مسك "الختان"!...
د . بلال عقل الصنديد
السبت 23 أبريل 2011
لا أنكر أن مشاعري، كما مشاعر معظم الشعب العربي، تحركت انفعالاً وتفاعلاً مع الثورات والتحركات الشعبية التي غزت ميادين معظم دولنا الشقيقة، فالمشهد مهيب ولا يمكن لأي عاقل أن يقف أمامه مكبّل الفكر ومقّيد الوجدان، ولكلّ منّا طريقته بالتفاعل والتعبير.
استليّت قلمي لأشارك الأحرار حريتهم، فسبقني فكري واستذكر خاطرة كنت قد كتبتها في العام 2005 بقيت دفينة الأدراج لأني لم أجد من ينشرها في وقتها لعدة اعتبارات لا مجال لذكرها في هذه العجالة... أيقنت منذ البداية أن ثورات شعبنا صادقة، بصرف النظر عن نتائجها التي نأمل أن تكون على مستوى الدماء الذكية التي سالت طهراً وتطهيراً، فأنبل الثورات وأصدقها... تلك التي تحرر الوجدان، وتطلق الأفكار، وتنتشل الخواطر من سجون الأدراج.
أجمل ما ذكرتنا به هذه الثورات - أو على الأقل أجمل ما نأمل به- أن نبض الشارع ما زال بخير وأن الحكام سيحسبون له، من الآن فصاعداً، ألف حساب، وأبشع ما ذكرتنا به هذه الثورات أن بعض القادة كان جاثماً على قلوبنا وشرفنا وحريتنا لمدد تزيد عن ربع قرن . حقيقة مرة صارت ألماً مزمناً اعتدنا عليه وتآخت معه مضاداتنا الحيوية ومناعتنا الذاتية.
في العام 2005، بثت شاشات التلفزة خبراً "سعيداً" بشرت به الشعوب العربية من محيطها إلى خليجها مفاده أن أحد قاداتنا، بمناسبة ختان (طهور) طفله الرضيع، قام بتحرير سبعة آلاف من السجناء اللذين احتجزتهم قضبان الزنازين عن حق أو أعن سهو أو خطأ !... لست في موضع تقييم الحدث، ولا أسمح لنفسي بذلك، فلكل في هذا الشأن رأيه ورؤيته، ولكن لا أخفي توقفي الملي عنده، إذ تمنيت في وقتها السلامة للإبن المبجل وباركت له دخوله عالم الطهارة والرجولة من أوسع الأبواب، راجياً في نفس الوقت أن تفيض عليه الأيام بفرج وخلاص لا يقلان رونقاً عما قدّمه ب"قطعة" عزيزة منه إلى آلاف البشر...
لا أدري إن كان من سوء حظ الرضيع الصغير أو من حسن حظه أن تقع الاحتفالات بختانه في نفس الشهر الذي يعود فيه "يوم الأسير" كل عام على أمهات الأسرى في فلسطين بكاءً ونواحاً وإصراراًّ على إطلاق أبنائهم من أسر العدو الإسرائيلي؟ فلا حياة لمن تنادي... هذا حال المخاطَبين في العالم حين يتعلق الأمر بحقوق العرب بشكل عام وبحقوق الأسرى منهم على وجه الخصوص.
تمنيت يومها – ولا زلت - أن يتذكر احد من الحكام هؤلاء الأسرى ودموع أمهاتهم ولو في مرة واحدة من حفلات ختان أبنائهم أو أحفادهم. بل ذهب بي الخيال إلى أن تخيّلت مجرم الحرب الذي كان حينها رئيس وزراء اسرائيل ، آرييل شارون ، ربما يجرأ على مثل هذه الخطوة تقرباَ من اصدقائه بعض الحكام العرب ، من "أبناء عمومته" ، فاليهود أيضا كحالنا نحن المسلمون يطهرون أولادهم . لكن عدت واستدركت أن ليس له وليد رضيع كي يحتفل بطهوره وان حبوب وأعشاب الدنيا لن تنفع في استعادة حيويته وفحولته . فاستبعدت الاحتمال كليا لأنه كان - حسب الظاهر- عاجزاً عن الانجــاب من جديد ولأني لم أعد أسمع عن حفلات ختان وتحرير اسرى منذ يومها.
وبقي اسرى فلسطين ، وغيرهم ، ينتظرون لعقود نزول الفرج و"كرم" من يحررهم ، بمناسبة ختان أو بغيرها.. لكن عزاؤهم الآن أنهم عرفوا مؤخراً أنهم لم يكونوا وحدهم سجناء وأن قياداتهم وقيادات اشقائهم لم تكن وحدها عاجزة ، وأن ظلم النفس وظلم ذوي القربى لم يكن يطالهم وحدهم ، وأن الكرامة كانت مهدورة في اكثر من مكان عربي فيما هم مسجونون عقابا لهم على نضالهم لأجل هذه الكرامة التي أزفّ الآن وقت استعادتها . فطالما أن رياح الحرية قد عمّت الوطن العربي ، لا تعود هناك حاجة ومعجزات ولا تنفع المسكنات والشعارات بعد الآن ، أكان لأجل فلسطين أو لغيرها . وذلك مسك الختام لا "الختان". هذا ما نأمله على الأقل.
مع تحيات عربي عربي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق