الاثنين، 31 أكتوبر 2011

التعبير العنيف عن ظاهرة التطرف الديني

التعبير العنيف عن ظاهرة التطرف الديني
بين الواقع والمعالجة

مقدمــــــة:

يعتبر العنف من أخطر الظواهر الاجتماعية التي تغزو المجتمعات البشرية في كل أصقاع الأرض. فمهما اختلفت درجات التقدم في هذه المجتمعات ومهما اختلفت أيديولوجياتها ودياناتها ومهما تنوعت ثقافاتها فإن ظاهرة العنف تعتبر من السمات الرئيسية لها، دون أن نتجاهل أن درجات العنف وتوسع دائرته وطرق معالجته تختلف من دولة إلى أخرى ومن مجتمع إلى آخر وفق خصوصية كل منها.
في الفترة الأخيرة، عانت الكويت من ظاهرة غريبة عن عاداتها وتقاليدها، استحقت أن يستنفر لها كل المجتمع السياسي والمدني وكل وسائل الإعلام ورجال الأمن للحد من غلوائها. فالتعبير العنيف عن ظاهرة التطرف الديني آخر ما كان يتوقعه المجتمع الكويتي الذي تميز على مر العصور بحرية ثقافية وفكرية وبديموقراطية كانت منبوذة لفترة قريبة في المجتمعات المحيطة به.
الواقع أن ظاهرة العنف، الديني، المدرسي أو الاجتماعي...، بدأت تنحى منحى خطيراً في دولة الكويت منذ بداية ثمانينيات القرن العشرين، الأمر الذي ازداد سوءاً مع الغزو العراقي وما ترتب على أثره من انتشار للأسلحة بيد الأشخاص العاديين. وآخر فصول هذه الظواهر الخطيرة كان التعبير العنيف عن الأفكار الدينية المتطرفة أو ما أطلق عليه تجاوزاً عبارة (الإرهاب الديني).
في هذا السياق، تأخذ ظاهرة (الإرهاب الديني) سمة التعبير العنيف عن الرأي وعدم تقبل الرأي الآخر واللجوء في سبيل مجابهته إلى أساليب لا تمت للحضارة ولا للإنسانية ولا للدين الحنيف بصلة.
الحقيقة، أن ما سمي (بالإرهاب الديني)، إذا ما وضع ضمن دائرة المفاهيم الصحيحة، يظهر على حقيقته كمشكلة اجتماعية يجب دراسة ومعالجة أسبابها دون الاكتفاء بالتخفيف من وطأة آثارها. ولفهم واقعها بشكل أدق، يجب ربطها بالمتغيرات والظروف الإقليمية والدولية المحيطة بالمجتمع الكويتي، ومن ثم فانه يسهل تقييم دور كل من الدولة ومؤسسات المجتمع المدني في محاربة المسببات، ضمن رؤية متكاملة لمواجهة التطرف الديني.
انطلاقاً مما سبق، نتناول في بحثنا ثلاثة أقسام :

أولاً : إشكالية الصلة بين التطرف الديني ومظاهر العنف في المجتمع الكويتي.
ثانياً : الإطار الدولي، الإقليمي والداخلي لظاهرة التطرف الديني في دولة الكويت.
ثالثاً : استراتيجية مواجهة التطرف الديني في دولة الكويت.

أولاً : إشكالية الصلة بين التطرف الديني ومظاهر العنف في المجتمع الكويتي.
صار واضحاً أن ظاهرة العنف، مهما اختلفت ميادينها، لا تعدو أن تكون إلا محاولة غير حضارية لفرض الرأي و المعتقدات بوسائل هي، في جانب كبير منها، انحراف لشهوات ونزوات نفسية وذهنية تتجسد بتصرفات عنيفة بحق الرأي المخالف. فجرائم الاغتصاب أو العنف المنزلي أو القتل والتمثيل بالضحية، كما أن العنف المدرسي أو الجنسي وغيرها من المظاهر غير السوية في المجتمعات... هي في الأصل مشاكل نفسية أثرت في نشأتها وفي بلورتها ظروف محيطة ساعدتها على الظهور بهذا الشكل السيئ.
فإن صح أن الظروف المساعدة على بلورة العنف في المجتمع الكويتي لم تكن في مكان يدعو للقلق في الفترة ما قبل الثمانينات من القرن الماضي، فإن الأمر بعد هذا التاريخ يسترعي الوقوف بجدية على ظاهرة انتشرت بشكل مثير في مجتمع لا يتقبلها أصلاً. ففي دراسة إحصائية أعدها المحامي عبد الله الكندري ونشرها في صحيفة الخليج بتاريخ 21/8/2002 يتضح أن عدد الجرائم في الكويت ما بين عامي 1992 و2001 بلغ (87258) جريمة بمعدل (52) جريمة في اليوم الواحد.
إن مثل هذا المؤشر الإحصائي يعتبر من الدلالات الخطيرة على عجز التقاليد والقيم الأخلاقية والدينية للمجتمع الكويتي من أن توقف وحدها الجنوح المطرد لظاهرة العنف. فمن غير السليم أن يصل معدل الجرائم في مجتمع صغير، يعيش على مسطح جغرافي قليل المساحة، إلى هذا الحد دون أن تتضافر الجهود الرسمية و غير الرسمية لإيجاد علاج سريع وفعال لهذه الظاهرة.
مما لا شك فيه أنه من أخطر مظاهر العنف المقلقة لأي مجتمع، هي ظاهرة (الإرهاب الديني). فعلى خلاف معظم مظاهر العنف التي تقع آثارها على شخص واحد أو على مجموعة صغيرة من البشر، على أكثر تقدير، فإن الإرهاب الديني يُدخل المجتمع بأكمله ضمن دائرة المحذور. فالمتطرفون والمنحرفون عن النهج الديني الصحيح لا يكتفون بإرهاب أو بقتل أو بإيذاء فرد أو مجموعة، بل تطال أعمالهم الانحرافية كامل المجتمع بكل عناصره ومؤسساته. فكل من يخالف هؤلاء الرأي هو (كافر) يسقط بحقه الحد الشرعي.
إلا انه ما يجب التنبيه إليه، في هذا الإطار، هو أن أي ظاهرة من مظاهر العنف المختلفة، إذا لم تعالج وإذا توفرت لها الظروف المساعدة، من السهل أن تتحول إلى ظاهرة إرهاب أو تطرف ديني. كما انه من المنطق القول أن المتطرف الديني صاحب السوابق الجرمية والتصرفات العنيفة يكون أعنف في أسلوبه و أحنك في جرمه من المتطرف الذي دخل عالم الانحراف الديني من خلفية غير ملوثة.
هذه العلاقة العضوية بين الانحراف الديني و المظاهر السلوكية الأخرى تقودنا إلى أن ننظر بعين الحذر إلى بعض مظاهر العنف، التي يعاني منها المجتمع الكويتي، خوفاً من تطورها إلى حالات تطرف ديني يعبر أصحابه عن رأيهم بوسائل عنيفة متأثرين في ذلك بخلل أسري أو اجتماعي أو نفسي معين.
ففي إحصائيات عديدة نشرت في الصحف الكويتية بدايات هذا القرن نجد أن وزارة التربية أحصت اكثر من الفي حادثة عنف شهدتها المدارس الكويتية أحيل منها اكثر من مئة حالة، حدثت في المدارس الثانوية، إلى مخافر الشرطة المتعددة.
هذه الظاهرة من الخطورة بمكان لعدة أسباب نذكر منها :
- إن البنية الاجتماعية التي يكونها عالم الطلبة، الذين عادة ما يكونوا في عمر صغير و حساس، هي بنية هشة يسهل التلاعب بها.
- نتيجة لانفتاح الكون على بعضه، عبر وسائل الاتصالات الحديثة، اجتاحت المتغيرات السلبية كل المجتمعات المعاصرة ومنها المجتمع الكويتي... فسهل على المراهقين تبادل الأفكار و الخرافات والبدع، الأمر الذي قد يؤدي إلى تحول أي ظاهرة عنف إلى أزمة تضرب عمق البنية الأساسية لأي مجتمع.
- إن خطورة هذه الظاهرة اكثر ما تكمن في أنواع العنف الممارس في مثل هذه الحوادث. الواقع أننا لم نعد بصدد مجرد تبادل لضرب خفيف أو أمام مشاجرات فردية، بل تطور الأمر إلى حالات عنف خطيرة تمثلت بحوادث اعتداء وضرب وتهديد بالسكين وبمشاجرات جماعية أدت إلى أعمال تخريبية طالت أبنية المدارس ومحتوياتها وجلبت الأذى لأفراد الهيئة التعليمية ولبعض رجال الشرطة .
الواقع انه ما يجب التركيز عليه في خانة الربط العضوي بين التطرف الديني و المظاهر السلوكية العنيفة هو ما كشفته دراسة ميدانية أعدتها إدارة الخدمات الاجتماعية والنفسية بوزارة التربية من خلال البحث عن الظروف الشخصية التي يعيشها الطالب الذي يستعمل العنف كوسيلة للتعبير عن رأيه. اتضح من هذه الدراسة أن حوالي 37 % ممن أجريت عليهم الدراسة كان تصرفهم العنيف نتاج حالات غضب دائم عند مواجهة أي مشكلة، وأن 59 % منهم كان تصرفهم العنيف بسبب غضب مؤقت، و24 % منهم لا يستطيع التمييز بين كل ما هو خطأ وصواب. أليس في كل هذه الأسباب مؤشر خطير حول إمكانية تحول هؤلاء إلى إرهابيين يسهل استغلالهم من قبل المنظرين للتطرف الديني ؟ الجواب قطعاً لا يبشر بالخير!!!
وفي دراسة أكثر شمولية لمعدل الجريمة الجنائية قدمت الإحصائيات السنوية للإدارة العامة للتخطيط والتنظيم بوزارة الداخلية مؤشرات خطيرة في نطاق البحث، يمكن إيجازها بما يلي :
- ارتفاع عدد جرائم القتل خلال عشر سنوات من 0.14 بلاغ من أصل كل البلاغات الجرمية إلى 0.20 من إجمالي هذه البلاغات.
- ارتفاع عدد جرائم الاعتداء بالضرب والأذى بنسبة 9.86 % خلال عشر سنوات.
- ارتفاع عدد جرائم الشروع بالقتل بنسبة الضعف.
- ارتفاع مواز لعدد بلاغات السلب بالقوة، الاختطاف، هتك العرض والاغتصاب.
- يضاف إلى كل ذلك الارتفاع الكبير لعدد قضايا الشغب والعنف التي تتجاوز الألفي قضية والتي يشترك فيه أكثر من ثلاثة آلاف متهم.
- والأخطر من كل ما سبق هو الارتفاع الملموس في جرائم الأحداث لتتجاوز ثلاثة آلاف جريمة.
إن كل هذه المؤشرات إذا ما تم ربطها بظاهرة التطرف الديني لا بد وان تولد لدينا الشعور بالقلق. فوسائل الإعلام تطالعنا وبشكل يومي بأخبار تؤكد على وجود سوابق جرمية للعناصر المتطرفة دينياً.
نختم هذه الفقرة بالتأكيد على أن هذه الحقائق لابد أن تؤثر بشكل سلبي وكبير على تطور حالات التطرف الديني من حيث الكم والنوعية. فأصحاب السوابق هم تربة خصبة يودع فيها المنظرون للتطرف الديني ابشع ما يمكن غرسه من أفكار و عقائد، بهدف الاستفادة من (خبراتهم الجرمية) في نشر الأذى والقتل والإرهاب مقابل عوائد مادية أو مخدرات أو أية مغريات أخرى. كما أن البعض منهم كثيراً ما يسهل استغلاله من خلال شعوره وحاجته للتكفير عن الذنب فيتم التلاعب النفسي به و إقناعه بضرورة (الاستشهاد) غسلاً لعار ماضيه.

ثانياً: الإطار الدولي، الإقليمي والداخلي لظاهرة التطرف الديني في دولة الكويت :
من بديهيات القول أن المجتمع الكويتي لا يعيش على جزيرة معزولة عن كل التأثيرات السلبية التي تحيط به و تتفاعل معه من الخارج و في الداخل. في نفس السياق تتأثر ظاهرة التطرف الديني بغيرها من مظاهر العنف والسلوكيات و الظروف الاجتماعية الخاصة بالمجتمع الكويتي...كما أنها تتأثر بكل المتغيرات الخارجية، الدولية والإقليمية.
1- أحداث "الحادي عشر من سبتمبر" والحرب على (الإرهاب) :
شكلت الأحداث التي هزت الولايات المحتدة الأمير كية في 11 سبتمبر (أيلول) 2001 تحولاً نوعياً في كل ما يتعلق بالتطرف الديني، إن من حيث السعي الجدي لمكافحته أو من حيث تناميه المطرد في العالمين الغربي والإسلامي.
الواقع أن اهتمامات الدول بهذه الظاهرة تضاعفت بشكل كبير بعد الحملة التي قادتها أميركا على ما سمته (الإرهاب)، و الذي صورته وحشاً كاسرا، إذا لم يتم القضاء عليه، سيفترس المجتمعات في جهات الكرة الأرضية الأربعة. فكان لهذا الاهتمام غير المسبوق آثارا كبيرة سلبية و إيجابية.
أظهرت الادعاءات التي تلت مباشرة أحداث الحادي عشر من سبتمبر أن منفذي تلك الهجمات كانوا من العرب والمسلمين، الأمر الذي مهد لحرب سريعة ومخطط لها اجتاحت العالم بأثره بالنار و البارود حيناً و بالإملاءات أحيانا أخرى. فقد قسم رئيس الولايات المتحدة الأميركية العالم بين محورين واحد لا يتوافق مع سياسات بلاده الخارجية فاستحق بالتالي أن يكون (محور الشر) الذي لا مجال "لتأديبه" إلا (بحرب صليبية)، والمحور الآخر هو (محور الخير) الذي يضم تحت رعايته كل دولة اقتنعت، أو تظاهرت بالاقتناع، بأهداف و جدوى هذه الحرب.
من الطبيعي ألا تبقى المجتمعات العربية والإسلامية بمنأى عن هذه المتغيرات التي امتدت آثارها إلى كل مظاهر الحياة الاجتماعية والتربوية والمؤسساتية. فالحرب الأميركية على الإرهاب خلفت وراءها آلاف القتلى والجرحى والأسرى المسلمين، كما أن محاولات السلطات في الداخل لقمع بعض التيارات الدينية، أدى إلى تعاطف كبير في بعض الأوساط العربية و الإسلامية مع من يحمل لواء " الجهاد المقدس" و يتعرض في الخارج و في الداخل لأشد أنواع القسوة المادية و المعنوية.
ناهيك عن ذلك، خرج إلى العلن على لسان كبار المسؤولين الغربيين بعض العبارات و التصريحات التي شكلت استفزازاً واضحاً لمشاعر العرب و المسلمين، الشيء الذي ولد في بعض المجتمعات، ومنها المجتمع الكويتي، بعض التعاطف مع الاشخاص الذين رهنوا حياتهم من اجل "إعلاء كلمة الله" و "التصدي" للحروب الصليبية المستجدة. من بين هذه الاستفزازات ما صرح به المدعي العام الأمريكي (جون اشكروفت) في مقابلة مع إحدى الصحف الأميركية، حيث قال ما يمكن ترجمته بأن (الإسلام هو الدين الذي يطلب فيه الله منك أن ترسل ابنك ليموت من أجله، أما في المسيحية فإن الله يرسل ابنه ليموت من أجلك). هذا التصريح كغيره من التصريحات والمواقف الغربية التي طالت الإسلام بشكل مباشر أو غير مباشر، كان لها الأثر السلبي الكبير في بروز ظاهرة التطرف الديني و تناميها في الدول العربية و الإسلامية ومنها دولة الكويت.
فمنذ 1982، العام الذي وقعت فيه محاولة الاغتيال التي تعرض لها أمير دولة الكويت السابق، صاحب السمو "المغفور له الشيخ جابر الأحمد الصباح"، و منذ الاعتداء الذي تعرضت له جريدة "السياسة"، لم يوصم أي حادث إجرامي أو أمني في الكويت بعبارة (الإرهاب) حتى تاريخ 8/10/ 2002، اليوم الذي تعرضت فيه القوات الأميركية الرابضة في الكويت لحادث أمني في جزيرة "فيلكا"... الأمر الذي تكرر في منطقة "الدوحة" بتاريخ 21/1/2003 وفي15/12/2003 حيث تعرضت حافلة لهذه القوات إلى إطلاق نار وصف، هو أيضا،ً بالعمل الإرهابي.
و تأتي الأحداث الأمنية التي تكررت في العام 2005 في كل من مناطق "حولي، أم الهيمان، السالمية والصليبخات" لتؤكد على خطورة المنحى الذي اتخذه التطرف الديني مسلكاً له. فصار الحديث عن (الإرهاب الديني في دولة الكويت) و عن مكافحته لازمة يومية تملأ صفحات الجرائد و تتكرر على كل لسان.
ما يمكن ملاحظته من هذا العرض التاريخي للأحداث التي وصفت بالإرهاب داخل المجتمع الكويتي، هو حدوثها كلها- باستثناء الحادثين الأولين- بتواريخ لاحقة لـ (11) سبتمبر وللحرب الأميركية على أفغانستان .
هذه الملاحظة تبرز الدور السلبي الذي تركته الحملة الدولية الأميركية على "الإرهاب" الذي ارتبط اسمه، بهتاناً، بالدين الإسلامي، على المجتمع الكويتي المحافظ. فقد أدت الحرب على أفغانستان إلى تنامي روح الكره و الغضب لدى الشعوب العربية و الإسلامية - ومنها المجتمع الكويتي- اتجاه الغطرسة الغربية. كما انه نتج عن هذه الحرب عودة مئات ما سمي (بالمجاهدين العرب) إلى بلادهم الأصلية مما شكل أرضية مناسبة لنمو وتصاعد ظاهرة التطرف الديني المسلح و المدرب، والذي كانت آخر فصوله ما حدث في الكويت من أحداث أمنية مرتبطة بهذا العبث الديني.
2- الواقع الجغرافي لدولة الكويت:
عانت دولة الكويت، بمساحتها الجغرافية الصغيرة وبعدد سكانها الضئيل مقارنة مع غيرها من الدول المجاورة، من مشكلة الموقع الجغرافي. فقد وجد المجتمع الكويتي نفسه داخل بؤرة من التناقضات السياسية والإيديولوجية والدينية تحيط به من كل الجوانب. فكان لا بد لهذا المجتمع الحيوي بطبيعته أن يتأثر بكل التيارات والتناقضات الدينية و المذهبية و الإيديولوجية التي تحاصره عن يمينه و عن يساره. فكان لا بد "للثورة الإسلامية" في إيران وللتيارات "السلفية" و"الوهابية" و لغيرها... في المملكة العربية السعودية أن تجد لها الصدى المدوي في بعض الأوساط الكويتية، الأمر الذي أدى إلى وجود تناقضات فكرية في مجتمع صغير لا يتحمل هذا العبث الفكري والعقائدي. والأخطر من كل ذلك هي العلاقة الكويتية العراقية التي شكلت في كل مراحلها نقطة ضعف و توتر في الواقع الكويتي. كل هذه العوامل كان لا بد من أن تؤثر سلباً على كل الأصعدة ومن ضمنها على نمو و تصاعد ظاهرة التعبير العنيف عن التطرف الديني.
فالارتباط العائلي وتقارب العادات والتقاليد و وحدة التاريخ والمسار بين المجتمع الكويتي والمجتمعات المحيطة به، كانت سبباً أكيدا للتأثير المتبادل، سلباً وإيجابا، في أي ظاهرة اجتماعية أو أمنية أو فكرية في أي من هذه المجتمعات.
فلا يمكن و الحال كذلك، لأي باحث مثلاً، أن يفصل العلاقة الوطيدة بين الأحداث الإرهابية التي تعصف بالمجتمع السعودي و ما يحدث أو يمكن أن يحدث، داخل الكويت، خاصة إذا اخذ بعين الاعتبار سهولة تصدير هذه الظاهرة من قبل المتطرفين إلى دولة الكويت لعدة أسباب منها :
- وجود قرابة عائلية بين بعض المسؤولين و المتورطين في هذه العمليات و أشخاص كويتيين أو مقيمين على أرض الكويت.
- تقارب الفكر الديني والاجتماعي والسياسي بين هذه الجماعات وغيرها من الجهات في المجتمع الكويتي.
- سهولة الانتقال بين دول مجلس التعاون الخليجي، بطريقة شرعية، عبر التسهيلات الحدودية الممنوحة للمواطنين والمقيمين تنفيذاً للاتفاقيات الثنائية والجماعية بين هذه الدول. يضاف إلى ذلك وجود عديد من المسالك و المنافذ غير الشرعية المنتشرة في كل الصحارى الحدودية.
أما لناحية العلاقات الكويتية الإيرانية، فلا يمكن إخراجها من دائرة الارتباط الوثيق و المصيري بين الكويت والدول العربية الشقيقة. فالحرب العراقية-الإيرانية، على سبيل المثال، كان لها انعكاسات خطيرة على الكويت، ليس اقلها تدهور العلاقات مع الجمهورية الإسلامية في فترة الحرب والتي أدت بشكل مباشر أو غير مباشر إلى ظهور بعض الأحداث الأمنية المرتبطة بالاختلاف العقائدي ومنها محاولة اغتيال المغفور له الشيخ جابر الأحمد الصباح. كما أن وجود إيران على تخوم أفغانستان قد يؤدي بشكل أو بآخر الى تأمين المد اللوجستي والفكري من خلال أراضيها إلى التيارات الكويتية المتشددة في أفكارها و عقيدتها الدينية.
يضاف كل ذلك إلى الآثار السلبية المباشرة التي تركها الغزو العراقي على الكويت، دولة و مؤسسات ومجتمعا. فهذا العدوان الغاشم أدى، وفق دراسات عديدة، إلى انتشار حالات نفسية معينة عانى منها الكويتيين فأبرزت لدى البعض منهم ميلا مرضيا للعنف السلوكي، ترجعه دراسة أعدها "مركز الإنماء الاجتماعي" التابع للديوان الأميري إلى ما شهده المواطنون وعايشوه من آثار للدمار والتخريب ومشاهد العنف والقتل وتنامي الشعور الاندفاعي غير المدروس لمجابهة الواقع المرير. يترافق ذلك مع ما خلفه الغزو العراقي من أسلحة وذخائر يدخل بعضها في خانة الأسلحة الكبيرة كالصواريخ. إن مجرد وجود سلاح غير شرعي و بهذا الشكل في أيدي المواطنين يعد بحد ذاته – ولو لم يستعمل– دافعا غير ملموس على ارتكاب الجريمة، الأمر الذي يشتد خطورة إذا ارتبط بأفكار متطرفة و عشوائية .
واخطر من كل ما سبق، ما تشهده العراق، منذ سقوط نظام البعث البائد، من انفلات أمنى و طائفي يخشى من تأثيراته السلبية على الواقع الكويتي. فوجود تيارات تكفيرية متعددة الانتماءات في بلاد الرافدين، ناهيك عن نقمة البعض منهم على دول الجوار... كل ذلك يشكل عاملاً مساعداً وأساسياً في إمكانية اضطراب الوضع الأمني بشكل عام والمتعلق منه بالإرهاب بشكل خاص في دولة الكويت.

3- بعض الأسباب الداخلية المؤثرة:

بالإضافة إلى العوامل الخارجية الإقليمية والدولية المساعدة على بروز، نمو وتطور فكر التطرف الديني في دولة الكويت، هناك بعض الأسباب و العوامل الداخلية تعتبر مساهمة في هذا الأمر، نذكر باقتضاب واضح البعض منها :
أ – العامل الاقتصادي :
لقد أدى ارتفاع الدخل الفردي للمواطن الكويتي، مقارنة مع غيره في دول المنطقة، إلى رفاهية ولدت لديه نمطاً استهلاكياً اثر فيه بالسلب نظام العولمة الاقتصادية والاجتماعية.
فمع الانفتاح الاقتصادي العالمي وتداخل المجتمعات فيما بينها، تضاعفت حاجات المواطن العادي و تحولت ما تعتبر في الأصل من كماليات إلى مستلزمات ضرورية للعيش المعاصر. فالتلفون النقال والإنترنت والسيارة الفخمة والرحلات السنوية خارج البلاد...، كل ذلك وضع الفرد الكويتي تحت وطأة الدين، ناهيك عن وجود طبقة فقيرة من الأساس تعاني بدورها من البطالة و سوء التصرف.
هذه الظروف الاقتصادية الصعبة لا شك أنها تشكل في بعض الأحيان أرضية خصبة توفر لمنظري الجماعات المتطرفة فرصة ملائمة لاستقطاب كل من يحمل النقمة على وضعه الاقتصادي المتردي أو من يسعى لتغييره بأي ثمن أو طريقة.
ب – المخدرات :
أكدت الإحصائيات، وعلى لسان كبار المسؤولين الأمنيين ، أن عدد قضايا المخدرات بلغت في السنوات العشر الأخيرة من القرن الماضي حوالي عشرة آلاف قضية. يضاف إلى ذلك الإحصائيات التي تجريها المؤسسات الاجتماعية المتخصصة ومنها (إدارة الخدمات الاجتماعية والنفسية في وزارة التربية) التي أكدت اكثر من مرة على انتشار ظاهرة المخدرات بشكل متصاعد وخطير بين الطلبة وحتى بين أعضاء هيئة التدريس.
إن تعاطي المواد المخدرة تعد من الأسباب الرئيسية التي تقف وراء أي عمل جرمي ومن ضمنه العمل الإرهابي. فقد يحدث وأن يتعامل منظرو الفكر المتطرف مع متعاطي المخدرات، الذين يفقدون السيطرة على مشاعرهم وعلى سلوكهم، فيجبرونهم على تنفيذ أعمال و تصرفات تحت وطأة الحاجة إلى المال أو تحت تأثير الشعور بالذنب و الرغبة بالتكفير عنه.
ج - التنشئة الأسرية والتربوية والتعليمية:
مما لاشك فيه أن سوء التنشئة الأخلاقية والفكرية والتعليمية يؤثر بشكل كبير على تنامي الظواهر الاجتماعية و السلوكية المنحرفة ومنها ظاهرة التطرف الديني التي من الممكن أن تتحول فيما بعد إلى سلوك عنيف في التعبير عنها.
فالأسرة التي تعتبر النواة الأساسية لأي مجتمع، من المفترض أن تزرع في ذهن الطفل القيم الأخلاقية، الدينية و السلوكية الحميدة، لما في ذلك من اثر كبير على سلوكياته يرافقه في كل مراحل الحياة. هذا الأمر ليس من السهل الحصول عليه حين تتخلى الأسر عن واجب التربية وتتركه إلى الخدم بحجة الانشغال بالعمل و بالحياة.
ولا يغفل في نفس الإطار عن وجود بعض الحالات المتزايدة من التفكك الأسري في المجتمع الكويتي ، ناهيك عن وجود بعض الحالات الأسرية التي تبث الفكر المتطرف في ذهن الأولاد دون أي حسبان لعواقب مثل هذا العبث الفكري.
كل ذلك يؤثر سلباً على تنامي الفكر المتطرف في هذا المجتمع ويسهل عمل الساعين إلى تحويله لعنف سلوكي في التعبير، سرعان ما يأخذ طابع الإرهاب البغيض.
وهذا ما يبقى صحيحاً فيما يتعلق بعمل المدارس والجامعات والمعاهد الدينية والتربوية والأكاديميات و دورها في تنشئة جيل يتمتع بروح الاعتدال الديني و الفكري، بعيد عن أي تطرف أو مغالاة في التعبير عن قناعاته الصحيحة.
د - وسائل الإعلام:
تؤكد الدراسات التي تتمحور حول دور الإعلام في نشر ثقافة العنف و التطرف الديني على أن وسائل الإعلام الأجنبية والعربية تساهم بشكل كبير في التغيير السلبي لسلوكيات الأطفال، من خلال ما تعرضه من أفلام ومسلسلات وبرامج عنيفة و دموية تتركز مشاهدها في العقل الباطني للأفراد.
يضاف إلى ذلك ما تبثه القنوات الفضائية من برامج إخبارية و وثائقية تتناول تفاصيل بعض العمليات الإرهابية، بكل ما يسبقها من تحضيرات و تنظير لها، و ما يرافقها من مشاهد للدم والدمار، وما يستتبعها من تعاطف شعبي في بعض الأحيان. كل ذلك قد يؤثر بشكل كبير على المراهق الكويتي من خلال ما تكشفه له هذه البرامج من أساليب جديدة للعنف، ومن خلال ما قد تولد لديه من شعور بعدم الرضى على الواقع الذي يعيشه، بالإضافة إلى خطر تأثره بالمناظرات و النقاشات التي ترافق و تعقب الأحداث الإرهابية.
هـ- الأسباب الأخرى :
بالإضافة إلى كل ما سبق هناك الكثير من الأسباب و العوامل الخاصة بالمجتمع الكويتي ساهمت عن غير قصد بتنامي ظاهرة التطرف الديني في دولة الكويت.
خلال مداخلة له في ندوة نظمها معهد الكويت للدراسات القضائية والقانونية، عدد المحامي جمال الشهاب بعضاً منها، نكتفي بذكرها كما وردت على لسانه من غير أي توسع كونها تصلح لدراسات متخصصة اكثر عمقاً :
- اختلال التركيبة السكانية للمجتمع المقيم على أرض الكويت بين مواطن ووافد.
- انغلاق بعض وسائل التعبير والتغيير أمام البعض.
- عدم القناعة عند البعض بفاعلية المؤسسات والسلطات بأنواعها.
- عدم الأخذ بالخطط المقترحة لتوظيف قدرات الشباب.
- الرغبة بالانتقام من بعض الأجهزة الأمنية...الخ.


ثالثاً: استراتيجية مواجهة التطرف الديني في الكويت:
شأنها شأن أي خطة واقعية تهدف إلى وضع حلول مستدامة، يجب البحث في استراتيجية مكافحة التطرف والإرهاب الدينيين في الكويت من خلال مرحلتين : واحدة تقييمية لواقع الخطوات المتخذة في هذا المجال، والأخرى تقتضي التركيز على الخطوات المستقبلية التي يجب اتخاذها بشكل مدروس و فعال.

1- نظرة واقعية على بعض الخطوات المتخذة من قبل المؤسسات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني في محاربة التطرف الديني :
صار من الواضح، من خلال ما سبق في القسم الأول، أن الأسباب والعوامل الداخلية التي تساهم في تنامي الفكر المتطرف داخل المجتمع الكويتي، تتمحور حول ثلاثة عناوين أساسية : تزعزع الأمن الاقتصادي والاجتماعي، العبث الإعلامي والديني ، والتصدع الأسري والتربوي .
لا شك في أن هذه العناوين هي عناوين عريضة من الصعب حصر اتجاهاتها في الأسطر التالية القليلة، فنكتفي والأمر كذلك بعرض سريع لعدد من الخطوات المتخذة من قبل بعض المؤسسات الرسمية وغير الرسمية المرتبطة والمعنية بهذه العناوين ولا سيما في فترة الأحداث الأخيرة عام 2005.
أ - وزارة الداخلية :
في كل مرة يؤكد المسؤولون في وزارة الداخلية و يبرهن رجال الأمن، بكافة مستوياتهم العسكرية، على نواياهم الصادقة والفعالة في تقصي وتجفيف منابع التطرف الديني ومكافحة آثاره.
فرجال وزارة الداخلية لم يتوانوا لحظة عن القيام بواجباتهم التي تشمل تنفيذ عمليات مداهمة وتفتيش وحملات أمنية على الأماكن المشبوهة التي يشك بإيوائها لفئات ضالة.
كما يشهد للإدارات والمؤسسات التابعة لوزارة الداخلية للدور الكبير الذي لعبته في الحملات الدعائية والتوعوية المحذرة من خطر التطرف و الإرهاب، ويشهد لها أيضاً للجهود التي بذلتها بإقامة الندوات والمحاضرات المرتبطة بنفس الإطار.
ومن أهم ما يبرز الدور النشط والفعال لأجهزة الوزارة هو عدم اكتفائها بمعالجة آثار الحدث الأمني بعد حدوثه بل سعيها لاستباقه والقيام بالإجراءات اللازمة للحؤول دون ذلك. يسجل في هذا الإطار للشرطة الكويتية أن الأحداث الإرهابية الأخيرة التي عصفت بالكويت في عام 2005، انطلقت شرارتها الأولى بمبادرة من رجال الأمن مما ابرز فاعلية مراقبتهم للمتطرفين و للفئات الضالة.
ب - وزارة الإعلام :
أثبتت المؤسسات التابعة لوزارة الإعلام الكويتية من تلفزيون وإذاعة وعيها الكامل لخطورة الانحراف السلوكي المرتبط بالتطرف الديني على المجتمع، فسعت جاهدة لممارسة دورها الحيوي في التوعية من خطورة هذا المنزلق. فاستنفرت الطاقات و بذلت الجهود لبث برامج دينية، اجتماعية وسياسية تكون على مستوى الحدث و على قدر مسؤولية تشارك بها كل المجتمع في إطار نشر فكر الاعتدال الديني ونبذ التطرف من النفوس قبل مكافحته على الأرض.
ج - وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية :
بدورها، لم تقصر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في اتخاذ كل الخطوات الضرورية لمكافحة الغلو الديني الذي من شأنه، إذا ما رافقته عوامل مساندة، أن يتحول إلى ظاهرة تطرف وإرهاب دينيين. فكل الخطوات التي يحاول مسئولو الوزارة اتخاذها في هذا الإطار تصب في خانة مكافحة أكيدة وفعالة للفكر الإرهابي.
يسطر للوزارة في هذا السياق قيامها جاهدة بتنظيم دورات ولقاءات متكررة لائمة المساجد والخطباء تهدف إلى تذكيرهم بنهج الاعتدال والوسطية الذي يميز الدين الإسلامي. ناهيك عن جهدها المتواصل فيما يتعلق بالمحاولات الرامية إلى توحيد مراجع الفتوى الدينية لكل شرائح المجتمع في الكويت والمقيمين فيها.
د - مجلس الأمة :

تنبه مجلس الأمة الكويتي للخطورة التي يولدها انتشار ظاهرتي التطرف الديني و الإرهاب في المجتمع الكويتي، فسارعت كل تياراته – وخاصة التيارات الدينية – إلى الإعلان بأكثر من مناسبة و بأكثر من طريقة، عن نبذ المجتمع الكويتي بكل أطيافه للفكر الإرهابي.
كما سارع مجلس الأمة كمؤسسة إلى عقد اجتماع سري ناقش فيه الحاضرون مشروع قانون قدمته الحكومة لجمع الأسلحة والذخائر، فوافق عليه النواب بالإجماع، ومن ثم صدقه سمو أمير البلاد على وجه السرعة، فنشر في الجريدة الرسمية (الكويت اليوم) بتاريخ 31/12/2005 تحت رقم 74/2004.
هـ - مؤسسات المجتمع المدني:
لاشك في أن للديوانيات، وهي خلية الديمقراطية الأساسية في الكويت، كما لكل الجمعيات و المؤسسات غير الحكومية دور بارز في نبذ التطرف الديني ومكافحة الإرهاب. فقد أثبت المجتمع الكويتي بكل ركائزه وكل مؤسساته الأهلية أنه بعيد كل البعد عن الأفكار العبثية التي تقف وراء الأحداث الإرهابية الأخيرة، فبرز الاستعداد لدى معظم فئات هذا المجتمع - ومنهم أهالي المتورطين بالأحداث الإرهابية الأخيرة- اقتناع راسخ برفض التطرف الديني وبضرورة استئصال مسبباته من الجذور.

2- الخطوات المستقبلية لمكافحة الإرهاب الديني:
مع تجدد الأحداث المرتبطة بالإرهاب و التطرف الديني، يتأكد للجميع، أفرادا و مؤسسات، انه ما زال هناك الكثير لفعله في سبيل القضاء و التخفيف من وطأة أي انحراف فكري أو سلوكي.
لا يمكن لأحد أن ينكر على المؤسسات الحكومية والمدنية دورها الفعال في مكافحة وتجفيف منابع الإرهاب، إلا انه بالمقابل لا يجوز تجاهل الخلل الذي سمح و يسمح بتكرار الأحداث الإرهابية، الأمر الذي يقتضي من المعنيين المساهمة في وضع وتنفيذ رؤية استراتيجية تؤدي لتحقيق المنشود في هذا الإطار.

من هذا المنطلق تفترض الاستراتيجية المتكاملة لمكافحة الإرهاب وجود شبكة متداخلة من الخطوات والإجراءات التي من الواجب اتخاذها على كل الأصعدة من قبل كل الجهات الحكومية وغير الحكومية المعنية بالأمر.

نكتفي في ما يلي ببعض الإشارات إلى ما يمكن أن تقدمه هذه الجهات والمؤسسات :
أ- على الصعيد الحكومي:
تعتبر الحكومة مجتمعة، كسلطة تنفيذية مسؤولة بشكل أساسي و مباشر عن اتخاذ و تنفيذ الخطوات اللازمة لمكافحة الإرهاب. إلا انه هناك بعض الوزارات و الجهات الحكومية التي تعتبر معنية اكثر من غيرها في هذا الإطار و منها : وزارة الداخلية، وزارة الخارجية، وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وزارة العدل، وزارة التربية و التعليم العالي، وليس أخرا وزارة الإعلام...
- فعلى وزارة الداخلية، اتخاذ كل الخطوات التي تساعد في مكافحة التطرف الديني ومعالجة آثاره ولاسيما :
• إنشاء وتفعيل مراكز الدراسات الأمنية المتخصصة للمساهمة الجدية في تحليل ومعالجة كل العوامل والعناصر المكونة لظاهرة الإرهاب وتقديم النصح فيما يتعلق بكيفية التعاطي معها.
• إنشاء الأجهزة الأمنية المتخصصة بمكافحة الإرهاب و إعداد أفرادها معنوياً، فكرياً و لوجيستياً، بما يساعدهم في تنفيذ واجبهم للوصول إلى الغاية المطلوبة بفاعلية تامة.
• تفعيل دور إدارة الرقابة التي تشير إليها النصوص المنظمة للهيكل التنظيمي لوزارة الداخلية وذلك بهدف مراقبة و ضبط أي انحراف فكري أو سلوكي محتمل للعناصر الأمنية ومتابعة نشاطاتهم وكيفية تعاملهم مع كل الشرائح الاجتماعية.
- كما على وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أن تفعل الخطوات التالية :
• إنشاء مراكز متخصصة لدراسة الارتباط السببي بين ظاهرة الإرهاب وكل الظواهر الاجتماعية المتعلقة بعمل الوزارة، ومنها البطالة والفقر. وذلك بهدف تحديد وسائل المكافحة المناسبة والعمل الجدي على ذلك بالتنسيق مع كل الجهات الحكومية و غير الحكومية المعنية.
• الاهتمام الكبير برعاية الأطفال والمراهقين الذين يعانون من التصدع الأسري واتخاذ كل الخطوات الوقائية، الرعائية والعلاجية المناسبة لمنع انزلاقهم نحو أي انحراف سلوكي أو عقائدي.
• المبادرة والمشاركة في الندوات والمؤتمرات واللقاءات الدولية والمحلية المتخصصة في مكافحة الإرهاب وتتبع أسبابه ونتائجه الاجتماعية.
- كما على وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية أن تقوم بالخطوات التالية :
• متابعة العمل الجدي، خارج فترة الأزمات كما أثناءها، على نشر ثقافة الاعتدال و الوسطية، وذلك من خلال الاستمرار بتنظيم الندوات والمؤتمرات والحلقات النقاشية للائمة و الخطباء و الفقهاء بهدف تذكيرهم بدورهم الريادي و المؤثر في توجيه المجتمعات إلى القمة أو الانزلاق بها إلى الهاوية.
• العمل على توحيد اتجاهات الإفتاء الديني، والفقه والبحوث الشرعية وتفعيل الرقابة المنضبطة على دور النشر والطباعة والمكتبات الإسلامية المتخصصة.
• توزيع الاهتمام على جميع الشرائح في المجتمع الكويتية ولاسيما المرأة والشباب.
• الاهتمام بتوحيد الرؤية الدينية والاجتماعية للمقيمين على أرض الكويت.
- و بدورها على وزارة الخارجية أن تقوم بما يلي ذكره :
• اتخاذ كل الخطوات اللازمة، بالتنسيق مع الوزارات و الجهات المعنية، للتعاون مع الدول الصديقة والشقيقة في مسألة تسليم المجرمين وتبادل المعلومات المتعلقة بالتيارات و المنظمات الدينية المتطرفة. والعمل على مساعدة الجهات المعنية للاستفادة من تجارب وخبرات الدول التي عانت من نفس الظاهرة.
• العمل على التنسيق مع الجهات المختصة لتفعيل كل الاتفاقيات الموقعة من دولة الكويت والمرتبطة بمكافحة الإرهاب، والبحث في إعادة النظر برفض الحكومة الكويتية للتوقيع على بعض منها لأسباب لا مجال لذكرها في هذا المقام.
• إعادة النظر دوريا بعلاقات الكويت الخارجية انطلاقاً من انعكاساتها على الواقع الكويتي ولا سيما المرتبط منه بالتطرف الديني و تنامي مشاعر الغضب و الاستياء من سياسات بعض الدول في العالمين الإسلامي و العربي.
• يبقى على كل الجهات و الوزارات المعنية (كوزارات : التربية، العدل و الإعلام) أن تقوم بالعمل الجدي، كل في مجال اختصاصه، على جمع القدر الأكبر من المعلومات عن الفئات الضالة وعن كيفية تمويلها وإعداد كوادرها وتنفيذ مخططاتها و عن الدعم الخارجي والداخلي الذي تتلقاه، بهدف الاستفادة من ذلك في وضع خطط و خطوات عملية تتدارك الآثار السلبية للأعمال الإرهابية.
فوزارة التربية مثلاً يمكنها المساهمة الفعالة بإعادة صياغة المنهج التربوي الإسلامي لتأخذ به نحو الاعتدال و الوسطية المطلوبين، كما أن لوزارة الإعلام دور بارز في تشجيع المتطرفين على التوبة والرجوع عن الخطأ. يترافق كل ذلك مع دور جوهري لوزارة العدل في تحديد الوسائل القانونية المناسبة للحد من التداعيات الجنائية لظاهرة التطرف الديني.
ب – على صعيد مجلس الأمة:
بدوره يمكن لمجلس الأمة، في كل نشاطاته السياسية والتشريعية، أن يشارك بفعالية في الخطة العملية لمكافحة الإرهاب ولاسيما وفق ما يلي :
- التعاون مع وزارة العدل و كل الجهات الحكومية و غير الحكومية المعنية في إعداد ورشة تشريعية لدراسة واقعية للقوانين الجزائية والاجتماعية والتربوية المتعلقة بظاهرة الإرهاب، وذلك نحو تفعيلها وتطويرها بما يتناسب مع الضرورات المفروضة.
- التعاون الصادق بين كافة التيارات السياسية و الدينية الممثلة في مجلس الأمة لإعطاء الصورة السليمة والحقيقية للمجتمع الكويتي الذي ينبذ الإرهاب و التطرف وكل مظاهر العنف.
- التعاون الحثيث مع الحكومة في تسهيل أعمال هذه الأخيرة في مجال مكافحة الإرهاب.
ج- الأســرة:
على كل الأسر أن تؤمن أنها النواة الأساسية لأي مجتمع. فكلما نمت في الأسرة ثقافات الحوار والسلام والطمأنينة، كلما ازدهر المجتمع بأسره، وكلما اهتم الوالدان برعاية أطفالهم كلما نمت حصانتهم من الانزلاق إلى هاوية السلوكيات المنبوذة ومنها التطرف الفكري والعقائدي.
د – المؤسسات التعليمية:
لا يخفى على أحد الدور المهم للمؤسسة التعليمية في إعداد الأجيال الصالحة الذي تؤمن الاستمرارية الصحيحة لمجتمعاتها.
انطلاقاً من هذه المسلمة يجب القيام بالخطوات العملية التالية:
- إعداد الهيئات التعليمية الإعداد الكافي الذي يضمن تجنبهم للأساليب غير الحضارية و غير التربوية عند تعاملهم مع التلامذة و الطلاب، لما لذلك من انعكاسات إيجابية على تنمية السلوك السليم لدى هذه الفئة الاجتماعية الحساسة. إن النجاح في هذه الخطوة يخفف كثيرا من تركيز و تنامي الفكر العنيف في اللاوعي عند الأطفال و الطلبة.
- تنمية ثقافة الحوار و الديمقراطية لدى الطلاب وتخويلهم المشاركة في انتخابات طلابية يعبرون فيها عن آرائهم. إن التركيز على حرية التعبير بوسائل ديمقراطية يحصن الأجيال الشابة من خطر استغلال حماسهم من قبل البعض في نشر التطرف الديني وتحويله فيما بعد إلى رعب و إرهاب غير محمودي العواقب.
والله ولي التوفيق
الدكتور/ بلال عقل الصنديد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق