2007
التقسيم
إطلالة عامة على المحتوى
تقديـم :
# القسم الأول : مفهوم ومدى السلطة الوصائية للوزير :
الفقرة الأولى : المفهوم النظري لسلطة الوصاية : أركانها وحدودها .
الفقرة الثانية : مدى سلطة الوصاية في الكويت .
أ - النصوص العامة .
ب - النصوص الخاصة .
# # القسم الثاني :مفهوم وحدود المسؤولية السياسية لوزير الوصاية في الكويت :
الفقرة الأولى : الأحكام العامة لمسئولية الوزير السياسية في النظام الدستوري الكويتي .
الفقرة الثانية : مفهوم المسؤولية السياسية للوزير في الكويت .
الفقرة الثلثة : مدى المسؤولية السياسية لوزير الوصاية في الكويت : المسؤولية على قدر الصلاحيات .
اطلالة عامة على المحتوى
• تتمحور إشكالية البحث حول مسئولية الوزير السياسية في إشرافه على المؤسسات والهيئات العامة بصفته وزير الوصاية .
• وإعمالا للمبدأ الأصولي أن "المسئولية على قدر السلطات والصلاحيات" فقد كان ملائماً البحث في خمسة مسائل أساسية هي :
1. أركان سلطة الوصاية وحدودها في مفهومها النظري العام.
2. أحكام النصوص العامة والخاصة المتعلقة بالوصاية على المؤسسات والهيئات العامة الكويتية.
3. الأحكام العامة للمسؤولية السياسية للوزير الكويتي.
4. تحديد مضمون ومفهوم هذه المسؤولية.
5. رسم حدود هذه المسؤولية فيما يتعلق برقابة الوزير على المؤسسات العامة الكويتية.
• تبين من دراسة المسألة الأولى أن قرب أو بعد الوصاية الإدارية من السلطة التسلسلية التي تمارس داخل الوزارات و الجهات الحكومية يشدد أو يخفف مقدار المسؤولية السياسية للوزير بالنسبة لرقابته على أعمال و تصرفات المؤسسات العامة .
• واتضح من خلال دراسة المسألة الثانية أن بعض النصوص الكويتية قد قربت إلى حد معين بين السلطة الوصائية (سلطة الوصاية الإدارية) والسلطة التسلسلية الإدارية، وعليه فإن ترتيب المسؤولية السياسية للوزير بالنسبة لرقابته على المؤسسات و الهيئات العامة أصبح من الأمور المرجحة التي يحتاج توضيح حدودها إلى شيء من التفصيل.
• بقي الاستفهام بالنسبة للمسألة الثالثة مطروحاً عن الجهة أو الجهات التي يتحمل الوزير أمامها التبعة السياسية ؟ فتم التوضيح أنه يتحملها أمام جهات أساسية ثلاث و هي : الشعب مباشرة، أمير البلاد ومجلس الأمة.
• وخلص البحث إلى أن مفهوم هذه المسؤولية يتمحور حول (ثقة) هذه الجهات الثلاثة بالوزير في إدارته وممارسته لاختصاصاته داخل وزارته كما هو الحال بالنسبة لرقابته وإشرافه وتوجيهه للمؤسسات العامة. وفي هذا الإطار تم التوضيح أن عبارة (الثقة) من الممكن أن يعطى لها تفسيرا ضيقا مما يخفف من مسئولية الوزير بالنسبة لرقابته على المؤسسات العامة، أو أنها تعطى تفسيراً واسعا مما يوسع مروحة المسؤولية الوزارية. وفي كل الأحوال فان التفسير الذي يعطى لعبارة الثقة يبقى رهين الظروف و المتغيرات الشعبية و السياسية.
• وفيما يتعلق بحدود مسؤولية الوزير عن رقابته على المؤسسات و الهيئات العامة، تم التوضيح أن مداها مرتبط بحجم ومقدار السلطات و الصلاحيات التي تمنحه إياها النصوص في هذا الشأن.
تقديم :
شهد العالم منذ أكثر من قرنين تحولات جذرية على الصعيدين السياسي والقانوني للدول المعاصرة، فظهرت مفاهيم "دولة المؤسسات" و"الدولة التدخلية" لتحل محل المفاهيم القديمة "للدولة الحارس" و "الدولة الدبلوماسي"، وعلى ذلك لم تبقى مهام الدول وحكوماتها محصورة بتأمين الأمن والسلم لشعوبها مع حصرية تمثيلها في الخارج بل تعددت نشاطاتها لتشمل تأمين حاجات مواطنيها الإدارية والمرفقية والاجتماعية المختلفة، وذلك ضمن دائرة الحفاظ على الصالح العام . ومع تنامي الحياة الاقتصادية والاجتماعية للأمم صار متعذرا على الدولة أن تدير بسلطة مركزية بحته كل الأمور المتعلقة بحياة شعوبها فنشأت فكرتي اللاحصرية واللامركزية.
تعني اللاحصرية عدم حصر سلطات الدولة بالقيمين على السلطات المركزية في العاصمة، فأعطي نتيجة ذلك الحق لهؤلاء بالتنازل عن جزء منها للموظفين الحكوميين في الأماكن الجغرافية البعيدة عن العاصمة، فنتج عن ذلك نشوء المحافظات، الأقضية والأقاليم...الخ .
أما اللامركزية فهي نوع من أنواع الإدارة لا تمثل بأي شكل احد أنواع الحكم لما في ذلك من مساس بمبدأ سيادة الدولة على كل أراضيها. تعني اللامركزية قيام بعض الجهات والهيئات بتسيير المرافق والمصالح العامة للمواطنين بعد أن تمنح الشخصية المعنوية التي تخولها التمتع باستقلالين إداري ومالي . وهي أما إن تكون لا مركزية مرفقية وأما أن تكون لا مركزية إقليمية، فالأولى تتمثل بالمؤسسات والهيئات العامة التي تقوم بتسيير وإدارة مرفق أو عدة مرافق عامة إدارية أو متخصصة (تجارية، صناعية، استثمارية ...)، الأمر الذي يعقد بالأصل للسلطة التنفيذية ممثلة بالوزارات والحكومات المركزية. أما الثانية فهي تعني قيام بعض الهيئات المنتخبة انتخابا -كالمجالس المحلية أو البلدية- بتسيير أمور، في معظمها إداري و تنظيمي، مرتبطة بالمتطلبات الحياتية اليومية للمواطنين .
تبقى الإشارة إلى أنه، سواء أتعلق الأمر باللامركزية أو باللاحصرية، فان القوانين المقارنة تخضع هذه الجهات لرقابة وإشراف ووصاية الإدارة المركزية ممثلة بالوزير المختص وأحيانا بمجلس الوزراء مجتمعاً.
انسجاما مع هذا الجو الذي سيطر على الفكر القانوني والسياسي والمؤسساتي للدول المعاصرة، قرر المشرع الكويتي الاعتماد على كلا النوعين من اللامركزية (المرفقية و الإقليمية) في إدارة المصالح والمرافق العامة الإقليمية والتخصصية. يستبعد من البحث كل نقاش في اللامركزية الإدارية ليتم التركيز على دراسة النصوص والواقع القانوني المتعلق بالمؤسسات والهيئات العامة الكويتية حيث يتم بشكل خاص دراسة موضوع المسؤولية المترتبة على الوزير (وزير الوصاية أو الأشراف) بالنسبة لممارسته لسلطاته على تلك المؤسسات.
يلاحظ في هذا الإطار أن القانون الكويتي، بمفهومه الواسع بدءاً من الدستور مروراً بالقوانين واللوائح وانتهاء بالمراسيم والقرارات، تناول في غير موضع مسألة إنشاء وتنظيم وإدارة المؤسسات والهيئات العامة الكويتية. فلم تخرج نصوصه في معالجتها للامركزية المرفقية في الكويت عما اعتمد في القوانين المقارنة خاصة الفرنسية منها . فتمثلت اللامركزية المرفقية في الكويت ببعض المؤسسات والهيئات العامة التي تنشأ وتنظم بنصوص قانونية تعطيها الشخصية المعنوية والاعتبارية والاستقلالين الإداري والمالي اللازمين لتسيير مهامها التخصصية سواء أكانت ذات طابع إداري أم استثماري (تجاري أو صناعي)... ونظرا لخطورة وأهمية المهام المنوطة بهذه المؤسسات ربطها المشرع الكويتي بوزير أو بوزارة يمارسان عليها سلطات وصاية وإشراف كي لا تصبح الاستقلالية الإدارية والمالية سببا لخروجها عن دائرة السياسة العامة الاقتصادية والإدارية والاجتماعية للدولة المركزية.
مع غياب أي نص عام ينطبق على كل المؤسسات العامة الكويتية يصبح من الصعب تحديد مدى و طبيعة وحدود الرقابة التي يمارسها الوزير على المؤسسات العامة بشكل موحد. فكل نص يؤسس وينظم احد هذه المؤسسات يعطي للوزير صلاحيات وسلطات تختلف عن الصلاحيات الممنوحة لـه في نص آخر.
وهنا يطرح التساؤل حول إمكانية محاسبة الوزير عن أعمال وتصرفات وأخطاء المؤسسات العامة التي يشرف عليها بنفسه أو التي ربطت بوزارته، ولا نعنى هنا سوى بالمسؤولية السياسية المنطلقة من النظام البرلماني المعتمد في الكويت. فتستبعد من الدراسة الرقابة القضائية على قرارات الوزير الإدارية المتعلقة بالمؤسسات العامة . كما يستبعد أيضاً البحث في المسئوليات الجزائية أو المدنية التي تترتب على الوزير بشأن أعماله و تصرفاته التي يقوم بها بصفته مواطناً عادياً له منزله الخاص وسيارته الخاصة وعلاقاته وتصرفاته الشخصية... .
فهل يحمل الوزير مسؤولية سياسية في إشرافه على المؤسسات العامة في دولة الكويت ؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب، فما هو مضمون هذه المسؤولية وما هي حدودها؟ للإجابة على هذه التساؤلات وإعمالا للمبدأ الأصولي الذي يفيد بأن "المسؤولية تأتي على قدر السلطات" تم تقسيم البحث إلى قسمين :
(# القسم الأول) و فيه سيتم التطرق إلى المفهوم النظري للعلاقة التي تربط الوزير بالهيئات و المؤسسات العامة وتوضيح مداها ومدى الصلاحيات و السلطات التي يتمتع بها الوزير بهذا الشأن.
(## القسم الثاني) وسيتم البحث فيه بمعنى ومضمون المسؤولية التي يتحملها الوزير في رقابته على الهيئات و المؤسسات العامة لننتقل فيما بعد إلى رسم حدودها ومداها.
# القسم الأول : مفهوم ومدى السلطة الوصائية للوزير
تعرف سلطة الإشراف أو الرقابة التي يمارسها الوزير على المؤسسات والهيئات العامة التي ربطت به أو بوزارته "بسلطة الوصاية" أو "بالسلطة الوصائية" حسب ما يحلو للبعض أن يسميها . إلا ن التساؤل يبقى مشروعاًً حول مفهومها النظري وحول قربها أو بعدها عن سلطة الرقابة الإدارية التي يمارسها الوزير في وزارته (1). كما أن الاستفهام مشروع أيضاً حول مداها في دولة الكويت (2) ؟
الفقرة الاولى : المفهوم النظري لسلطة الوصاية : أركانها وحدودها .
قد يكون من السهل الإشارة إلى الاختلاف النظري بين كل من السلطة الوصائية و سلطة الرقابة الإدارية التي تمارس داخل الهرم الإداري وتخول الرئيس حقوقا يمارسها على أشخاص مرؤوسيه وعلى أعمالهم ، إلا أنه يجب بالمقابل التنبيه إلى أنه ليس من السهل عملياً القيام برسم الحد الفاصل بين كلا الرقابتين، الأمر الذي ينعكس على قياس مدى المسؤولية السياسية التي يتحملها الوزير بالنسبة لممارسته لهما. فكلما قرب تطبيق السلطة الوصائية من السلطة التسلسلية كلما تكرست بشكل جلي المسؤولية السياسية للوزير في ممارسته لها على المؤسسات العامة.
إن تعبير الوصاية على المؤسسات والهيئات العامة قد يخلق بعض اللبس بين مفهومها في القانون الإداري ومفهومها في كل من القانون المدني و الشريعة الإسلامية. فرغم التقاء المفهومين على نفس اللفظ إلا أن مدلولات وأهداف كل منهما تختلف جذريا عن الآخر .
ففي حين تعني الوصاية في القانون المدني والشرعي وصاية شخص على آخر عديم الأهلية أو ناقصها، فإنها تعني في القانون الإداري ممارسة الوزير سلطات رقابية وتوجيهية وإشرافية على شخص معنوي له كامل الاستقلال والأهلية للتصرف في أموره الإدارية والمالية. هذا لجهة التفريق التعريفي، أما لجهة تفريقهما لجهة أهداف كل منهما، فتعني الأولى تمكين شخص - يتفق على كمال أهليته وحسن تصرفه- حق الإشراف وحقي الوصاية والتصرف بأموال وأعمال الشخص الموصى عليه بهدف حماية هذا الأخير مما يمكن أن يجره عليه الزمن والتعامل مع الناس من مخاطر لا يمكن لـه أن يدركها وفي أحسن الأحوال ليس لديه القدرة الكافية على دفعها عنه وعن أمواله . أما في القانون، من خلال ممارسته للوصاية الإدارية يحرص الوزير على توجيه سياسة المؤسسة أو الهيئة العامة للنحو الذي حددته الحكومة في سياستها العامة وذلك كله بهدف تحقيق الصالح العام وليس صالح المؤسسات المعنية بالمفهوم الضيق كما هو الحال بالنسبة للموصى عليه في القانون المدني أو الشرعي.
لن نتوقف كثيراً عند هذا الإشكال اللفظي فأي تغيير في اللفظ أو الاصطلاح المستعمل في أي من القانونين من شأنه أن يفرق بين كلا الوصايتين ويبعد أي التباس ممكن بينهما. النقطة التي تسـتأهل التركيز تكمن في التفرقة بين سلطة الوصاية والسلطة التسلسلية الإدارية، فلكل من هاتين الرقابتين خصائص و ميزات تفصلها في بعض الأحيان حدود غير صلبة.
السلطة الرئاسية، هي نوع من أنواع الرقابة التي لا تحتاج إلى نص عليها، فهي من بديهيات العمل الإداري، وبموجبها يتمتع كل رئيس ضمن دائرة المشروعية بحق التوجيه و الإمرة والرقابة على أشخاص مرؤوسيه و على أعمالهم. فالوزير، عملاً بهذا المبدأ، هو رأس الهرم الإداري في وزارته وهو صاحب الحق الأساسي بتوجيه أعمالها وسياستها للوجهة التي يريدها، فيتحمل بالتالي مسئولية سياسية عن أي تقصير في تحقيق النتائج المتوخاة من أعمال الوزارة أو عن أي مخالفة للنصوص القانونية تمت داخل وزارته.
أما الوصاية الإدارية فهي مبدأ تتمتع من خلاله سلطة الوصاية بأربع صلاحيات أساسية تمارسها على أعمال الأشخاص الذين يديرون المؤسسات العامة وهي : التصديق على القرارات، إلغاؤها والسماح المسبق باتخاذها وصولاً إلى مبدأ الحلول.
• سلطة التصديق : تشترط سلطة التصديق لنفاذ قرارات مجلس إدارة المؤسسات العامة التصديق عليها من قبل سلطة الوصاية ضمن مدة زمنية معينة وبمفعول رجعي يعود إلى التاريخ الذي اتخذ فيه القرار المصدق .
• سلطة الإلغاء : لسلطة الوصاية أيضا حق إلغاء القرارات المتخذة في المؤسسات العامة بمفعول رجعي إلى وقت صدورها ولها أيضا أن توقف تنفيذها .
• سلطة السماح المسبق : لا يجوز للمؤسسات العامة أن تقوم ببعض التصرفات أو باتخاذ بعض القــرارات إلا بقبول مسبق من سلطة الوصاية وهذا ما تعنيه سلطة الموافقة المسبقة .
• سلطة الحلول : عند تقاعس المؤسسة العامة عن القيام ببعض واجباتها الأساسية و المهمة (كتسيير المرفق العام مثلاً) يسمح مبدأ الوصاية الإدارية لسلطة الوصاية أن تحل محل المؤسسة المتقاعسة في اتخاذ القرار المناسب على مسؤولية المؤسسة ولحسابها.
بالإضافة إلى هذه الرقابة على التصرفات، تتمتع سلطة الوصاية ببعض السلطات و الصلاحيات التي يحق لها ممارستها على بعض الأشخاص في المؤسسات والهيئات العامة. فلوزارة الوصاية الحق مثلاً بتعيين القياديين وعزلهم واقتراح التجديد لهم وتقرير مكافآتهم المادية والمعنوية .
خلاصة القول أن سلطات الوصاية تتمتع عادة بصلاحيات مهمة وحساسة إذا ما تركت على إطلاقها تشكل خطراً على مبدأ استقلالية المؤسسات العامة التي وجدت أصلاً من أجل القيام ببعض الأعمال التخصصية بحرية تبعدها عن الدخول في متاهة الروتين الإداري والرقابة التسلسلية اللذين يعيقان العمل في السلطات المركزية. من أجل ذلك اتفق على تقييد الوصاية بقيود عديدة تتميز بها عن السلطة التسلسلية.
فالمبدأ أن مهمة سلطة الوصاية هي مجرد رقابة المؤسسات العامة وتوجيهها للصالح العام، فليس لوزير الوصاية إلا أن يحترم مبادرات قيادي المؤسسة في هذا الإطار، فهو لا يملك بموجب سلطة التصديق على قراراتهم إلا الموافقة أو الرفض دون أن يتعدى ذلك إلى تعديل أو تغيير مضمون هذه القرارات. و بكل الأحوال فان قرار الرفض أو القبول يعتبر دائماً من قبيل القرارات الإدارية التي يجوز الطعن بها أمام القضاء الإداري للنظر فيها من حيث الاختصاص و المشروعية ومن حيث عدم مخالفتها لمضامين "الرقابة الضيقة" التي قررها الفقه والقضاء الفرنسي و من بعده القضاء المصري و اللبناني لممارسة السلطة الوصائية .
من جهة أخرى، إن ما يميز سلطة الوصاية عن السلطة التسلسلية بشكل واضح هو تلقائية الثانية داخل النشاط الحكومي والإداري ووجوب تحديد الأولى بنص صريح لا يجوز تخطيه. المبدأ أن "لا وصاية من غير نص ولا وصاية من خارج النص"، فلا يجوز للوزير، وفق هذا المبدأ، أن يمارس وصايته على أي مؤسسة عامة – حتى ولو اقترب مجال اختصاصها من مجال عمل وزارته- إلا إذا وجد نص صريح يربطها به أو بوزارته. كما انه لا يجوز لــه أن يتعدى في ممارسته إياها الحدود التي رسمها له النص الذي يجب تفسير أحكامه تفسيرا ضيقا وفقا لما اتفق عليه في الفقه والقضاء الفرنسي منذ زمن بعيد . الأمر في الرقابة التسلسلية مختلف تماما، فلا يفترض بأي حال وجود النص كي يمارس الوزير أو المدير سلطته التسلسلية على أشخاص مرؤوسيه وعلى أعمالهم. فخضوع المرؤوس لأوامر الرئيس هو أمر من بديهيات العمل الإداري، كما أن حقي الإلغاء والتعديل الذين يملكهما الرئيس بالنسبة لأعمال مرؤوسيه هي حقوق لا تحتاج لأن ينص عليها .
المشكلة كما ذكرنا هو في تقارب سلطة الوصاية من السلطة التسلسلية إما بالتطبيق الخاطئ أو المبالغ به و إما بوجود نصوص التباسية تساعد على هذا الخلط أو الاستنتاج . ليس بعيداً عن هذا، فإن مراجعة النصوص الكويتية المتعلقة بالمؤسسات و الهيئات العامة تكشف بوضوح أن الرقابة الوصائية في دولة الكويت تقترب في بعض الأحيان من السلطة الرئاسية دون أن يصل الأمر إلى اندماجهما الكلي، مما قد يوسع من إمكانية المساءلة السياسية التي يخضع لها الوزير بالنسبة لرقابته على المؤسسات و الهيئات العامة كما هو الحال بالنسبة لسلطاته التسلسلية في الوزارة التي يرأسها.
الفقرة الثانية : مدى سلطة الوصاية في الكويت
لم يرتض المشرع الكويتي أن يعطي الاستقلالية المالية والإدارية للمؤسسات العامة دون أن يقيد هذه الاستقلالية ببعض النصوص العامة والخاصة التي تقوي من رقابة الإدارة المركزية عليها، مما يطرح تساؤلات حول اتساع المدى التي تصل اليه سلطة الوصاية في دولة الكويت.
نستعرض فيما يلي مجموعة من النصوص العامة التي تطبق على كل المؤسسات والهيئات العامة الكويتية (أ) ومجموعة من النصوص الخاصة ببعض منها (ب) :
أ - النصوص العامة :
سبقت الإشارة إلى أن القانون الكويتي يفتقد لأي نص موحد وعام ينطبق على كافة المؤسسات والهيئات العامة الكويتية فيما يتعلق بتوحيد اتجاهات و آليات الإنشاء وأطر التنظيم الإداري و المالي أو فيما يتعلق برسم حدود و صلاحيات رقابة جهة الوصاية، إلا أن الأمر لا يخلو من بعض النصوص التي تطال بأحكامها كافة المؤسسات و الهيئات العامة المنشأة في الكويت .
من بين النصوص القليلة التي تطبق على كل المؤسسات والهيئات العامة الكويتية نشير بداية إلى المادة (133) من الدستور وإلى أحكام المرسوم بقانون رقم (116) لسنة 1992 في شأن التنظيم الإداري وتحديد الاختصاصات والتفويض والذي أتى ليحل بشكل أو بآخر محل المرسوم بالقانون رقم (77) لسنة 1986 في شأن تنظيم الهيئات والمؤسسات العامة والإدارات المستقلة .
فقد قررت أحكام الدستور في المادة (133) منه أن المؤسسات العامة تنظم بقانون "بما يكفل لها الاستقلال في ظل توجيه الدولة ورقابتها". أما عن كيفية مباشرة اختصاص الوزير في الإشراف على المؤسسات العامة والهيئات العامة والإدارات المستقلة التابعة له أو الملحقة به أو بوزارته فقد أوردها المشرع في المادة الثانية من المرسوم رقم (116) لسنة 1992 سابق الذكر، راسماً بذلك الخطوط العريضة لصلاحيات السلطة الوصائية على الشكل التالي :
• إصدار التوجيهات لتنفيذ السياسة العامة للدولة وللخطة الإنمائية.
• متابعة سير العمل لضمان تحقيق الأغراض التي أنشئت من أجلها المؤسسة.
• متابعة التقيد بأحكام القوانين واللوائح وقرارات مجلس الوزراء .
• ممارسة الاختصاصات الأخرى التي ينص عليها القانون أو اللوائح.
لعل في هذه النصوص ما يمكن أن يستنتج منه ولو بشكل غير مباشر إمكانية ترتيب المسؤولية السياسية على الوزير عن أعمال المؤسسة العامة التي يشرف عليها ولا يبقى أي مجال للشك في ذلك عند الإطلاع على ما ورد حرفياً في المذكـرة التفسيرية للمرسـوم رقم (116) لسنة 1992 سالف الذكر والتي أوردت بشكل جازم وقطعي أن إشراف الوزير على المؤسسات والهيئات العامة تفرض عليه عرض شئونها ومشاكلها على مجلس الوزراء واقتراح الـحلول اللازمة لها وذلك "إعمالا لأحكام المسؤولية الوزارية" التي تحتم بالتأكيد المسؤولية السياسية .
ومما يزيد في الأمر وضوحاً هو اعتماد وتطبيق مبدأ التفويض المنصوص عليه في المادتين (5) و(6) من نفس المرسوم بقانون، إذ أن المشرع خول الوزير أن يعهد ببعض الاختصاصات المقررة لــه أصلا بموجب القوانين واللوائح إلى مجالس إدارة الهيئات والمؤسسات العامة التي يشرف عليها، كما خولــه أن يعهد بها إلى رؤسائها ومديريها. وقد نصت المادة السادسة على انه يجوز لمجلس إدارة الهيئة أو المؤسسة العامة أن يفوض بعض اختصاصاته إلى رئيسه أو إلى لجنة فرعية من أعضائه بشرط موافقة الوزير على ذلك. إن مثل هذا التفويض أو الموافقة عليه من قبل الوزير، تحت طائلة عدم جوازه، يعتبر في الأصــل من صلب ممارسة السلطة الرئاسية !!!
ليس في هذه النصوص ما يمكننا معه الجزم بوصف العلاقة بين الوزيروأعضاء ورؤساء مجلس الإدارة في المؤسسات العامة بالسلطة الرئاسية أو التسلسلية، إنما لا يجوز بالمقابل أن نتجاهل الإشارة إلى بعض الخروقات التي تحدثها هذه النصوص في الجدار الفاصل بين الوصاية الإدارية والسلطة التسلسلية، خاصة وان المادة الخامسة المشار إليها قد ساوت عملياً بين تفويض الوزير لبعض الاختصاصات إلى كل من وكيل وزارته أو الوكيل المساعد فيها و تفويضه للاختصاصات إلى مجالس الإدارة في المؤسسات العامة أو رؤسائها ومديريها. يشار هنا إلى أن المادة التاسعة من نفس المرسوم بقانون حرمت الوزير من ممارسته لهذه الاختصاصات أثناء سريان التفويض بإشارة واضحة لعدم الخروج بهذا التفويض عن نظام وشروط التفويض المعتمد أصلا في ممارسة السلطات الرئاسية .
هذا وقد تمادت المادة الحادية عشر من نفس المرسوم بقانون بالسماح للوزير أن يفوض توقيعه إلى رئيس مجلس الإدارة وللمدير في المؤسسة العامة أو لأحد نوابهما. أليس في ذلك كله تكريس للتقارب بين السلطة الوصائية والسلطة الإدارية التسلسلية في الكويت !؟
من جهة أخرى، فيما يتعلق بالأمور المالية وشئون الموازنة نصت المادة الثانية من المرسوم بالقانون رقم (31) لسنة 1978، الخاص بقواعد الميزانيات العامة والرقابة على تنفيذها والحساب الختامي، أن شكل ميزانية المؤسسات العامة ذات الشخصية الاعتبارية تحدد من قبل وزير المالية بعد نظره في الاقتراح المقدم من الجهة المعنية بما يتلاءم مع طبيعة نشاطها. والوزير بنفسه مخول أيضا وفق المادة (43) من نفس المرسوم بالقانون أن يقرر نظام المحاسبة الخاص بكل مؤسسة بناء على اقتراح مجلس إدارتها، وهو الذي يقرر ويرفع إلى مجلس الوزراء ما أبدته المؤسسة العامة من تقديرات حول إيراداتها ومصروفاتها وحول حسابها الختامي. وقد بلغ المدى في رقابة وزير المالية على موازنة المؤسسات العامة وحساباتها الختامية في إجبارها على أن تقدم له تقاريراً ربع سنوية عن سير العمل بها وتطور مراكزها المالية مشتملة على البيانات والمعلومات التي يحددها (مادة 47).
لا شك في أن هذه الأحكام الأخيرة تؤكد على اختلاف الوضع القانوني وطبيعة النشاط للمؤسسات العامة عن الجهات ذات الميزانية الملحقة بالوزارت مما يخولها الاستقلال بالذمة المالية الخاصة بها، إلا انه بالمقابل لا يجوز أن نتجاهل المدى الذي ترتبط به هذه الاستقلالية بالخطوط العريضة التي ترسمها السلطة التنفيذية ممثلة بوزير المالية أو بمجلس الوزراء وفيه وزير الوصاية الذي يتولى، كما سنرى عند دراسة النصوص الخاصة ببعض المؤسسات العامة الكويتية، دوراً مهما في إقرار الموازنة للمؤسسات العامة وفي توجيه سياساتها.
ولعل الأحكام التي جاءت بها المادة (131) من الدستور الكويتي لا تبتعد كثيرا عن هذا الإطار. فقد منع نص هذه المادة على الوزير أثناء توليه للوزارة أن "يسهم في التزامات تعقدها الحكومة أو المؤسسات العامة". هذا وقد أشارت المذكرة التفسيرية للدستور في تعليقها على الفقرة الثانية من هذه المادة إلى أن أموال الدولة تفهم "بالمعنى الواسع والشامل للحكومة المركزية والهيئات والمؤسسات العامة". إن مجرد الربط بين الالتزامات التي تعقدها الوزارات والالتزامات التي تعقدها المؤسسات العامة في نص المادة (131) يعتبر من المؤشرات الواضحة على دخول أموال المؤسسات العامة في خانة أموال الدولة التي يعطي القانون الحق للوزير في صرفها وفق معايير محددة قانوناً، مما يرتب بشكل أو بآخر خضوعه بالنسبة لصرف هذه الأموال وكيفية إدارتها إلى رقابة المسؤولية السياسية.
ب - النصوص الخاصة :
ما يعنينا من انتقاء بعض النصوص الخاصة التي تنظم وتضع الأطر القانونية لأعمال وتصرفات المؤسسات والهيئات العامة الكويتية هو البحث في المدى التي تصل إليه سلطة الوزير في ممارسته للوصاية الإدارية و التساؤل حول قربها أو بعدها عن السلطة التسلسلية مما يستدل منه، بشكل عكسي، تكريس أو تخفيف درجة المسؤولية السياسية التي يخضع لها الوزير في هذا الإطار.
تلتقي معظم هذه النصوص على إعطاء الوزير صلاحيات مهمة يمارسها على قيادي المؤسسات العامة بأشخاصهم وبإعمالهم. فيلاحظ في هذا الإطار أن هذه النصوص أعطت للحكومة بشكل عام ولوزير الوصاية بشكل خاص إمكانية التأثير المباشر والكبير على سلطتي المؤسسات العامة، الإدارية منها (مجلس الإدارة) والتنفيذية (المدير العام)، وذلك لناحية التعيين والإقالة والتجديد أو لناحية التصديق والمشاركة في اتخاذ القرارات. وفي كل هذه الأحوال يكون للوزير تأثير واضح في رسم وتنفيذ السياسة العامة للمؤسسات، مما يزيد من إمكانية تحميله مسؤولية بالنسبة للتوجهات العامة للمؤسسات المعنية.
إن السلطة، الشبه رئاسية، التي تربط الوزير ببعض مجالس إدارة المؤسسات العامة تعطي الوزير إمكانية فعلية لتحديد و تغيير و توجيه السياسة العامة – وفي بعض الأحيان السياسة التفصيلية– للمؤسسات العامة، خاصة و أن للمجالس المذكورة اختصاصات و صلاحيات مهمة تهيمن على مسار العمل في المؤسسات و الهيئات العامة في الكويت. فلهذه المجالس مثلاً صلاحيات رسم السياسة العامة للمؤسسة وإصدار اللوائح الداخلية والقرارات المتعلقة بالشئون المالية والإدارية والفنية. ولها أيضا حق الموافقة والتصديق والاعتراض على إقرار الميزانية والحساب الختامي. يضاف إلى ذلك حقها في إصدار القرارات المتعلقة بتعيين المستخدمين العاملين في المؤسسة وتقرير مبادىء ترقيتهم ونقلهم وفصلهم وتحديد مرتباتهم ومكافآتهم وأسس تقاعدهم وفقا للوائح التي أعدت بهذا الشأن. كما لها أيضا تقرير حق الإقراض والاقتراض وإصدار السندات في الأسواق المالية وتحديد اولويات ما يصرف من موازنة المؤسسة .
كل هذه الإجراءات خاضعة لمبدأ عدم مخالفة القواعد والنظم التي تفرضها القوانين والمراسيم واللوائح ولكنها أيضا خاضعة لسلطة ورقابة وزير الوصاية مباشرة . فهو الذي يترأس مجلس الإدارة في بعض المؤسسات العامة (الهيئة العامة للمعلومات المدنية - الهيئة العامة للاستثمار - الهيئة العامة لشئون القصر ..) وحضوره ضروري لاستكمال النصاب القانوني لانعقاد الجلسات (المؤسسة العامة للرعاية السكنية ) كما أن صوته مرجحاً عند تعادل الأصوات وهو الذي يتولى توقيع عقود القروض باسم المؤسسة (الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية ) . كما أن بعض النصوص أعطت وزير الوصاية أيضا الحق في تمثيل المؤسسات العامة أمام القضاء (مؤسسة البترول الكويتية ) وفي صلاتها مع الغير (المؤسسة العامة للموانئ ). وقد بلغ الأمر في النصوص الكويتية حداً أعطت فيه لرئيس مجلس الإدارة في الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية (رئيس مجلس الوزراء أو من يفوضه) الاستغناء في المسائل العاجلة عن دعوة مجلس الإدارة للاجتماع بعرض ما يطلب الموافقة عليه على الأعضاء متفرقين في مذكرة شارحة (المادة 9 من النظام الأساسي للصندوق) . يضاف إلى ما سبق أن للوزير التأثير المعنوي الكبير)- حتى لا نقول التأثير المادي المباشر - على قيادي المؤسسات العامة الكويتية بما أعطاه القانون من حق في اقتراح تعيينهم وعزلهم والتوصية بالتجديد لهم . فكيف يمكن للقياديين في المؤسسة أن يخالفوا تعليمات الوزير -حتى التفصيلية منها- طالما فتح باب التجديد أمامهم مرهون بإشارة منه!؟
أليس في كل ما سبق تأكيد واضح على ترتيب مسؤولية الوزير السياسية عن أعمال وتصرفات وأخطاء المؤسسات العامة المعنية؟ ألا تعطي النصوص المساقة للوزير سلطات تعدت مجرد الإشراف والتوجيه ومراقبة التقييد بالقوانين(وفق ما عرضناه سابقاً مما جاء في نص المادة الثانية من المرسوم بقانون رقم 116/1992) إلى المشاركة والتأثير المباشر في اتخاذ القرارات المتعلقة على حد سواء بالسياسة العامة للمؤسسة أو بالتفاصيل التنفيذية لها ؟
الواقع، أن الإجابة على هذه التساؤلات تذهب بنا للقول أن بعض النصوص العامة والخاصة المتعلقة بالمؤسسات العامة الكويتية قربت بشكل جلي السلطة الوصائية من السلطة التسلسلية وكرست بالتالي مسؤولية الوزير السياسية في إشرافه على المؤسسات و الهيئات العامة المعنية بهذه النصوص. إلا أن أحد المتمرسين في الحياة العملية الإدارية و القانونية، وهو الأمين العام المساعد لأمانة الشؤون القانونية في الأمانة العامة لمجلس الوزراء الكويتي الأستاذ وائل العسعوسي، لا يتفق مع هذا الاستنتاج إلا من الناحية النظرية لأنه يرى أنه ((في ضوء الواقع العملي، فان القوانين المنظمة لإنشاء الهيئات و المؤسسات العامة لا تعطي للوزراء الفرصة الكافية للقيام بمسئوليتهم في متابعة أعمال الجهات الملحقة بهم ولا يعطيهم قدراً واسعاً من السلطات و الصلاحيات التي يمكنهم من توجيه والرقابة و الإشراف بما يتفق مع السياسة العامة للحكومة التي يضعها مجلس الوزراء )).
بصرف النظر عن الواقع العملي، ومهما اختلفت الآراء، يتفق الجميع تقريباً على أن بعض النصوص الكويتية تعطي للوزير صلاحيات تحمله قدرا مهماً من المسئوليات و بالتالي قدراً مهماً من التبعة السياسية. فماذا تعني هذه المسؤولية وأمام من يتحملها الوزير وما هو مداها و حدودها ؟ هذا ما سنحاول دراسته في القسم الثاني من البحث.
## القسم الثاني : مفهوم وحدود المسؤولية السياسية لوزير الوصاية في الكويت .
لقد ابرز التقديم لهذا البحث الإشكالية التي بني عليها النقاش وهي تحديد مسئولية الوزير السياسية بالنسبة لرقابته الوصائية على المؤسسات والهيئات العامة العاملة في دولة الكويت، فاتضح مما سبق أن هذه المسؤولية قد تقع على عاتق الوزير بموجب بعض النصوص وروحيتها، إلا انه لا زال الاستفهام مشروعاً حول معنى هذه المسؤولية وحدودها.
نبحث فيما يلي بأنواع المسؤولية السياسية التي يتحملها الوزير في ممارسته لأعماله واختصاصاته، كما سنبين أمام أي من الجهات تقع عليه هده التبعة ؟ (1)، لننتقل إلى توضيح معنى هذه المسؤولية من خلال التفاسير التي ممكن أن تعطى لها (2) انتهاءً بمحاولة رسم لحدودها فيما يتعلق برقابة وزير الوصاية على المؤسسات و الهيئات العامة (3) .
الفقرة الاولى : الأحكام العامة لمسئولية الوزيرالسياسية في النظام الدستوري الكويتي .
غني عن البيان أن مسئولية الوزير السياسية تترتب بشكل عام نتيجة ما يفرضه عليه وجوده على رأس الوزارة. فهو المسئول الأول عن كل الأمور التي تتعلق بوزارته إن من حيث الإشراف أو من حيث التنفيذ. وقد سبق القول أن مهمة الإشراف على المؤسسات والهيئات العامة هي من صلب المهام التي يمارسها الوزير بصفته، وبالتالي فإنه مسئول عن كل ما يترتب عن هذا الإشراف بحدود ما تفرضه الأحكام و النصوص الدستورية القانونية المعمول بها في هذا المجال، كما سنرى لاحقاً . وفي هذا الإطار يشير قرار المحكمة الدستورية الصادر بتاريخ 11/4/2005 بشأن طلب تفسير المادة (99) من الدستور المقدم من الحكومة الكويتية تحت رقم (3) لسنة 2004 إلى أن الأحكام المتعلقة بالمسؤولية الفردية للوزير تتسق، في المقام الأول، ((مع مبادئ النظام الديمقراطي الذي تبناه الدستور نظاماً وسطاً بين النظامين البرلماني والرئاسي مع انعطاف أكبر نحو أولهما حسبما هو مستفاد من نص المادة (6) من الدستور وما جاء بمذكرته التفسيرية. فسلطة الوزير ذات طبيعة مزدوجة فهي سلطة حكم لكون الوزراء جميعاً أعضاء في مجلس الوزراء الذي يهيمن على مصالح الدولة ويرسم السياسة العامة ويتابع تنفيذها ويشرف على سير العمل في الإدارات الحكومية طبقاً لما تنص عليه المادة (123) من الدستور، فهم مشاركون في مسئولية الحكم. كما أنها سلطة إدارة لأن الوزير يعتبر هو الرئيس الإداري الأعلى لوزارته، وبهذه الصفة يتمتع بجميع مظاهر السلطة الرئاسية عليها وما يتبعها من موظفين وإدارات وأجهزة ومرافق، ومن ثم فمن الطبيعي أن يتحمل تبعة الأخطاء الناشئة عن إدارته، وعن أعماله وتصرفاته المتعلقة بشئون وزارته الداخلة في اختصاصاته (بما فيها سلطة الوصاية التي يمارسها على المؤسسات و الهيئات العامة)، فيسأل سياسياً أمام المجلس النيابي عن جميع الأعمال والتصرفات المخالفة للدستور أو القانون، الإيجابية منها والسلبية، العمدية وغير العمدية، بوسائل الرقابة البرلمانية المقررة للسلطة التشريعية على أعمال السلطة التنفيذية بموجب أحكام الدستور)).
في نفس الإطار لا بد من الإشارة إلى أن مسئولية الوزير السياسية موضوع البحث لا تنحصر فقط بفقدانه المنصب نتيجة استجواب يتولاه أعضاء مجلس الأمة والذي قد يتحول فيما بعد إلى طرح الثقة بالوزير المستجوب ، لكنها تشمل أيضاً استعمال كل وسائل الضغط السياسي التي يمكن أن تمارس على الوزير داخل أروقة البرلمان و خارجه من قبل الشعب أو ممثليه وفقا للآليات الديمقراطية التي وضعها النظام الدستوري الكويتي الذي حرص على ما اسماه (شعبية الحكم) . فهذا النوع من المسئوليات لا يعني، كما هو الحال بالنسبة للمسؤولية الجزائية، إسقاط عقوبة محددة على فعل أو جرم أو تصرف معين، بل هو مجرد إعلان لعدم الثقة بالوزير المخل بواجباتها، الأمر الذي يمكن أن يأخذ أشكالا عديدة قد تصل بنهاية المطاف إلى درجة "الإعدام السياسي" أو إلى فقدان المنصب الوزاري.
الأمر يتضح جلياً في النظام الدستوري و السياسي الكويتي حيث يتولى مهمة الرقابة والإشراف السياسي على أعمال الوزير وممارسته لاختصاصاته ثلاثة جهات أساسية وهي : الشعب مباشرة عبر قواه الفاعلة، مجلس الأمة و حضرة صاحب السمو أمير البلاد .
فالكويت دولة ديمقراطية، السيادة فيها بحكم نص المادة السادسة من الدستور (للأمة مصدر جميع السلطات)، وبناء عليه فإن السلطتين التنفيذية والتشريعية خاضعتين لإشراف الشعب الكويتي الذي له كامل الحرية وكامل السيادة في مراقبة سياسييه و محاسبة أركان الإدارة التي تسيير أمور البلاد .
لقد اعترف الدستور للشعب الكويتي بحقه في تفويض جزءاً من إرادته لمن ينوب عنه في البرلمان حيث يمثل عضو مجلس الأمة، وفق نص المادة (108) من الدستور، الشعب الكويتي بأثره ، وتبعاً لهذا التوكيل أعطي البرلمان الكويتي حق رقابة السلطة التنفيذية في أعمالها وتصرفاتها واحتفظ الشعب لنفسه بحق الرقابة السياسية المباشرة على كل من السلطتين التنفيذية والتشريعية متمثلتين على التوالي، بمجلسي الوزراء والأمة.
فالصحافة ووسائل الإعلام، القوى الأهلية و قوى المجتمع المدني، الندوات، الأندية والجمعيات... لا تتوانى يوماً عن متابعة مسار عمل الحكومة بشكل عام و الوزراء على وجه الخصوص. كما أن الدواوين التي يلتقي فيها الكويتيين بشكل يومي، تشكل برلمان ظل يتم من خلاله التطرق إلى مواضيع الساعة ويجري في ربوعه تقييم دقيق لأداء الوزراء في وزاراتهم و في سياستهم العامة. وليس بعيداً عن ذلك يجري في كثير من الأحيان رصد لتصرفات الوزير بشأن علاقته بالمؤسسات و الهيئات العامة، فترتفع أسهمه السياسية أو تنخفض تبعاً لنجاحاته في هذه العلاقة .
وهكذا فان تضافر جهود الصحافة ووسائل الإعلام مع حيوية القوى الفاعلة في المجتمع الكويتي في مراقبة و محاسبة الوزير أمر يؤدي حتماً في حال تقصيره، وفق المنطق الدستوري والديمقراطي السائد، إلى إعلان عدم ثقتهم به سياسياً مما قد يصل به إلى فقدانه لمنصبه .
بقي أن نشير إلى تحمل الوزير لمسئوليته الدستورية والسياسية أمام السلطة التشريعية المتمثلة، وفق نص المادة (56) من الدستور، بسمو الأمير و مجلس الأمة معاً. يشار في هذا الإطار إلى أن رقابة مجلس الأمة على أعمال الوزير قد تصل إلى حد طرح الثقة به واعتباره مستقيلاً من منصبه كنتيجة حتمية لذلك، في نفس الوقت الذي تؤدي عدم ثقة الأمير به إلى فقدانه لمنصبه بالإقالة أو بعدم توزيره مرة أخرى.
ولعل في إلقاء الضوء على النظام الدستوري المتبع في دولة الكويت ما يوضح كل هذه النقاط إذ أن الدستور الكويتي قد اعتمد وبنص مذكرته التفسيرية نظاماً وسطياً يجمع ما بين النظامين البرلماني والرئاسي مع توجه أكبر وأوضح نحو النظام البرلماني. الدافع وراء هذا التوجه مرده إلى حرص المشرع على إعطاء شرعية شعبية للنظام عن طريق رقابة الشعب، عبر ممثليه في مجلس الأمة، على أعمال السلطة التنفيذية، وذلك إعمالا واضحا لنص المادة السادسة من الدستور التي توضح أن "نظام الحكم في الكويت ديمقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعاً، و تكون ممارسة السيادة على الوجه المبين بهذا الدستور".
في ظل هذا التوجه الديمقراطي ونظراً لما تفرضه رعاية المصلحة العامة على أعضاء مجلس الأمة من واجبات و التزامات، كان لابد للبرلمان الكويتي أن يتسلح بسيف المساءلة السياسية ويبقيه مسلطاً فوق رأس الحكومة المخولة إعداد وتنفيذ السياسة العامة للبلاد. إن مثل هذه الرقابة السياسية والشعبية كفيلة في توجيه الحكم وتوجيه إداراته إلى جادة الصواب كلما حاولت الحياد عنها.
لكن الدستور الكويتي لم يترك لعبة النظام البرلماني، ممثلة برقابة مجلس الأمة، على إطلاقها لأن المبدأ في النظام البرلماني هو تحمل الوزير لنوعين من المسؤولية السياسية : واحدة تضامنية مع الوزراء كافة وهذا ما يعرف بالمسؤولية التضامنية للحكومة عن سياستها العامة والثانية هي مسئولية فردية يتحملها الوزير عن أعمال وزارته وكل ما يتعلق بها .
فخلافاً لهذه القاعدة، اعتبر المشرع الكويتي في المذكرة التفسيرية للدستور أن إحدى عيوب النظام البرلماني التي كشفت عنها التجارب تكمن في المسؤولية الوزارية التضامنية أمام البرلمان. فهذه المسؤولية وفقا للوجهة المعتمدة في النظام الدستوري الكويتي يخشى منها أن تجعل من الحكم "هدفاً لمعركة لا هوادة فيها بين الأحزاب، بل وتجعل من الحكم سبباً رئيسيا للانتماء إلى هذا الحزب أو ذاك. ويصبح الحكم غاية لا مجرد وسيلة لتحقيق حكم اسلم وحياة أفضل".
انطلاقا من هذه الرؤية نزع الدستور الكويتي من البرلمان حق مساءلة الحكومة سياسياً على وجه تضامني وأبقاها وفق المادة (58) من حق الأمير. فأشارت أحكام هذه المادة صراحة إلى أن "رئيس مجلس الوزراء والوزراء مسئولون بالتضامن أمام الأمير عن السياسة العامة للدولة". على عكس ذلك فان مسئولية الوزير الفردية عن أعمال وزارته يتحملها أمام كل من سمو الأمير (م.58) و البرلمان على حد سواء ( م. 99 وما يليها).
فبعطف المادة (58) على المادة (56) من الدستور الكويتي نجد أن الوزير في ممارسته لوظيفته وفي توليه لمهامه التنفيذية، الإشرافية، الرقابية أوالتوجيهيه... يبقى تحت رقابة العين الساهرة لسمو الأمير وفي دائرة ثقة الأخير به. فإذا اخل الوزير في مهام سلطته الوصائية على المؤسسات والهيئات العامة يرتب ذلك عليه مسؤولية مباشرة أمام الأمير (المادة58) مما قد يؤدي إلى عدم إعادة تعينه أو إعفائه من منصبه (المادة 56).
أما رقابة مجلس الأمة السياسية على أعمال الوزير، فهي متمثلة في صور عديدة تبدأ من حق الاستماع إلى الوزير واستيضاحه حول أمور معينة انتهاءً بالاستجواب وطرح الثقة به مروراً بالأسئلة الموجهة إليه .
فقد أوجبت المادة (98) من دستور دولة الكويت كل حكومة جديدة على أن تتقدم إلى مجلس الأمة فور تشكيلها ببرنامج عمل. هذا الإجراء الذي تلتزم به الحكومة دستورياً يخول المجلس كما تنص المادة المذكورة "أن يبدي ما يراه من ملاحظات" بصدده ولا يرقى الأمر أن يكون، كما هو معمول في غير نظام برلماني ، طلباً للثقة بالحكومة من أعضاء المجلس. وبناء عليه يكتفي المجلس بإبداء ملاحظاته حول البرنامج المقدم بعد مناقشته جملة وتفصيلا، على الأقل نظرياً، ليضع ملاحظات مكتوبة يبلغها للحكـومة، وهذه الأخيرة بنص المذكرة التفسيرية للدستور "كمسئولة في النهاية أمام مجلس الأمة" مجبرة على أن "تحل هذه الملاحظات المكان اللائق بها وبالمجلس المذكور" الذي يمثل صوت الأمة الكويتية.
إن مناقشة المجلس لبرنامج عمل الحكومة وإبداء ملاحظاته عليه يجعل جميع الوزراء، كل فيما يختص بوزارته، تحت وطأة رقابة مجلس الأمة في تماشيه مع الخطوط العريضة التي وضعتها حكومته وناقشها المجلس واضعا ملاحظاته عليها . وإعمالا لهذه الرقابة قد تتحول ملاحظـات أعضاء مجلس الأمة إلى أسـئلة برلمانية وفق ما جـاء في المادة (99) من الدستور، فيسأل كل وزير عن أعمال وزارته بالمعنى الواسع للكلمة أمام مجلس الأمة . تجدر الإشارة إلى أنه، وفق المذكرة التفسيرية للدستور الكويتي، لا يجوز أن يتعدى السؤال البرلماني "معنى الاستفهام إلى معنى التجريح أو النقد و إلا أصبح استجوابا" . وبكل الأحوال فان آلية الأسئلة البرلمانية إذا مارسها أعضاء مجلس الأمة بجدية وموضوعية، هي آلية كفيلة بمساءلة الوزير سياسيا وإضعاف موقفه شعبياً.
أما الاستجواب الذي نصت عليه المادة (100) من الدستور الكويتي، فانه يعتبر الوسيلة البرلمانية الأكثر فاعلية ووضوحاً بشأن مساءلة الوزير سياسياً . فهو إذا بلغ مداه قد يؤدي إلى طرح الثقة بالوزير وإلى اعتباره معتزلا لمنصبه من تاريخ قرار عدم الثقة به مما يجبره على تقديم استقالته مباشرة "استيفاءً للشكل الدستوري" حسب ما ورد في المذكرة التفسيرية للدستور. ومقتضى ذلك، وفق ما ورد في التفسير الخاص بالمواد (101 – 102 – 103) من الدستور الكويتي، أن أي تصرف يصدر من الوزير المذكور، بعد صدور قرار عدم الثقة به، يعتبر بقوة الدستور باطلا وكأنه لم يكن، دون أن يطبق في هذه الحالة الحكم الوارد بالمادة (103) من الدستور القاضي باستمرار الوزير في تصريف العاجل من شئون منصبه لحين تعيين خلفه .
وعليه فإن الاستجواب الذي يؤدي إلى طرح الثقة بالوزير من الخطورة والأهمية لدرجة أنه يفقده حتى مجرد الحق في تصريف الأمور الضرورية والعاجلة التي يتطلبها العمل الوزاري سواء داخل وزارته أو في إشرافه على الإدارات المستقلة والهيئات والمؤسسات العامة التابعة، فيعهد بهذه الأمور إلى وزير يعين نيابة عنه على وجه السرعة أو إلى آخر تعهد إليه الوزارة مؤقتا ريثما يتم تعيين وزيرا جديدا.
تبقى الإشارة، في إطار البحث بالمسؤولية السياسية للوزير، إلى بعض الآليات الدستورية التي لا ترقى إلى درجة الاستجواب والتي من خلالها يشرف مجلس الأمة على أعمال الوزير ويتتبع ممارساته لمهامه و اختصاصاته بصفته عضوا في الحكومة.
فقد نصت المادة (112) من دستور دولة الكويت على انه "يجوز بناء على طلب موقع من خمسة أعضاء طرح موضوع عام على مجلس الأمة للمناقشة لاستيضاح سياسة الحكومة في شأنه وتبادل الرأي بصدده، ولسائر الأعضاء حق الاشتراك في المناقشة" . فلا شيء يمنع أن تكون إحدى المواضيع العامة التي تطرح للمناقشة تنصب على سياسة وزير معين فيما يتعلق بإشرافه ورقابته على المؤسسات العامة المرتبطة به أو بوزارته. كما انه لا شيء يمنع من أن يكون موضوع النقاش متعلق مباشرة بسياسة أو أعمال إحدى المؤسسات العامة، فيناقش الوزير في هذه الحالة بصفته الوزير المختص بالوصاية عليها. وفي حال لم تسفر المناقشة عن الاقتناع بدفاع و بوجهات نظر الوزير، من الممكن أن يحول الملف إلى لجـنة تحقيق برلمانية إعمـالاً للمادة (114) من الدستور، حيث يجبر كل وزير أن يقدم كل الشهادات والوثائق والبيانات التي تطلب منه، مما يضعه أمام شفافية الرقابة السياسية التي قد تؤدي إلى طرح الثقة به وفق آلية الاستجواب . هذا و تبقى الإشارة إلى المادتين (141) و (145) من دستور دولة الكويت اللتان منحتا السلطة التشريعية صلاحيات رقابية مالية فيما يتعلق خاصة بحق مناقشة مشروع الموازنة العامة المقدم من الحكومة و حق إقرارها.
الفقرة الثانية : مفهوم المسؤولية السياسية للوزير في الكويت .
يستنتج مما سبق أن لا فرق فيما لو تحمل الوزير مسئوليته السياسية أمام الشعب مباشرة أو أمام مجلس الأمة أوحتى أمام سمو الأمير بالنسبة لمضمون ومفهوم هذه المسؤولية، ففي جميع هذه الحالات ينحصر معنى المسؤولية موضوع البحث بمدى "الثقة " التي توليها هذه الجهات الثلاثة بالوزير المعني فيما يتعلق بممارسته لاختصاصاته و مهامه و أعماله التي يحددها له النص القانوني عملا بالمبدأ الأصولي أن المسؤولية على قدر الصلاحيات .
فلا يمكن، إعمالاً لمبادىء الديمقراطية الصحيحة، أن يعين وزير لا يحوز على ثقة الشعب ولا يمكن لــه أن يستمر في وظيفته وممارسته لمهامه إذا لم يحافظ طوال مدة عمله على ثقة كل من البرلمان والأمير به .
الواقع أن حدود مسئولية الوزير السياسية بالنسبة لممارسته لسلطة الوصاية على المؤسسات والهيئات العامة تتمحور حول المفهوم الذي يعطى لاصطلاح "الثقة" . فقد يعطى هذا الاصطلاح معنى واسعاً ليصبح الوزير بذلك مسئولا عن التصرفات والأعمال التنفيذية للمؤسسات والهيئات العامة بنفس الصورة التي يسأل فيها عن تلك الأمور داخل وزارته، أما المعنى الضيق للثقة فإنه يحصر تبعات الوزير السياسية فقط بالنسبة للخلل في الوصاية والتوجيه والإشراف على السياسة العامة لهذه المؤسسات والهيئات.
ففي المعنى الواسع لمفهوم "الثقة" يصبح دور الوزير بالنسبة للمؤسسات العامة شبيه إلى حد بعيد بدور المدرب بالنسبة لفريق كرة القدم. فهذا الأخير يسأل من الجماهير ومن إدارة النادي وأمام الرأي العام عن فشله في وضع الخطة العامة للعب الفريق وعن رقابته لتنفيذها وعن عدم مرونتها، كما يسأل عن عدم إجراء التبديل اللازم في الوقت المناسب. فهو المسئول عن اختيار أعضاء الفريق واختيار القائد وتحديد مواقع كل لاعب وهو الذي يتحمل تبعة تقصيره بدراسة نقاط الضعف والقوة واستراتيجية الفريق المنافس. يحمل المدرب المسؤولية عن كل ذلك رغم عدم تدخله الجسدي المباشر على أرض الملعب، والأمر كذلك وفق هذه الرؤية بالنسبة للوزير كونه هو الذي يرأس عدداً من مجالس الإدارة في المؤسسات و الهيئات العامة الكويتية وهو الذي يعين قيادييها، وهو الذي يضع بتأثير مباشر أو غير مباشر السياسة العامة لهذه المؤسسات ويشرف على تنفيذها وهو الذي يصدق أو يرفض أي قرار صادر عن مجلس إدارتها حسب ما يراه مناسباً ومنسجما مع السياسة العامة التي يتصورها للمؤسسة. نتيجة كل ذلك يصبح الوزير، على الأقل سياسيا، مسئولاً عن النتيجة التي تؤول إليها أعمال تلك المؤسسة العامة.
أما في التفسير الضيق لتعبير "الثقة"، ينظر للوزير بالنسبة للمؤسسة العامة كالنظرة للحكم على أرض الملعب . هذا الأخير لا يسأل عن نتيجة المباراة المترتبة عن تقصير اللاعبين أو الفشل في الخطة الموضوعة لهم، إنما يسأل أمام الناس وأمام القيمين على اللعبة والمنظمين للمباريات عن طريقة إشرافه وتوجيهه ورقابته لللاعبين في سبيل الانتهاء إلى لعبة خالية من الممارسات غير القانونية. فهو الراعي لتطبيق قانون اللعبة في الملعب، فلا يتدخل إلا إذا اخطأ اللاعب من الناحية القانونية أو خالف ما نصت عليه أحكام اللعبة. فلـه في ذلك حق معاقبة اللاعب المخل ابتداء من توجيه اللوم والتنبيه مرورا بالبطاقة الصفراء انتهاء بالبطاقة الحمراء والتوقيف، وهو في كل ذلك مسئول عن تهدئة اللعبة أو توقيفها باستعمال الوسائل القانونية المتاحة له. الوزير وفق هذه النظرة لا يسأل سياسيا بشأن وصايته على المؤسسات و الهيئات العامة إلا عند إخلاله في واجبات الرقابة والإشراف والتوجيه، فلا يجوز مساءلته عن التفاصيل اليومية و الأخطاء الشخصية أو عن الأعمال و التصرفات التي يقوم بها الجهاز البشري للهيئة العامة دون علمه أو إقراره. فطالما انه ليس للوزير أي علاقة بهذه التصرفات لا بصفته الشخصية ولا بصفته وزير وصاية، لا يمكن إشغاله بأسئلة و استجوابات و محاسبات سياسية ليس منها أي طائل إلا تسجيل المواقف وتضييع وقت وجهد الوزير على حساب عمله الأصلي.
والأمر في هذا الإطار لا يختلف فيما يتعلق بمسئولية الوزير السياسية عن أعمال وزارته التي يرأس هرمها الإداري، فبنص الدستور تتحدد مسئولية الوزير وفق المادة (130) بتوليه "الإشراف على شئون وزارته" والقيام "بتنفيذ السياسة العامة للحكومة فيها" ورسم "اتجاهات الوزارة" والإشراف على تنفيذها. الثقة التي تعطى هنا للوزير تحمله مسئولية سياسية عما يفعله وليس عما يمكن أن يفعله مع ضرورة التفسير الضيق لعبارة عما يمكن أن يفعله.
وسواء فسرت الثقة تفسيرا ضيقا أم تفسيرا واسعا فان حدود المسؤولية السياسية تحددها قناعات من تحمل الوزير مسئوليته أمامه. وتختلف هذه القناعات من فئة لأخرى ومن زمن لآخر وتتبدل حسب الظروف والمجتمعات. فقد يحمل الوزير مسئولية سياسية، قد تصل إلى طرح الثقة به و فقدانه لمنصبه، نتيجة تصرف أو عمل قام به ولا يوجد أي شك في قانونيته. فمجرد مخالفة هذا التصرف لطروحات أو توجهات أو قناعات الجهات التي أولت الوزير ثقتها به، فانه في هذه الحالة يصبح تحت وطأة محاسبتها و معاقبتها السياسية.
فلنفترض أن وزيراً معيناً في دولة الكويت قد ارتأى التعامل مع شركة عالمية كي تقوم بالتنقيب وباستخراج النفط في منطقة ما، ولنفترض عدم وجود أي خلل قانوني في ذلك لا من حيث الشكل ولا من حيث المضمون، ولكن رغم ذلك وجد غالبية أعضاء البرلمان، ممثلو الأمة، أن هذه الشركة هي من الشركات التي يشارك في ملكيتها أعداء للأمة الكويتية أو أن سياستها هي سياسة استنزافية للشعوب أو أن تاريخها أو مرجعيتها لا تنسجم مع تطلعات الشعب الكويتي. هذا الافتراض قد يعرض الوزير، لحملات إعلامية و شعبية مركزة و قد يعرضه لمساءلات نيابية عديدة تحملاً لتبعة سياسية هو بالغنى عنها !؟
المسألة إذا تحكمها النسبية، فتختلف مضامين المسؤولية السياسية للوزير باختلاف الأشخاص والظروف والأزمنة. فهل من الممكن دائما أن يحمل الوزير مسئولية سياسية، تأسيساً على الإخلال بواجب الإشراف والرقابة، في حال قيام أحد موظفي وزارته باختلاس أموال ليس له حق فيها و دون علم رؤسائه ؟ السؤال نفسه يطرح فيما يتعلق بالخلل المفترض في واجبات التوجيه و الإشراف التي يتولاها االوزير إذا ما فشلت إحدى المؤسسات العامة الخاضعة لوصايته بتنفيذ السياسة العامة التي وجدت من أجلها أو التي وضعها لها الوزير أو السلطة التنفيذية نتيجة تقصير من جهازها البشري دون علم ولا مباركة الوزير نفسه ؟
الأمر يعود دائما للتوجهات السياسية والشعبية ولقدرتها وإمكانياتها على المراقبة الفعلية للسلطة التنفيذية، كما أنه يختلف باختلاف نظرتها و قراءتها الخاصة لمثل هذه الأمور. فقد يعتبر البعض أن استقالة وزير المواصلات في أي دولة، نتيجة حادث ارتطام بين قطارين، من بديهيات المسؤولية السياسية التي يتحملها الوزير و تطبيقاً صحيحاً و سليماً للديمقراطية الحقيقية. إلا انه و بالمقابل فقد يرى البعض الآخر في هذه الاستقالة تبعة سياسية مبالغا فيها خاصة إذا لم يكن للوزير أي دور أو تقصير مباشر في المسألة، كأن يكون متولياً لمنصبه حديثاً...
ونخلص في هذا الإطار بالقول أن مضمون ومعنى المسؤولية السياسية للوزير فيما يتعلق بممارسته للوصاية الإدارية على المؤسسات العامة، بما فيها من توجيه وإشراف ورقابة، أو بما تتعداها إلى تقاربها من السلطة التسلسلية، المتمثلة في توجيه الأوامر والنواهي وتعديل القرارات وإلغائها، لا تختلف عن مسئولية الوزير في ممارسته لمهامه في الوزارة نفسها. ففي كلا الحالتين تترتب هذه المسؤولية على الوزير وفق أوجه مختلفة تذهب من المساءلة الشعبية إلى الاستجواب البرلماني مروراً بعدم ثقة الأمير به... إلا أن الأسس التي تستند عليها هذه المسؤولية تبقى نسبية و متفاوتة تبعاً لكثير من المتغيرات و المفاهيم الشعبية و السياسية والاجتماعية.
بعد أن بينا أحكام و مضمون المسؤولية السياسية التي تقع على عاتق الوزير الكويتي بشكل عام، تبقى الضرورة أن نحاول رسم الحدود التي تصل إليها هذه المسؤولية بالنسبة لرقابة وإشراف الوزير على المؤسسات و الهيئات والعامة التابعة له أو الملحقة بوزارته.
الفقرة الثالثة : مدى المسؤولية السياسية لوزير الوصاية في الكويت :
( المسؤولية على قدر الصلاحيات)
"المسؤولية على قدر الصلاحيات" بهذه العبارة يمكن اختصار حدود ومدى المسؤولية السياسية للوزير بالنسبة لممارسته لصلاحياته و اختصاصاته داخل وزارته أو بمناسبة إشرافه على المؤسسات العامة و الإدارات المستقلة التابعة له أو لوزارته. فسواء أكانت هذه الاختصاصات مستمدة في الأصل من المرسوم المتعلق بتنظيم الوزارة التي يرأسها، وتحديد اختصاصاتها، أو من القانونين واللوائح المختلفة كالنصوص الخاصة بالمؤسسات و الهيئات العامة، فان الوزير يتحمل بشأنها المسئولية في حدود صلاحياته واختصاصاته التي منحها له المشرع في نطاق الدستور. أي أن المسئولية تتحدد في إطار الدائرة التي ستعمل فيها سلطته. فالمسئولية السياسية للوزير عن أعمال وزارته، المنصوص عليها في المادة (130) من الدستور ، لا تكون متوافقة مع أحكام الدستور إذا تخلفت مسألة الاختصاص الوزاري في المسائل والوقائع الموضوعة تحت مجهر الرقابة السياسية.
في هذا الإطار تؤكد المحكمة الدستورية في قرارها الصادر بتاريخ 11/4/2005 بشأن طلب تفسير المادة (99) من الدستور انه ((طبقاً للنظم الدستورية فإن السلطة توجب المسئولية وتنتجها لزوماً فهي كالظل الظليل لا تبعد عنها ولا تفارقها، فالذي يباشر السلطة يجب أن يكون مسئولاً عن مباشرتها، والذي يسأل يجب أن يكون صاحب سلطة واختصاص بما يخوله قانوناً القدرة على القيام بإجراء أو اتخاذ تصرف معين، وعلى خلاف ذلك فإن عدم الاختصاص يؤدي إلى انعدام القدرة قانوناُ على الإتيان بهذا الإجراء أو التصرف، وبالتالي فلا مسئولية بلا سلطة أو اختصاص)). ثم بينت المحكمة في نفس القرار عناصر الاختصاص الدستوري للوزير فعددت أربعة عناصر هي : (العنصر الشخصي) ولازمه أن يكون الوزير الذي يسأل سياسياً قد اكتسب الصفة الوزارية بتعيينه وزيراً لوزارته بموجب مرسوم أميري طبقاً للمادة (56) من الدستور، و(العنصر الزمني) و مقتضاه أن تكون الأعمال والتصرفات المراد مساءلته عنها قد صدرت منه أو من أحد الأشخاص التابعين له بصفته هذه خلال فترة ولايته للوزارة التي يحمل حقيبتها والتي تبدأ منذ تعيينه وزيراً لها وتستمر حتى تنتهي بانتهاء عمله بها لأي سبب كان يفضي إلى زوال صفته الوزارية، و( العنصر المكاني) وقوامه أن الوزير باعتباره سلطة مركزية في وزارته فإنه يبسط سلطته هذه ليمارس سائر أعماله الوزارية – بالمعنى الواسع – المخولة له ليس في عاصمة البلاد فحسب بل تمتد إلى سائر أنحائها ويمارس هذه الأعمال عن طريق التابعين له ولوزارته والملحقين بها من موظفين وإدارات وأجهزة ومرافق . بقي ما يهمنا في نطاق البحث و هو (العنصر الموضوعي) ومؤداه أن تكون الأعمال والتصرفات محل المساءلة السياسية داخلة في الحدود التي قررها المشرع وفي النطاق الذي أتاح للوزير ممارستها فيه.
تطبيقا لما سبق، فيما يختص بالمسئولية الفردية للوزير عن الأعمال المتعلقة بالمؤسسات العامة والهيئات العامة وجهات الإدارة المستقلة التابعة له أو الملحقة به أو بوزاراته، يستنتج أنها تختلف من جهة إلى أخرى حسب مدى الصلاحيات الممنوحة للوزير في هذا الشأن. فمن المعروف أن مؤدى المادة (133) من الدستور التي تنص على استقلال هذه الجهات فيما يختص بتصريف شئونها وإدارة أعمالها وإصدار قراراتها ونفاذها عن السلطة المركزية ، لا يعني استقلالية تامة لها عن الوزير. فهي تبقى بشكل عام مسئولة أمامه مسئولية مباشرة وتخضع أعمالها وتصرفاتها لتوجيهه وإشرافه ورقابته، والوزير يمارس سلطته واختصاصه في حدود ما يقرره القانون وبالقدر الذي ينص عليه اتساعاً وضيقا حسب النصوص الخاصة بكل جهة من هذه الجهات. فقد تبين لنا بمناسبة اطلاعنا على النصوص الخاصة ببعض المؤسسات العامة والهيئات العامة في الكويت أن اختصاصات الوزير بالنسبة لأي منها تختلف عنها بالنسبة للأخرى. فقد تتناول رقابة الوزير الوصائية أعمال الجهة المستقلة في ذاتها وإجراءات تنفيذها وذلك بإخضاعها لإذن سابق أو تصديق لاحق منه. كما أن صلاحيات الوزير قد تصل لحد تخويله السلطة في تعيين أعضاء مجالس الإدارة كلهم أو بعضهم أو حلوله محل الجهة في أداء العمل أو المشاركة في الإدارة إلى غير ذلك من الأمور...وعلى العكس فانه قد يصدف ألا يملك الوزير أي حق تجاه التصرف في أعمال الهيئة أو المؤسسة الملحقة به أو بوزارته وألا يختص بإصدار قرار في شانها، و بالتالي فانه لا يمكن أن يكون مسئولا عن هذه الأعمال مسئولية سياسية وإلا كان في ذلك خروج على المبادئ والأعراف الدستورية و البرلمانية.
فكلما زادت صلاحيات الوزير المختص مدى و اتساعاً زادت إمكانية تحميله تبعة سياسية أكبر و كلما ضاقت رقعة اختصاصاته قلت احتمالات المساءلة.
من الأمثلة المهمة التي يمكن أن تطرح في هذا الإطار، لتوضيح المفاهيم التي سبقت، تتمحور حول تعدد واختلاف التبعات السياسية التي يتحملها نفس الوزير في حالات مختلفة بحسب مدى اختصاصاته و صلاحياته. فمن التقاليد المتبعة في التشكيلات الوزارية في الكويت أن يعهد لأحد الوزراء بمنصب وزير الدولة لشئون مجلس الوزراء. هذا المنصب لا يدخل ضمن ما اصطلح عليه (بوزارات الحقائب) فالوزير الذي يشغله لا يتولى حقيبة معينة وإنما يتولى الإشراف على الأجهزة التي تنيطه بها القوانين والمراسيم وقرارات مجلس الوزراء، كما انه يشرف على الأمانة العامة لمجلس الوزراء وعلى تنسيق الأعمال بين الجهات الحكومية في إطار نشاط وعمل مجلس الوزراء.
• الواقع أن عمل وزير الدولة لشئون مجلس الوزراء شديد الارتباط بعمل مجلس الوزراء، فهو الذي ينوب عنه في بعض الأمور التي تستدعى ذلك، كما يعهد إليه ببعض الاختصاصات بالنسبة للهيئات والمؤسسات العامة الملحقة بالمجلس، مما ينعكس أثره على تعدد و اختلاف حدود مسؤولايته السياسية وفق ما يلي :
• يتولى وزير الدولة لشئون مجلس الوزراء مسؤولية الإشراف المباشر على الأمانة العامة لمجلس الوزراء بصفته رئيسا إداريا عليها، وذلك وفقا لما تقرره القوانين والمراسيم والقرارات المعمول بها في هذا الإطار، فيتمتع بناء عليه بسلطات رئاسية واسعة على قراراتها و على موظفيها، كما أن له اختصاصات واضحة فيما يتعلق بالتصرفات القانونية التي تقوم بها. وبالتالي فان مسؤوليته السياسية بالنسبة لهذه الصلاحيات تكون بمدى واسع كون رئاسة الأمانة العامة لمجلس الوزراء هي من صلب اختصاصه.
• فيما يتعلق بالهيئات والمؤسسات العامة المنشأة بقانون والتي يشرف عليها وزير الدولة لشئون مجلس الوزراء بصفته في إطار رقابة وتوجيه السلطة المركزية على أعمالها وفقا لنص المادة (133) من الدستور ، فان مسئوليته السياسية عنها لا تختلف عن مسئولية أي وزير آخر بالنسبة لما ألحق به أو بوزارته من المؤسسات أو الهيئات العامة، فتكون تبعته السياسية محدودة فقط فيما يكون له من صلاحيات أو اختصاصات محددة في شأنها. ذلك لأن الأصل هو استقلال هذه الهيئات والمؤسسات العامة في أعمالها وليس للوزير سلطة عليها إلا بقدر ما ينص عليه القانون و بالتالي كما صار معروفاً تحدد مسئوليته بقدر هذه السلطة.
• أما بالنسبة للهيئات والمؤسسات العامة والإدارات المستقلة الملحقة بمجلس الوزراء فان الأصل هو عدم مسئولية وزير الدولة لشئون مجلس الوزراء عنها لان هذه الجهات تقوم بأعمالها مستقلة كما ينص قانون إنشائها، كذلك فان الرقابة والتوجيه المنصوص عليها في المادة (133) من الدستور للسلطة المركزية إنما تكون لمجلس الوزراء وليس للوزير وإذا كان العمل قد جرى على أن يتولى الوزير عرض شئونها على مجلس الوزراء فان ذلك يدخل في إطار تنظيم العمل . أما إذا نص القانون على اختصاص الوزير بمباشرة عمل محدد بالنسبة لهذه الجهات كإصدار لائحتها الداخلية مثلاً، فان حدود مسئوليته السياسية تنحصر فقط بالنسبة لهذا العمل وفى حدود سلطته وصلاحياته بهذا الشأن.
والله ولي التوفيق
د./ بلال عقل الصنديد
الأمانة العامة لمجلس الوزراء الكويتي
bilalsandid@yahoo.fr
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق