الاثنين، 31 أكتوبر 2011

السلفة الوقتية

التقسيم :
--------

تقديم :
القسم الأول : من الطرح إلى التقنين
المبحث الأول : المطالبات الفقهية
المبحث الثاني : الموقف القضائي
أ) المحاولات الجريئة لمحاكم الدرجة الأولى
ب) موقف مجلس الدولة المتشدد
القسم الثاني : الوضع القانوني اثر تعديل ۳۰/٦/۲۰۰۰
المبحث الأول : الشروط الموضوعية
أ) الطلب الصريح للسلفة الوقتية
ب) الأسباب غير المتنازع فيها جدياً
المبحث الثاني : سلطة القاضي في منح السلفة
أ) حرية القاضي في التقرير و التقدير
ب) آلية الكفالة

الخاتمة : نحو إدخال تدبير السلفة الوقتية في القانون الوضعي الكويتي.











السلفة الوقتية* في القانون الإداري الفرنسي،
بين الماضي والحاضر...

تقديم :
على الرغم من النجاح الذي ســـجلته التــدابير المؤقتة** في قضــاء الأمور المســــتعجلة العادي في فرنسا Le référé judiciaire لم يبلغ هذا النوع من التدابير في القضاء الإداري Le référé administratif، وإلى زمن قريب، حداً من التطور يسمح له، نصاً وتطبيقاً، بإيجاد الطمأنينة الكافية لدى المتقاضين فيما يتعلق بالحفاظ السريع و الفعال على حقوقهم المتنازع فيها أو درء الخطر الداهم عنهم .

من بين الأسباب التي أدت إلى مثل هذه النتيجة هو التفاوت التقليدي بين الأهمية التي يعطيها المتقاضي لكلا القضاءين والتي ترجح فيها كفة القضاء العادي. وقد يكون السبب أيضا هو انتفاء أو ضعف "ثقافة" قضاء الأمور المستعجلة لدى المتقاضين، ولكن العامل المرجح، في رأينا، هو عدم مجاراة النصوص المنظمة لهذا القضاء لما يتطلبه تغير الزمن .

الواقع، أن النصوص المشار إليها أدخلت في القانون الفرنسي بمخاض عسير وعانت طوال حياتها من النمو البطيء. فمنذ النص المتواضع على التدابير الاحترازية والمؤقتة في القانون الإداري الفرنسي في عام ۱۹۲٦ و بشكل أكثر تطوراً عام ۱۹٥٥ ، و دون تجاهل الإشارات البسيطة التي ظهرت ابتداءاً من عام ۱۸۳۲ ، لم تعرف هذه التدابير حتى يوم ۳٠/٦/٢٠٠٠ أي تعديل جوهري. في هذا التاريخ وافق البرلمان الفرنسي على القانون رقم ٥٩٧/٢٠٠٠ ليشكل مع مراسيمه التنفيذية قفزة نوعية فيما يتعلق بتطوير و تعزيز قضاء الأمور المستعجلة الإداري في فرنسا، إن لحيث الأصول و الإجراءات المتبعة أمام القاضي أو لحيث السلطات و الصلاحيات المعطاة له أو لحيث الشروط الموضوعية التي يجب توفرها لقبول الدعوى والحكم بها .

من بين ما جاءت به التعديلات الأخيرة هو التغيير المهم الذي تناول شروط و آلية الحكم بما يسمى بتدبير"السلفة الوقتية". يعتبر هذا التدبير من قبيل التدابير المستعجلة و المؤقتة التي يجوز لرئيس المحكمة الإدارية الفرنسية أو من ينوب عنه في ذلك - بصفته قاضي الأمور المستعجلة - أن يأمر بها كإجراء احتياطي و مؤقت، لا يحل النزاع بشكل نهائي إنما، يساعد المتقاضين على تخطي بعض الصعوبات المادية والعملية بانتظار القرار النهائي في أساس الموضوع لدى محكمة الأساس التي تبحث في دعوى الالغاء أو التعويض المتنازع فيها بين الإدارة و الطرف الأخر.

يعرف مجلس الدولة الفرنسي، في الدليل الذي أعده للمتقاضين بهدف تعريفهم بحقوقهم وواجباتهم لدى القضاء الإداري (Les fiches de la justice administrative) ، تدبير السلفة الوقتية (provision éféréLe r ) انه التدبير الذي يسمح للمتقاضي بطلب سلفة على الحساب ( أو مبلغ من المال مقدم) من المبالغ المتنازع فيها لدى محكمة الموضوع، تدفع له عند توفر شروط معينة ريثما يبت قاضي الأساس في اصل الموضوع و يحدد المسؤوليات. بمعنى آخر، و حسب نصوص المواد المنظمة لتدبير السلفة الوقتية في القانون الإداري الفرنسي ( من المادة R.541-1 إلى المادة R.541-6 من قانون القضاء الإداري الجديد Code de Justice Administrative CJA (يسمح هذا الإجراء أو التدبير الوقتي لقاضي الأمور المستعجلة أن يحكم للدائن بناء على طلبه - بصورة مستعجلة ووقتية - بجزء من أو بمجمل الدين المتنازع فيه، شرط عدم وجود أي نزاع جدي في أساس الموضوع المطروح أمام محكمة الأساس. وللقاضي حفاظاً على حق المدين أن يفرض على المستفيد من هذه السلفة الوقتية أن يقدم كفالة تضمن إرجاعه للمبلغ المقرر له في حال ذهبت محكمة ألاساس إلى مذهب غير الذي اتخذه قاضي الأمور المستعجلة، أو في حال طرأ أي شيء يغير في توجهات الدعوى والحكم ...

الواقع، إن تاريخ هذا التدبير المؤقت يعود في القضاء العادي (العادي) إلى أوائل السبعينيات من القرن الماضي حيث أدخل بالمرسوم رقم ۱۱۲۲/۷۳ الصادر في١٧/١٢/١٩٧٣. أما في القضاء الإداري، ورغم محاولات قضائية عديدة و ضغط فقهي جدي، لم يرى تــــدبير الســـــلفة الوقتيــة النـــور إلا في ٢/٩/١٩٨٨، تاريـخ صدور القـانون رقم ۸۰۷/ ۸۸ الذي أدخل تعديلات وإضافات على القضاء الإداري بشكل عام .

استقبل هذا التعديل بحفاوة كبيرة، ولكن التطبيق العملي للسلفة الوقتية في القضاء الإداري كشف عن مشاكل عديدة إن من حيث الأصول المتبعة أو من حيث الشروط المفروضة أو من حيث قلة الطلبات القضائية في هذا الشأن، مما استوجب تدخلاً من قبل المشرع، بهدف تطوير و تسهيل شروط واّلية العمل بالتدبير موضوع البحث، برز حديثاً في القانون رقم ٥٩۷/ ٢٠٠٠ ومرسومه التنظيمي 1115/2000 الصادر بتاريخ 22/11/2000 .

لإبراز أهمية التعديلات الأخيرة، لا بد أولاً من التوقف عند المخاض العسير الذي أدخل به تدبير السلفة الوقتية في القانون الإداري الفرنسي (القسم الأول) ليصل بنا الأمر ثانيةً إلى تحليل الشروط المفروضة، وفق النصوص المعمول بها حالياً، للحكم بهذا التدبير المؤقت و الاحتياطي و إلى دراسة سلطات القاضي في هذا الشأن (القسم الثاني).

القسم الأول : من الطرح إلى التقنين

لقد سبقت الإشارة إلى أن نجاح تدبير السلفة الوقتية في القضاء العادي شكل الخلفية الأساسية التي اعتمد عليها القضاء والفقه الفرنسي للمطالبة بإيجاد تدبير مماثل في القانون الإداري. نستعرض أولاً أبرز المطالبات الفقهية في هذا الشأن (المبحث الأول) لننتقل فيما بعد لدراسة المحاولات القضائية الجريئة التي حكمت بالسلفة الوقتية أو أشارت إليها من غير وجود نص مكتوب يسمح بذلك، وموقف مجلس الدولة منها (المبحث الثاني). رائدنا في كلا الأمرين هو الخروج بتصور شامل عن ماضي السلفة الوقتية في القضاء الفرنسي بما يسهل على الباحثين و المشرعين في الوطن العربي الاستفادة من هذه التجربة الغنية في فرنسا بغية الاستعانة بها و تفادي أخطاءها وتطويرها انسجاماً مع الواقع القانوني الخاص في كل بلد.

المبحث الأول : المطالبات الفقهية

إيماناً من قبل الفقهاء بان السلفة الوقتية هي من بين التدابير "التي تعزز وضع القضاء الإداري وتعزز ثقة المتقاضي به " رحب جزء كبير منهم بإدخالها في نصوص القانون الإداري لما لذلك من فائدة وأهمية لا تخفى على أحد .

الواقع، أن البنيان القانوني و روحية النصوص المنظمة للتدابير المؤقتة والتحفظية في القضاء الإداري السابقة لتعديلي سنة ۱۹۸۸ وسنة ۲۰۰۰، المشار إليهما، أبرز بما لا يقبل الشك عدم توازن حقيقي بين وضعية الإدارة أو السلطة العامة كمركز قوة ووضعية المتقاضي الفرد كحلقة أضعف . فقد منع القاضي الإداري على نفسه الحكم بأي إجراء أو تدبير من شأنه أن يعيق العملية الإدارية أو من شأنه أن يجعل القضاء الإداري في موقع الآمر للسلطة العامة. وعليه فان الحكم بدفع سلفة وقتية للأفراد من المال العام كان أمراً لا يدخل بتاتاً في أدبيات ولا في أعراف القضاء الإداري لما في ذلك من تحميل للخزينة العامة لأعباء هي بغنى عنها. نتيجة هذا الواقع لم يبقى للفقه الفرنسي إلا أن يطالب بإعادة التوازن المفقود و تعزيز مركز المتقاضي في القضاء الإداري تماثلاً بوضعه في القضاء العادي ، الأمر الذي أدى في العام ۱۹۸۸ إلى انقلاب حقيقي نتج عنه إدخال السلفة الوقتية في قضاء الأمور المستعجلة الإداري .

في الحقيقة، إن المطالبات الفقهية المشار إليها لم تأت كلها على نفس الاتجاه؛ فلكل من فقهاء القانون العام الفرنسي رأيه ولكل مفاهيمه وتحليلاته الخاصة في هذا الشأن. هذا التباين في وجهات النظر لا يمنع من حصرها في قسمين أساسيين : القسم الأول يضم الفريق الذي انتقد الوضع القانوني لقضاء الأمور المستعجلة قبل تعديل ۱۹۸۸ بشكل عام مطالباً بإدخال السلفة الوقتية فيه بعد إلغاء الموانع القانونية والنفسية التي تحول دون ذلك . و القسم الثاني يضم فقهاء ركزوا على فكرة "الإنصاف" كرائد أساسي لإدخال التدبير موضوع البحث في القضاء الإداري .

القسم الأول من الفقهاء أشار إلى أن الشيء الأساسي الذي يعيق تطبيق تدبير السلفة الوقتية في القضاء الإداري هو القاعدة القانونية والقضائية التي منعت على قاضي الأمور المستعجلة الإداري من اتخاذ أي تدبير فيه مساس بأساس الموضوع . الحكم بالسلفة الوقتية هو، في نظر هذا التيار الفقهي، خروج عن القاعدة المذكورة كونه،بشكل أو بآخر، حكماً في موضوع النزاع أوفي جزء منه (مبلغ الدين). يضيف من يتبنى هذا الرأي أنه لا يغير في الأمر شيئا كون الحكم بالسلفة الوقتية هو حكم مؤقت أو احتياطي، وعليه يجب إلغاء هذا المنع مما يفتح المجال أمام قاضي العجلة الإداري باتخاذ ما يراه مناسباً من الحلول القضائية لإحقاق الحق دون أن يمس قراره، بشكل جوهري، في أساس الموضوع. في هذا الإطار، يشير العلامة Chapus إلى أن "معظم التدابير المؤقتة والاحتياطية التي يحكم بها القاضي من شأنها أن تمس بشكل أو بآخر بأساس الدعوى" . فاقترح لتفادي ذلك إبدال المنع، موضوع البحث، بالاكتفاء بضرورة "انتفاء النزاع الجدي" في ما يطلبه المتقاضى، و بالتالي فان تطبيق تدبير السلفة الوقتية في القضاء الإداري يصبح - حسب الكاتب – أمراً مقبولاً ولو من غير نص.

لتعزيز وجهة نظره، يستند هذا التيار الفقهي على ما ذهب إليه التطور القضائي و القانوني في القضاء العادي قبل إدخال السلفة الوقتية فيه. فالمرسوم رقم ۷٤۰ / ٧۱ الصادر في ۹/۹ /۱۹۷۱ كان قد ألغى القاعدة، المنصوص عليها بأحكام المادة (809) من قانون المرافعات القديم، التي منعت على قاضي العجلة الإداري من اتخاذ أي تدبير فيه مساس بأساس الموضوع، الأمر الذي مهد لاحقاً إلى إدخال السلفة الوقتية في القضاء العادي بالمادة (15) من المرسوم رقم ۱۱۲۲ /۷۳ سابق الذكر . الواقع، أن "جرأة المشرع تعدت، من خلال هذه التعديلات القانونية، أي محاولة قضائية في نفس الإطار "، مما كرس السلفة الوقتية كتدبير مؤقت "يخدم المتقاضي بشكل فعال " وجعله ، في رأي البعض، "نجم التدابير المؤقتة والاحتياطية ".

أما القسم الثاني من الفقهاء فقد حلل و نقد ما ذهب إليه مجلس الدولة الفرنسي في رفضه لإدخال السلفة الوقتية في القضاء الإداري معتبراً أن هذا التوجه الذي اعتمدته أعلى السلطات القضائية الإدارية في فرنسا ليس منصفاً كونه يحرم المتقاضي أمام المحاكم الإدارية من فرصة الاستفادة من حل مؤقت و فعال للنزاع .

في كل الأحوال فان الضغط الذي شكله الفقه على المشرع في هذا الإطار كان بالقدر الكافي الذي أدى إلى إدخال تدبير السلفة الوقتية في القضاء الإداري من خلال المادة (129.R) من قانون المحاكم الإدارية القديم CTACAA)) والتي قننت الأحكام المنصوص عليها بالقانون ٨۰٧/٨٨ سابق الذكر .

المبحث الثاني : الموقف القضائي

ما يميز البنيان القانوني في فرنسا هو تحمل بعض القضاة تبعتين أساسيتين، فمن جهة يقف هؤلاء بصفتهم الوظيفية حرّاساً للعدالة على الأقواس ومن جهة أخرى فإنهم، في أحيان كثيرة، مساهمون فعلييون من خلال كتاباتهم وآرائهم في تحديد التوجهات العامة للوضع القانوني الفرنسي. لحسن الحظ، كان من بين القضاة الذين تولوا مهمة الحكم بالأمور الوقتية والمستعجلة، بعض الفقهاء القانونيين الذين كتبوا وحكموا لصالح إدخال السلفة الوقتية في القانون الإداري (أ) الأمر الذي رفضه مجلس الدولة بشكل قاطع (ب).

أ) المحاولات الجريئة لمحاكم الدرجة الأولى

لم يعد التفريق الجذري المتبع تقليدياً بين القضاءين الإداري والعادي جائزاً في عصرنا الحاضر و ذلك لتطابق الأهداف، لتقارب الإجراءات ولتوحد المفاهيم المتبعة في كل منهما إلى حد بعيد . فلا شيء يمنع، مع تطور الفكر القانوني، أن تنتقل نجاحات أي منهما إلى الآخر دون أن يمس بأي شكل باستقلاليتهما أو بخصوصيتهما.

غني عن البيان أن تدبير السلفة الوقتية أثبت نجاحه، بشكل لافت، في القضاء العادي الفرنسي مما جعله محط أنظار المنادين بتفعيل القضاء الإداري. من هذا المنطلق، وإيماناً بما وصل إليه الفكر القانوني من تطور لا يمنع التواصل بين القضاءين العادي والإداري، كان لرئيس محكمة الدرجة الأولى في مدينة (ليون) الفرنسية القاضي Gabolde - ولغيره من القضاة - موقفاً مهماً في هذا الإطار، حيث قام منذ العام ۱۹۷۹ بالحكم إيجاباً في طلب تقدم به أحد المتقاضين للحصول على سلفة وقتية من خزينة الدولة دون أن يكون في قانون المحاكم الإدارية المتبع حينذاك أي نص مكتوب يسمح بمثل هذا الحكم .

لاشك في أن هذا التوجه، من قبل أحد اشهر قضاة الأمور المستعجلة في فرنسا، شكل صدمة إيجابية لصالح إدخال السلفة الوقتية في نصوص القانون الإداري. فقد بقيت أحكام السيد Gabolde - والأحكام المشابهة- محط أنظار النقاد و الدارسين لفترة غير وجيزة نظراً لجرأتها ولما أضافته من جديد. فكما هو معروف، أن المبدأ القانوني الذي كان سائداً في تلك الحقبة هو عدم السماح لقاضي الأمور المستعجلة الإداري بالمساس بأصل الموضوع المعروض على قاضي الأساس، الأمر الذي رددته أحكام القضاء الإداري مراراً و تكراراً . هذا المنع هو الذي خالفه القاضي Gabolde باعتباره أن الأخذ بما ذهب إليه القضاء العادي في تخطيه لهذا المنع هو أمر جائز لا بل ضروري لتفعيل قضاء الأمور المستعجلة الإداري .

بالفعل، فقد حكمت محكمة الدرجة الأولى في (ليون) بتاريخ ۵/٤/۱۹۷۹ بمنح شركة خاصة، نفذت إحدى المشاريع لمصلحة مركز استشفائي حكومي، سلفة وقتية تبلغ ٤۰۰ ألف فرنك فرنسي، كجزء من تعويض طالبت به أمام قاضي الأســـاس جـــرّاء تضرر لا تتحـــمل هي مسؤوليته. أسس القــاضي حكمه على نـص المادة (102) من قانون المحاكم الإدارية القديم الذي يعطي له الحق، في حال عدم النزاع الجدي في أسباب الدعوى و في حال توفر عنصري العجلة (Urgence) و الفائدة من التدبير المحكوم به (éUtilit)، أن يتخذ كل التدابير الضرورية للحفاظ على الحق أو درء الأخطار، عنه دون أن يمس ذلك بأساس الموضوع. تطبيقاً لذلك، جاء في حيثيات القرار ما يفيد أن تدبير السلفة الوقتية يدخل في خانة التدابير الضرورية المشار اليها في نص المادة (102) من قانون المحاكم الإدارية القديم.

كرر الرئيس Gabolde نفس الموقف و نفس المنطق بعد حوالي عام من الزمن حين حكم على مؤسسة "غاز فرنسا" بدفع ۳۵۰ ألف فرنك فرنسي لصالح إحدى النقابات كسلفة وقتية ، الأمر الذي اعتمدته أكثر من محكمة بشكل مباشر أو غير مباشر في مناسبات عديدة .

لقد دافع أنصار هذا التيار عن موقفهم بالقول أن ما كرسه و دافع عنه مجلس الدولة الفرنسي فيما يتعلق "باستقلالية التنازع الإداري " لا يعني بأي حال من الأحوال التخلي الكامل أو عدم المبالاة بالإجراءات والأصول المتبعة في القضاء العادي. فهذه الأخيرة هي أكثر بلورة وتشكلاً من الإجراءات المتبعة في القضاء الإداري مما يجعلها مرجعاً ضرورياً له يجوز – كلما دعت الحاجة لذلك – الاستفادة من نصوصها و الاستنارة بروحيتها.

خلافاً لما طمح إليه هذا التيار فان توجهات مجلس الدولة كانت غير مطابقة لناحية إدخال السلفة الوقتية في القضاء الإداري من غير نص. رفض هذا المجلس منطق الرئيس Gabolde، كون الحكم بسلفة وقتية، من وجهة نظر أعلى سلطة في القضاء الإداري الفرنسي، من شأنه أن يمس بأساس الموضوع .

ب) موقف مجلس الدولة المتشدد

إن الحكم بسلفة مالية لصالح الدائن هو تدبير من شأنه أن يمس بأساس الموضوع وفق ما نصت عليه المادة (102) من قانون المحاكم الإدارية . هذا هو مضمون الحيثية الأساسية التي بنى عليها مجلس الدولة حكمه في القرار الشهير "غاز فرنسا".

لعل من أفضل الوسائل التي يندب استعمالها لفهم حيثيات ومنطق مجلس الدولة المتبع في هذا القرار هي اللجوء إلى تعلــيقات مفوض الحكومة على هذا الحكم و ذلــك لذهابهما في نفس الاتجاه. الواقـع، أن الســــــــيد Rougevin Baville، مفوض الحكومة لدى مجلس الدولة الفرنسي، وقبل التوسع في تعليقاته قد أثنى بشكل لافت على السيد Gabolde فيما يتعلق أولاًُ بحسن اختيار النزاع المناسب لتطبيق أفكاره الجريئة، وثانياً فيما يتعلق بالمنطق المتبع لتبرير و تعليل الحكم. فقد وجد مفوض الحكومة أن هناك بالفعل كثيراَ من الأسباب والمبررات النظرية والعملية تســمح بنقل تجربة الســـلفة الوقتية من القــضاء العادي إلى نــظيره الإداري، إلا أنه - ودائماً حسب مفوض الحكومة- لا يجوز التمادي في هذا المنطق لاصطدام المبررات المذكورة بعراقيل واقعية لها علاقة بالنصوص والمبادئ القانونية المتبعة في القانون و القضاء الإداريين. أشار السيد Baville إلى أن "القاضي الإداري لا يمكنه بأي حال من الأحوال تقرير سلفة وقتية دون أن يتخذ موقفاً فيما يتعلق بوجود الدين موضوع النزاع مما يجعله بشكل غير مباشر مقرراً في توزيع المسؤوليات" ويضيف انه، "على الرغم من كون تدبير السلفة الوقتية هو من التدابير الاحتياطية و المؤقتة ، فان ذلك لا يغير شيئاً في عدم السماح لقاضي الأمور المستعجلة من تقرير مبدأ المسؤولية و توزيع الأعباء لما في ذلك من مساس في أصل الموضوع (...)، الأمر الذي تحذره المادة (102) من قانون المحاكم الإدارية والذي يعود موضوع البت فيه أصلاً إلى قاضي الأساس".

في نفس الإطار نقرأ في قرار مجلس الدولة، الذي اعتمد في حكمه على نفس وجهة نظر مفوض الحكومة لديه، ما خلاصته أنه " وفق المعنى" الذي تفيده المادة (102) المذكورة يعتبر"منح سلفة مؤقتة إلى الدائن المفترض تدبيراً يمس بأساس الدعوى" . في معرض تحليل هذه الحيثية لا سيما تعبير "وفق المعنى"، الـــذي استعمله القـــاضي لتأسيس قـراره وهو التــــــرجمة الحـــرفية لــــلاصطلاح الفـــرنسي "Au sens de" نــجد أن المـــرجع الأكثـــر صلاحاً فـــي هذا الإطـــار هو أطــروحة الدكتوراه للسـيد metGaude الذي حلل، في جزء مهم منها، ما استعمله الفقه والقضاء من تعابير ملتبسة، غامضة أو تحمل أكثر من معنى .

وجد السيد Gaudemet أن استعمال لفظ "Au sens de" هو هروب من قبل القاضي من مشقة وصف الوقائع وحصر المهمة بالاصطلاح اللفظي الذي "يربط سنداً قانونياً أو نصياً معيناً بواقعة محددة" . بمعنى آخر، إن القاضي باستعمال هذا اللفظ لا يعنى إلا بربط النص بالواقعة دون أن يفصل أو يوضح هذا الربط ."أهمية قراره تبقى إذا مرهونة بالمدى الذي يعطى لتفسير النص إن من حيث التوسيع أو التضييق، دون أن يكون – دائماً حسب السيد Gaudemet - للقاضي أي يد في ذلك". وعليه ، إذا ما طبقنا منطق السيد Gaudemet على حيثيات قرار " غاز فرنسا " نجد أن الإيحاء بتطبيق المادة (102) بهذا الشكل يفضي إلى الاعتبار أن المادة المذكورة لا تؤدي إلى أي توصيف قانوني دقيق للوقائع مما يترك باب الاستنتاجات والتحليلات مفتوحاً على كل الاتجاهات، و لعل ذلك هو ما تنحصر به أهمية قرار "غاز فرنسا" لاعتماده على نص اتفق الفقهاء والقانونييون على التباس معانيه وصعوبة تطبيقاته. وكأن القاضي في صياغته للقرار يوحي بارتباط حل النزاع بتطور النص بحد ذاته وبتطور التفسيرات التي تعطى له مع تغيير الزمن دون أن يتكفل هو باتخاذ المبادرة و إعطاء النص التفسير الذي يرتئيه له.

يتضح من ذلك أن هناك خلافاً جوهرياً بين وجهتي نظر: واحدة للسيد Gabolde و من ذهب في مذهبه وأخرى تبناها مجلس الدولة و مفوض الحكومة لديه. يرى الفريق الأول أن دور القاضي هو أساسي ومحوري في تطوير قضاء الأمور المستعجلة الإداري وذلك انسجاماً مع الطابع الأصلي للقانون الإداري، غير المقنن، الذي يعتمد في نشأته وتطوره بشكل مبدئي وأساسي على اجتهاد المحاكم. أما الوجهة الأخرى فقد حصرت دور القاضي بالتطبيق الحرفي للنص دون أن يكون له في ذلك أي دور خلاق أو إبداعي. هذا ما ظهر صراحة في أقوال السيد Baville حين حذر مجلس الدولة من أن اعتماد الوجهة الذي اتبعها القرار المطعون به (قرار السيد Gabolde) قد يفتح الباب واسعاً، فيما بعد، أمام مواقف جريئة و غير تقليدية من القضايا والنزاعات القضائية الشائكة، خاصة المتعلق منها بالمسؤولية الإدارية، الأمر الذي اعتبره القاضي Baville "بالغ الحساسية لا بل بالغ الخطورة". ونتساءل هنا : أليس في هذه الأسطر ما يستشف منه دعوة صريحة لمجلس الدولة بالتقييد بحرفية النصوص وعدم تحمل المسئولية في تطوير القضاء الإداري بشكل عام وبعدم تطوير الشق المتعلق منه بالأمور المستعجلة بشكل خاص ؟

إن الجدل حول قرار "غاز فرنسا" و ما شابهه أدى بشكل أو بآخر، و تحديداً في يوم ۲/ ۹/ ۱۹۸۸ ، إلى ظهور المرسوم رقم ۷۰٩/٨٨ الذي أضاف إلى المادة (129.R) من قانون المحاكم الإدارية نصـاً مفاده أن لرئيس المحاكم الإدارية أو لرئيس محكمة الاستئناف الإدارية، أو لمن ينوب عن كل منهما، أن يمنح سلفة وقتية للدائن، الذي حرك دعوى بالأساس أمام المحكمة الإدارية أو المحكمة الاستئنافية، شرط عدم التنازع الجدي بالأسباب التي يدلي بها . وللقاضي أن يفرض عليه، ولو لم يطلب منه ذلك، تقديم كفالة تضمن إرجاعه للمبلغ المحكومة له به في حال ذهبت محكمة الأساس لغير ما ذهب إليه قاضي الأمور المستعجلة.

هذا النص يعتبر بلا جدال أول تقنين لتدبير السلفة الوقتية في القضاء الإداري الفرنسي، الأمر الذي جعله بمثابة الإنجاز التشريعي الكبير في هذا المجال. إلا أن هذه الصفة ما لبثت أن انتقلت منه إلى القانون رقم ٥٩٧/ ۲۰۰۰ المؤرخ ٣۰ / ٦/۲۰۰۰ ، ذلك النص الذي يعتبر ثورة تشريعية ليس فقط بشأن تدبير السلفة الوقتية بل بشأن كل ما هو متعلق بقضاء الأمور المستعجلة الإداري في فرنسا.



القسم الثاني : الوضع القانوني اثر تعديل۳۰/٦/۲۰۰۰

الوضع القانوني الذي نصت عليه المادة (102) القديمة لم يعد مطبقاً بكامله في وقتنا الحالي . فمنذ يوم ٣۰ /٦/۲۰۰۰ تاريخ صدور القانون رقم ٥٩٧/۲۰۰۰ المعدل للإجراءات والتدابير المؤقتة والاحتيـــاطية في القضـــاء الإداري الفرنســـي ومنذ صدور المراســـيم المنظمة له ، صـــارت المـــادة (1-541.R) من قانون القضاء الإداري الجديد (CJA) هي الراعية الأساسية لأحكام السلفة الوقتية موضوع البحث . الواقع أن أحكام المادة الجديدة بقيت وفيه لجزء مما فرضته الأحكام القديمة و أدخلت على الجزء الباقي تعديلات جوهرية. يستفاد من النص الجديد أن لقاضي الأمور المستعجلة الحق في تقرير سلفة وقتية للدائن الذي طلب منه ذلك، ولو لم يتقدم بدعوى في الأساس في نفس الموضوع، بشرط عدم وجود أي نزاع جدي في الأسباب التي أدلى بها. للقاضي في هذه الحالة أن يفرض من تلقاء نفسه على المستفيد من السلفة تقديم كفالة. يلاحظ اذاً تغيير أساسي بين النص القديم و النص الجديد لناحية الشروط الموضوعية المفروضة، إذ أبقى المشرع على اشتراطه لبعض منها واستغنى عن البعض الآخر (المبحث الأول) بينما لم يتغير موقفه لناحية ما أعطاه للقاضي من سلطات (المبحث الثاني).

المبحث الأول : الشروط الموضوعية

منذ تعديل سنة 2000، دخل تدبير السلفة الوقتية في خانة ما يسمى "التدابير العادية" التي تختلف عن التدابير التي أدخلها القانون رقم ٥٩٧ /۲۰۰۰ تحت عنوان "تدابير العجلة" أو "تدابير الطوارئ" urgencedure d`éproc و هي : التدابير التحفظية، التدابير المتعلقة بالحريات الأساسية والتدابير المستعجلة التي تهدف إلى وقف نفاذ القرارات الإدارية
)Le référé conservatoire, le référé liberté et le référé suspension(

من الآن فصاعداً، لم يعد قبول طلب السلفة الوقتية والحكم بها مرهون بتوفر عنصر العجلة كشرط موضوعي كان مفروضاً تحققه في القانون القديم، ومن جهة أخرى، ألغى المشرع في النص الجديد شرطاً سابقاً كان يفرض، لقبول طلب السلفة الوقتية، تقديم دعوى في الأساس بشكل مسبق أمام المحكمة المختصة.

نحيل في دراسة هذه الشروط المستغنى عنها إلى أطروحتنا في موضوع قضاء العجلة الإداري في القانونين اللبناني والفرنسي حيث تناولنا كل التدابير المؤقتة والاحتياطية وما يتعلق بها من كل الجوانب ، و نلقي فيما يلي النظر على الشرطين المتبقيين وهما : شرط الطلب الصريح للسلفة الوقتية (أ) وشرط انتفاء أي نزاع جدي في الأسباب التي يدلي بها طالب السلفة (ب) .

أ) الطلب الصريح للسلفة الوقتية

لا يملك القاضي أي حق باتخاذ "المبادرة بالحكم في السلفة الوقتية من تلقاء نفسه "، ذلك لأن الحكم بهذا التدبير يجب أن يسبقه طلب صريح. فلا يبقى للقاضي والحال كذلك سوى البحث في توفر الشروط القانونية التي فرضها النص المطبق و تحديد آلية دفع السلفة و تقرير قيمتها.

تطبيقاً لما سبق، رفض قاضي العجلة الإداري منح سلفة وقتية لدائن طالب المحكمة باتخاذ كل التدابير التي "تضع حداً للحالة الموضوعية التي (تشكل تهديداً لمصالحه) و التي لا يجوز إغفالها أو التسامح بها ". المدعي في هذه القضية، لم يحدد صراحة طلبه لسلفة وقتية بل ترك أمر المبادرة في الحكم بذلك للقاضي الإداري الذي امتنع عن الخروج بهذا الموضوع عن المتفق عليه فقهاً وقضاءً. وفي نفس الإطار، اعتبر الاجتهاد انه لا يعتبر طلباً لسلفة وقتية الطلب المقدم من أحد المتقاضين بتعيين خبير لوضع تقرير عن حالة الشيء المتنازع بشأنه قبل تلفه أو تزايد الأضرار المهددة له . فالمدعي لم يضمن طلبه أي إشارة صريحة تسمح للقاضي الحكم له بسلفة وقتية، على خلاف ما اتفق عليه في أن يكون مثل هذا الطلب "صريحاً ومحدداً لمبلغ من المال معيناً بذاته "، تحت طائلة رفضه من قبل قاضي العجلة .

الأمثلة كثيرة على الطلبات المحددة بدقة، نذكر من بينها : الطلب المقدم من أحد البنوك ملتمساً فيه الحكم له كسلفة وقتية بمبلغ من المال يبلغ على وجه التحديد ( 302822135 فرنك فرنسي) . لا يجوز، في هذا الإطار، تجاهل ملاحظة شكلية مفادها أن الطلبات التي تتضمن مبالغاً كبيرة عادة ما تحدد بدقة متناهية، أما الطلبات التي تتضمن مبالغاً متدنية فهي غالباً ما تكون مدورة (242000 فرنك فرنسي) . هذه الملاحظة الشكلية ليست قاعدة باتة ولا يجوز لنا تجاهل الاستثناءات عليها . فقد حكم على إحدى البلديات بدفع سلفة وقتية ليست مرتفعة المبلغ نسبياً ولكن محددة بنفس الشكل الدقيق الذي تحدد به المبالغ الكبيرة .

ليس بعيداً عن هذا، لعل من المناسب الإشارة إلى أن الأحكام القانونية التي كانت متبعة قبل تعديل سنة 2000 نصت على صفة التبعية لطلب السلفة الوقتية ، وقد وصل الأمر في ذلك إلى اعتبار هذه التبعية كإحدى الخصائص التي تميز هذا التدبير ، يستنتج ذلك مما اشترطته نصوص المرسوم رقم ۷۰٩/٨٨ التي فرضت أن يسبق طلب السلفة الوقتية، دعوى تقدم لدى قاضي الأساس ، تحت طائلة رفضه لدى قاضي العجلة ، و في كل الأحوال يجب أن يؤسس كل من الطلبين على نفس الأضرار ، هذا ما أكده السيد Cazo في أطروحته للدكتوراه و أتبع بالقول "إن طلب السلفة الوقتية يهدف إلى الحصول بشكل مؤقت على مبلغ من المال، فلا يجوز أن يخرج طلب الدعوى في الأساس عن هذا الهدف ".

نحن نتفق مع السيد Cazoعلى ما يهدف إليه في كلامه لكننا نعترض على صياغته للفكرة، فالعبارات التي صاغ بها فكرته توحي خطأً بأن الهدف من دعوى الأساس هو الحصول فقط على مبلغ معين بشكل مؤقت شأنها في ذلك شأن دعوى العجلة. لكن الواقع يفيد بأن المتقاضي في دعوى الأساس على خلاف دعوى العجلة يطمح بحل جذري لمشكلته و قد يكون ذلك عن طريق حصوله على مبلغ من المال بشكل نهائي. وعليه فان "دعوى تحديد المسؤولية" أو "دعوى إثبات الدين" مثلاً، التي ترفع أمام محكمة الأساس و ترتب فيما بعد الحكم بمبلغ معين كتعويض، من شأنها أن تؤدي إلى هذا الهدف، فيجوز بناء عليه إتباعها بطلب سلفة وقتية ريثما يتم البت في الأساس. ذلك على خلاف أي دعوى أخرى لا يطلب فيها صراحة عند قاضي الأساس الحكم بمبلغ معين . هذا وقد اختلفت توجهات المحاكم فيما يتعلق بدعاوى الأساس التي تسبق طلب السلفة الوقتية والتي يكون الاختصاص بالنظر فيها ليس للقاضي الإداري . فاعتبرت بعض الأحكام - وهذا هو التوجه الأكثر اعتماداً- انه لا يعتد بها لقبول الطلب عند قاضي العجلة ، الأمر الذي خالفه بعض القضاة في قراراتهم وان كان ذلك بنسبة اقل . وفي كل الأحوال فان هذا الخلاف لم يعد له محل في القضاء الفرنسي بعد صدور القانون رقم ۷۹٥ ۲۰۰۰/ ومراسيمه التطبيقية والتي، كما سبق و أشرنا، ألغت شرط الطلب المسبق في الأساس لقبول طلب السلفة الوقتية عند قاضي العجلة.

ب) الأسباب غير المتنازع فيها جدياً

على عكس ما يتسم به تحديد المبلغ المطلوب والحكم به كسلفة وقتية من دقة في الأرقام فان الشرط المبحوث فيه فيما يلي يتسم بذاتية واضحة. فقد كشف التطبيق العملي في الاجتهاد الفرنسي أن كل قاض يعطي للوقائع التي ينظر بها تفسيراً خاصاً يستنتج منه، حسب قناعاته، وجود أو عدم وجود تنازع جدي في الحقوق أو الأسباب التي يستند إليها المتقاضي للحصول على سلفة وقتية. فإذا وجد القاضي من ظاهر الأوراق – حسب المقتضيات النظرية المعمول بها في قضاء الأمور المستعجلة – أن الحق المطلوب أو الدين موضوع النزاع أو الأسباب التي يدلي بها المتقاضي هي أمور متنازع فيها بشكل جدي ولم تثبت حقيقتها جلياً، استتبع ذلك عدم تقريره للسلفة الوقتية. أما إذا كان الأمر على عكس ذلك، كالظهور الواضح والمرجح لأحقية الأسباب، للقاضي في هذه الحالة أن يقرر منح الدائن سلفة من مبلغ الدين إذا توفرت الشروط الموضوعية الأخرى. وهنا نشير إلى توجه فقهي، لم يعتمد بشكل واضح، يسمح للقاضي بتقرير سلفة وقتية رغم وجود تنازع جدي في الحق لأن - وفق هذا الاتجاه - في الضمانات التي يقدمها المستفيد من الحكم ما يؤمن حق الخصم الخاسر في استرداد المبالغ التي دفعها فيما لو توجهت الأمور فيما بعد لصالحه عند قاضي الأساس .

بصرف النظر عن هذه الإشكالية الفقهية، فالصعوبة فيما يتعلق بالشرط المبحوث به تكمن في انتفاء الموضوعية عند محاولة إيجاد تعريف دقيق و محدد لتعبير "الأسباب غير المتنازع فيها جدياً"، الأمر الذي ينتج عنه تعددية كبيرة، ومتناقضة في بعض الأحيان، للتفسيرات المعطاة له .

الواقع، أن الأمر ليس بجديد لناحية الصعوبة في إيجاد التعريف الواضح للسبب المتنازع به جدياً، فهذا الأمر قد تكرر منذ النص على السلفة الوقتية في القضاء العادي . يشير السيد Debouy، في هذا الإطار، إلى أن التعبير موضوع البحث هو من أكثر التعابير تعقيداً في قضاء العجلة وإثارة للجدل . نتيجة لهذا الوضع أشار بعض الفقهاء إلى اعتماد ثلاثة معايير لتحديد جدية أو عدم جدية الحق المتنازع به . فلا يجوز من جهة أولى الاكتفاء فقط بما يدعيه الخصم من منازعة في هذا الحق أو من عدم إقدامه على ذلك إنما يجب التحقق من كل "العناصر المتوفرة في ملف الدعوى" التي تفيد في هذا الإطار . ذلك لأن أقوال الخصوم و ما يدعونه لا تفيد بالتأكيد إلا عن الصورة التي أرادوا هم أن يعطوها للوقائع والتي لا تعني بالضرورة الصورة الحقيقة لجدية الحق المبحوث به . وعليه فان القاضي مجبر أن يثير من تلقاء نفسه كل الأسباب المتعلقة بالنظام العام التي تفيد عدم جدية النزاع موضوع الدعوى . و من جهة أخرى، فان الفائدة المعول عليها من الحكم في السلفة الوقتية لصالح طالبها، لا يجوز الاعتماد عليها بشكل حصري لتقرير جدية النزاع. هذا ما أشار إليه القضاء الإداري في أكثر من مناسبة . من جهة ثالثة و أخيرة فان وجود مقاصة بين الدائن والمدين لا تنفي بالضرورة انتفاء الصفة الجدية للحق – وربما أفاد ذلك العكس – فالأمر متروك كلياً لتقدير القاضي الذي له مطلق الحرية بالتقدير .

لا بد في هذا الإطار من الملاحظة أن قاضي العجلة الإداري يمارس، بشكل أو بآخر، دور قاضي الأساس، فلا يمكنه أن يقيم جدية أو عدم جدية التنازع في الحق إلا بعد تفحص دقيق للأوراق والتحديد - ولو بشكل مؤقت وليس نهائي - على من تترتب المسؤولية. في عمله هذا، بلا أدنى شك، استباق لمهمة قاضي الأساس الأصليه ، الأمر الذي لا يريده قاضي العجلة إنما تفرضه عليه طبيعة عمله . وعليه فان السؤال الذي يطرح جدياً لا يتعلق فيما لو كان القاضي يقيم جدية النزاع في الحق من عدمه لان ذلك يعد من بديهيات عمله إنما التساؤل يدور حول الطريقة التي يقيم فيها هذا النزاع و الوجهة التي يتخذها في تقريره للمبلغ. ذلك لأن تقرير السلفة الوقتية و قيمة المبلغ المحكوم به أمران مرهونان بالمفاهيم والتفسيرات التي يعطيها القاضي للعبارة المبحوث فيها، فيلاحظ مثلاً أن عدد الأحكام التي ترد بالإيجاب على طلبات السلفة الوقتية وقيمة مبالغها يتدنى إلى أقل الحدود حين يشترط القاضي أن يكون الحق "غير متنازع فيه إطلاقاً" والعكس صحيح حين يتجاوز الاجتهاد واقع"التنازع البسيط في موضوع الطلب" .

و في كل الأحوال فان الحيثيات التي يدلي بها القاضي لتبرير النتيجة التي وصل إليها تتراوح ما بين التعليل "المفصل" -الذي يندب اعتماده بشكل مستمر- و التعليل "المقتضب" - الذي يسود في كثير من الأحيان- مستعملاً فيه القاضي عبارات مختصرة لا توضح الأمر إنما تكتفي مباشرة بإعلان السبب الذي اعتمده في تحليله . فنقرأ مثلاً أن : "حالة الأوراق " أو "وضع الملف " أو "نتيجة التحقيقات " أو"الوقائع المتوفرة " أدت إلى نعت النزاع موضوع الدعوى بالجدية أو بعدمها.

وفي سبيل تجاوز الصعوبات التي تواجهه، في هذا المضمار، لا شيء يمنع من أن يلجأ القاضي إلى أشخاص متخصصين وخبراء في موضوع الدعوى أو أن يلجأ إلى أي وسيلة عملية تمكنه من الوصول إلى النتيجة المرادة . فقد يطالب المتخاصمين بتقديم بعض الأوراق الإيضاحية ، وربما يلجأ إلى مداولات أحد المجالس البلدية ، أو حتى إلى قرار محكمة أخرى متعلق بالموضع ، وقد يعتمد القاضي أيضاً في تقديره لجدية النزاع على تصرفات المتخاصمين في دعوى الأساس أو على قبول هذه الدعوى و عدم قبولها من قبل المحكمة . وقد يلجأ أيضاً إلى تفسير خاص لبنود وشكل العقد الذي يجمع الأطراف لدرجة جواز التساؤل عن ضرورة اللجوء فيما بعد إلى المحكمة طالما حدد قاضي العجلة على من تقع المسؤولية بشكل مسبق.

إضافة إلى ذلك، قد يلجأ القاضي في تحليلاته إلى أسباب قانونية بحتة إن لناحية الاختصاص أو لناحية الشكل أو الموضوع . فقد قرر مثلا أن الدين موضوع النزاع هو من الديون التي يحكمها القانون الخاص والتي حكمت به محكمة الاستئناف العادية ولا يعود لقاضي الأمور المستعجلة بأي حال أن يبحث في الصعوبات التي أدت إلى عدم تسديده . وفي قضية أخرى تتعلق بالحجز على إحدى الديون، ورغم اعترافه بعدم صحة الحجز، أعلن قاضي العجلة عدم اختصاصه لإعلان ذلك، حسب ما طلب منه، و بالتالي عدم جواز البحث بطلب السلفة الوقتية المقدم . وفيما يتعلق بإحدى الاتفاقات التي تسيير الأسواق العامة أعلن قاضي العجلة عدم تمكنه من البحث بما طلب منه نظراً لعدم دخول هذه الاتفاقية في إطار العقود الإدارية .

ورغم إعلان اختصاصه في كثير من الأحيان، رفض القاضي الإداري، بصفته قاضي أمور مستعجلة، تقرير السلفة المطلوبة بناء على عدد من الأسباب الموضوعية أو الشكلية . فقد قرر مثلاً أن "وجود سبب متعلق بالنظام العام من شأنه أن يؤدي إلى إلغاء العقد" هو أمر كاف لوصف التنازع بالحق- موضوع الطلب- بالجدية . أما في المجال الطبي و الصحي، فقد اعتبر الاجتهاد أن عدم تقديم الإثبات من قبل إحدى المؤسسات الاستشفائية على خطأ المتقاضي من شأنه أن يجعل النزاع في الحق و في الأسباب التي تدلي بها المؤسسة نزاعاً جدياً مما يحرمها من الاستفادة من السلفة التي طلبتها .

المبحث الثاني : سلطة القاضي في منح السلفة

إن الحكم بالسلفة الوقتية، عادة ما يكون في القضاء الإداري لغير مصلحة السلطة العامة بمن يمثلها من وزارات، بلديات أو مؤسسات عامة. من هذا المنطلق، و حرصاً على مصلحة الخزينة العامة خول المشرع القاضي الإداري سلطات واسعة و حرية كافية في تقرير السلفة و تقديرها وفق ما تفرضه عليه رؤيته الخاصة للوقائع دون المساس بحقوق أي من المتخاصمين (أ). و للقاضي أيضاً، في سبيل الحفاظ على حق الخاسر، أن يفرض على المستفيد من السلفة الوقتية تقديم كفالة تضمن إرجاع المبلغ المحكوم له به في حال لم يثبت فيما بعد أحقيته بذلك (ب).

أ) حرية القاضي في التقرير و التقدير

لا يجبر القاضي في حال توفرت الشروط اللازمة لتقرير السلفة الوقتية أن يحكم بها، مثل هذا الأمر يبقى فقط رهن قناعاته الخاصة [1]. و في حال حكم بها، له حرية كاملة في تقدير مبلغها [2].

[1] سلطة التقرير:

عندما وضع النصوص المنظمة لتدبير السلفة الوقتية، لم يحرص المشرع فقط على مصلحة المستفيد منها
بل التزم بمبادئ الإنصاف و العدالة لحماية الخصم المحكوم لغير صالحه. فقد تفرض الظروف على هذا الأخير أن يواجه في القضية ضحية مزعومة لديها كل وسائل الإقناع للحصول على السلفة التي تطلبها، و من الممكن أيضاً أن تعتمد محكمة الأساس حلاً للمسألة المتنازع فيها غير الذي قرره قاضي العجلة، فيتحول عندئذ الخاسر إلى رابح لا يستطيع ربما استرجاع ما دفعه كسلفة بسبب عسر او افلاس الشخص الآخر ... هاذين السببين و غيرهما من الأسباب دفعت المشرع إلى حماية المتخاصم المحكوم عليه بالسلفة من خلال اعطاء القاضي حرية كاملة لمنح أو لمنع السلفة الوقتية رغم توافر كامل الشروط الموضوعية التي تسمح بالحكم بها. هذه السلفة لا تعتبر حقاً مكتسباً لأي من المتخاصمين، فهي لا تعدو عن كونها "مبلغاً مؤقتاً واحتياطياً يرد فيه بشكل مبدئي على طلبات المدعي بانتظار حل جذري للأمور المتنازع فيها ".

إن مثل هذه السلطة المطلقة في حرية التقرير الممنوحة للقاضي تستنتج بوضوح من صياغة النص الفرنسي للمادة (R.541-1 ( من قانون القضاء الإداري الجديد و التي ترعى حالياً،كما ذكرنا، تدبير السلفة الوقتية. فعلى غرار النصوص القديمة، نصت هذه المادة على انه "يمكن للقاضي منح سلفة وقتية للدائن..."، وعليه فان استعمال كلمة "يمكن" يستبعد أي فرضية على وجوب منح السلفة من قبل القاضي في حال توفرت كل شروطها و إلا لكان المشرع استعمل عوضاً عن هذه الكلمة عبارة "يجب على القاضي" أو "على القاضي " أو أي صياغة أخرى تفيد نفس المعنى. و في هذا السياق فإننا نعتبر قرار "شركة تامين فرنسا" قراراً مبدئياً. ورد في حيثيات هذا القرار أنه "رغم توفر كل الشروط المفروضة قانوناً لمنح السلفة الوقتية، فان للقاضي حرية كاملة في تقريرها وفق ما يراه مناسباً من ظروف الدعوى ". على الرغم من تقليل البعض من أهمية هذا القرار و اعتباره "قراراًُ منعزلاً، لم يتبع إلا استثنائياً، و لا يجوز بالتالي التأسيس عليه كتوجه قضائي جديد "، اعتبر البعض الآخر على عكس ذلك أن التفسير المتبع في هذا القرار للنص القانوني هو "التفسير الأكثر طبيعية و تلقائية " لأنه يسمح للقاضي، ضمن دائرة الحس السليم في ادارة مرفق العدالة، بالموازنة بين المصلحتين العامة والخاصة وفق ما تفرضه رؤيته للأمور و ليس وفق ما يفرضه ظاهر الحال من توفر - قد يكون مغلوطاً - للشروط الموضوعية المنصوص عليها. يدافع أنصار هذا التيار عن وجهة نظرهم بالتأكيد انه في حال التخوف من الاستعمال السيئ لهذه السلطة من قبل بعض القضاة قليلي الخبرة فان تعديل هذا الأمر لا يكون بالنصوص إنما برعاية صحيحة- خارج البحث- لكيفية تعيين وتشكيل و إعداد الجهاز القضائي.

اعتمد هذا التفسير الطبيعي للنص في عدد من القرارات التي رفض فيها القاضي تقرير السلفة المطلوبة لكثير من الاعتبارات التي يفرضها عليه منطق القانون الإداري و المبادئ العامة و الخاصة المطبقة فيه. فقد قرر انه حين يكون للسلطة العامة كل الإمكانية في اتخاذ قرار إداري يضمن لها حقوقها من خلال تنفيذه المباشر و التلقائي، ليس للقاضي في هذه الحالة أن يقرر لمصلحتها السلفة التي تطلبها . هذا ما اعتمده القاضي في محكمة (ليون) حين قرر أنه ليس لإحدى البلديات أن تستفيد من سلفة وقتية عن دين لها في ذمة إحدى الشركات المتعاملة معها طالما سمح لها القانون باتخاذ بعض التدابير و القرارات التنفيذية التي تخولها الحصول على حقها و ضمانه . في هذا الإطار، لا بد من التذكير أن صفة النفاذ بالنسبة للقرارات الإدارية، والتي تعتبر قاعدة أساسية للقانون العام الفرنسي، لا يجوز أن تستعمل من قبل الإدارة أو السلطة العامة بشكل عشوائي دون أي سند قانوني يسمح بهذا الأمر . و في كل الأحوال فان البت بالسلفة الوقتية من قبل القاضي لا يجوز أن يعطل ولا أن يمس " الإعراض على نفاذ القرارات الإدارية" التي يسمح به القانون كإحدى طرق المراجعة التي تؤدي إلى تعليق تنفيذ القرارات و التدابير التي اتخذتها السلطة العامة .

بالإضافة إلى اعتبارات القانون الإداري المشار إليها فيما سبق، فان المزج بين مبادئ "رعاية المصلحة العامة" و "حماية أموال الدولة" من جهة و "إحقاق الحق" و "حسن سير مرفق العدالة" من جهة أخرى، هو الذي يدفع القاضي، في بعض الأحيان، إلى رفض السلفة الوقتية المطلوبة، حسب ما أشارت إليه محكمة الاستئناف الإدارية في العاصمة الفرنسية .

[2] سلطة التقدير

أشرنا فيما سبق أن قاضي الأمور المستعجلة ليس مقيداً حين يقرر منح السلفة الوقتية بالمبالغ المطلوبة من قبل الخصوم، فله في ذلك حرية كاملة و سلطة واسعة للتقدير شرط الالتزام بمبالغ لا "تتعدى قيمة الحقوق المتنازع بها جدياً ". هذا ما استقر عليه القضاء العادي و تبعه في ذلك القضاء الإداري .

وهنا يطرح التساؤل، في حال عدم التنازع بمبلغ الدين، هل للقاضي أن يحكم بسلفة تساوي قيمة هذا المبلغ؟ أم انه يفرض عليه الحكم فقط بجزء منه ؟ الجواب جاء واضحاً من قبل الاجتهاد، فقد أثبتت الإحصائيات أن معظم المبالغ التي حكم بها قضاة الأمور المستعجلة كسلفة وقتية أتت اقل من مبالغ الدين أساس النزاع ، إلا أن هذا لا ينفي الحكم في بعض الحالات بقيمة الدين كله حتى ولو كان المبلغ المحكوم به غير مطلوب بكامله، و دائماً شرط عدم وجود نزاع جدي فيه ، سواء أكان الحكم في صالح السلطات العامة أو في غير صالحها .

الواقع، أن قرار القاضي و تقديره لمبلغ السلفة مرهون بأهمية الإثباتات المقدمة من الأطراف وقوة حجيتها وبدقة المبالغ المطلوبة وصحتها. فقد يرفض السلفة كلياً عند انتفاء أي دليل عليها ، والأمر على عكس ذلك حين يقوم المتقاضي باثبات دقيق لصحة الحق المتنازع به وبتحديد أكثر دقة للمبالغ المطلوبة كسلفة وقتية، كما هو الحال عادة في النزاعات المتعلقة بالعقود . تقدير السلفة الوقتية مرتبط مباشرة بالنزاع الجدي في قيمة الدين نفسه، فالقاضي لا يقرر سلفة سوى من قسم الدين غير المتنازع به جدياً .

في عمله هذا، يعتمد القاضي على أكثر من عنصر و منها تقرير الخبرة . فهو لا يحكم عادة بسلفة تفوق المبلغ الذي قيمت به الأضرار من قبل الخبير ، غير انه لا شيء يمنع من عدم الأخذ جزئياً بتقرير الخبير عند انتفاء مبدأ الوجاهية، الذي يفرض وجود المتخاصمين عند المعاينة، في قسم منه . وفي كل الأحوال، حين يستنتج من تقرير الخبير ما يستشف منه توزيعاً للمسؤولية، أجاز القاضي لنفسه بإنقاص المبلغ المطلوب كسلفة وقتية . يضاف في هذا الإطار أن النزاع الجدي في صحة تقرير الخبير من شأنه أن يخفض قيمة المبلغ لأن القاضي، في هذه الحالة، ليس مضطراً أن يتخذ موقفاً تشير معظم الترجيحات إلى نقضه لاحقاً عند قاضي الأساس أو في الاستئناف .

يخلص مما سبق أن قاضي الأمور المستعجلة الإداري المخول الحكم بالسلفة الوقتية كتدبير مؤقت و احتياطي "عادة ما يترك هامشاً لا بأس به بين المبلغ المحكوم به و مبلغ الدين أساس النزاع" ليتحاشى في ذلك إمكانية إحراجه فيما لو حكم قاضي الأساس بمبالغ أدنى مما أبرزه ظاهر الوقائع والأوراق لقيمة الحق أو الدين .

ب) آلية الكفالة

تنبه المشرع إلى أن الحكم بالسلفة الوقتية سوف يكون، في كثير من الأحيان، لغير مصلحة السلطة العامة مما سيكلف الخزينة أموالا طائلة تفقدها في حال تعسر المستفيد عن ردها فيما لو حكم لاحقاً ضد مصلحته عند قاضي الأساس. انطلاقاً من هذا و حرصاً على حس الطمأنينة لدى المتقاضين و على مبدأ الاستقرار في التعاملات القضائية ، أوجد القانون آلية تضمن حقوق الخصم الخاسر تسمح للقاضي أن يفرض على المستفيد من السلفة الوقتية تقديم كفالة تضمن إرجاعه للمبلغ المحكوم له به في حال لم تسير الأمور لاحقاً لصالحه.

دون الدخول بالجدل الفقهي حول اعتبار هذه الآلية من ضمن الشروط الموضوعية للحكم بالسلفة الوقتية أو اعتبارها في خانة السلطات التقديرية المتروكة للقاضي ، نرى مناسباً الإشارة إلى أمرين أساسيين : نسطر أولاً أن آلية الكفالة قد استعملت من قبل القاضي بشكل موجه للموازنة بين المصالح المتضاربة مع الميل لحماية المصلحة العامة [1] لننتقل ثانيةً إلى إبراز الانتقادات التي يمكن أن توجه إلى هذه الآلية [2].

[1] آلية موجهة

كشف التطبيق القضائي لتدبير السلفة الوقتية عن اتخاذ القاضي الإداري مسلكاً موجهاً في تفعيله لآلية الكفالة. فرغم سماح القانون لكل الخصوم بالاستفادة من هذه الآلية، لاحظ البعض قلة تطبيقها لغير صالح الأشخاص العموميين ، بمعنى انه حين تكون الدولة أو البلدية أو المؤسسة العامة هي المستفيدة من الحكم في السلفة الوقتية لا يجبرها القاضي عادةًُ على تقديم أي كفالة . مرد ذلك ربما، إلى النظرة السائدة التي تعتبر الدولة أو الشخص العام، بشكل أكثر شمولية، خصماً شريفاً في النزاع يعطي لكل ذي حق حقه. فهو الشخص الأكثر ملاءة، يستطيع - نظرياً - دفع المتوجب عليه في أي لحظة من أموال الخزينة العامة دون أية عراقيل جوهرية .

" هذا الاتجاه الاجتهادي يتناقض مع الغاية الأساسية لآلية الكفالة التي تهدف إلى ضمان حق المتقاضين بصرف النظر عن ملاءتهم أو قوة موقعهم"، هذا ما أكده السيد Batjon في تعليقه على مقارنة أجراها بين حكمين، صادرين عن محكمة مدينة (ليل)، يتشابهان في الوقائع و في الطلبات. اتضح من هذه المقارنة أن القاضي فرض، من غير تردد، على المتخاصم من أفراد القانون الخاص، المستفيد من السلفة الوقتية، تقديم كفالة يضمن بها حقوق الخزينة العامة فيما لو تعسر لاحقاً وضعه المادي ، في حين لم يكن هذا موقفه عندما كانت الأمور متجهة في شأن السلفة الوقتية لصالح شخص عام .

رغم أهمية الملاحظة التي أدلى بها السيد Batjon، لا نستطيع إلا و أن نعلق عليها بأمرين : واحد عملي والآخر نظري . نسطر أولاً أن التطبيقات القضائية كشفت - ولوفي وقت لاحق لما كتبه المؤلف- عن عدم إجبار القاضي لشخص من القانون الخاص على تقديم كفالة رغم استفادته من سلفة حكم بها في غير مصلحة احد الأشخاص العموميين الذي طالب، دون جدوى، بإعمال آلية الكفالة . و من الناحية النظرية، فإننا نجد ما ذهب إليه القاضي يعود إلى سلطته التقديرية الواسعة في إطار تقرير السلفة الوقتية و إلى هامش الحرية الكبير الذي أعطي له في تقدير الظروف إعمالا لمبدأ الملاءمة و الموازنة بين حقوق المتخاصمين و مصالحهم. و لعل فيما كشفته التطبيقات القضائية من استعمال كبير لآلية الكفالة عند ارتفاع مبلغ السلفة المحكوم بها، أبلغ دليل على ذلك.

الرائد في عمل القاضي – أو على الأقل هذا ما يجب أن يكون – هو الحرص على مصالح المتقاضين دون أي نظرة تفضيلية بينهم . فقاضي الأمور المستعجلة الإداري مكلف، وفق منطق الأمور، بحماية حقوق المتقاضين استناداً إلى قناعاته الخاصة التي تفرضها عليه قراءته للوقائع، فله مثلاً ألا يفرض أي كفالة إلا عند بلوغ السلفة الوقتية مبلغاً لا بأس بقيمته وله أيضا أن يفرض على المستفيد من السلفة كفالة جزئية من قيمة المبلغ المحكوم به وله أيضا أن يتجاهلها كليا، خاصة في الحالات التي يصادف فيها أن يحكم قاضي الأساس في الدعوى قبل اتخاذ أي قرار عند قاضي العجلة .

لعل في التمعن بقرار محكمة الاستئناف الإدارية في مدينة (ليون) المؤرخ في 13\11\1991 ما يوضح التوجهات التي يعتمدها القاضي في أحكامه. فقد تبين أن الأخير لا يفرض كفالة على الشخص العادي المستفيد من سلفة وقتية من المال العام إلا في حالة الشك – الذي لم يرقى لدرجة المنع الكلي للسلفة الوقتية – في جدية الأسباب المدلى بها . فقد تكون الحجج المقدمة من المستفيد كافية لإثبات جدية الحق ظاهرياً لكنها غير كافية لإزالة الشك من داخل القاضي الذي لا يجد في هذه الحالة مفراً من إجبار الشخص المعني على تقديم كفالة لضمان أموال الدولة العمومية المدفوعة له كسلفة. هذا وقد يلجأ القاضي أيضا إلى إعمال الآلية المبحوث فيها عند تشكيكه في قدرة المستفيد على إرجاع المبلغ المحكوم به .

الواقع، إن حيادية القاضي و حرصه على مصلحة المتقاضي الفرد بنفس القدر الذي يحرص به على أموال الدولة تظهر بشكل أوضح في الدعاوى المتعلقة بالمسؤولية الطبية. فقد طلبت سيدة متضررة جسدياً،عند تواجدها، في إحدى المرافق السياحية العائدة للسلطة العامة، من قاضي العجلة في مدينة (تولوز) أن يقرر لها سلفة وقتية تمكنها من توفير المصروفات اللازمة لاستكمال علاجها الذي بدأت به كونه لا يحتمل التأخير. بعد تأكده - حسب ظاهر الأوراق - من مسؤولية الشخص العام عن ضرر المدعية، قرر القاضي إجابتها على ما طلبت دون أن يفرض عليها تقديم أية كفالة تذكر . التوجه نفسه اعتمده القضاء في كثير من القضايا المتعلقة بالأشغال العامة و بالعقود الإدارية حيث حكم في إحدى هذه القضايا لصالح احد الأفراد بمبالغ تعدت المليون فرنك فرنسي و ذلك دون فرض أي كفالة على المستفيد .



[2] آلية منتقدة

رغم اعتراف الكل بصوابية الأهداف التي تقف وراء اعتماد مثل هذه الآلية فإنها لم تسلم من النقد لناحيتين أساسيتين. يشار أولاً إلى أن هذه الآلية تتناقض بعض الشيء مع الهدف الأساسي الذي وجد من أجله تدبير السلفة الوقتية و يشار ثانية إلى العيب في النص المنظم لها لجهة عدم وضوحه بشكل كافي.

من المعلوم أن الحكم بالسلفة الوقتية من شأنه أن يوفر للمتقاضي مبلغاً مستعجلاً من المال يستفيد به مؤقتاً للقيام بكل التدابير الاحتياطية للحفاظ على حقه أو لتسيير أموره التي لا يمكن إنجازها إذا اعتمد على وضعه المادي قبل تقرير هذه السلفة لصالحه. وهنا تبرز إشكالية العرقلة التي يضعها مبدأ الكفالة أمام الأهداف المتوخاة من تدبير السلفة الوقتية، فهل يستفيد فعلياً الشخص الذي حكم له بسلفة توازي 380 ألف فرنك فرنسي حين يفرض عليه تقديم كفالة بقيمة 200 ألف فرنك أي ما يتعدى 50 % من قيمة السلفة ؟ فربما تفرض عليه هذه الكفالة حجز جزء كبير من أمواله في المصرف بشكل يحرمه من إمكانية تشغيلها أو الاستفادة منها، و ربما يفرض عليه مبدأ الكفالة أيضاً حجزاً لبعض ممتلكاته و عقاراته أو رهناً لها ...!

في نفس الإطار، و في رأي بعض الفقهاء ، إن فرض آلية الكفالة من شأنه أن يضرب المفاهيم الأساسية التي تقف وراء الشروط الموضوعية لتقرير السلفة الوقتية. فقد اشرنا سابقاً إلى أنه ليس للقاضي أن يحكم بسلفة وقتية إلا بعد التأكد من عدم جدية النزاع في الحق أو في الدين أو في الأسباب المدلى بها، بينما يفترض فرض الكفالة على عاتق المستفيد من السلفة، ريبة في وضعه. التناقض بين الشك في وضع المستفيد و التأكد من جدية الأسباب التي يدلي بها هذا الشخص يضعف المنطق الذي يسيير فكرة الكفالة. يضاف إلى ذلك أن القاضي، في تقريره للكفالة الضامنة لإرجاع السلفة لخاسرها، يوحي بأن محكمة الأساس سوف تخالفه الرأي و سوف تحكم بخلاف ما قرره. أليس في الأمر تناقض و شك من قبل القاضي بقناعاته الذاتية التي أسس من خلالها لقراره بمنح السلفة لأحد الخصوم ؟

من جهة أخرى، فان النقد يوجه إلى الصياغة التي أتت بها النصوص الفرنسية المنظمة لآلية الكفالة. فقد نصت المادة (R.541-1) من قانون القضاء الإداري الجديد، شانها في ذلك شان النص القديم في قانون المحاكم الإدارية، على أنه "للقاضي أن يفرض من تلقاء نفسه على المستفيد من السلفة تقديم كفالة". توقف الأمر عند هذا الحد دون أن يوضح النص نوع الكفالة أكانت مصرفية أم عقارية أم عينية ... يعاب على النص أيضا عدم توضيحه للمسألة المتعلقة بصياغة الحكم : فهل يكتفي القاضي بتقرير مبدأ الكفالة دون توضيح ولا تفصيل، تاركاً الأمر في تحديدها للملزم بدفعها أو أن القاضي مجبر على تحديد نوعها بدقة؟ الواقع أن المراقب للاجتهاد الفرنسي يلاحظ بسهولة أن قضاء الأمور المستعجلة اعتمد في هذا الشأن "ليبرالية متميزة " برزت من خلال تقبله لأنواع عديدة من الكفالات، كانت نتيجة لتفسيرات عديدة و مختلفة للنص، تبناها كل قاضي على حدة دون أن يقيده في ذلك شيء . فعلى الرغم من أن في معظم الحالات الاجتهادية التي فرضت فيها كفالات كان يحكم بالحوالات مصرفية، لا يجوز أن نتجاهل أن القضاء فرض أنواعاً أخرى منها. نذكر على سبيل المثال :ً الضمانات العينية الشخصية (الرهن ،الحجز ، التأمينات...) التي نصت عليها الفقرة (2) من المادة (R.277-1) من قانون الإجراءات في فرنسا .


د./ بلال عقل الصنديد


















الخاتمة :
نحو إدخال تدبير السلفة الوقتية في القانون الوضعي الكويتي .

لا تبلغ أي دراسة للقانون المقارن أهدافها وجدواها إلا بالقدر الذي يمكن الاستفادة منها في تعزيز وتطوير النصوص المشابهة في القانون الذي يشتغل فيه الباحث أو في سبيل إضافة نصوص جديدة تؤطر موضوعاً غفل عنه المشرع المحلي .

من هذا المنطلق، جاءت دراستنا لتدبير السلفة الوقتية في فرنسا بهدف حث المشرع الكويتي والعاملين في حقل القانون في دولة الكويت – بشكل عام – على الاستفادة من تجربة الفقه والقضاء الفرنسيين في هذا الإطار من خلال العمل على ادخال نصوص تشريعية أو تعديل نصوص أخرى بما يسمح للقاضي الإداري الكويتي بإمكانية الحكم بالسلفة الوقتية.

في الواقع، إن البحث في إدخال تدبير السلفة الوقتية في القانون الإداري الكويتي يلزمنا التساؤل عن الأمور التالية : ماذا يعني قضاء الأمور المستعجلة الذي تعتبر السلفة الوقتية جزءاً منه ؟ وما هي التدابير التي يمكن أن يأمر بها القاضي ؟ وما هي الخطوات التي يجب اتخاذها بغية إدخال هذه التدابير في القانون الوضعي الكويتي ؟

بشكل عام و كما اشرنا في المقدمة، يعرف قضاء الأمور المستعجلة بمجموعة من التدابير التي يمكن للقاضي أن يأمر باتخاذها، في حالات العجلة L`urgence و دون المساس بأصل الموضوع الذي يتم تناوله أمام محكمة الأساس، بهدف الحفاظ على الحق و درء الخطر عنه أو تذليل صعوبة في شأن الموضوع المتنازع فيه أو بهدف إثبات حالة واقعية مهددة بالتلف أو التغيير . بمعنى آخر يحق لقاضي الأمور المستعجلة، بناء على طلب المتقاضين و بانتظار الحكم بالأساس، الذي عادة ما يأخذ وقتاً طويلاً، أن يأمر ببعض التدابير التحفظية والوقتية التي تستدعيها الحالة الطارئة و الظروف الموضوعية التي تحيط بالشيء المتنازع فيه، و ذلك دون أن يكون في القرار الذي اتخذه القاضي أي بحث معمق في موضوع النزاع الأصلي أو بت نهائي فيه. هذا الأمر الأخير يبقى متروكاً للمحكمة التي رفعت أمامها الدعوى الأساسية.




و للإجابة على التساؤل حول ما يمكن لقاضي الأمور المستعجلة أن يتخذ من تدابير، لا يمكن لنا، مرة أخرى، إلا إلقاء نظرة سريعة على التشريع الفرنسي الذي يعتبر رائداً في هذا المجال و أكثر تطوراً من نظيره الكويتي الذي سننتقل له لاحقاً بغية كشف واقعه في مجال قضاء الأمور المستعجلة و البحث في إمكانية تطويره في هذا الإطار.

الواقع أنه، بالإضافة إلى تدبير السلفة الوقتية موضوع البحث و بالإضافة إلى بعض التدابير المستعجلة الخاصة (Les référés spéciaux) والتي لا مكان لاستعراض أحكامها في هذا المقام، و بموجب النصوص المتعلقة بالتدابير التحفظية و الوقتية في القانون رقم ٥٩٧/٢٠٠٠ و مراسيمه التنفيذية، يمكن لقاضي الأمور المستعجلة في القضاء الإداري الفرنسي أن يأمر بالتدابير التالية :

1. المعاينة و تقارير الخبرة ( Le référé constat et le référé instruction (

يسمح هاذين التدبيرين للقاضي بتعيين خبير على سبيل السرعة من أجل معاينة الوقائع المهددة بخطر تلفها أو التي يمكن أن تكون سببا لنزاع أمام محكمة الأساس. وللقاضي أيضاً أن يأمر بأي إجراء من شأنه أن يفضي إلى الاستماع للشهود أو معاينة الوقائع أو الكشف عن الأضرار . . . قبل تغيير الظروف المحيطة بها و ذلك في سبيل تكوين صورة أولية عن واقع الحال قد تكون مفيدة عند البحث في أساس الموضوع المتنازع فيه أمام محكمة الأساس .

2. التدابير التحفظية (Le référé conservatoire)

يسمح هذا النوع من التدابير للقاضي أن يتخذ على سبيل العجلة، بناء على طلب صاحب العلاقة، جميع الإجراءات والتدابير الضرورية، الممكنة، المؤقتة و الاحتياطية التي من شأنها أن تحافظ على الحق أو تدفع الضرر عنه و ذلك دون التعرض لأصل الحق . فيمكن مثلاً للمتقاضي من خلال هذا الإجراء مطالبة القاضي أن يأمر الإدارة بتسليمه وثيقة إدارية معينة تمنعها عنه رغم أنها قد تكون مفيدة في البحث لاحقاً عند محكمة الأساس.






3. التدابير المتعلقة بالإخلال بموجبات الإعلان و توفير المنافسة التي تخضع لها الصفقات العمومية و الاتفاقات المتعلقة بادارة المرفق العام ((Le référé précontractuel

بشكل عام وبموجب هذا التدبير يحق للأشخاص المؤهلين للادعاء وهم: ذوو المصلحة لإبرام العقد و الذين يمكن أن يتضرروا من الإخلال بموجبات الإعلان و توفير المنافسة التي تخضع لها الصفقات العمومية و الاتفاقات المتعلقة بإدارة المرفق العام، و كذلك ممثل الدولة في الإدارة المعنية حيث ابرم العقد أو حيث يجب أن يبرم من قبل بلدية أو مؤسسة عامة، أن يطلبوا من قاضي الأمور المستعجلة قبل إبرام العقد أن يأمر المخل بالتقييد بموجباته وأن يعلق توقيع العقد أو تنفيذ كل قرار متعلق به، أو أن يأمر أيضا بإبطال هذه القرارات و محو البنود المعدة لكي تدرج في العقد و التي تخالف الموجبات المذكورة.

4. التدابير المتعلقة بالمساس بالحريات الأساسية من قبل الإدارة ((Le référé libérté

يسمح هذا التدبير للقاضي في حالة العجلة الماسة (Urgence extreme) باتخاذ كل التدابير المؤقتة والاحتياطية الضرورية لحماية الحريات الأساسية المعتدى عليها بشكل صارخ ومبالغ في عدم مشروعيته عند ممارسة إحدى السلطات العامة للاختصاصات الممنوحة لها أو الممنوحة لأحد أشخاص القانون الخاص بمناسبة إدارته لمرفق عام .

5. وقف نفاذ القرار الإداري Le référé suspension) (:

يسمح القانون الفرنسي لقاضي الأمور المستعجلة الإداري في حالة وجود دعوى إلغاء ضد قرار إداري (سلبي أو ايجابي) لدى محكمة الأساس و بشرط وجود شك جدي في عدم مشروعيته وتوفر عنصر العجلة ((L`urgence أن يأمر، بناء على طلب صاحب المصلحة، بوقف نفاذ كل أو بعض آثار هذا القرار.

بالعودة إلى القانون الكويتي، فانه من السهل الملاحظة أن التدابير المستعجلة التي يمكن لقاضي الأمور المستعجلة الإداري الكويتي تقل كثيراً عما هو مسموح به للقاضي الإداري الفرنسي . كل ما يمكن للمحكمة الكلية الإدارية أن تأمر به على سبيل العجلة هو مستمد من نص المادة 6 من المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1981 بإنشاء دائرة بالمحكمة الكلية لنظر المنازعات الإدارية، و التي يتبين من أحكامها أنه :

(( لا يترتب على طلب إلغاء القرار (الإداري) وقف تنفيذه، على أنه يجوز للدائرة الإدارية متى طلب منها في صحيفة الدعوى:
- أن تأمر بوقف تنفيذ القرار إذا رأت أن نتائج التنفيذ قد يتعذر تداركها، و كان من القرارات المنصوص عليها في البند خامساً من المادة الأولى.
- أن تأمر باستمرار صرف المرتب كله أو بعضه لحين الفصل في طلب إلغاء إنهاء الخدمة إذا رأت في ظروف الدعوى ما يبرر ذلك. ))

يخلص مما سبق أن للمحكمة الكلية الإدارية في الكويت، بناء على طلب صاحب دعوى إلغاء القرار الإداري و دون المساس بأصل الموضوع او البحث فيه أو الغوص بأوراق الدعوى، أن تأمر في الشق المستعجل من الدعوى بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، شرط ان يترتب على تنفيذه حدوث نتائج يتعذر تداركها أو اصلاحها في المستقبل، و على ان يكون ذلك القرار حصراً ضمن ما ورد في البند خامساً من المادة الأولى، و هي الطلبات التي يقدمها الأفراد أو الهيئات بإلغاء القرارات الإدارية النهائية، فيما عدا القرارات المتعلقة بأمور سيادية أو ذات طبيعة حساسة أو خاصة كالقرارات المتعلقة بمسائل الجنسية و إقامة و إبعاد غير الكويتيين و تراخيص إصدار الصحف و المجلات و دور العبادة .

تجدر الإشارة في هذا الإطار إلى أن الحكم الصادر في جانب الأمور المستعجلة لاختصاص المحكمة الكلية الإدارية، هو حكم لا يقييدها بأي حال من الأحوال عند فصلها في موضوع النزاع الأساسي. فقد تقضي المحكمة بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه ثم تقضي برفض طلب إلغاء ذات القرار و في هذه الحالة يتجرد الحكم بوقف التنفيذ من أي أثر له و يسترد القرار قوته و نفاذه. بمعنى آخر، يسقط الحكم المؤقت الصادر، تحت عنوان العجلة، بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه بنفس الوقت الذي يصدر فيه الحكم بالأساس المنتهي إلى رفض طلب الحكم بإلغاء هذا القرار.

و يخلص أيضا من أحكام المادة السادسة التي سقنا بعض أحكامها، أن للقاضي الإداري الكويتي، بصفته قاضي أمور مستعجلة، أن يلبي طلب الموظف، الذي يختصم الإدارة في شأن قرار إنهاء خدمته، بالحكم لصالحه باستمرار صرف كل مرتبه أو جزء منه لحين البت بالدعوى الأساسية.

صار واضحاً اذاً، أن المشرع الكويتي، من خلال نص البندين (1 و 2) من المادة السادسة المشار اليهما فيما سلف، يكون قد حصر الشق المستعجل من الدعوى الإدارية في وقف نفاذ القرارات الإدارية الصادرة في شأن الأفراد و الهيئات و استبعد ما سوى ذلك من قرارات و منها بشكل خاص تلك المتعلقة بشؤون الموظفين المنصوص عليها بالبنود (ثانياً، ثالثاً و رابعاً) من المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1981 بإنشاء دائرة بالمحكمة الكلية لنظر المنازعات الإدارية.

في هذا الموقف، يكون المشرع الكويتي قد تصور أنه لا يترتب على نفاذ القرارات المستثناة أي ضرر يتعذر تداركه و بالتالي ينعدم توفر أحد شروط وقف التنفيذ الأساسية التي يشترطها القانون. الا أنه بالمقابل افترض المشرع أن قرارات إنهاء الخدمة، دون غيرها من القرارات المتعلقة بالموظفين، قد يترتب عليها حرمان الموظف من راتبه الذي يعتبر عنصرا جوهريا لاستمرار معيشته و أسرته بشكل طبيعي. و عليه أوجد المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1981 المشار إليه سابقاً آلية بديلة عن وقف التنفيذ يجوز بموجبها للموظف الذي يطعن في قرار إنهاء خدمته أن يطلب في صحيفة دعواه من المحكمة أن تأمر له بكل او بجزء من راتبه، وذلك لحين الفصل في طلب الإلغاء. و للمحكمة، بناء على هذا الطلب، ان تجيبه بالإيجاب إذا وجدت في الظروف المحيطة بالدعوى ما يبرر ذلك.

الواقع، ان هذه الآلية الأخيرة تلتقي في بعض الوجوه مع تدبير السلفة الوقتية في فرنسا، و ذلك في الحالة التي نعتبر فيها ان الراتب الذي يطلب الموظف، بشأنه وعلى سبيل العجلة، من المحكمة الحكم له به كاملاً أو جزئياً، هو دين يترتب في ذمة الإدارة لصالح الموظف الذي يختصمها أمام القضاء الإداري بهدف إلغاء قرار إنهاء خدمته. بمعنى آخر، نتصور في حالة الطعن بقرار إنهاء الخدمة أمام محكمة الأساس أن الراتب (الدين) الذي يستحقه الموظف لقاء عمله يتوقف عنه لغاية صدور الحكم الأساسي المتعلق بإلغاء قرار إنهاء الخدمة. في هذه الحالة و لظروف موضوعية يقدرها القاضي يجوز له، كما بينا عند معالجتنا لتدبير السلفة الوقتية، أن يأمر بناء على طلب صاحب العلاقة بجزء أو بكل هذا الراتب (الدين)، و ذلك كله بانتظار الفصل بأساس الدعوى.
الخلاصة : إن الشق المستعجل من الدعوى الإدارية في الكويت، ما زال في المرحلة الجنينية، و ذلك لخلوه من إمكانية الأمر بالسلفة الوقتية أو الأمر بغيرها من التدابير الوقتية و التحفظية المنصوص عليها في القانون الإداري الفرنسي و في غيره من قوانين الدول التي تتبع النسق الفرنسي في القضاء الإداري و منها الجمهورية اللبنانية. و حتى فيما يتعلق بتدبير وقف نفاذ القرار الإداري الذي يلتقي فيه القانونان، ما زال كل من النص التشريعي و التطبيق القضائي في الكويت بعيداً عن درجة التطور الذي وصل إليه الجانب الفرنسي في نفس الإطار.

مما لا شك فيه، انه بالقدر الذي يكون فيه حكم القضاء عادلاً، فعالاً وسريعاً بالقدر الذي تتعزز فيه الثقة بالعدالة. ننطلق من هذه المسلمة للتأكيد، على وجه الخصوص، ان تطور و فعالية قضاء الأمور المستعجلة في القضاء الإداري من شأنه أن يعزز في أذهان المواطنين فكرتي العدالة الفعالة و دولة القانون، ذلك لأن القضاء الإداري هو عادة ما يكون الفيصل ما بين الإدارة التي تتمتع بامتيازات السلطة العامة و المواطن أو الموظف البسيط الذي لا يملك إلا إيمانه في صحة قضيته و بعدالة القضاء. من هذا المنطلق يبرز أهمية دور قضاء الأمور المستعجلة الذي بتدابيره، المتخذة تحت عنواني العجلة و الضرورة، من شأنه أن بالسرعة اللازمة على المتقاضين، الموضوعين بمواجهة خصم يفوقهم إمكانية وسلطة، كثيراً من القلق و الانتظار و يسهل أمورهم ريثما تبت محكمة الأساس في أصل الموضوع، الأمر الذي عادة ما يمتد البت به لسنوات يفقد فيها المتقاضي كثيراً من الفرص و يتحمل خلالها كثيراً من المشقة المادية و المعنوية.

أمام هذا الواقع، يفترض بالمشرع الكويتي أن يقوم بورشة تشريعية من شأنها تنقيح و تعديل و تطوير المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1981 بإنشاء دائرة بالمحكمة الكلية لنظر المنازعات الإدارية، باتجاه تعزيز دور المحكمة الكلية الإدارية في الركن المستعجل من الدعوى، بحيث يصبح القضاء الإداري الكويتي أكثر فاعلية و أكثر مجاراة للواقع المتطور الذي وصل إليه القضاء الإداري في غير بلد. في هذه الحالة فقط يمكن البحث في إدخال تدبير السلفة الوقتية إلى التشريع الكويتي و إلا أصبح أمر النص عليها منفردة اجتزاءاً لبنيان ضخم، نطمح وجوده في التشريع الوضعي الكويتي متكاملاً غير منقوص، وهو قضاء الأمور المستعجلة الإداري.






















لائحة المراجع و الملاحظات
1. Article (17) du décret-loi du 6 septembre 1926
2. Loi du 28 novembre 1955
3. حول التطور التاريخي لقضاء الأمور المستعجلة الإداري في فرنسا يراجع، على سبيل المثال :
Houalet P. ; Le référé administratif ; Th. 1958 / Guizard ; Le juge des référés ; Th. Montpellier ; 1923/ Gabolde C. ; A quoi correspond le nouveau référé administratif ; D. 1955.ch.31/ Mejan F. ; Référé administrative, sursis à execution et expertise d'urgence ; RA 1954 ; P. 257/ Casadei-Jung M.-F. ; Le juge administratif face à l’urgence, étude critique et comparative du référé administratif ; Gaz. Pal. 1985 ; P. 279
4. JO 1 Juillet 2000 ; P. 9948 الجريدة الرسمية الفرنسية :
5. Sandid B. ; le référé administratif en droit français et libanais ; Thèse Montpellier 2002
6. JO 3 septembre 1988 ; P. 11253 الجريدة الرسمية الفرنسية :
7. Stirn B. ; frais irrépétibles et référé provision devant le juge administratif, à propos de décret n° 88- 907 du 2 septembre 1988 ; RFDA. 1988 ; P. 787
8. يراجع على سبيل المثال :
Casadei-Jung M.-F. ; Le juge administratif face à l’urgence, étude critique et comparative du référé administratif ; Gaz. Pal. 1985 ; P. 279/ De Cateauvieu C. ; Le référé provision, querelles et réalités ; Mémoires DEA Droit privé ; Paris.II.1989 / Tabuteau D. ; Le contrôle de cassation en matière de référé - provision ; RDP 1993 ; P. 88
9. Caston A. ; Le référé provision et la responsabilité des constructeurs ; AJPI 1976 ; P. 498
10. Gohin O. ; Contentieux administratif ; Litec 2e éd. ; 1999 ; P. 279
11. من بين هذه الدراسات يراجع :
Chapus R. ; le juge administratif face à l’urgence ; Rapport de synthèse du colloque de l’ASTRAFI ; Gaz.Pal.1985-I-Doc ; P. 319/ Gaudemet Y.; Les procédures d’urgence dans le contentieux administratif ; RFDA 1988 ; P. 420. / Casadei-Jung M.-F. ; Etude critique et comparative du référé administratif, in Le juge administratif face à l’urgence, colloque de l’ASTRAFI, Gaz.Pal.1985-I-Doc. ; P.282 / Woehrling J.M. ; Procédure et pouvoirs du juge en contentieux administratif ; in Trentième anniversaire des tribunaux administratifs ; Rapport de synthèse du colloque, EDCE 1983-1984, n°35, P. 346 / Lepage-Jessua C. ; Pour une véritable réforme de la procédure administrative ; Gaz.Pal.1985-I-Doc. ; P.279
12. Chapus R. ; Le juge administratif face à l’urgence ; Rapport de synthèse du colloque de l’ASTRAFI, ; Gaz.Pal.1985-I-Doc ; P.279.
13. Greef G. ; Aspects du référé provision en droit du contentieux administratif ; Paris II 1992 ; P. 5
14. Perrot R. ; La compétence du juge des référés ; Gaz. Pal. 1974-II-Doc. ; P.895
15. Perrot R. ; Les incidents de provision ; Gaz. Pal. 1980,I, P. 314
16. Burki E.-P. ; note sous CE 24 octobre 1980, Société Bluntzer, JCP 1981-II-19691 / Debouy C. ; Pour un référé provision administratif, JCP 1984-I-3164
17. Chapus R. ; De l’office de juge : contentieux administratif et nouvelle procédure civile ; EDCE 1977-1978 ; n° 29 ; P. 11
18. TA Lyon 5 avril 1979 ; SARL ; Gervais c./ Bluntzer ; CJEG 1980 ; P.5 ; note MLGB ; Gaz. Pal. 1979-J-581.
19. CE 27 juin 1997 ; Centre hospitalier de Lagny ; RFDA 1997 ; P. 880
20. Gabolde C. ; Procédure des Tribunaux administratifs et des Cours administratives d’appel ; 5e édit. ; 1996
21. CE section 20 juin 1980 ; Société de Gaz de France ; Rec. 284 ; Conclusion Rougevin Baville, D 1980-I-564.
22. يراجع : XII° colloque des IEJ en 1979 à Pau, in Cahiers de L’Université de Pau ; 1979 ; P.350.
23. CE 15 octobre 1929 ; Thoreau ; Rec. 932
24. CE 20 Juin 1980 ; Sté Gaz de France ; D S 1980-I-R ; P. 564 ; Conclusion Rougevin Baville ; note Delvolvé
25. Gaudemet Y. ; Les méthodes de juge administratif ; LGDJ ; 1972 ; P.104
26. Burki E.-P. ; note sous CE 24 octobre 1980, Société Bluntzer, JCP 1981-II-19691. / Debouy C. ; Pour un référé provision administratif, JCP 1984-I-3164
27. JO 3 September 1988 ; P. 11253 : الجريدة الرسمية الفرنسية
28. Décret numéro 1115/2000 du 22 November 2000 ; JO 23 November 2000
29. Sandid B. ; le référé administratif en droit français et libanais ; Thèse Montpellier 2002
30. Chapus R. ; Droit de contentieux administratif ; Montchrestien 7e édition ; 1998 ; n° 1552
31. CE Ord. 25 octobre 1989 qui a fait l’objet d’un recours en révision rejeté : CE 1° et 4° sous-section réunies 7 mars 1990 Robert ; P.61
32. CAA Lyon 21 février 1989 ; Poteur ; LPA 1990 ; n° 52 ; P. 4
33. Huglo C. ; La pratique des référés administratifs devant le tribunal administratif.
34. TA Lyon 21 mars 1994 ; Sté Colas Rhône Alpes c./ commune de Bourg st-Andeol ; Rec. 167La Cour administrative d'appel et le Conseil d'Etat ; édt. Litec ; 1993 ; P. 129
35. TA Marseille 7 mai 1993 ; Crédit Mutule Artois-Picardie c./ Commune d’Allos ; Rec. 45
36. TA Lyon 11 mars 1992 ; M. Mazzega Bruno c./ Commune de Montrottier ; Rec. 341
37. TA Lyon 20 avril 1990 ; Syndicat des Copropriétaires Le Vallon ; Rec. 56
38. Article R- 129 CTACAA.. يراجع : Chabanol D. ; Le décret du 2 septembre 1988 : la juridiction administrative se rénove ; AJDA 1988 ; P. 733 / Jouguelet J.-P. et Loloum F. ; Le décret du 2 septembre 1988 ; AJDA 1989 ; P. 779
39. André J. – M ; note sous CE 3e et 5e sous sect. réun. 22 mars 1999 ; Soudain ; D. 1999 ; n° 38 ; P. 567
40. CAA de Lyon 29 novembre 1989 ; Claude Dalahaye c./ commune de Gremonville ; RFDA 1990 ; P. 389
41. TA Lille 21 juin 1990, Dame Y. Haunart ; Rec. 453
42. CAA Nantes ; 9 décembre 1993 ; Cne de Villers-Sur-Mer ; req. n°92NT00482.
43. Cazo M. ; Le juge des référés dans le contentieux administratif ; Th. Rennes 1 ; 1998 ; P. 235.
44. CE ordonnance Président sect. 26 octobre 1988 ; Bidalou ; Rec. 377. STIRN (B) ; frais irrépétibles et référé provision devant le juge administratif, à propos de décret n° 88- 907 du 2 septembre 1988 ; RFDA. 1988 ; P. 787
45. TA Paris décembre 1989 ; Office communal des loisirs et de la culturel de Dugny c./ Commune de Dugny ; AJDA 1990 ; P.190 ; note Plouvin J.Y.
46. CAA Lyon 2 mars 1994 ; Commune d’Allos ; Rec. T. 110 . Jouguelet J.-P. et Loloum F. ; Le décret du 2 septembre 1988 ; AJDA 1989 ; P. 779
47. Chapus R. ; Droit de contentieux administratif ; Montchrestien 10e édition ; 2002 ; n° 1649
48. Rousse J. - P. ; Le pouvoir du juge des référés d’accorder une provision au créancier dans le cas ou l’existence de l’obligation n’est pas sérieusement contestable ; Gaz. Pal. du 7 janvier 1975 ; P ; 13 / Perrot R. ; Le référé-provision et l’obligation non sérieusement contestable ; Note sous Cass. 2e civil ; 10 novembre 1998 , SARE HIM ; juris-data n° 004253 ; Procédures janvier 1999 ; p. 9.
49. Debouy C. ; Pour un référé provision administratif, JCP 1984-I-3164 .
50. Hébraud P.; obs. Rev.trim. Dr. Civ. ; 1950 ; P. 226 / Kadder A. ; La pratique du référé-provision en Droit de contentieux administratif ; mémoire de DEA ; Paris 1995 / Greffe G. ; Aspects du référé provision en droit du contentieux administratif ; mémoire de DEA ; Paris 1992 .
51. TA Toulouse ; 14 mars 1994 ; Cne de Beauregard c./ Sté Poroten ; req. n°94256.
52. CAA Lyon ; 9 juin 1990 ; Sté SOGEA SA / Tabuteau D. ; Le contrôle de cassation en matière du référé-provision ; Concl. sur CE sect. ; 10 avril 1992 ; Centre Hospitalier général d’Hyères ; RFDA janvier-février 1993 ; P. 88 .
53. CE ; 3e et 5e sous-section réunies ; 25 octobre 1993 ; Cne de Collonges –sous- Salève c./ Epoux de Laere ; req. n°121616 : «fondement juridique d’ordre public qu’il appartient, en conséquence, au juge de soulever au besoin d’office ».
54. CAA Lyon 9 juillet 1990 Société Sogéa S.A. ; P.459 et CAA Nantes 10 juillet 1991 SARL ; Ravet c./ OPHLM de Rouen ; P. 12 et TA Toulouse ; 5 avril 1994 ; Sté Quercy entreprise c./ Cne de Villeneuve ; req. n°94-277 .
55. Fernandez-Maublanc L. et Maublanc J.-P. ; note sur CAA Dordeaux 22 mai 1990 Commune de Fenouillet c./ M. Jésus Lopez ; RFDA mai-juin 1991 ; P.446
56. CAA Bordeaux ; 28 mai 1991 ; union technique ELF générale de chauffe (UTEC) ; req. n° 90BX00723.
57. Batjon B. ; Le référé provision à l’épreuve de quatre années d’existence ; LPA 28 juillet 1993 ; .P.35
58. Dugrip O. ; L’urgence contentieuse devant les juridictions administratives ; PUF 1991 ; P. 355
59. Chapus R. ; Contentieux administratif ; Montchrestien 1998 ; n° 1124 .
60. TA Nice 17 mars 1994 ; M. Bigeni. Bour ; Rec. 236
61. TA Paris 17 juin 1992 ; Mme Schoukroun c/ Cne de Buc ; Rec. 56
62. TA Nice 18 mai 1994 ; OPDHLM du Var ; Rec. 136 . TA Toulouse 15 Avril 1994 ; Mme Anne-Mariede la Taule c/ EDF Pyrénées-Gascogne, req. n° 94. P. 413.
63. TA Toulouse ; 28 mars 1995 ; M. et Mme Dumont c/ Cne de Montauban ; req. n° 95-0251.
64. CAA Nancy ; 23 juillet 1991 ; Ville de Charleville-Mézières ; Cours administratives d’appel, sommaire de jurisprudence, n° 40, 19 mai 1992 ; P.5
65. TA Paris décembre 1989 ; Office communal des loisirs et de la culturel de Dugny c./ Commune de Dugny ; AJDA 1990 ; P.190 ; note Plouvin J.Y.
66. CAA Lyon 13 juin 1989 ; Centre hospitalier de Hyères ; P. 849 et DA 1989, n° 526 et AJDA 1989 ; P. 807
67. CE 19 novembre 1993 ; Port autonome de Marseille ; rec. 952 ; DA 1993 ; n° 579 ; Obs. F.S. et RDP 1994 ; P. 1897 et RFDA 1994 ; P. 190
68. CE ordonnance Président sect. 26 octobre 1988 ; Bidalou ; Rec. 377
69. CAA Bordeaux 19 décembre 1989 Cousseran ; RFDA 1990 ; P.362 ; obs. Maublanc F. et Maublanc J.-P.
70. CAA Nancy 6 novembre 1989 Société d’aménagement et d’équipement de la région de Strasbourg (SERS) P. 478 .
71. Ord. n° 89-1940 du 15 novembre 1989
72. Ord. n° 88-18677 du 23 Décembre 1988. Ord. n° 90-2865 du 21 mars 1990
73. Ord. n° 91-2009 du 21 Novembre 1991
74. CE 8 février 1999 ; Commune de Cap-d`Ail ; AJDA 1999 ; P. 283
75. Ord n° 90-878 du 27 juin 1990 . CAA Lyon 13 juin 1989 ; Centre Hospitalier général d’Hyères ; rec.849 RFDA janvier-février 1993 ; P. 88
76. Cornu G.; Vocabulaire juridique ; PUF 1987 ; P. 629 -630.
77. CAA Lyon Ass. ; 16 novembre 1989 ; Cie d’assurance la France ; AJDA 1989 ; P.807. Chr. De Jouguelet J.P. et Loloum F.; P.779 ; RFDA 1990 ; P. 369 : obs. de Buniet C., Dugrip O., Mescheriakoff A-S et JCP 1990-VI-P.35
78. Huglo C. ; La pratique des référés administratifs devant le tribunal administratif. La Cour administrative d'appel et le Conseil d'Etat ; éd Litec ; 1993 ; P. 156 : « si l’on examine l’ensemble du contentieux l’ensemble du contentieux, on constate que cette décision est restée relativement isolée ».
79. Chapus R. ; Droit de contentieux administratif ; Montchrestien 3° édition 1991 ; n°1124 ; P. 838
80. CAA Lyon 22 février 1994 ; communauté urbaine de Lyon ; req. n° 93LY00351.
81. CE Ass. ; 2 juillet 1982 ; Huglo ; AJDA ; P. 657. CE 30 mai 1913 ; Préfet de l’Eure ; Rec. 583
82. CE 3e et 5e sous-section réunies, 1er Oct. 1993, ONILAIT, req. n°124987.
83. CAA Paris 2° chambre ; 8 mars 1994 ; Scté Satec Dévellopement ; req. n° 93PA00775.
84. Cass. Com. ; 20 janvier 1981 ; SEM du Tunnel de Ste-Marie-aux-Mines ; RTD civ.1981 ; P.679 ; note J. Normand.
85. TA Toulouse, 28 mars 1995 ; M. et Mme Dumont c./ Cne de Montauban ; req. n° 95-0251
86. TA Toulouse, 3 mai 1994 ; M. Michel Paluzzano c./ Cne de Grenade-sur-Garonne ; req. n°94-594.
87. TA Toulouse, 14 mars 1994 ; Cne de Beauregard c/ Sté Poroten ; req. n° 94-256.
88. TA Toulouse, 5 avril 1994 ; Sté Quercy entreprise c./ Cne de Villeneuve ; req. n° 94-277.
89. TA Toulouse ; 14 février 1989 ; Dame Ranisio ; Gaz. Pal. 10 janvier 1990 ; P.18
90. TA Strasbourg ; 2 mars 1989 ; OPHLM du Bas-Rhin c/ Préfet du Bas-Rhin ; AJDA 1989 ; P. 640.
91. CAA Lyon, 7 décembre 1994 ; OPDHLM du Var ; req. n° 94LY00883.
92. TA Toulouse ; 28 mars 1995 ; M. et Mme Dumont c/ Cne de Montauban ; req. n° 95-0251.
93. Batjon B. ; Le référé provision à l’épreuve de quatre années d’existence ; LPA 28 juillet 1993 ; .P.35
94. TA Toulouse ; 10 mai 1995 ; M. Robert Salesses c./ OPHLM du Tarn ; req. n° 95-0545.
95. CAA Paris 2e chamb. 14 décembre 1993 ; EPAV de Cergy-Pontoise c./ M. et Mme Legros ; req. n° 93PA00651
96. Roussinyol et Garsenda ; Bilan jurisprudentiel de l’utilisation du référé provision de 1991 à 1997 ; Gaz. Pal. du 29 au 31 mars 1998 ; P.2
97. Debouy C. ; Pour un référé provision administratif ; JCP 1984-I-3164
98. Huglo C. ; La pratique des référés administratifs devant le tribunal administratif. La Cour administrative d'appel et le Conseil d'Etat ; éd Litec ; 1993 ; P. 220 ; n°6
99. Cazo M. ; Le juge des référés dans le contentieux administratif ; Th. Rennes 1 ; 1998 ; P. 235
100. Batjon B.; Le référé provision à l’épreuve de quatre années d’existence ; LPA 28 juillet 1993 ; P. 35
101. TA de Paris 11 janvier 1991 ; ministre de l’Education Nationale c./ Bourdon ; req. n° 905236. TA de Clermont-ferrand 19 mars 1991 ; Commune de Charbonnières les Varenne ; req. n°91166. TA de Dijon 19 mai 1990 ; Association syndicale autorisée d’irrigation de la Nièvre ; req. n° 5643. TA de Paris 16 mai 1989 ; Centre national de l’Art et de culture Georges Pompidou ; Rec. T. 850
102. TA Lille 28 janvier 1991 ; M. Joël Carpentier ; req. 90-2334.
103. TA Lille 5 juillet 1989 ; req. n° 89-1189.
104. CAA Lyon ; 7 décembre 1994 ; Cne de Brindas c./ Melle Neichthauser ; req. n° 94LY00723.
105. TA de Paris 5 avril 1989 ; Société auxiliaire de chauffage ; rec. T. P. 849 : 1900000 francs français .
106. TA de Grenoble 27 novembre 1990 ; Sogica ; req. n° 901928 : 50000 francs من 150000 francs. يراجع أيضاً : TA Paris ; 19 novembre 1990 ; Sté TPI Ile de France c ./ Etablissement Public du Parc de la Villette/ CAA Lyon ; 19 novembre 1991 ; Cne de St-Gervais et Sté des téléphériques du massif du Mont-Blanc.
107. TA Rennes ; 23 juillet 1990 ; Le Quer, req. n°90-1228 ; Affaire de responsabilité hospitalière pour faute lourde.
108. CAA de Lyon 13 novembre 1991 ; Société Berthonly ; req. n° 91LY0048.
109. TA Toulouse ; 28 mars 1995 ; M. et Mme Dumont c/ Cne de Montauban ; req. n° 95-0251.
110. TA Orlénas ; 12 avril 1990 ; MRA l’Orléanaise. Rec.12
111. CAA Lyon 2e chamb. ; 20 octobre 1994 ; Sté Weisrock Construction Bois c./ Communauté urbaine de Lyon ; req. n° 94LY00844
112. CAA de Bordeaux 19 décembre 1989 ; Cousseran ; Rec. T. 850
113. Ghuihal A. ; L’amélioration des procédures d’urgence ; RFDA 1991 ; P. 812.
114. Courtin M.; Référés et constat d’urgence ; JCA. ; Fasc. 635 ; n° 180.
115. TA Toulouse, 14 février 1989 ; Sté Ducler Frères, cité par Huglo C. ; La pratique des référés administratifs devant le tribunal administratif. La Cour administrative d'appel et le Conseil d'Etat ; éd Litec ; 1993
د./ بلال عقل الصنديد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق