المالية للمرتكب، وفي هذا الشأن يقول الدكتور فيصل عبد الوهاب الفهد ، انه على الرغم من أن هيئة مكافحة الفساد والكشف عن الذمة المالية قد ورد النص عليهما في مشروع القانون فانه يؤخذ عليه سلبه لأهم اختصاصات هيئة مكافحة الفساد المتمثلة بفحص إقرارات الذمة المالية والتحقق من سلامتها والتصرف بشأنها، إذ قصر عمل الهيئة على تلقي إقرارات الذمة المالية ومن ثم تحويلها إلى جهاز قضائي يقوم بإجراءات الفحص والتحقق، وبهذه الطريقة يكون المقترح الحكومي قد أعاق الهيئة عن ممارسة أهم دور من أدوارها في مكافحة الفساد، إذ ان كثيراً من جرائم الفساد تتكشف من خلال فحص إقرارات الذمة المالية، فضلاً عن أن هذه اللجان القضائية لا تستطيع لوحدها فحص هذه الإقرارات، وإنما تحتاج إلى جهاز مالي ومحاسبي وإداري يتولى التدقيق على هذه الإقرارات وفحصها والتحقق من سلامتها، وهو ما لا يتوافر في اللجان القضائية المقترح إنشاؤها، وإن كان مبرر الحكومة في أن يعهد في فحص إقرارات الذمة المالية لجهات قضائية هو الثقة المفترضة في القضاء، إلا أنه في المقابل يمس بشكل غير مباشر الثقة التي يجب أن تحظى بها هيئة مكافحة الفساد والتي تملك طبقاً للمشروع الحكومي التحقيق في جميع جرائم الفساد كبرت أم صغرت وأينما وجدت. كما أنه لا يوجد ما يمنع أن تعمل هذه اللجان القضائية تحت مظلة هيئة مكافحة الفساد بدلاً من إنشاء جهاز جديد يتولى هذه المهمة.
يأتي هذا الاعتراض من الفقه القانوني ليتلاقى مع تصريح أطلقه مجلس القضاء الاعلى في أول مناسبة دعي من خلالها أمام اللجنة التشريعية والقانونية في مجلس الأمة لمناقشته في مشروع القانون الحكومي، حيث تناقلت وسائل الاعلام خبراً مفاده ان المجلس المذكور أبلغ اللجنة رفض ((تفويضها له بفحص الذمة المالية، كما أبلغها كذلك اعتراضه على المشاركة في عضوية هيئة مكافحة الفساد... وبرر المجلس هذا الاعتراض، برغبته في النأي برجال القضاء عن هذا الموضوع، فضلا عن عدم وجود العدد الكافي من القضاة، سواء للتفرغ الكلي او الندب .
سابعاً : الخلاصة والتوصيات
يغالي البعض بالقول أن مشروع القانون الحكومي في شأن مكافحة الفساد والكشف عن الذمة المالية هو مشروع منتقص ولا جدوى منه، كما ان بالمقابل يخطئ من يدعي أن أحكام مشروع القانون جاءت متكاملة لا يشوبها نقص او خلل.
الواقع أن خطوة الحكومة الكويتية المتخذة في هذا النطاق، خطو موفّقة في توقيتها وفي مضمونها، وقد التقى مشروع القانون في كثير من جوانبه مع متطلبات واشتراطات اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد.
ويبقي على مجلس الأمة التعاون مع الأجهزة الحكومية المختصة لتدارك بعض النواقص التي قد تعيب مشروع القانون الحكومي في حال صدوره دون أخذها بالإعتبار، ويسلط الضوء في هذا النطاق حول أهمية ادخال بعض المواد والبنود القانونية التي تعالج المسائل التالية:
 اغفال النص في المادة (21) من القانون الخاصة بتحديد جرائم الفساد، على الجرائم المتعلقة بالوظيفة العامة الواردة في قانون الجزاء، كانتحال الوظيفة العامة وغيرها...
 بذل الجهد للالتزام بكافة متطلبات المادة (6) من الاتفاقية، حيث فرضت أحكام هذه المادة أن تنظر كل دولة طرف أيضًا في اعتماد تدابير تشريعية وإدارية بشأن وضع معايير تتعلق بالترشيح للمناصب العمومية وانتخاب شاغليها، وتعزيز الشفافية في تمويل الترشيحات لانتخاب شاغلي المناصب العمومية وفي تمويل الأحزاب السياسية، حيثما انطبق الحال. وكذلك اعتماد وترسيخ وتدعيم نظم تعزز الشفافية وتمنع تضارب المصالح.
 تعزيز حصانة الهيئة والعاملين فيها، بعيداً عن أي تاثير او ضغط أو تهديد معنوي خارجي، خاصة ان استقلالية الهيئة هي مطلب أساسي للاتفاقية حيث نصت على أن تقوم كل دولة طرف، وفقًا للمبادئ الأساسية لنظامها القانوني، بمنح الهيئة ما يلزم من الاستقلالية، لتمكينها من الاضطلاع بوظائفها بصورة فعالة وبمنأى عن أي تأثير لا مسوغ له. ويقترح في هذا الشأن – على سبيل المثال- وضع احكام توجد آلية تحصّن مجلس أمناء الهيئة في طريقة تعيينهم وعزلهم والتجديد لهم.
 النظر في تشديد بعض العقوبات، ولاسيما تلك الخاصة بافشاء الأسرار، أو عرقلة أعمال الهيئة، وعدم الكشف عن الذمة المالية...
 ضرورة ان يتدارك النقص في عدم تفصيل مشروع القانون لبعض الاحكام التي تكافح وتقينا من شر الفساد في القطاع الخاص، وينظر في هذا الشأن بالأخذ بالمبادئ العامة التي نصت عليها الاتفاقية تحت نفس العنوان، حيث حفزت المادة (12) منها،كل دولة طرف أن تتخذ تدابير لمنع ضلوع القطاع الخاص في الفساد، ولتعزيز معايير المحاسبة ومراجعة الحسابات في القطاع الخاص، وتفرض عند الاقتضاء عقوبات مدنية أو إدارية أو جنائية تكون فعّالة ومتناسبة ورادعة على عدم الامتثال لهذه التدابير.
 تدارك اغفال النص لمسؤولية الأشخاص الاعتباريينجنائياً، مدنياً أو إدارياً، وذلك دون المساس بالمسؤولية الجنائية للشخصيات الطبيعية التي ارتكبت الجرائم.
 واجب النص على حرية تداول المعلومات، وهو ما يتفق مع جاء في المادة (10) من الاتفاقية تحت عنوان "إبلاغ الناس"، حيث فرضت الاتفاقية ان تتخذ كل دولة طرف، ومع مراعاة ضرورة مكافحة الفساد، ما قد يلزم من تدابير لتعزيز الشفافية في إدارتها العمومية، بما في ذلك ما يتعلق بكيفية تنظيمها واشتغالها وعمليات اتخاذ القرارات فيها، عند الاقتضاء، ولا سيما اعتماد إجراءات أو لوائح تمكّن عامة الناس من الحصول، عند الاقتضاء، على معلومات عن كيفية تنظيم إدارتها العمومية واشتغالها وعمليات اتخاذ القرارات فيها، وعن القرارات والصكوك القانونية التي تهم عامة الناس.
 ضرورة اعادة النظر فيما اغفله مشروع القانون من حماية لأسر وأقارب الشهود والمبلّغين والخبراء، وهذا ما لا يتطابق مع ما نصت عليه المادة (32) من الاتفاقية المخصصة لنفس الشأن، والتي تفرض احكامها أن تتخذ كل دولة طرف تدابير مناسبة وفقًا لنظامها القانوني الداخلي، وضمن حدود إمكانياتها، لتوفير حماية فعّالة للشهود والخبراء الذين يُدْلون بشهادة تتعلق بأفعال مجرّمة وفقًا لهذه الاتفاقية وكذلك لأقاربهم وسائر الأشخاص الوثيقي الصلة بهم عند الاقتضاء من أي انتقام أو ترهيب محتمل.
 اعادة النظر في مروحة الأشخاص المكلفين بتقديم اقرار الذمة المالية، حيث أنه من أبرز الملاحظات التي تخفف من أهمية تشريع وتنظيم الكشف عن الذمة المالية، ان القانون قد حصر الاقرار بشخصهم وأولادهم القصر، وفي هذا الأمر ما يفسح المجال واسعاً أمام إمكانية التحايل من خلال اخفاء الكسب غير المشروع المفترض في حسابات الزوجة أو باقي الاولاد البالغين.
 اعادة النظر في الفصل غير المبرر بين الجهاز الذي أوكل به فحص اقرارات الذمة المالية والهيئة العامة لمكافحة الفساد التي اصبحت بهذا الفصل، من غير صلاحيات رادعة في مجال جريمة الاثراء غير المشروع التي قد تنتج عن فحص الذمة المالية للمرتكب.
 على صعيد متصّل، تفرض الاتفاقية على دولة الكويت، ولو بموجب تشريعات منفصلة عن مشروع القانون موضوع البحث، مواءمة أنظمتها التشريعية الخاصة بالمشتريات العمومية وإدارة الأموال العمومية - قانون المناقصات العامة- مع مقتضيات الاتفاقية بما فيها من أغراض وأهداف لمكافحة الفساد وتعزيز الشفافية، فقد فرضت المادة (9) من الاتفاقية أن تقوم كل دولة طرف بالخطوات اللازمة لإنشاء نظم اشتراء مناسبة تقوم على الشفافية والتنافس وعلى معايير الموضوعية في اتخاذ القرارات، وتتسم بمراعاتها توزيع المعلومات المتعلقة بإجراءات وعقود الاشتراء، بما في ذلك المعلومات المتعلقة بالدعوات إلى المشاركة في المناقصات، والمعلومات ذات الصلة أو الوثيقة الصلة بإرساء العقود، توزيعًا عامًا، وكذلك القيام مسبقًا بإقرار ونشر شروط المشاركة، بما في ذلك معايير الاختيار وإرساء العقود وقواعد المناقصة، وأيضاً استخدام معايير موضوعية ومقررة مسبقًا لاتخاذ القرارات المتعلقة بالمشتريات العمومية، و إقامة نظام فعّال للمراجعة الداخلية، بما في ذلك نظام فعّال للطعن، ضمانًا لوجود سبل قانونية للتظلّم والانتصاف في حال عدم اتباع القواعد أو الإجراءات الموضوعة، وكذلك اتخاذ تدابير، لتنظيم الأمور المتعلقة بالعاملين المسؤولين عن المشتريات، مثل الإعلان عن أي مصلحة في مشتريات عمومية معينة، وإجراءات الفرز، والاحتياجات التدريبية الخ...

 كما تلتزم دولة الكويت – بموجب نص الاتفاقية- بأن تتخذ وتعزز ما لديها من تدابير مناسبة لتعزيز الشفافية والمساءلة في إدارة الأموال العمومية، ولاسيما إجراءات لاعتماد الميزانية الوطنية، والإبلاغ عن الإيرادات والنفقات في حينها، وكذلك اعتماد نظام يتضمن معايير للمحاسبة ومراجعة الحسابات وما يتصل بذلك من رقابة، يضاف اليه نظم فعالة وكفؤة لتدبر المخاطر وللمراقبة الداخلية.

************
وفي الختام، يبقى الرهان على الجهود التي ستبذل في هذا الاطار، من قبل كافة سلطات ومؤسسات دولة الكويت في مجال مكافحة الفساد، والجدية في تأمين الغطاء السياسي والشعبي للحرب على الفاسدين والمفسدين الى أي تكوين اجتماعي او طبقي انتموا. فالحكومة الكويتية كما مجلس الأمة وكافة أجهزة الادارة مدعوون للمشاركة الفعلية مع أجهزة الاعلام والمجتمع المدني لاتخاذ ما يلزم من تدابير لتعزيز الشفافية في عمليات اتخاذ القرار وتشجيع إسهام الناس فيها، وضمان تيسّر حصول الناس على المعلومات، ومكافحة الفساد بكافة صوره، ومعاقبة المفسدين مهما علا شانهم. ناهيك عن دور القضاء النزيه والفعًال ودور النيابة العامة في كشف جرائم الفساد وملاحقة ومعاقبة المجرمين الفاسدين، وفي هذا النطاق يبقى من الضرورة التذكير بأن دولة الكويت تلتزم كما غيرها من الدول الخاضعة لأحكام الاتفاقية، بأحكام المادة (11) منها التي تنص على بعض التدابير الهادفة الى تعزيز نزاهة الجهاز القضائي وأجهزة النيابة العامة، حيث نصت على أنه نظرًا لأهمية استقلالية القضاء وما له من دور حاسم في مكافحة الفساد، تتخذ كل دولة طرف، وفقًا للمبادئ الأساسية لنظامها القانوني، ودون مساس باستقلالية القضاء، تدابير لتدعيم النزاهة ودرء فرص الفساد بين أعضاء الجهاز القضائي، ويجوز أن تشمل تلك التدابير قواعد بشأن سلوك أعضاء الجهاز القضائي ولدى جهاز النيابة العامة.
والله وليّ التوفيق

د./ بلال عقل الصنديد
مستشار وباحث قانوني
bilalsandid@hotmail.com

هناك 3 تعليقات: