وجهة نظر في إشكالية المادة (37) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة الكويتي – مجلة معهد الكويت للدراسات القضائية والقانونية - صفحة 153 الكويت / ديسمبر 2007.
وجهة نظر في المادة (37) من
اللائحة الداخلية لمجلس الأمة الكويتي
د./ بلال عقل الصنديد
2006
وجهة نظر في المادة (37) من
اللائحة الداخلية لمجلس الأمة الكويتي
في خضم الجدل القانوني و السياسي الذي دارت رحاه في فترة الإعداد لمشروع تعديل قانون البلدية و التصويت عليه في القسم الأول من العام 2005 والذي نتج عنه في نهاية الأمر منح المرأة الكويتية حقوقها السياسية مما سمح لها بالتصويت في الانتخابات البلدية و البرلمانية ، طفت على السطح من جديد الإشكالية التي يطرحها تفسير المادة (37) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة التي تتناول مسألة الامتناع عن التصويت من قبل أعضاء مجلس الأمة.
الواقع، أنه في نهار الاثنين الموافق فيه 2 /5/ 2005، و خلال التصويت الثاني لأعضاء مجلس الأمة الكويتي على مشروع تعديل المادة الثالثة من قانون البلدية القديم، أدلى (29) نائباً بالموافقة عليه بينما رفضه (2) منهم و امتنع عن التصويت (29) آخرين. على أثر هذه النتيجة قرر رئيس مجلس الأمة تعليق التصويت على مشروع القانون دون اعتباره موافقا عليه من قبل مجلس الأمة ودون اعتباره بنفس الوقت مرفوضاً، متحاشيأ بذلك تطبيق نص المادة (109) من الدستور و نص المادة (97) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة، و فيهما نقرأ أن (( كل مشروع قانون اقترحه أحد الأعضاء و رفضه مجلس الأمة لا يجوز لأحد تقديمه ثانية في دور الانعقاد ذاته)).
تجدر الإشارة إلى أن أعضاء مجلس الأمة الكويتي يبلغ عددهم (50) عضوا يضاف إليهم في حينه (14) وزيرا من الوزراء غير المنتخبين الذين اكتسبوا عضويتهم في مجلس الأمة ((بحكم وظائفهم)) عملاً بأحكام المادة (80) من الدستور.
إشكالية البحث
الإشكال القانوني الذي سمح لرئيس مجلس الأمة باتخاذ مثل هذا الموقف الرمادي والذي له عدة سوابق مماثلة يعود إلى تعدد التفسيرات التي تعطى لكلمة (الأغلبية) الواردة في الفقرة الثانية من المادة (37) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة والتي تنص على ما يلي :
(( يعتبر الامتناع عن التصويت بمثابة الغياب عن الجلسة ، فلا تحسب أصوات الممتنعين ضمن أصوات المؤيدين أو المعارضين كما لا تدخل في حساب الأغلبية ، كل ذلك إذا كانت الأصوات التي أعطيت لم تقل عن النصاب القانوني اللازم لانعقاد الجلسة .
أما إذا كان عدد المؤيدين والمعارضين يقل عن هذا النصاب فان الامتناع عن التصويت لا يعتبر غياباً عن الجلسة وتدخل أصوات الممتنعين في حساب الأغلبية .
ويسرى حكم هذا المادة على الأوراق غير الصحيحة)).
المشكلة تطرح إذا في معرض تفسير كلمة (الأغلبية) والتي تدخل أصوات الممتنعين في حسابها وفق الفقرة الثانية من المادة (37)، فهل هذه الكلمة هي اختصار غير مبرر لعبارة (أغلبية المؤيدين) أم أنها اجتزاء خاطئ لعبارة (أغلبية المعارضين)، أم أنها تعني (الأغلبية المطلوبة لانعقاد جلسات مجلس الأمة) بشكل قانوني و صحيح ...أم أن لها تفسير آخر مختلف؟
الواقع أن الجدل القانوني بشأن تفسير المادة (37) ليس بجديد على الحياة البرلمانية والدستورية في الكويت، فكانت هذه المادة و لا سيما الفقرة الثانية منها محور النقاش في عديد من المرات خلال الفصول التشريعية السابقة فنذكر في هذا الإطار، على سبيل المثال لا الحصر، ما تعرضت له من النقد عندما أثير أمر تعديلها بالقانون رقم (3) لسنة 1982، ثم في الفصل التشريعي السابع عندما صوت (16) عضواً بالموافقة على مشروع تعديل قانون المخدرات وامتنع عن التصويت (18) آخرين من أصل الحضور البالغ (34) عضواً، الأمر الذي رتب اعتبار التصويت معلقا من قبل رئيس الجلسة، ولا ننسى أيضاً ما أثاره من خلافات تطبيق أحكام نفس المادة على نتيجة التصويت في انتخابات رئاسة المجلس للفصل التشريعي الثامن و ذلك على اثر إعلان فوز النائب / أحمد عبد العزيز السعدون برئاسة مجلس الأمة لهذا الفصل في جلسة تصويت أخرى. وقبل ذلك بفترة طبقت هذه المادة على انتخابات رئاسة المجلس في سنة 1967 حيث فاز برئاسة المجلس السيد / احمد زيد السرحان بحصوله على (22) صوتاً اعتبرت بمثابة الأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين بعد استبعاد (12) وزيراً ممتنعاً عن التصويت من مجموع الحاضرين وكان عددهم في هذه الجلسة (53) عضواً...
التفسيرات المتعددة
عند كل مناسبة، يتم التطرق فيها إلى مسألة تفسير المادة (37)، كانت الآراء تتوزع على عدة اتجاهات فقهية يمكن اختصارها في ثلاثة آراء أساسية برزت بمناسبة الجدل القانوني و الدستوري الذي رافق التصويت على مشروع تعديل قانون البلدية في عام 2005.
اتجه الرأي الأول للقول أنه يقصد بنص الفقرة الثانية من المادة (37) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة أن أصوات الممتنعين عن التصويت تدخل في حساب أغلبية المؤيدين أو المعارضين، ولما كانت الأغلبية المؤيدة (29) صوتا ويضاف إليهم أصوات الممتنعين وعددهم (29) صوتا، وبذلك يكون القرار قد صدر بالموافقة بأغلبية 58 صوتا .
أما الرأي الثاني فقد ذهب إلى إن تطبيق المادة (37) من اللائحة الداخلية يفيد أن العدد (29) (الموافقة) لم يصل إلى الأغلبية المطلوبة. ومن ثم فان الرأي هو تعليق القرار وليس سقوط المشروع أو رفضه، مما يتعين معه ضرورة إعادة طرحه مرة أخرى للتصويت .
واعتبر الرأي الثالث المشروع مرفوضا بحكم عدم حصوله على الأغلبية اللازمة للقبول (29 من 60)، وذلك بعد اعتبار الممتنعين حاضرين استكمالا للنصاب اللازم لانعقاد الجلسة .
ونحن من كــل ذلك، لنا وجهة نظــر تعتبر الرأي الثــاني أكثر واقعية وأكثر انسجاماً مع النص القانوني روحاً و نصاً وذلك للاعتبارات التالية :
مبررات الرأي :
1 - يشار أولا إلى أن المادة (37) قد تم تعديلها بالقانون رقم 3 لسنة 1982. بمقتضى هذا القانون أضيفت الفقرة الثانية إلى المادة موضوع البحث وتم تعديل الصياغة في الفقرة الأولى لخدمة هذه الإضافة، هذا وقد نصت المادة (37) قبل تعديلها على أنه :
(( يعتبر الامتناع عن التصويت بمثابة الغياب عن الجلسة فلا تحسب أصوات الممتنعين ضمن أصوات المؤيدين أو المعارضين ، كما لا تدخل في حساب الأغلبية بشرط إلا يقل عدد الأصوات التي أعطيت عن النصاب القانوني اللازم لانعقاد الجلسة ، ويسرى هذا الحكم في شأن الأوراق غير الصحيحة )) .
برأينا أن التعديل الجديد لم يضف شيئا جديداً إلى نص المادة (37) القديم إنما حاول المشرع من خلال صياغة أوضح - أو بشكل أصح من المفترض أن تكون أوضح - أن يؤكد على المعنى الذي يجب أن تفسر عليه المادة (37)، وهو منع النواب من التأثير على النصاب القانوني من خلال امتناعهم عن التصويت، فالفقرة الأولى في كلا النصين تعتبر بوضوح تام أن الامتناع عن التصويت هو بمثابة الغياب عن الجلسة ولكن الفقرة الثانية من النص الجديد أيدت وأكدت على المفهوم الذي كانت عليه المادة القديمة وهو أن أصوات الممتنعين تدخـــل ضمن (الأغلبية اللازمة لانعقاد المجلس) بشكل صحيح إذا اثر عدد هذه الأصوات على النصاب القانوني للجلسة .
ولتوضيح الفكرة أكثر، ضربت المذكرة التفسيرية للقانون رقم (3) لســنة 1982 بشــأن تعديل المــادة (37) مــن اللائحــة الداخلية مثــالاً وهــو حضور (45) عضوا في الجلسة عند التصويت على قرار معين منهم : عدد الموافقين (17) ، عدد المعارضين (16) و عدد الممتنعين (12) (غائبون) مجموع الحاضرين (33) . فإن القرار (حسب المذكرة التفسيرية في هذه الحالة) يصدر بالموافقة حيث حاز على أغلبية الحاضرين وحيث اعتبر الممتنعون بمثابة الغائبين .
أما إذا كان عدد الموافقين والرافضين اقل من النصاب القانوني اللازم لانعقاد الجلسة أي أقل من (33) فإن اللائحة الداخلية لم تعتبر الامتناع عن التصويت بحكم الغياب عن الجلسة في حساب الأغلبية اللازمة لإصدار القرار، حيث أن المناط في تعليق هذا الحكم هو ألا تقل الأصوات المعطاة موافقة أو رفضا عن النصاب القانوني اللازم لانعقاد الجلسة، أما إذا قلت هذه الأصوات عن هذا النصاب اعتبر الامتناع عن التصويت حضورا تشددا في الأغلبية المتطلبة لإصدار القرار ...
نحن لا نملك إلا تأييد هذا التفسير وحجتنا في ذلك أن الفقرة الثانية من النص الجديد أتت معطوفة بشكل واضح على الفقرة الأولى التي تناولت عدم تأثير الغياب على (النصاب القانوني اللازم لانعقاد الجلسة). فاستعمال عبارة (هذا النصاب) في الفقرة المضافة أتى في نظرنا تأكيداً على ربطها بعبارة النصاب القانوني المذكورة في الفقرة الأولى...
و في نفس الإطار، يكمل المشرع بهذا الربط من خلال استعماله كجواب للشرط عبارة (فان الامتناع عن التصويت) في هذه الحالة لا يعتبر غيابا بل يدخل في حساب (الأغلبية) التي من المفترض أن تحافظ على النصاب القانوني. والمقصود هنا بكلمة الأغلبية ما ورد بشأنها في المادة (97) من الدستور التي تشترط لصحة اجتماع مجلس الأمة حضور أكثر من نصف أعضائه ولصدور القرارات عنه موافقة أغلبية الحاضرين.
الواقع أن نص المادة (97) من الدستور الكويتي يعتبر أساسا عاماً لحساب الأغلبية المطلوبة لانعقاد الجلسات بشكل قانوني في مجلس الأمة وكذلك الحال بالنسبة للأغلبية المطلوبة في اتخاذ القرارات فيه . فهناك حسب نص هذه المادة نصابان : نصاب انعقاد الجلسة وهو الأغلبية المطلقة (أي ما يزيد عن النصف) من الأعضاء اللذين يتألف منهم المجلس وهم حالياً (64) أي (50) نائبا و(14) وزيراً - حسب ما تم توضيحه فيما سلف - و هناك أيضاً النصاب الآخر وهو نصاب اتخاذ القرارات الصادرة عن مجلس الأمة وهي الأغلبية المطلقة للحاضرين، ما لم ينص على أغلبية أخرى في نص دستوري أو أي نص تشريعي أدنى .
إن الربط بين نص المادة (37) ونص المادة (97) يدعم وجهة نظرنا، حيث أنه كان واضحا من العرض السابق أن غاية المشرع، في النص الأصلي للمادة (37) وفي التعديل الذي اقره سنة 1982، هي الحفاظ على النصاب القانوني للإنعقاد (وهو في حالتنا أكثر من نصف الـ (64) أي (33) نائباً).
بتطبيق هذا التفسير على الوقائع موضوع البحث يتضح أنه لو اعتبرنا أن الـ (29) نائباً الممتنعين عن التصويت هم بحكم الغياب يبقى حاضرا (29) صوتوا بالقبول و(2) رفضوا أي بمجموع (31) نائبا مما يؤثر سلباً على صحة النصاب اللازم لانعقاد الجلسة، وهو كما ذكرنا (33) نائبا، وفي هذه الحالة حسب نص المادة (37) يعاد احتساب أصوات الممتنعين ضمن الأغلبية اللازمة لانعقاد الجلسة.
لقد اعتبر بعض من يناقضون وجهة النظر هذه أنها ستؤدي إلى وجود نصابين : واحد وفقا للمادة (97) من الدستور يحسب على أساس العدد الكلي لأعضاء مجلس الأمة ونصاب آخر يحسب بناءً على الحاضرين جسدياً في الجلسة باستبعاد الغائبون جسدياً من الحساب . إلا أن الرد على ذلك، بأنه حين تحسب الأغلبية المطلوبة لانعقاد مجلس الأمة بشكل قانوني و صحيح، يؤخذ بالاعتبار مجموع أعضاء مجلس الأمة وهم (64) فيكون النصاب القانوني في هذه الحالة هو(33) عضواً، مما يؤكد عدم تجاهلنا لما نصت عليه المادة (97)، بل على العكس، فأن هذه الوجهة بالتفسير لنص المادة (37) تعمل نص المادة (97) ولا تهمله. بما معناه أن هذه الطريقة بحساب الأغلبية تضع حداً لأي محاولة سياسية أو برلمانية لتعطيل النصاب القانوني - و بالتالي لتعطيل العمل البرلماني- الذي يفترض لانعقاد مجلس الأمة بشكل صحيح حسب ما نصت عليه المادة (97). ليس بعيداً عن هذا ما قاله بعض المشتغلين بالفقه الدستوري من انه لا يجوز للامتناع عن التصويت (أن يقف عقبة في سبيل صدور ) قرارات مجلس الأمة خاصة و أن التصويت وفق بعض النظريات هو من الواجبات الوطنية وليس فقط من الحقوق .
2 - حجة القائلين أن كلمة (الأغلبية) تفسر بأنها أغلبية المؤيدين أو المعارضين اللذين صوتوا، أن المشرع لو أراد أن يأخذ هذه الكلمة على المعنى الذي نعتمده نحن وهو (النصاب القانوني لانعقاد الجلسة) لكان أحرى بواضعي النص أن يستبدلوا كلمة (الأغلبية) بإحدى العبارات التالية (أغلبية الانعقاد ) أو (الأغلبية اللازمة لصحة انعقاد الجلسة ) .
الجواب على هذا المنطق بالمنطق نفسه فنحن أيضا نقول لو كان المشرع قاصدا إدخال أصوات الممتنعين عن التصويت - في حال تأثيرهم على النصاب القانوني لانعقاد الجلسة - في عداد أغلبية المؤيدين أو المعارضين اللذين صوتوا لكان نص صراحة على ذلك واستبدل كلمة (أغلبية) بعبارة (أغلبية المعارضين أو المؤيدين) أو بعبارة ( أغلبية المصوتين)... أو بأي عبارة أخرى تفيد نفس المضمون.
وخلاصة القول في هذا الإطار أن الاعتماد على هذا المنطق في تصور و إضافة فقرات أو عبارات أو كلمات على النص القانوني غير موجودة في الأصل يمكن أن يستفيد منه كل الأطراف بحيث يضيف كل طرف عبارة تعزز وجهة نظره وهذا ليس من المنطق القانوني السليم مع احترامنا لكل من قال بمثله. فكل رأي يحتمل الصواب والخطأ ولكل منا في القانون وفي العلم وجهة نظره.
3 - مع اختلاف السبب والمضمون، هناك حالة مماثلة تعرضت بسببها المحكمة الدستورية في جلسة 8/1/1997 إلى تفسير المادة (37) موضوع البحث بمناسبة انتخاب رئيس مجلس الأمة، وكان ذلك جواباً على طلب التفسير رقم (26) لسنة 1996- دستوري.
إن موقف المحكمة الدستورية فيما يخص الأغلبية الواردة في المادة (37) لم يبتعد عن وجهة النظر التي وجدناها أكثر واقعية، مما يعزز موقفنا في هذا الشأن. وفي خلاصة رأي المحكمة الدستورية أن ((المقصود بالأغلبية للحاضرين المنصوص عليها في المادة (92) من الدستور، إنما يجرى التعرف عليه في ضوء غيرها من المواد المرتبطة، وبخاصة المادتان (97) و (117) من الدستور والمواد (28 ، 36 و 37) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة، والعبرة في الحضور الذي تحسب على أساسه تلك الأغلبية هو حضور من شارك في التصويت فعلا بشكل إيجابي وصحيح، فتستبعد من حساب الحاضرين الأصوات الباطلة والممتنعة، وهو ما يسرى حكمه على الورقة البيضاء الذي يعتبر صاحبها ممتنعاً عن التصويت، أي بمثابة، الغائب عن الجلسة، كل ذلك متى كانت النسبة الدستورية اللازمة لانعقاد المجلس متوافرة والأغلبية المطلقة تعنى أكثر من نصف الأصوات الصحيحة المعطاة، أياً كان قدر هذه الزيادة )) .
الواقع أن المحكمة الدستورية في موقفها هذا تكون قد أكدت على القراءة المنطقية لنص المادة (37) والتي مفادها - كما يقول المستشار شفيق إمام، في كتابه، المحكمة الدستورية ومعضلة التوفيق بين سيادة الدستور و سيادة الشعب- أن هذه المادة (( لم ترتب على الامتناع عن التصويت إلا الأحكام التي رأتها ضرورية لمنع تعطيل أعمال المجلس ولتفعيل دوره في أدائه لوظائفه وصلاحياته حين أضفت على هذا الامتناع حكم الغياب الاعتباري عن الجلسة في حالة وحيده هي تصويت ما يزيد على نصف أعضاء المجلس على القرار قبولا ورفضا، ذلك أن بلوغ المصوتين على القرار هذا العدد معناه أن الموضوع محل القرار قد استنفذ حقه في المناقشة والبحث كاملين من كلا الجانبين المؤيد والمعرض مما أدى إلى النتيجة التي انتهى إليها التصويت على القرار، سواء كانت قبولا أو رفضا، فتلك هي النتيجة التي عبرت عنها الإرادة الشعبية متمثلة في عدد المصوتين على القرار، الذين يزيدون على نصف عدد أعضاء المجلس )) .
و في مكان آخر نقرأ في الصفحة 230 من نفس الكتاب انه ((ربما تكون المادة (37) من اللائحة الداخلية للمجلس فيما تضمنته من أحكام خاصة بالتصويت أو بالامتناع عنه، هي إعمال لروح الدستور إزاء ما يفضى إليه الامتناع لوظائف السلطة التشريعية ، بل وشلها عن اتخاذ بعض القرارات الاقتراحات بقوانين أو مشروعات القوانين، وما نادى به الفقه الدستوري من أن المفروض في النائب العضو أن يعبر عن رأيه فيها يعرض على المجلس من قرارات بوضوح سواء بنعم أو لا ، أما حضور الجلسات والامتناع عن التصويت فهو موقف مانع يجدر أن ... يتجنبه النائب، و ألا تشجع عليه أحكام الدساتير أو اللوائح الداخلية للمجالس النيابية )) .
موقف رئيس مجلس الأمة
أما وقد اتضح أن التفسير المنطقي و السليم لكلمة الأغلبية على أنها تعني النصاب القانوني لانعقاد الجلسة يبقى التساؤل حول موقف رئيس مجلس الأمة بتعليق التصويت على مشروع تعديل قانون البلدية إلى جلسة أخرى.
الواقع أن قرار رئيس مجلس الأمة هو قرار واقعي أتى في محله سياسياً و عقلانياً، حتى و لم يكن على درجة كبيرة من الوضوح القانوني، وهو في نفس الوقت قرار تكرر اتخاذه في السوابق البرلمانية المذكورة سابقاً مما عزز موقف رئيس المجلس .
فبعد أي تصويت يكون على الرئيس إعلان حالتين : إما رفضه إذا كان عدد الرافضين قد شكلوا الأغلبية المطلقة للحاضرين المنصوص عليها في المادة (97) من الدستور، وإما عليه إعلان قبولـه من قبل الأغلبية المطلقة حسب نص نفس المادة. أما في حالتنا، التي تعتبر استثنائية رغم حدوثها أكثر من مرة و رغم إمكانية تكرار ذلك في أي وقت، فإن أغلبية الـ (29) صوتاً الموافقة لا تعتبر أغلبية مطلقة من الحاضرين، وبالتالي لا يجوز اعتبار مشروع القانون قد وافق عليه مجلس الأمة، بالمقابل فإن الصوتين اللذين رفضا مشروع القانون لا يمثلان أيضا الأغلبية اللازمة لاعتبار المشروع مرفوضاً وفق نص المادة (97) من الدستور.
أمام هذا الواقع، لم يبق لرئيس المجلس إلا اللجوء إلى قرار تعليق التصويت على مشروع القانون إلى جلسة أخرى، مما يطرح جديأ على بساط البحث – مرة أخرى – ضرورة تعديل المادة (37) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة بما يفسر بشكل أوضح معنى (الأغلبية) المتنازع في تفسيرها .
وجهة نظر
نختم عرضنا للمسائل المرتبطة بمعضلة تفسير المادة (37) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة بوجهة نظر، نطرحها للنقاش الدستوري و القانوني، مفادها أن كل ما سبق من أراء و تفسيرات في هذا الإطار، سواء سلمنا بصحتها أم لم نسلم بذلك، هي مجموعة من الرؤى المنطلقة من مسلمة واحدة مؤداها أن الأحكام التي تقررها المادة (37) فيما يتعلق بالامتناع عن التصويت هي أحكام عامة يصلح تطبيقها على كل أعمال مجلس الأمة التي تتضمن تصويتاً، سواء أتعلق هذا الأمر بالتصويت على اقتراح بقانون أو على مشروع قانون أم تعلق بأي أمر آخر كانتخاب رئيس المجلس أو أعضاء اللجان البرلمانية على سبيل المثال... إلا أن لنا في ذلك وجهة نظر مختلفة، لا تسلم بحتمية تطبيق هذه المادة على كل تصويت يقوم به أعضاء مجلس الأمة إنما يحصر تطبيق نص المادة (37) على انتخابات أعضاء مكتب المجلس.
حجتنا فيما نقول أن المادة (37) سالفة الذكر قد أتت ضمن المواد التي تكون الفصل الثالث من الباب الأول المعنون (مكتب المجلس). بصيغة أخرى، نقصد بما سبق أن تبويب اللائحة الداخلية لمجلس الأمة وتقسيمها إلى أبواب وفصول، كل منها بعنوان منفصل، يجعل المواد التي تنضوي تحت أي من هذه العناوين تطبق فقط في موضوع العنوان دون غيره ؛ فالمواد التي تؤلف الفصل الأول من الباب الأول في هذه اللائحة تنطبق فقط على (تأليف المجلس وأحكام العضوية) فيه ، وكذلك الحال فيما يتعلق بالمواد التي تشكل الفصل الثاني المعنون ( رئاسة المجلس).
وعليه، فان المواد من (32) إلى (41) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة تطبق فقط على كيفية تشكيل (مكتب المجلس) - عنوان الفصل الثالث- وعلى إجراءات هذا التشكيل وعلى شروط الترشيح وآلية التصويت وما شابه ذلك ... فلا يجوز استعارة أي حكم خاص من التي تنص عليها مادة من هذه المواد على حالة أخرى خارج إطار تشكيل مكتب المجلس والأمور المرتبطة بهذا التشكيل. كما أنه لا يستقيم أن تطبق أي مادة أخرى موقعها في فصل آخر من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة على انتخابات مكتب المجلس إلا إذا اتصفت صيغتها بالعمومية.
ما يحكم هذا المنطق في القول إذا هو مبدأ التخصيص، فالخاص لا يطبق على العام إنما العكس قد يكون جائزاً. فحين تأتي مادة معينة (المادة 32 مثلاً) وتنص صراحة على أن يتكون مكتب المجلس من (الرئيس ونائبه و...) فأنه لا تأويل في معرض صراحة النص، و بالتالي لا يجوز القياس على هذا النص أو استعارته لتطبيق أحكامه على تأليف اللجان مثلاً والتي خصص لها المشرع فصلاً كاملاً وهو الفصل الرابع، وإلا فقد التبويب الذي وضعه المشرع للائحة الداخلية مبرر وجوده وأصبح هذه التقسيم لغواً لا طائل منه، في الوقت الذي يعرف فيه كل قانوني أنه لا يجوز نعت المشرع أو النص التشريعي باللغو.
في نفس الإطار أتى نص المادة (37) منسجماً ومتكاملاً مع المواد السابقة واللاحقة له، فالمادة (36) جاءت بأحكام تنظيم أمر الفعل الايجابي بالتصويت وهو إدراج ورقة التصويت والكيفية والشروط التي يقتضيها هذا الفعل، ثم أتت المادة (37) من بعدها مباشرة لتنص على الفعل السلبي المرتبط بالتصويت وهو الامتناع عنه، والمقصود هنا في كلا الحالتين التصويت المرتبط فقط بانتخاب أعضاء مكتب المجلس وليس التصويت بشكل عام. فالتخصيص هنا لا يجوز القياس عليه ولا فرضه كقاعدة عامة تطبق على أي تصويت يقدم عليه أعضاء مجلس الأمة.
المنطق نفسه خصص الفرع الأول من الفصل الأول من الباب الثالث لمشروعات القوانين وخصص الفرع الثاني للمراسيم بقوانين وجعل الأحكام الخاصة بكل من هاذين الموضوعين مختلفاً عن الإحكام الخاصة بالآخر. فهل يجوز استعارة حكم خاص بالتصويت على الاقتراحات بقوانين و بالتحضير لهذا التصويت لنعممه على غير حالات و منها التصويت على مشاريع القوانين؟ الجواب البديهي و المباشر لا نظنه ايجابياً و إلا ما معنى تخصيص فرع لكل من الموضوعين !؟
إن الأمر الوحيد الذي يضعف من صلابة هذه الرؤية المطروحة للنقاش هو عدم وجود أي نص لا في اللائحة الداخلية لمجلس الأمة ولا في الدستور نفسه يعالج مسألة الامتناع عن التصويت، مما قد يجعل الأمر مقبولاً بعض الشيء تعميم نص المادة (37) على أي تصويت في مجلس الأمة، وهذا ما أعلنته المحكمة الدستورية بردها على طلب التفسير رقم (26) لسنة 1996، فأشارت صراحة إلى عموم حكم المادة (37) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة حيث وضحت أنه : (( وإذا كان من المقرر أن المطلق يجرى على إطلاقه والعام يبقى على عمومه ما لم يقم الدليل على تخصيصه ، وإذا جاء حكم المادة (37) المشار إليها عاماً بغير دليل على تخصيصه فإنه يكون واجب التطبيق في كل ما يعرض على المجلس للتصويت عليه وأخذ قرار فيه، يستوي في ذلك أن يكون في عملية انتخاب أو مشروع قانون أو أي قرار يصدره المجلس ومنه انتخاب رئيسه - من باب أولى لأهمية مركزه)) .
يشار هنا إلى أن اللائحة الداخلية تتضمن نصوصاً لها صبغة الدستورية بموجب تطبيق أحكام المادة (117) من الدستور التي تنص على أن (( يضع مجلس الأمة لائحته الداخلية ...)) والتي فسرت على أنها تنازل من قبل المشرع الدستوري عن تنظيم أو استكمال تنظيم بعض المسائل التي تعتبر بطبيعتها من المسائل الدستورية ليعهد بهذا الأمر إلى مجلس الأمة. وهذا يعني أن الدستور نفسه فوض مجلس الأمة بإصدار قانون بهذا الشأن يتضمن نصوصاً لها الصبغة الدستورية وتعامل أحكامها على أنها مكملة أو مفسره للدستور.
في الإطار نفسه، قضت المحكمة الدستورية في الكويت بموجب قرارها الصادر بشان طلب التفسير رقم (2) لسنة 1981 و بتاريخ 11/ 7/1981 أن المادة (114) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة قد شرعت على سند من تفويض تشريعي بمقتضى نص المادة (117) من الدستور .
بناء على ما سبق وفي حال وجود نقص أو غموض أو خلو كامل في النص الدستوري بشأن تنظيم مسألة معينه، تأتي النصوص التي تحمل الصبغة الدستورية في اللائحة الداخلية لتكمل أو لتفسر أو لتسد الفراغ في هذا الشأن. وذلك انسجاماً مع المنطق القائل أن القواعد الدستورية، في أي قالب سكبت، هي صنو الدستور بسبب طبيعة ما تتناوله من مسائل.
و بالتالي فان إغفال نصوص الدستور و نصوص اللائحة الداخلية لمجلس الأمة لمسألة الامتناع عن التصويت فتح المجال لقبول فكرة سد الفراغ الدستوري في هذا الشأن بتعميم نص - أساسه خاص بمكتب المجلس - على كافة حالات التصويت التي تتضمنها أعمال مجلس الأمة. و ذلك يتضح جلياً في توجهات المحكمة الدستورية حين أبدت رأيها بمناسبة طلب التفسير رقم (26) لسنة 1996- سابق الذكر- فأشارت إلى أنه : ((ولما كانت هذه الأحكام (المواد 32 ، 34 ، 35 ، 36 ، 37 من اللائحة الداخلية) تتعلق بتكوين مكتب مجلس الأمة وانتخاب أعضائه وعلى قمته رئيسه ونائبه وجاءت مفصلة لما عممه الدستور ومبينة لما أجمله في خصوص ما فوضت المادة (117) من الدستور للائحة في تنظيمه، والتي جاءت المادة (92) خلواً منها لزومها ومن بينها معالجة الأوضاع التي تقتضيها ممارسة المجلس التشريعي لصلاحياته بما فيها أصول التصويت بما لزم معه الرجوع إليها وبخاصة المادة (37) متى كانت لا تتعارض مع أي حكم دستوري، وذلك للتعرف على التطبيق الصحيح للمادة (92) المشار أليها ونطاق أعمال حكمها ومداه وصولاً لوجه الحق في المسألة المثارة)).
إلا أننا نخالف المحكمة الدستورية في هذا المنطق، الذي و إن اعتبر مقبولاً في البداية كحل مؤقت لمشكلة اعترضت الحياة الدستورية للمرة الأولى وبشكل غير مسبوق، فانه لا يجوز الاستمرار به على أساس أنه حل جاهز للتطبيق في كل مرة تبرز في الحياة السياسية و الدستورية الكويتية مشكلة مماثلة.
الخلاصة
إن ما طرحناه فيما سبق، على الرغم من قناعتنا بصوابيته، لا يقلل من أهمية أي رأي آخر ولا يحول دون قبول - لا بل الدعوة إلى- نقاش علمي وقانوني بناء، يجب مهما اختلفت وجهات النظر فيه أن ينتهي إلى دعوة مجلس الأمة بأسرع وقت ممكن لتعديل نص المادة (37) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة بحيث يتم تحديد معنى (الأغلبية)، التي وردت في الفقرة الثانية منها، بشكل أوضح مما تم في التعديل الذي طرأ على هذه المادة بموجب القانون رقم (3) لسنة 1982 والذي لم ينجح في وضع حل نهائي للمعضلة التي تعترض العاملين بها في كل مرة يتصدون لتفسير أحكامها .
كما أن المشرع الدستوري مدعو أيضاً، وعلى سبيل العجلة كذلك، إلى وضع نص دستوري عام يتناول مسألة الامتناع عن التصويت، يختلف عن نص المادة (37)، بشكل يضع حداً لإشكالية تعميم النص الخاص بانتخابات أعضاء مكتب المجلس على كافة أعمال مجلس الأمة المتضمنة تصويتأ، وهذا ما ناقشناه واعترضنا عليه فيما سبق.
وبكل الأحوال فان مجلس الأمة مدعو دوماً للاستعجال بوضع حلول للمعضلات الدستورية والقانونية بدلاً من انتظار حدوث أزمات تتكرر مرة بعد مرة فيتم البحث فيها و معالجتها في حينها بشكل قد يكون في بعض المرات غير مناسب لا سياسياً ولا قانونياً !!!
و الله ولي التوفيق
د. بلال عقل الصنديد
الأمانة العامة لمجلس الوزراء
2006
وجهة نظر في المادة (37) من
اللائحة الداخلية لمجلس الأمة الكويتي
في خضم الجدل القانوني و السياسي الذي دارت رحاه في فترة الإعداد لمشروع تعديل قانون البلدية و التصويت عليه في القسم الأول من العام 2005 والذي نتج عنه في نهاية الأمر منح المرأة الكويتية حقوقها السياسية مما سمح لها بالتصويت في الانتخابات البلدية و البرلمانية ، طفت على السطح من جديد الإشكالية التي يطرحها تفسير المادة (37) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة التي تتناول مسألة الامتناع عن التصويت من قبل أعضاء مجلس الأمة.
الواقع، أنه في نهار الاثنين الموافق فيه 2 /5/ 2005، و خلال التصويت الثاني لأعضاء مجلس الأمة الكويتي على مشروع تعديل المادة الثالثة من قانون البلدية القديم، أدلى (29) نائباً بالموافقة عليه بينما رفضه (2) منهم و امتنع عن التصويت (29) آخرين. على أثر هذه النتيجة قرر رئيس مجلس الأمة تعليق التصويت على مشروع القانون دون اعتباره موافقا عليه من قبل مجلس الأمة ودون اعتباره بنفس الوقت مرفوضاً، متحاشيأ بذلك تطبيق نص المادة (109) من الدستور و نص المادة (97) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة، و فيهما نقرأ أن (( كل مشروع قانون اقترحه أحد الأعضاء و رفضه مجلس الأمة لا يجوز لأحد تقديمه ثانية في دور الانعقاد ذاته)).
تجدر الإشارة إلى أن أعضاء مجلس الأمة الكويتي يبلغ عددهم (50) عضوا يضاف إليهم في حينه (14) وزيرا من الوزراء غير المنتخبين الذين اكتسبوا عضويتهم في مجلس الأمة ((بحكم وظائفهم)) عملاً بأحكام المادة (80) من الدستور.
إشكالية البحث
الإشكال القانوني الذي سمح لرئيس مجلس الأمة باتخاذ مثل هذا الموقف الرمادي والذي له عدة سوابق مماثلة يعود إلى تعدد التفسيرات التي تعطى لكلمة (الأغلبية) الواردة في الفقرة الثانية من المادة (37) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة والتي تنص على ما يلي :
(( يعتبر الامتناع عن التصويت بمثابة الغياب عن الجلسة ، فلا تحسب أصوات الممتنعين ضمن أصوات المؤيدين أو المعارضين كما لا تدخل في حساب الأغلبية ، كل ذلك إذا كانت الأصوات التي أعطيت لم تقل عن النصاب القانوني اللازم لانعقاد الجلسة .
أما إذا كان عدد المؤيدين والمعارضين يقل عن هذا النصاب فان الامتناع عن التصويت لا يعتبر غياباً عن الجلسة وتدخل أصوات الممتنعين في حساب الأغلبية .
ويسرى حكم هذا المادة على الأوراق غير الصحيحة)).
المشكلة تطرح إذا في معرض تفسير كلمة (الأغلبية) والتي تدخل أصوات الممتنعين في حسابها وفق الفقرة الثانية من المادة (37)، فهل هذه الكلمة هي اختصار غير مبرر لعبارة (أغلبية المؤيدين) أم أنها اجتزاء خاطئ لعبارة (أغلبية المعارضين)، أم أنها تعني (الأغلبية المطلوبة لانعقاد جلسات مجلس الأمة) بشكل قانوني و صحيح ...أم أن لها تفسير آخر مختلف؟
الواقع أن الجدل القانوني بشأن تفسير المادة (37) ليس بجديد على الحياة البرلمانية والدستورية في الكويت، فكانت هذه المادة و لا سيما الفقرة الثانية منها محور النقاش في عديد من المرات خلال الفصول التشريعية السابقة فنذكر في هذا الإطار، على سبيل المثال لا الحصر، ما تعرضت له من النقد عندما أثير أمر تعديلها بالقانون رقم (3) لسنة 1982، ثم في الفصل التشريعي السابع عندما صوت (16) عضواً بالموافقة على مشروع تعديل قانون المخدرات وامتنع عن التصويت (18) آخرين من أصل الحضور البالغ (34) عضواً، الأمر الذي رتب اعتبار التصويت معلقا من قبل رئيس الجلسة، ولا ننسى أيضاً ما أثاره من خلافات تطبيق أحكام نفس المادة على نتيجة التصويت في انتخابات رئاسة المجلس للفصل التشريعي الثامن و ذلك على اثر إعلان فوز النائب / أحمد عبد العزيز السعدون برئاسة مجلس الأمة لهذا الفصل في جلسة تصويت أخرى. وقبل ذلك بفترة طبقت هذه المادة على انتخابات رئاسة المجلس في سنة 1967 حيث فاز برئاسة المجلس السيد / احمد زيد السرحان بحصوله على (22) صوتاً اعتبرت بمثابة الأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين بعد استبعاد (12) وزيراً ممتنعاً عن التصويت من مجموع الحاضرين وكان عددهم في هذه الجلسة (53) عضواً...
التفسيرات المتعددة
عند كل مناسبة، يتم التطرق فيها إلى مسألة تفسير المادة (37)، كانت الآراء تتوزع على عدة اتجاهات فقهية يمكن اختصارها في ثلاثة آراء أساسية برزت بمناسبة الجدل القانوني و الدستوري الذي رافق التصويت على مشروع تعديل قانون البلدية في عام 2005.
اتجه الرأي الأول للقول أنه يقصد بنص الفقرة الثانية من المادة (37) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة أن أصوات الممتنعين عن التصويت تدخل في حساب أغلبية المؤيدين أو المعارضين، ولما كانت الأغلبية المؤيدة (29) صوتا ويضاف إليهم أصوات الممتنعين وعددهم (29) صوتا، وبذلك يكون القرار قد صدر بالموافقة بأغلبية 58 صوتا .
أما الرأي الثاني فقد ذهب إلى إن تطبيق المادة (37) من اللائحة الداخلية يفيد أن العدد (29) (الموافقة) لم يصل إلى الأغلبية المطلوبة. ومن ثم فان الرأي هو تعليق القرار وليس سقوط المشروع أو رفضه، مما يتعين معه ضرورة إعادة طرحه مرة أخرى للتصويت .
واعتبر الرأي الثالث المشروع مرفوضا بحكم عدم حصوله على الأغلبية اللازمة للقبول (29 من 60)، وذلك بعد اعتبار الممتنعين حاضرين استكمالا للنصاب اللازم لانعقاد الجلسة .
ونحن من كــل ذلك، لنا وجهة نظــر تعتبر الرأي الثــاني أكثر واقعية وأكثر انسجاماً مع النص القانوني روحاً و نصاً وذلك للاعتبارات التالية :
مبررات الرأي :
1 - يشار أولا إلى أن المادة (37) قد تم تعديلها بالقانون رقم 3 لسنة 1982. بمقتضى هذا القانون أضيفت الفقرة الثانية إلى المادة موضوع البحث وتم تعديل الصياغة في الفقرة الأولى لخدمة هذه الإضافة، هذا وقد نصت المادة (37) قبل تعديلها على أنه :
(( يعتبر الامتناع عن التصويت بمثابة الغياب عن الجلسة فلا تحسب أصوات الممتنعين ضمن أصوات المؤيدين أو المعارضين ، كما لا تدخل في حساب الأغلبية بشرط إلا يقل عدد الأصوات التي أعطيت عن النصاب القانوني اللازم لانعقاد الجلسة ، ويسرى هذا الحكم في شأن الأوراق غير الصحيحة )) .
برأينا أن التعديل الجديد لم يضف شيئا جديداً إلى نص المادة (37) القديم إنما حاول المشرع من خلال صياغة أوضح - أو بشكل أصح من المفترض أن تكون أوضح - أن يؤكد على المعنى الذي يجب أن تفسر عليه المادة (37)، وهو منع النواب من التأثير على النصاب القانوني من خلال امتناعهم عن التصويت، فالفقرة الأولى في كلا النصين تعتبر بوضوح تام أن الامتناع عن التصويت هو بمثابة الغياب عن الجلسة ولكن الفقرة الثانية من النص الجديد أيدت وأكدت على المفهوم الذي كانت عليه المادة القديمة وهو أن أصوات الممتنعين تدخـــل ضمن (الأغلبية اللازمة لانعقاد المجلس) بشكل صحيح إذا اثر عدد هذه الأصوات على النصاب القانوني للجلسة .
ولتوضيح الفكرة أكثر، ضربت المذكرة التفسيرية للقانون رقم (3) لســنة 1982 بشــأن تعديل المــادة (37) مــن اللائحــة الداخلية مثــالاً وهــو حضور (45) عضوا في الجلسة عند التصويت على قرار معين منهم : عدد الموافقين (17) ، عدد المعارضين (16) و عدد الممتنعين (12) (غائبون) مجموع الحاضرين (33) . فإن القرار (حسب المذكرة التفسيرية في هذه الحالة) يصدر بالموافقة حيث حاز على أغلبية الحاضرين وحيث اعتبر الممتنعون بمثابة الغائبين .
أما إذا كان عدد الموافقين والرافضين اقل من النصاب القانوني اللازم لانعقاد الجلسة أي أقل من (33) فإن اللائحة الداخلية لم تعتبر الامتناع عن التصويت بحكم الغياب عن الجلسة في حساب الأغلبية اللازمة لإصدار القرار، حيث أن المناط في تعليق هذا الحكم هو ألا تقل الأصوات المعطاة موافقة أو رفضا عن النصاب القانوني اللازم لانعقاد الجلسة، أما إذا قلت هذه الأصوات عن هذا النصاب اعتبر الامتناع عن التصويت حضورا تشددا في الأغلبية المتطلبة لإصدار القرار ...
نحن لا نملك إلا تأييد هذا التفسير وحجتنا في ذلك أن الفقرة الثانية من النص الجديد أتت معطوفة بشكل واضح على الفقرة الأولى التي تناولت عدم تأثير الغياب على (النصاب القانوني اللازم لانعقاد الجلسة). فاستعمال عبارة (هذا النصاب) في الفقرة المضافة أتى في نظرنا تأكيداً على ربطها بعبارة النصاب القانوني المذكورة في الفقرة الأولى...
و في نفس الإطار، يكمل المشرع بهذا الربط من خلال استعماله كجواب للشرط عبارة (فان الامتناع عن التصويت) في هذه الحالة لا يعتبر غيابا بل يدخل في حساب (الأغلبية) التي من المفترض أن تحافظ على النصاب القانوني. والمقصود هنا بكلمة الأغلبية ما ورد بشأنها في المادة (97) من الدستور التي تشترط لصحة اجتماع مجلس الأمة حضور أكثر من نصف أعضائه ولصدور القرارات عنه موافقة أغلبية الحاضرين.
الواقع أن نص المادة (97) من الدستور الكويتي يعتبر أساسا عاماً لحساب الأغلبية المطلوبة لانعقاد الجلسات بشكل قانوني في مجلس الأمة وكذلك الحال بالنسبة للأغلبية المطلوبة في اتخاذ القرارات فيه . فهناك حسب نص هذه المادة نصابان : نصاب انعقاد الجلسة وهو الأغلبية المطلقة (أي ما يزيد عن النصف) من الأعضاء اللذين يتألف منهم المجلس وهم حالياً (64) أي (50) نائبا و(14) وزيراً - حسب ما تم توضيحه فيما سلف - و هناك أيضاً النصاب الآخر وهو نصاب اتخاذ القرارات الصادرة عن مجلس الأمة وهي الأغلبية المطلقة للحاضرين، ما لم ينص على أغلبية أخرى في نص دستوري أو أي نص تشريعي أدنى .
إن الربط بين نص المادة (37) ونص المادة (97) يدعم وجهة نظرنا، حيث أنه كان واضحا من العرض السابق أن غاية المشرع، في النص الأصلي للمادة (37) وفي التعديل الذي اقره سنة 1982، هي الحفاظ على النصاب القانوني للإنعقاد (وهو في حالتنا أكثر من نصف الـ (64) أي (33) نائباً).
بتطبيق هذا التفسير على الوقائع موضوع البحث يتضح أنه لو اعتبرنا أن الـ (29) نائباً الممتنعين عن التصويت هم بحكم الغياب يبقى حاضرا (29) صوتوا بالقبول و(2) رفضوا أي بمجموع (31) نائبا مما يؤثر سلباً على صحة النصاب اللازم لانعقاد الجلسة، وهو كما ذكرنا (33) نائبا، وفي هذه الحالة حسب نص المادة (37) يعاد احتساب أصوات الممتنعين ضمن الأغلبية اللازمة لانعقاد الجلسة.
لقد اعتبر بعض من يناقضون وجهة النظر هذه أنها ستؤدي إلى وجود نصابين : واحد وفقا للمادة (97) من الدستور يحسب على أساس العدد الكلي لأعضاء مجلس الأمة ونصاب آخر يحسب بناءً على الحاضرين جسدياً في الجلسة باستبعاد الغائبون جسدياً من الحساب . إلا أن الرد على ذلك، بأنه حين تحسب الأغلبية المطلوبة لانعقاد مجلس الأمة بشكل قانوني و صحيح، يؤخذ بالاعتبار مجموع أعضاء مجلس الأمة وهم (64) فيكون النصاب القانوني في هذه الحالة هو(33) عضواً، مما يؤكد عدم تجاهلنا لما نصت عليه المادة (97)، بل على العكس، فأن هذه الوجهة بالتفسير لنص المادة (37) تعمل نص المادة (97) ولا تهمله. بما معناه أن هذه الطريقة بحساب الأغلبية تضع حداً لأي محاولة سياسية أو برلمانية لتعطيل النصاب القانوني - و بالتالي لتعطيل العمل البرلماني- الذي يفترض لانعقاد مجلس الأمة بشكل صحيح حسب ما نصت عليه المادة (97). ليس بعيداً عن هذا ما قاله بعض المشتغلين بالفقه الدستوري من انه لا يجوز للامتناع عن التصويت (أن يقف عقبة في سبيل صدور ) قرارات مجلس الأمة خاصة و أن التصويت وفق بعض النظريات هو من الواجبات الوطنية وليس فقط من الحقوق .
2 - حجة القائلين أن كلمة (الأغلبية) تفسر بأنها أغلبية المؤيدين أو المعارضين اللذين صوتوا، أن المشرع لو أراد أن يأخذ هذه الكلمة على المعنى الذي نعتمده نحن وهو (النصاب القانوني لانعقاد الجلسة) لكان أحرى بواضعي النص أن يستبدلوا كلمة (الأغلبية) بإحدى العبارات التالية (أغلبية الانعقاد ) أو (الأغلبية اللازمة لصحة انعقاد الجلسة ) .
الجواب على هذا المنطق بالمنطق نفسه فنحن أيضا نقول لو كان المشرع قاصدا إدخال أصوات الممتنعين عن التصويت - في حال تأثيرهم على النصاب القانوني لانعقاد الجلسة - في عداد أغلبية المؤيدين أو المعارضين اللذين صوتوا لكان نص صراحة على ذلك واستبدل كلمة (أغلبية) بعبارة (أغلبية المعارضين أو المؤيدين) أو بعبارة ( أغلبية المصوتين)... أو بأي عبارة أخرى تفيد نفس المضمون.
وخلاصة القول في هذا الإطار أن الاعتماد على هذا المنطق في تصور و إضافة فقرات أو عبارات أو كلمات على النص القانوني غير موجودة في الأصل يمكن أن يستفيد منه كل الأطراف بحيث يضيف كل طرف عبارة تعزز وجهة نظره وهذا ليس من المنطق القانوني السليم مع احترامنا لكل من قال بمثله. فكل رأي يحتمل الصواب والخطأ ولكل منا في القانون وفي العلم وجهة نظره.
4 - مع اختلاف السبب والمضمون، هناك حالة مماثلة تعرضت بسببها المحكمة الدستورية في جلسة 8/1/1997 إلى تفسير المادة (37) موضوع البحث بمناسبة انتخاب رئيس مجلس الأمة، وكان ذلك جواباً على طلب التفسير رقم (26) لسنة 1996- دستوري.
إن موقف المحكمة الدستورية فيما يخص الأغلبية الواردة في المادة (37) لم يبتعد عن وجهة النظر التي وجدناها أكثر واقعية، مما يعزز موقفنا في هذا الشأن. وفي خلاصة رأي المحكمة الدستورية أن ((المقصود بالأغلبية للحاضرين المنصوص عليها في المادة (92) من الدستور، إنما يجرى التعرف عليه في ضوء غيرها من المواد المرتبطة، وبخاصة المادتان (97) و (117) من الدستور والمواد (28 ، 36 و 37) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة، والعبرة في الحضور الذي تحسب على أساسه تلك الأغلبية هو حضور من شارك في التصويت فعلا بشكل إيجابي وصحيح، فتستبعد من حساب الحاضرين الأصوات الباطلة والممتنعة، وهو ما يسرى حكمه على الورقة البيضاء الذي يعتبر صاحبها ممتنعاً عن التصويت، أي بمثابة، الغائب عن الجلسة، كل ذلك متى كانت النسبة الدستورية اللازمة لانعقاد المجلس متوافرة والأغلبية المطلقة تعنى أكثر من نصف الأصوات الصحيحة المعطاة، أياً كان قدر هذه الزيادة )) .
الواقع أن المحكمة الدستورية في موقفها هذا تكون قد أكدت على القراءة المنطقية لنص المادة (37) والتي مفادها - كما يقول المستشار شفيق إمام، في كتابه، المحكمة الدستورية ومعضلة التوفيق بين سيادة الدستور و سيادة الشعب- أن هذه المادة (( لم ترتب على الامتناع عن التصويت إلا الأحكام التي رأتها ضرورية لمنع تعطيل أعمال المجلس ولتفعيل دوره في أدائه لوظائفه وصلاحياته حين أضفت على هذا الامتناع حكم الغياب الاعتباري عن الجلسة في حالة وحيده هي تصويت ما يزيد على نصف أعضاء المجلس على القرار قبولا ورفضا، ذلك أن بلوغ المصوتين على القرار هذا العدد معناه أن الموضوع محل القرار قد استنفذ حقه في المناقشة والبحث كاملين من كلا الجانبين المؤيد والمعرض مما أدى إلى النتيجة التي انتهى إليها التصويت على القرار، سواء كانت قبولا أو رفضا، فتلك هي النتيجة التي عبرت عنها الإرادة الشعبية متمثلة في عدد المصوتين على القرار، الذين يزيدون على نصف عدد أعضاء المجلس )) .
و في مكان آخر نقرأ في الصفحة 230 من نفس الكتاب انه ((ربما تكون المادة (37) من اللائحة الداخلية للمجلس فيما تضمنته من أحكام خاصة بالتصويت أو بالامتناع عنه، هي إعمال لروح الدستور إزاء ما يفضى إليه الامتناع لوظائف السلطة التشريعية ، بل وشلها عن اتخاذ بعض القرارات الاقتراحات بقوانين أو مشروعات القوانين، وما نادى به الفقه الدستوري من أن المفروض في النائب العضو أن يعبر عن رأيه فيها يعرض على المجلس من قرارات بوضوح سواء بنعم أو لا ، أما حضور الجلسات والامتناع عن التصويت فهو موقف مانع يجدر أن ... يتجنبه النائب، و ألا تشجع عليه أحكام الدساتير أو اللوائح الداخلية للمجالس النيابية )) .
موقف رئيس مجلس الأمة
أما وقد اتضح أن التفسير المنطقي و السليم لكلمة الأغلبية على أنها تعني النصاب القانوني لانعقاد الجلسة يبقى التساؤل حول موقف رئيس مجلس الأمة بتعليق التصويت على مشروع تعديل قانون البلدية إلى جلسة أخرى.
الواقع أن قرار رئيس مجلس الأمة هو قرار واقعي أتى في محله سياسياً و عقلانياً، حتى و لم يكن على درجة كبيرة من الوضوح القانوني، وهو في نفس الوقت قرار تكرر اتخاذه في السوابق البرلمانية المذكورة سابقاً مما عزز موقف رئيس المجلس .
فبعد أي تصويت يكون على الرئيس إعلان حالتين : إما رفضه إذا كان عدد الرافضين قد شكلوا الأغلبية المطلقة للحاضرين المنصوص عليها في المادة (97) من الدستور، وإما عليه إعلان قبولـه من قبل الأغلبية المطلقة حسب نص نفس المادة. أما في حالتنا، التي تعتبر استثنائية رغم حدوثها أكثر من مرة و رغم إمكانية تكرار ذلك في أي وقت، فإن أغلبية الـ (29) صوتاً الموافقة لا تعتبر أغلبية مطلقة من الحاضرين، وبالتالي لا يجوز اعتبار مشروع القانون قد وافق عليه مجلس الأمة، بالمقابل فإن الصوتين اللذين رفضا مشروع القانون لا يمثلان أيضا الأغلبية اللازمة لاعتبار المشروع مرفوضاً وفق نص المادة (97) من الدستور.
أمام هذا الواقع، لم يبق لرئيس المجلس إلا اللجوء إلى قرار تعليق التصويت على مشروع القانون إلى جلسة أخرى، مما يطرح جديأ على بساط البحث – مرة أخرى – ضرورة تعديل المادة (37) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة بما يفسر بشكل أوضح معنى (الأغلبية) المتنازع في تفسيرها .
وجهة نظر
نختم عرضنا للمسائل المرتبطة بمعضلة تفسير المادة (37) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة بوجهة نظر، نطرحها للنقاش الدستوري و القانوني، مفادها أن كل ما سبق من أراء و تفسيرات في هذا الإطار، سواء سلمنا بصحتها أم لم نسلم بذلك، هي مجموعة من الرؤى المنطلقة من مسلمة واحدة مؤداها أن الأحكام التي تقررها المادة (37) فيما يتعلق بالامتناع عن التصويت هي أحكام عامة يصلح تطبيقها على كل أعمال مجلس الأمة التي تتضمن تصويتاً، سواء أتعلق هذا الأمر بالتصويت على اقتراح بقانون أو على مشروع قانون أم تعلق بأي أمر آخر كانتخاب رئيس المجلس أو أعضاء اللجان البرلمانية على سبيل المثال... إلا أن لنا في ذلك وجهة نظر مختلفة، لا تسلم بحتمية تطبيق هذه المادة على كل تصويت يقوم به أعضاء مجلس الأمة إنما يحصر تطبيق نص المادة (37) على انتخابات أعضاء مكتب المجلس.
حجتنا فيما نقول أن المادة (37) سالفة الذكر قد أتت ضمن المواد التي تكون الفصل الثالث من الباب الأول المعنون (مكتب المجلس). بصيغة أخرى، نقصد بما سبق أن تبويب اللائحة الداخلية لمجلس الأمة وتقسيمها إلى أبواب وفصول، كل منها بعنوان منفصل، يجعل المواد التي تنضوي تحت أي من هذه العناوين تطبق فقط في موضوع العنوان دون غيره ؛ فالمواد التي تؤلف الفصل الأول من الباب الأول في هذه اللائحة تنطبق فقط على (تأليف المجلس وأحكام العضوية) فيه ، وكذلك الحال فيما يتعلق بالمواد التي تشكل الفصل الثاني المعنون ( رئاسة المجلس).
وعليه، فان المواد من (32) إلى (41) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة تطبق فقط على كيفية تشكيل (مكتب المجلس) - عنوان الفصل الثالث- وعلى إجراءات هذا التشكيل وعلى شروط الترشيح وآلية التصويت وما شابه ذلك ... فلا يجوز استعارة أي حكم خاص من التي تنص عليها مادة من هذه المواد على حالة أخرى خارج إطار تشكيل مكتب المجلس والأمور المرتبطة بهذا التشكيل. كما أنه لا يستقيم أن تطبق أي مادة أخرى موقعها في فصل آخر من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة على انتخابات مكتب المجلس إلا إذا اتصفت صيغتها بالعمومية.
ما يحكم هذا المنطق في القول إذا هو مبدأ التخصيص، فالخاص لا يطبق على العام إنما العكس قد يكون جائزاً. فحين تأتي مادة معينة (المادة 32 مثلاً) وتنص صراحة على أن يتكون مكتب المجلس من (الرئيس ونائبه و...) فأنه لا تأويل في معرض صراحة النص، و بالتالي لا يجوز القياس على هذا النص أو استعارته لتطبيق أحكامه على تأليف اللجان مثلاً والتي خصص لها المشرع فصلاً كاملاً وهو الفصل الرابع، وإلا فقد التبويب الذي وضعه المشرع للائحة الداخلية مبرر وجوده وأصبح هذه التقسيم لغواً لا طائل منه، في الوقت الذي يعرف فيه كل قانوني أنه لا يجوز نعت المشرع أو النص التشريعي باللغو.
في نفس الإطار أتى نص المادة (37) منسجماً ومتكاملاً مع المواد السابقة واللاحقة له، فالمادة (36) جاءت بأحكام تنظيم أمر الفعل الايجابي بالتصويت وهو إدراج ورقة التصويت والكيفية والشروط التي يقتضيها هذا الفعل، ثم أتت المادة (37) من بعدها مباشرة لتنص على الفعل السلبي المرتبط بالتصويت وهو الامتناع عنه، والمقصود هنا في كلا الحالتين التصويت المرتبط فقط بانتخاب أعضاء مكتب المجلس وليس التصويت بشكل عام. فالتخصيص هنا لا يجوز القياس عليه ولا فرضه كقاعدة عامة تطبق على أي تصويت يقدم عليه أعضاء مجلس الأمة.
المنطق نفسه خصص الفرع الأول من الفصل الأول من الباب الثالث لمشروعات القوانين وخصص الفرع الثاني للمراسيم بقوانين وجعل الأحكام الخاصة بكل من هاذين الموضوعين مختلفاً عن الإحكام الخاصة بالآخر. فهل يجوز استعارة حكم خاص بالتصويت على الاقتراحات بقوانين و بالتحضير لهذا التصويت لنعممه على غير حالات و منها التصويت على مشاريع القوانين؟ الجواب البديهي و المباشر لا نظنه ايجابياً و إلا ما معنى تخصيص فرع لكل من الموضوعين !؟
إن الأمر الوحيد الذي يضعف من صلابة هذه الرؤية المطروحة للنقاش هو عدم وجود أي نص لا في اللائحة الداخلية لمجلس الأمة ولا في الدستور نفسه يعالج مسألة الامتناع عن التصويت، مما قد يجعل الأمر مقبولاً بعض الشيء تعميم نص المادة (37) على أي تصويت في مجلس الأمة، وهذا ما أعلنته المحكمة الدستورية بردها على طلب التفسير رقم (26) لسنة 1996، فأشارت صراحة إلى عموم حكم المادة (37) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة حيث وضحت أنه : (( وإذا كان من المقرر أن المطلق يجرى على إطلاقه والعام يبقى على عمومه ما لم يقم الدليل على تخصيصه ، وإذا جاء حكم المادة (37) المشار إليها عاماً بغير دليل على تخصيصه فإنه يكون واجب التطبيق في كل ما يعرض على المجلس للتصويت عليه وأخذ قرار فيه، يستوي في ذلك أن يكون في عملية انتخاب أو مشروع قانون أو أي قرار يصدره المجلس ومنه انتخاب رئيسه - من باب أولى لأهمية مركزه)) .
يشار هنا إلى أن اللائحة الداخلية تتضمن نصوصاً لها صبغة الدستورية بموجب تطبيق أحكام المادة (117) من الدستور التي تنص على أن (( يضع مجلس الأمة لائحته الداخلية ...)) والتي فسرت على أنها تنازل من قبل المشرع الدستوري عن تنظيم أو استكمال تنظيم بعض المسائل التي تعتبر بطبيعتها من المسائل الدستورية ليعهد بهذا الأمر إلى مجلس الأمة. وهذا يعني أن الدستور نفسه فوض مجلس الأمة بإصدار قانون بهذا الشأن يتضمن نصوصاً لها الصبغة الدستورية وتعامل أحكامها على أنها مكملة أو مفسره للدستور.
في الإطار نفسه، قضت المحكمة الدستورية في الكويت بموجب قرارها الصادر بشان طلب التفسير رقم (2) لسنة 1981 و بتاريخ 11/ 7/1981 أن المادة (114) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة قد شرعت على سند من تفويض تشريعي بمقتضى نص المادة (117) من الدستور .
بناء على ما سبق وفي حال وجود نقص أو غموض أو خلو كامل في النص الدستوري بشأن تنظيم مسألة معينه، تأتي النصوص التي تحمل الصبغة الدستورية في اللائحة الداخلية لتكمل أو لتفسر أو لتسد الفراغ في هذا الشأن. وذلك انسجاماً مع المنطق القائل أن القواعد الدستورية، في أي قالب سكبت، هي صنو الدستور بسبب طبيعة ما تتناوله من مسائل.
و بالتالي فان إغفال نصوص الدستور و نصوص اللائحة الداخلية لمجلس الأمة لمسألة الامتناع عن التصويت فتح المجال لقبول فكرة سد الفراغ الدستوري في هذا الشأن بتعميم نص - أساسه خاص بمكتب المجلس - على كافة حالات التصويت التي تتضمنها أعمال مجلس الأمة. و ذلك يتضح جلياً في توجهات المحكمة الدستورية حين أبدت رأيها بمناسبة طلب التفسير رقم (26) لسنة 1996- سابق الذكر- فأشارت إلى أنه : ((ولما كانت هذه الأحكام (المواد 32 ، 34 ، 35 ، 36 ، 37 من اللائحة الداخلية) تتعلق بتكوين مكتب مجلس الأمة وانتخاب أعضائه وعلى قمته رئيسه ونائبه وجاءت مفصلة لما عممه الدستور ومبينة لما أجمله في خصوص ما فوضت المادة (117) من الدستور للائحة في تنظيمه، والتي جاءت المادة (92) خلواً منها لزومها ومن بينها معالجة الأوضاع التي تقتضيها ممارسة المجلس التشريعي لصلاحياته بما فيها أصول التصويت بما لزم معه الرجوع إليها وبخاصة المادة (37) متى كانت لا تتعارض مع أي حكم دستوري، وذلك للتعرف على التطبيق الصحيح للمادة (92) المشار أليها ونطاق أعمال حكمها ومداه وصولاً لوجه الحق في المسألة المثارة)).
إلا أننا نخالف المحكمة الدستورية في هذا المنطق، الذي و إن اعتبر مقبولاً في البداية كحل مؤقت لمشكلة اعترضت الحياة الدستورية للمرة الأولى وبشكل غير مسبوق، فانه لا يجوز الاستمرار به على أساس أنه حل جاهز للتطبيق في كل مرة تبرز في الحياة السياسية و الدستورية الكويتية مشكلة مماثلة.
الخلاصة
إن ما طرحناه فيما سبق، على الرغم من قناعتنا بصوابيته، لا يقلل من أهمية أي رأي آخر ولا يحول دون قبول - لا بل الدعوة إلى- نقاش علمي وقانوني بناء، يجب مهما اختلفت وجهات النظر فيه أن ينتهي إلى دعوة مجلس الأمة بأسرع وقت ممكن لتعديل نص المادة (37) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة بحيث يتم تحديد معنى (الأغلبية)، التي وردت في الفقرة الثانية منها، بشكل أوضح مما تم في التعديل الذي طرأ على هذه المادة بموجب القانون رقم (3) لسنة 1982 والذي لم ينجح في وضع حل نهائي للمعضلة التي تعترض العاملين بها في كل مرة يتصدون لتفسير أحكامها .
كما أن المشرع الدستوري مدعو أيضاً، وعلى سبيل العجلة كذلك، إلى وضع نص دستوري عام يتناول مسألة الامتناع عن التصويت، يختلف عن نص المادة (37)، بشكل يضع حداً لإشكالية تعميم النص الخاص بانتخابات أعضاء مكتب المجلس على كافة أعمال مجلس الأمة المتضمنة تصويتأ، وهذا ما ناقشناه واعترضنا عليه فيما سبق.
وبكل الأحوال فان مجلس الأمة مدعو دوماً للاستعجال بوضع حلول للمعضلات الدستورية والقانونية بدلاً من انتظار حدوث أزمات تتكرر مرة بعد مرة فيتم البحث فيها و معالجتها في حينها بشكل قد يكون في بعض المرات غير مناسب لا سياسياً ولا قانونياً !!!
و الله ولي التوفيق
د. بلال عقل الصنديد
الأمانة العامة لمجلس الوزراء
2006
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق