الاثنين، 31 أكتوبر 2011

إضاءات على الوضع القانوني للعمل البلدي في محافظات دولة الكويت

http://www.tashreaat.com/view_studies2.asp?id=716&std_id=104
إضاءات على الوضع القانوني للعمل البلدي في محافظات دولة الكويت
إعداد: الدكتور بلال عقل الصنديد

موجز الدراسة
إطلالة موجزة على المضمون:

- إن "أجهزة الإدارة المحلية" - المتمثلة، بصورة أو بأخرى، بالأجهزة اللامركزية التابعة لبلدية الكويت في المناطق من جهة وبالمحافظين كممثلين للسلطة المركزية في المحافظات من جهة أخرى- تلعـب دوراً مهماً وحيوياً في توطيد أواصر التواصل والتفاعل بين المواطن والأجهزة الحكومية المركزية سعياً لتعميم النفع والخير على كافة جهات ومناطق البلاد.

- من خلال قراءة سـريعة لنصوص كـل من المرسـوم رقم (65) لسنة 2006 بشأن نظام المحافظات والقانون رقم (5) لسنة 2005 في شأن بلدية الكويت تثار بعض التساؤلات حول العلاقة بين عمل أجهزة العمل البلدي التي تمارس نشاطاتها في الحدود الجغرافية للمحافظات وعمل واختصاصات المحافظين والأجهزة العاملة تحت إمرته، وعلاقة كل هذه الأجهزة الرسمية ببعضها البعض.

- اقتضى الأمر ضرورة التفريق بين كل من اللجان الفرعية للمجلس البلدي و فروع البلدية في المحافظات، لناحية التشكيل والاختصاصات العلاقة التي تربط بينهما.
- هذا التفريق من شأنه أن يساهم في تحديد علاقة كل منهما مع السادة المحافظين والبحث في مدى تداخل وتكامل اختصاصات كل من هذه الجهات.

- خلاصة الدراسة أبرزت ما هو واضح من خلال قراءة النصوص القانونية بان اللجان الفرعية للمجلس البلدي لا تعدو عن كونها كياناً متفرعاً من السلطة التقريرية للمجلس البلدي وان فروع البلدية في المحافظات هي عين ويد الجهاز التنفيذي للبلدية. أما عن العلاقة التي تربطهما بالمحافظ فهي مستمدة من حقيقة أن المحافظ هو أعلى موظف عام في محافظته وهو ممثل السلطة التنفيذية فيها، وبالتالي له ضمن حدود معينة الحق النظري بممارسة بعض أوجه سلطة الوصاية على اللجان الفرعية للمجلس البلدي بينما يملك بمواجهة فروع البلدية سلطات أوسع كون أركان فروع البلدية هم موظفين معينين بمرسوم.

- إن الأفكار المطروحة في هذه الدراسة تعتبر دائماً موضع مناقشة وبحث معمق بهدف تطويرها أو تصويبها في حال وجود أي رأي مخالف مبني على حجج قانونية ومنطقية مختلفة.
توطئة
سعى المشرع الكويتي من خلال نصوص المرسوم رقم (265) لسنة 2006 بشأن نظام المحافظات إلى التجسيد العملي والواقعي للتوجيهات السياسية العليا وللحرص الحكومي على تفعيل خطط التنمية الشاملة في كل مناطق الكويت، بشكل يعكس بدقة رغبات وتطلعات المواطنين في كافة أنحاء البلاد وتأصيل دورهم في رسم السياسات العامة واقتراح مضامين الخطط التنموية، البيئية والخدماتية… مما يجسد فعلياً مبدأ المشاركة الشعبية في إدارة شئون البلاد.

انطلاقاً من نفس التوجهات السـياسية، جاءت نصوص القـانون رقم (5) لسنة 2005 في شأن بلدية الكويت حريصة إلى أبعد الحدود على تخطي أي مصاعب وفك أي تشابك في الصلاحيات بين أجهزة العمل البلدي، ولاسيما بين السلطة التقريرية الممثلة بالمجلس البلدي والسلطة التنفيذية المتمثلة برئيس البلدية في ظل القانون القديم لبلدية الكويت[1]، وذلك في سبيل مجاراة التطور العمراني، الاجتماعي والاقتصادي في كافة مناطق الكويت وفي سبيل توصيل الخدمات العامة بأقل تكلفة وجهد إلى سكان دولة الكويت في أي منطقة وجدوا.

وعليه فان "أجهزة الإدارة المحلية" - المتمثلة، بصورة أو بأخرى، بالأجهزة اللامركزية التابعة لبلدية الكويت في المناطق من جهة وبالمحافظين كممثلين للسلطة المركزية في المحافظات من جهة أخرى- تلعـب دوراً مهماً وحيوياً في توطيد أواصر التواصل والتفاعل بين المواطن والأجهزة الحكومية المركزية سعياً لتعميم النفع والخير على كافة جهات ومناطق البلاد.

إلا انه، ومن خلال إطلالة سـريعة على نصوص كـل من المرسـوم رقم (65) لسنة 2006 بشأن نظام المحافظات و القانون رقم (5) لسنة 2005 في شأن بلدية الكويت تثار بعض التساؤلات حول مدى العلاقة بين عمل أجهزة العمل البلدي التي تمارس نشاطاتها في الحدود الجغرافية للمحافظات وعمل واختصاصات المحافظين والأجهزة العاملة تحت إمرته، وعلاقة كل هذه الأجهزة الرسمية ببعضها البعض.

فقد نصت المادة (4) من القانون رقم (5) لسنة 2005 في شأن بلدية الكويت على أن يؤلف المجلس البلدي من بين أعضائه ولمثل مدته ((لجنة فرعية لكل محافظة ويحدد المجلس كيفية تشكيلها واختصاصاتها…)). كما نصت المادة (30) من نفس القانون على أن ((ينشأ في إطار الهيكل التنظيمي للبلدية فرع لها بكل محافظة يتولى تقديم الخدمات البلدية لسكانها وتحدد اختصاصات هذه الفروع بقرار من الوزير المختص)).

وقد ورد في المادة (1) من المرسوم رقم 265 لسنة 2006 بشان نظام المحافظات أن ((يرأس كل محافظة محافظ يدير شئونها ويمثل السلطة التنفيذية فيها، ويتابع نشاط الأجهزة الحكومية والمرافق العامة في دائرة المحافظة والتنسيق بينها…)).

فهل تفيد هذه النصوص وغيرها مما ورد في القانون والمرسوم سابقي الذكر وجود علاقة معينة بين المحافظين وأجهزة العمل البلدي ضمن النطاق الجغرافي للمحافظات وما هو مضمون وحدود هذه العلاقة ؟ وهل تعتبر اللجان الفرعية للمجلس البلدي و فروع البلدية المنصوص عليها في قانون البلدية من قبيل الأجهزة الحكومية التي تقع بموجب نص المادة (1) من المرسوم رقم 265 لسنة 2006 بشان نظام المحافظات تحت رقابة المحافظ بصفته ممثلاً للسلطة التنفيذية في محافظته؟
المسائل المطروحة للبحث
في ضوء ما سبق عرضه وطرحه من نصوص واستفهامات، فانه من الملائم البحث في مسألتين أساسيتين ينبثق عنهما مسائل فرعية، وهما :

أولا : التفريق بين كل من اللجان الفرعية للمجلس البلدي و فروع البلدية في المحافظات، وذلك في ضوء بحث المسائل الفرعية المرتبطة بتكوين كل منهما و اختصاصاتهما والعلاقة التي تربطهما.

ثانياً : هذا التفريق من شأنه أن يساهم في تحديد علاقة كل منهما مع السادة المحافظين والبحث في مدى تداخل وتكامل اختصاصات كل من هذه الجهات.
التفريق بين اللجان الفرعية للمجلس البلدي وفروع البلدية في المحافظات
تبنى الدستور الكويتي نظام اللامركزية بنوعيها : المرفقية (المتمثلة بالمؤسسات والهيئات العامة) والإدارية (المتمثلة بالهيئات والإدارات البلدية) والقائمة على أساس تنظيم الجهاز الإداري في الدولة بشكل يسمح بتعدد الأشخاص العموميين مرفقياً وإقليمياً، إلى جانب الإدارة المركزية، وتوزيع الاختصاصـات بين جميع هذه الأجهزة الرسـمية، فنص في مـادته (133) على أن : ((ينظم القانون المؤسسات العامة وهيئات الإدارة البلدية بما يكفل لها الاستقلال في ظل توجيه الدولة ورقابتها)).

من خلال هذا النص اعترف المشرع الكويتي بوجود حاجات محلية لسكان المناطق تتميز عن الحاجات والمتطلبات القومية لكافة المواطنين والقاطنين في دولة الكويت. فرسمت النصوص الدستورية الإطار العام الذي يسمح بإنشاء هيئات محلية أو إقليمية مستقلة إدارياً ومالياً تتولى مهمة الاستجابة لحاجات سكان هذه المناطق وتلبية متطلباتهم تحت رقابة ووصاية وإشراف الجهات الرسمية المركزية.

وهكذا، وبعد مسار تاريخي لبلدية الكويت منذ 13 أبريل 1930[2]، انشأ القانون رقم (15) لسنة 1972 بلدية الكويت، ومقرها العاصمة، وأعطاها الشخصية المعنوية وربطها بمجلس الوزراء ليمارس عليها سلطة الوصاية والإشراف. ونص في المادة الأولى منه على إنشاء لجان فرعية في المحافظات من بين أعضاء المجلس البلدي، لتتولى الشئون البلدية الخاصة بكل محافظة.

أمام هذا الوضع، ثار الجدال القانوني حول المشاكل العلمية والعملية التي كانت تعترض بلدية الكويت في ظل القانون رقم (15) لسنة 1972 لجهة مدى جواز إعطاء هذه اللجان الفرعية في المحافظات شيئاً من الاستقلال التقريري في المسائل التي تهم المحافظة المعنية. إلا أن هذه الإشكالية لم تحل بصدور القانون رقم (5) لسنة 2005 في شأن البلدية الذي أبقى في مادته رقم (4) على وجود هذه اللجان الفرعية دون أن يحسم المسألة المثارة ونص بالإضافة إلى ذلك في المادة (30) على أن : "ينشأ في إطار الهيكل التنظيمي للبلدية فرع لها بكل محافظة يتولى تقديم الخدمات البلدية لسكانها وتحدد اختصاصات هذه الفروع بقرار من الوزير المختص ".

وهكذا فان القانون رقم (5) لسنة 2005 لم يتجاوب مع المطالبات المتكررة والمتزايدة للمنادين بنظام تعدد البلديات المحلية التي تختلف عن بلدية العاصمة والتي تتمتع بالاستقلالين الإداري والمالي عن السلطة المركزية وأجهزتها في المناطق والأقاليم وإن بقيت دائما تحت إشرافها ورقابتها، فأبقى على وجود بلدية واحدة يكون مقرها مدينة الكويت، بجهازين تقريري (مجلس الإدارة) وتنفيذي (مدير عام البلدية ومعاونيه) يشمل عملهما واختصاصاتهما كافة مناطق الكويت.

إلا أنه، وبما يشبه النظام الحقيقي اللامركزية الإدارية دون أن يتطابق مع جميع مكوناته، اكتفى المشرع في المادتين (4) و (30) من القانون رقم (5) لسنة 2005 بالعهدة إلى ما يمكن اعتباره نوعاً من الأجهزة المحلية بتلبية الحاجات البلدية الصحية، البيئية،العمرانية والتنموية... لسكان المحافظات المختلفة وذلك ضمن إطار عمل واختصاصات أجهزة بلدية العاصمة. فنص القانون على وجود كل من :

• اللجان الفرعية للمجلس البلدي في المحافظات.
• فروع البلدية في كل محافظة.

الواقع، إن هاذين النوعين من الأجهزة البلدية يختلفان من حيث التكوين والاختصاصات ويرتبطان بعلاقة قانونية معينة تتضح معالمها فيما يلي :

يشار بداية إلى أن آلية تشكيل اللجان الفرعية تعود وفق المادة (4) من القانون 5/2005 إلى المجلس البلدي نفسه الذي يحتفظ بحق تحديد كيفية تشكيل لجنة لكل محافظة من بين أعضائه وتحديد اختصاصاتها على ألا يشترك العضو في أكثر من لجنتين. ومن المفيد ذكره في هذا الإطار أنه وفق ما جاء في نص المادة (3) من قانون البلدية، يشكل المجلس البلدي من ستة عشر عضوا : عشرة منهم منتخبين وفقاً لأحكام قانون انتخاب أعضاء مجلس الأمة و ستة أعضاء يعينون بمرسوم.

من جهة أخرى فان فروع البلدية هي كيانات قانونية نصت على وجودها المادة (30) من نفس القانون والتي ورد فيها انه ((ينشأ في إطار الهيكل التنظيمي للبلدية فرع لها بكل محافظة يتولى تقديم الخدمات البلدية لسكانها)) على أن يعود لوزير الشئون البلدية وليس للمجلس البلدي مهمة تحديد اختصاصات هذه الفروع بقرار منه.

في نفسن الإطار، ومن خلال قراءة متأنية لنص المادة (25) من قانون البلدية يلاحظ أن المشرع قد فرق بين إقرار الوزير للنظم المتعلقة بالشئون البلدية و إقراره للوائح الداخلية لنظام العمل بالجهاز التنفيذي للبلدية متضمناً الوحدات التنظيمية التي يؤلف منها الجهاز التنفيذي واختصاص كل منها، حيث يستفاد من منطوق المادة (25) سالفة الذكر أن القانون اشترط إقرار المجلس البلدي للنظم المتعلقة بالشئون البلدية قبل صدور قرار وزاري بشأنها ولم يشترط ذلك في الأمر الأخر. وبالتالي فان اختصاصات فروع البلدية في المحافظات هي مضمون قرار يصدره وزير الشئون البلدية دون أن يكون للمجلس البلدي أي علاقة أو اختصاص أو سلطة قانونية في هذا الشأن، إلا إذا عرض الأمر عليه من باب الاستئناس برأيه وتفعيلاً للنص العام الذي جاء في البند الثامن من المادة (12) التي ورد فيها ما يلي :

((يختص المجلس البلدي في إطار الخطة العامة للدول والميزانية المعتمدة بالمسائل الآتية :
1- ....
2-....
8- النظر في الاقتراحات التي تقدم من الحكومة أو المواطنين أو أعضاء المجلس البلدي في شأن من شئون البلدية ، وإصدار توصياته في هذه الاقتراحات ...)).


خلاصة القول أن المنطق القانوني المتبع في قانون 5/2005 يدلل على أن اللجان الفرعية هي ممثل المجلس البلدي في المحافظات بحيث تتركز اهتمامات ونشاطات كل لجنة من هذه اللجان على رصد ومتابعة الحاجات المحلية لسكان المحافظات، وذلك كآلية قانونية وعملية تمهد الطريق أمام المجلس البلدي لتقرير ما يراه مناسباً في شأنها. أما فروع البلدية فهي عين ويد الجهاز التنفيذي لبلدية الكويت في المحافظات. لها اختصاصات تنفيذية محلية لا تختلف موضوعياً عن اختصاصات الجهاز التنفيذي المركزي في بلدية الكويت إلا لناحية تمييز النطاق الجغرافي لها، بحيث تنحصر اختصاصات كل فرع من الفروع بالمدى والحدود الجغرافية للمحافظة التي يعمل ضمن نطاقها.

أما لناحية العلاقة التي تربط بين اللجان الفرعية لمجلس الإدارة وفروع البلدية، فهي لا تختلف قطعياً عن العلاقة التي تربط بين المجلس البلدي والجهاز التنفيذي لبلدية الكويت من حيث توزيع الاختصاصات أو من حيث أساليب العمل ومضامينه. فوفق المادة (24) من قانون البلدية فان مدير عام البلدية هو رئيس الجهاز التنفيذي ويعاونه عدد من المساعدين وهو المسئول عن تنفيذ قرارات المجلس البلدي، وبالتالي فان أي أمر يتعلق بالشئون البلدية في المحافظات تتولى اللجان الفرعية نقله مع الملابسات والتوصيات المتعلقة به إلى المجلس البلدي ليتخذ القرار المناسب بشأنه، وفي هذه المرحلة يبرز دور فروع البلدية في المحافظات لتنفيذ هذه القرارات تحت رقابة ومسئولية مدير عام البلدية والجهاز التنفيذي التابع له.


إلا أن دور فروع البلدية لا يعتبر بشكل دائم لاحقاً على عمل اللجان الفرعية للمجلس البلدي في المحافظات، فعملاً بمنطوق الفقرة الأخيرة من المادة (12) من قانون البلدية : (( يصدر المجلس البلدي قراراته في الموضوعات المعروضة عليه بعد دراستها من قبل الجهاز التنفيذي)). وبالتالي فان لفروع البلدية التي تعتبر جزءاً أساسياً من الجهاز التنفيذي لبلدية الكويت دوراً هاماً في نقل الصورة الحقيقية للمدير العام لبلدية الكويت والأجهزة المعاونة له في سبيل دراسة أي موضوع متعلق بالحاجات المحلية لسكان المحافظات. هذا دون إغفال دورها الذي قد يكون مهماً جداً في غالب الأحيان عند إعداد وإنجاز الدراسات في المواضيع المطلوب عرضها على المجلس البلدي لتقرير ما يراه مناسباً بشأنها.

وهذا ما ينسجم مع ما ورد في المذكرة التفسيرية لقانون البلدية بخصوص المادة (27) منه حيث نقرأ أن المشرع اخذ في هذه المادة بشكل خاص وفي قانون البلدية بشكل عام بمبدأ فصل مسئوليات وصلاحيات الجهاز التنفيذي للبلدية - ومنها مدير عام البلدية وفروع البلدية في المحافظات- عما يتمتع به المجلس البلدي ولجانه الفرعية بالمحافظات من سلطة تقريرية.
تحديد علاقة السادة المحافظين مع كل من اللجان الفرعية للمجلس البلدي وفروع البلدية في المحافظات
الثابت في أحكام المرسوم رقم (265 المرسوم رقم (265) بشأن نظام المحافظات أن المحافظ هو راس الهرم الإداري في محافظته ويتولى مهام كبيرة واختصاصات واسعة تجعل من هذا المنصب حلقة مهمة عقد تقديم الخدمات العامة المحلية في الحيز الجغرافي التابع له، وذلك على كل الأصعدة الخدماتية، التنموية، التربوية، البيئية، الصحية...

فالمحافظ وفق نص المادة (1) من المرسوم يرأس المحافظة و((يدير شئونها ويمثل السلطة التنفيذية فيها، ويتابع نشاط الأجهزة الحكومية والمرافق العامة في دائرة المحافظة والتنسيق بينها…)).

كما انه يتولى مهمات متنوعة تتمحور بصورة أو بأخرى حول مبدأ تسهيل وتحسين شروط تقديم الخدمات العامة (ومنها الخدمات البلدية) إلى المواطنين وسكان المحافظات، وذلك عبر التنسيق والرقابة والتعاون بينه وبين جميع الأجهزة الرسمية، الحكومية والبلدية في هذا الشأن. فقد حددت المادة رقم (4) من المرسوم رقم (265) بشأن نظام المحافظات اختصاصات المحافظ حيث انه يمثل السلطة التنفيذية بالمحافظة وتناط به مهام عديدة نذكر منها :
- الإشراف على تنفيذ السياسة العامة للدولة.
- متابعة مشروعات خطة التنمية في دائرة المحافظة.
- متابعة تنفيذ القوانين والأنظمة الإدارية وذلك بما يكفل تحقيق الصالح العام.
- المساهمة في كل ما من شأنه الارتقاء بمستوى الخدمات العامة والتأكد من وصولها إلى مستحقيها.
- متابعة ما يتعلق بسلامة البيئة.
- التعرف على احتياجات المحافظة والعمل على تلبيتها في ضوء مقررات الخطة الخمسية للدولة.
- المساعدة في حل المشكلات لدى المواطنين وإيجاد الحلول المناسبة بالتعاون مع باقي أجهزة الدولة.

الواقع أن الدور الذي يمارسه المحافظ فيما يتعلق بتقديم الخدمات العامة إلى المواطنين على كافة الأصعدة الخدماتية والتنموية ...كثيراً ما يلتقي مع الدور الأساسي الذي وجدت من اجله البلدية وجميع الأجهزة التابعة لها أو التي تمارس نشاط تقديم الخدمات البلدية إلى الجمهور. فمن خلال استعراض سريع لاختصاصات المجلس البلدي التي وردت في نص المادة (12) من القانون رقم (5) لسنة 2005 في شأن بلدية الكويت يتضح مدى الارتباط والتشابه في الوسيلة والغاية بين عمل المحافظ وعمل الاجهزة البلدية في هذا الشأن.

فمن بين اختصاصات المجلس البلدي، التي تشمل كافة محافظات الكويت، بعض الصلاحيات التي قد تتداخل أو تتكامل مع اختصاصات السادة المحافظين كل فيما يتعلق بمحافظاته، ولاسيما الخاص منها بما يلي :

- مراقبة تنفيذ القوانين واللوائح المختلفة الخاصة بشئون البلدية في العاصمة وفي كافة محافظات الكويت.
- تقرير ومراقبة المشروعات العمرانية، الصحية، البيئية…
- تقرير إنشاء المدن والقرى والشوارع في مختلف أحياء ومناطق الكويت…
- تنظيم مخططات المناطق واستحداث وتنظيم كافة المناطق السكنية والتجارية والصناعية وغيرها…

فكلا الجهتين وفق ما ورد في صريح النصوص المساقة ، تتولى مهمة مراقبة تنفيذ القوانين واللوائح المختلفة ومتابعة تنفيذ القوانين والأنظمة الإدارية الخاصة بشئون البلدية في كافة محافظات الكويت وذلك بما يكفل تحقيق الصالح العام ، كما انه من واجبهما التعاون والمساعدة في حل المشكلات التي تعترض المواطنين وإيجاد الحلول المناسبة لها بالتعاون مع باقي أجهزة الدولة المعنية بتقديم الخدمات العامة للجمهور ، ناهيك عن تكامل دورهما في سبيل المساهمة في كل ما من شأنه بالارتقاء بمستوى الخدمات البلدية والتأكد من وصولها لمستحقيها ومتابعة ما يتعلق بسلامة البيئة ومشروعات خطة التنمية العمرانية ، الصحية، البيئية... في دائرة المحافظة .

إلا أن التساؤل الذي يجوز طرحه في هذا الإطار لا يتمحور حول الواجب البديهي الذي يفرض ويفترض تواصل وتعاون المحافظين وأركان العمل البلدي فيما يتعلق باختصاصات كل منهما داخل المحافظة ، وإنما يتمحور حول طبيعة العلاقة التي تربط المحافظ بالمجلس البلدي ولجانه الفرعية في المحافظات ؟

إن الإجابة على هذا التساؤل يستوجب التذكير بالوضع والتوصيف القانونيين لعمل المحافظ ، فالواضح من نصوص المرسوم رقم ( 265 ) بشأن نظام المحافظات أن المحـافظ هو أعلى موظف عام درجةً في محافظته ، وهو بناء على هذا التوصيف يخضع لجميع مكونات الوظيفة العامة بما توفره من حقوق وتفرضه من التزامات ، كما أنه يمثل السلطة التنفيذية في المحافظة .

يستنتج مما سبق أن أي علاقة أو واقع قانوني يربط أو يفصل بين السلطة التنفيذية والمجلس البلدي يجوز إسقاطه على الرابط بين لجان المجلس البلدي في المحافظات والمحافظ . يستدل من هذا أنه لا سلطة للمحافظ مثلاً على الاستقلال الإداري والمالي للمجلس البلدي ولجانه ، كما أنه لا سلطة رئاسية له عليهم حاله حال أي وزير في الحكومة ، جل ما يمكن له أن يتمتع به من صلاحيات في هذا الخصوص هو ما يفوضه إليه وزير الشئون البلدية من اختصاصات قـد يملكها الأول اتجاه المجلس البلدي أو لجانه ، مثال على ذلك كأن يصدر الوزير قراراً يفوض به المحافظ صلاحياته بالتصديق على قرارات وتوصيات المجلس البلدي التي تتعلق بشئون المحافظة التي يرأسها ، هذا المثال الذي يمكن تصوره نظرياً وفق القواعد القانونية المعمول بها في دولة الكويت والتي تسمح للوزير بتفويض الصلاحيات إلى المحافظين لا يمكن تحقيقه عملياً و إلا جردت وزارة الشئون البلدية من ابرز صلاحياتها ، بالإضافة إلى الصعوبات العملية و السياسية التي تحول دون تعاون المجلس البلدي مع كل محافظ على حدة في هذا الشأن.

حقيقة الأمر أن العلاقة التي تربط المجلس البلدي – ولجانه الفرعية – بالمحافظين هي علاقة ترسم حدودها ما تفرضه مقتضيات ومبادئ الوصاية الإدارية التي تمارسها الحكومة وممثليها في المناطق ( المحافظون ) على أجهزة اللامركزية الإدارية ( البلـديات ) والمرفقية ( المؤسسات والهيئات العامة ).

إن هذه الوصاية تختلف في عديد من الأوجه عن السلطة التسلسلية التي يمارسها الرئيس الإداري على مرؤوسيه في الإدارة العامة. ولعل من أبرز ما يميز هاتين الرقابتين أن من يملك سلطة الوصاية لا يملك حق الأمر الإداري إنما سلطة التوجيه والمراقبة لحسن سير العمل في الأجهزة والهيئات التابعة لوصايته بما يضمن وضمن إطار احترام القانون وتحقيق الصالح العام.

هذه الحقيقة القانونية تقودنا إلى القول أن العلاقة التي تربط محافظ العاصمة بمدير عام البلدية مثلاً وتربط المحافظ بمن يرأس فرع البلدية في المحافظات هي أكثر من مجرد وصية إدارية ولقد نذهب لنقول أنها قد تكون في بعض أوجهها سلطة رئاسية.

سندنا في هذا القول أن مدير عام البلدية ومعاونيه في الجهاز التنفيذي للبلدية هم – وعلى عكس أعضاء المجلس البلدي – من قبيل الموظفين العموميين الذين يعينون بمرسوم بناء على ترشيح وزير الشئون البلدية وفق منطوق المادة ( 24 ) من قانون البلدية{ ، وبالتالي فان المحافظ بصفته أعلى موظف إداري وممثل السلطة التنفيذية في محافظته يملك اتجاه موظفي فروع البلدية في المحافظة المعينين نفس الحقوق التي يملكها أي موظف حكومي آخر يعمل ضمن نطاق المحافظة .

وبالتالي فإن فروع البلدية التي تعتبر، كما سبق بيانه، عين ويد المجلس البلدي في المحافظات تخضع بموجب القانون إلى واجب تعاون وتنسيق – حتى لا نقول إلى واجب تبعية- أكبر من المحافظ في كل ما يتعلق بالخدمات البلدية والعامة التي تساهم في رصدها أو تقديمها أو إبداء الرأي والدراسة بشأنها.

الإرهاب و العولمة "الجريمة والمكافحة" : مجلة معهد الدراسات القضائية في الكويت - العدد التاسع – صفحة 50/ سنة 2005.

الإرهاب و العولمة "الجريمة والمكافحة" : مجلة معهد الدراسات القضائية في الكويت - العدد التاسع – صفحة 50/ سنة 2005.
العولمـة والإرهـاب
( الجريمة والمكافحة )

* مقدمـة :-
لم تكن الأحداث الإرهابية الأخيرة التى عصفت بالمجتمع الكويتي هي الأحداث الأولى من هذا النوع لكنها لا شك الأخطر . الأمر الذي استدعى قيام حملة وطنية كبيرة لمكافحة الإرهاب تبدأ من أعلى السلطات الحكومية والبرلمانية ولا تنتهي عند مسؤوليات كل فرد على حده .
فرغم توزع العمليات التى وصفت بالإرهابية على السنوات الماضية ، ابتداءً من الاعتداء الآثم على موكب سمو أمير البلاد إلى الاعتداءات على مراكز الصحف الكويتية ، خاصة صحيفة السياسة ، انتهاء بالأحداث التى روعت المجتمع الكويتي بداية العام الجاري2005 ، شكلت الأحداث الأخيرة نقطة تحول محوري أشعرت كل مواطن وكل مقيم بمداهمة الخطر الجدي لاستقرار هذا البلد الآمن .
كان نتيجة ذلك أن تضافرت الجهود وتوزعت المسؤوليات للقيام ، كل من موقعه ، بكل محاولة جدية لمكافحة هذه الظاهرة الخطيرة والغريبة عن المجتمع الكويتي وعن عاداته وتقاليده ، ولعل دور مجلس الأمة والسلطة التشريعية بشكل عام هو من أهم الأدوار التى يجب أن تلعب بدقة وبتأني لإعطاء استراتيجية مكافحة الإرهاب زخماً جدياً وتفعيلاً حقيقياً .
لا يجوز أن يقتصر عمل السلطة التشريعية في هذه الاستراتيجية على تعديلات إنفعالية تأتي سريعة ومن غير الأخذ بالإعتبار كل ما يحيط بظاهرة الإرهاب إن من حيث تجفيف منابعها وأسبابها أو من حيث مكافحة أعمالها التنفيذية ولجهة التعامل مع آثارها لابد للمشرع خاصة المشرع الجزائي أن يأخذ بعين الاعتبار كثيراً من التداعيات الاجتماعية الدولية السياسية والقانونية المرتبطة بالإرهاب كجريمة صارت في معظم الأحيان جريمة دولية تطال في خطرها كل جهات الأرض .
من بين النقاط التى يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في هذا الإطار ما تقتضيه متطلبات العولمة وما تفرضه على مجتمعات الكرة الأرضية من متغيرات سلبية تتخطى في بعض الأحيان إيجابياتها. ففي كثير من الأحيان تفرض العولمة على الدول والمجتمعات ضرورة لاستعمال وسائلها ( أفكار اقتصادية وسياسية ـ تكنولوجيا ـ وسائل اتصالات ) وضرورة للتعامل معها ومع آثارها ( تعديلات قانونية ـ فرضيات تمس بالمبادئ القانونية الأساسية في الدول ) .
هذا من جهة ، أما من جهة أخرى فإن العولمة أثرت سلباً في انتشار الجريمة و في تحولها من جريمة محدودة إلى جريمة دولية منظمة تطال آثارها وتنتشر أركانها في معظم دول العالم مما حتم التعاون الإقليمي والدولي للقيام بنشاط موحد ومكثف لمكافحتها .
إنطلاقاً من هاتين المسلمتين ، نرى ضرورة لإلقاء الضوء على تفاصيلهما ، علنا نوفق في فتح آفاق ربما لم تكن في اعتبار المسؤولين عن صدور التشريعات بمكافحة الإرهاب في الكويت .
1 - العولمة والإرهاب كظاهرة اجتماعية :-
منذ نهايات القرن الماضي ، يشهد العالم الحديث تغيرات عميقة وأساسية في كل المجالات الثقافية الاجتماعية ، الاقتصادية والسياسية ... لا يختلف أثنان على أن المحرك الأساسي لكل تلك المتغيرات كان ولا يزال هو مفهوم العولمة .
فالعولمة التى شكلت الضيف الملازم لكل المنتديات الإعلامية ، الثقافية ، الإقتصادية والسياسية في العالم سجلت ولادة كثير من الإشكاليات ، نتج عنها بروز مفاهيم جديدة حول ما يعرف بالنظام العالمي الجديد وتعايش الحضارات وفي كثير من الأحيان صدامها. [1]


تتفق كل تعريفات العولمة التى تداولها الكتاب في العالم حول عنصرين أساسين : يؤكد الأول على أن مفهوم العولمة كما ذكرنا هو مفهوم متعدد التأثيرات والثاني يتمحور حول التأثير الكبير لثورة الاتصالات والمعلومات والتقدم التكنولوجي على الترويج وعلى خدمة هذا المفهوم.
لم يبق والحال كذلك أمر من أمور الحياة أو ميدان من ميادينها أو مظهر من مظاهرها اليومية إلا وكان للعولمة تأثير كبير عليه. من بين تلك المظاهر التى تأثرت سلباً بالعولمة هي ظاهرة الإرهاب . نحصر الكلام في هذا المجال في تأثير العولمة على أسباب تلك الظاهرة ونبقي للفقرات التالية فرصة تفصيل تأثير العولمة على توصيف الجرائم الناتجة عنها وعن تسهيل عناصر ارتكابها .
كأي ظاهرة اجتماعية عنيفة ، ظاهرة الإرهاب تسبقها مروحة من الأسباب تمتد إلى شتى ميادين الحياة العصرية. فالتغيرات السلبية التى تطال المجالات الاقتصادية ، الثقافية ، الاجتماعية ، السياسية لها أكبر دور في بروز الظاهرة وتناميها .
أثرت العولمة في المجال الاقتصادي وظهر نتيجة ذلك هيمنة واضحة للدول المتقدمة على قواعد ومحاور وركائز الاقتصاد العالمي ، أدت في كثير الأحيان إلى شعور متنامي من الغضب و الحقد والرفض لدى الشعوب الفقيرة على العالم الغربي وكل من يؤيده . فمستوى البطالة التى تنامت مع اقتصاد السوق العالمي الجديد وسياسة التكتلات الاقتصادية العالمية والإقليمية ناهيك عن سياسات البنك الدولي المشكوك بها ، لا شك وأنها تؤثر سلباً على تصاعد ظاهرة الغضب والعنف لدى الشعوب والتى تعاني عادة من ثغرات ثقافية ، دينية واجتماعية يتحول معها الغضب و الرفض إلى ظاهرة إرهاب وتطرف بدأت بالبروز حالياً في كل أصقاع الأرض. كل ذلك يأتي مترافقا مع ما فرضته العولمة من تزايد لجرائم الفساد و الغش التي تؤثر في أحوال الناس و التي تمت تحت غطاء تشجيع الأستثمار وتوريد السلع الرأسمالية و الخدمات وتحت ستار المنافسة التي ينادي بها قانون السوق.
أصبح العالم اليوم عبارة عن قرية إقتصادية صغيرة تمارس مؤسات الجرائم المنظمة فيها أبشع وسائل تبييض الأموال وانتقالها تحت عنوان تحرير التجارة الدولية وفتح الأسواق.

على الصعيد الاجتماعي والثقافي ، أظهرت العولمة تغيرات أكيدة ارتدت في كثيرمن الاحيان سلباً على المظاهر الإجتماعية ومنها ظاهرة الارهاب. فالإنغلاق القبلي العشائري أو حتى الأثني الذي كان مهيمناً في الفترة التى سبقت ظهور العولمة الحديثة لم يعد له مكاناً في عصرنا الحالي.ترافق مع ذلك إنفتاح ثقافي وإعلامي خلط الأوراق وأدى إلى امتزاج قد يكون في كثير من الأحيان غير مدروس بين ثقافات العالم كلها .
إن ردة الفعل لدي المتزمتين والمنادين بالإنغلاق الفكري والاجتماعي والديني لم تكن ولن تكون سهلة ، فظاهرة الإرهاب لم تكن في بداياتها إلا ظاهرة
رفض للمتغيرات الثقافية والاجتماعية والدينية التى يشهدها عصر العولمة يضاف إلى ذلك أن الثقافة اليومية الجديدة التي تفرضها وسائل الإعلام في عصرنا الحاضر ، غيرت كل المفاهيم الأخلاقية و الاجتماعية و الثقافية للمجتماعات فمن جهة ، فرضت الفضائيات ووسائل الأتصالات المعلوماتية إنحلالاً أخلاقياً ضربت المجتمعات التقليدية وسهلت على قيادي ومديري الجريمة عملهم في التاثير على أفكار الشباب. و من جهة أخرى أدت نفس الوسائل الاعلامية خدمة دعائية مجانية لمجتمع الجريمة خلق في بعض الاحيان جوانب من التعاطف معه ومع أفكاره .
في المجال السياسي أعادت العولمة فرز الكرة الأرضية وسكانها بين عالمين ، متقدم ومتأخر ، ديمقراطي وغير ديموقراطي ، دول الشمال ودول الجنوبي ... مهما اختلفت التسميات فإن رؤية الدول المتقدمة والتى تستعمل العولمة الاقتصادية والثقافية والسياسية لصالحها تتلخص في الكلام السياسي الذي قسم العالم إلى محورين واحد للخير والآخر للشر ...
هذا التقسيم الذي يفرض على المجتمعات سياسات معينة قد تتناقض مع متطلبات وتقاليد وأعراف شعوبها، تولد شعوراً بالنقمة والغضب سريعاً ما يتحول إلى تعبير عنيف عن الأفكار الدينية ، السياسية، الإيديولوجية التى توصف حالياً بالإرهاب [2].

2 - العولمة والإرهاب كجريمة :-
صار من المؤكد أن العولمة انتقلت بظاهرة الإرهاب من مجرد ظاهرة اجتماعية إلى ظاهرة عنف مجرمة في معظم التشريعات الدولية والمحلية .
مما لا شك فيه أن الثورة التكنولوجية التى رافقت العولمة ونشرتها في كل أنحاء الأرض أدت إلى تسهيل عمل المحرض والشريك والمتدخل في أي جريمة من الجرائم التى تعرفها البشرية وأخطرها " جريمة الإرهاب " . كذلك الحال فإن العولمة سهلت على كل هؤلاء توفر الظروف المساعدة لتنفيذ جريمتهم وتأمين الأدوات الجرمية المناسبة.
يزداد الأمر سوءً حين يبحث ذوو الاختصاص عن ارتباط الركن المادي لجريمة الإرهاب بالركن المعنوي لها . تكشف الحقائق في هذا الإطار ، أن نظام العولمة وكل ما يفرضه من متغيرات تكنولوجية وتداخلات ثقافية ، سياسية واجتماعية جعل من جريمة الإرهاب جريمة دولية تتعدى آثارها وأركانها الحدود السياسية للدول السياسية إلى ما وراءها .
نلقي الضوء فيما يلي على :
أ - جريمة الإرهاب والتكنولوجيا الحديثة.
ب - ظاهرة الإرهاب كجريمة دولية منظمة.

أ - جريمة الإرهاب والتكنولوجيا الحديثة :-
تعتبر ظاهرة الإرهاب وما يترافق معها من مظاهر عنف وتخريب من أخطر ظواهر العنف التي تجتاح المجتمعات ، ليس فقط نتيجة الدمار والخراب الناتج عنها بل لأنها وعلى خلاف كل مظاهر العنف والجرائم التي تسود المجتمعات لا تقتصر دائرة استهدافها على فرد أو مجموعة أفراد في بعض الأحيان ظاهرة الإرهاب تطال المجتمع كله و مؤسسات الدولة وكل من يتعامل معها .
فالإرهاب سوءا أكان إرهاباً دينياً أم عقائدياً أم سياسياً ترتبط خطواته التنفيذية بفكر مسبق يشن الهجوم على كل من يخالفه الرأي سواء أكان ذلك عن طريق التكفير أو إهدار الدم أو الاتهام بالخيانة أو غيرها من التوصيفات التي تبرر قتل الناس والفتك بأمنهم وبأمانهم .
تزيد خطورة ظاهرة الإرهاب في كونها جريمة استعملت وتستعمل بكفاءة كبيرة وسائل الجرائم المنظمة والتي زادت تطورا في عصر التقنيات والاتصالات الحديثة . فالكمبيوتر ووسائل الاتصال المتعلقة به ، بقدر ما سهلت على الناس وقدمت لهم من ايجابيات بقدر ما سهلت على المجرمين أعمالهم سواء من حيث الوسيلة أو الهدف أو تأمين البيئة التي ترعي عملية الجريمة المنظمة ومنها جرائم الإرهاب :
* فالمخطط والمدبر والقائد في جرائم الإرهاب الدولي يستنفذ كل الوسائل للتأثير على رواد غرف الدردشة ـ وهم عادة من المراهقين والشباب ـ ولا يتوانى لحظة عن خلق البيئة المؤاتية لحشد التأييد والزخم البشري والمعنوي والمادي لتحقيق أهداف المنظمة الجرمية التي يسوق لها ، وكل ذلك باستعمال الرسائل الإلكترونية ومواقع الشبكة العنكبوتية وبشكل أكثر عمومية كل وسائل الاتصالات الحديثة .
* أما لناحية الهدف ، فقد استعملت وسائل الاتصالات في كثير من الأحيان لاختراق الأنظمة الخاصة بكل المعنيين بمكافحة الإرهاب أو المؤسسات والأفراد المستهدفين بالعمل الجرمي . فالاستيلاء على البيانات وتدميرها والتلاعب في محتواها والتأثير على تبادلها تدخل كلها ضمن دائرة العمل الجرمي الذي يشتد خطورة إذا كان لأهداف إرهابية .
* ومن ناحية أخرى فإن وسائل التكنولوجيا الحديثة ووسائل الاتصالات وتبادل المعلومات عن طريق الانترنت أدى بشكل كبير إلى تسهيل عمل المجرمين والإرهابيين في الحصول على الأدوات الجرمية ومنها تزوير المستندات واستعمال الوثائق الضرورية للاحتيال والسرقة والخداع .
وعليه فإن على المشرع الجزائي في كل الدول أن يأخذ بعين الاعتبار ليس فقط تجريم الأفعال التى تحدث على أرضه والناتجة عن ظاهرة الإرهاب أو التطرف الإيديولوجي بل عليه التمعن في النصوص التى تجرم كل الفاعلين والمتدخلين والمحرضين والشركاء في الجريمة اللذين يستعملون وسائل الاتصالات الحديثة لممارسة أعمالهم .
فهناك ارتباط وثيق بين المكافحة الجزائية لظاهرة الإرهاب والنصوص التي يجب وضعها لتجريم سرق البيانات المخزنة في نظم الحواسيب والاستيلاء على الأرصدة المالية الإلكترونية والتقاط وتحويل البيانات المالية وتدمير نظم الحوسبة والملفات الإلكترونية بتقنيات الفيروس والاستيلاء على البيانات وإساءة استخدامها ...
خلاصة القول أن مكافحة المظاهر الجرمية للإرهاب لابد أن يترافق بتشريعات جدية لتجريم وضبط الأفعال الناشئة من بيئة الكمبيوتر والانترنت وبشكل عام بيئة الاتصالات المتقدمة .

ب - الإرهاب جريمة منظمة دولية :-
(( يعرف الإرهاب الدولي بأنه نوع من العنف غير المبرر وغير المشروع بالمقياسين الأخلاقي والقانوني الذي يتخطي الحدود السياسية للدول ... أنه ذلك العنف الذي ينتج عن ممارسته ردود فعل دولية قد يتسع مداها وتأثيرها أو يضيق بحسب الأحوال )) [3]



انطلاقاً من هذا التعريف ، سهلت وسائل العولمة عبر وسائل الاتصالات ووسائل الإعلام والتكنولوجية بوضع جرائم الإرهاب المرتكبة في دول معينة ضمن خانة الجريمة الدولية التي يطال تأثيرها المعنوي ـ الذي ركز عليه التعريف السابق الذكر ـ كل المجتمعات الدولية .

هذا التعريف ورغم صحته لا يعتبر كافياً لوصف الجريمة بالدولية ، فلابد لإعطاء مثل هذا الوصف لأي جريمة أن تدخل أفعالها وأركانها وآثارها ومن ثم تأثيرها على الرأي العام خانة الجريمة المنظمة التي تتعدي أركانها الحدود الإقليمية للدول .
فشبكات الإرهاب المنتشرة حول العالم تدخل ضمن شبكات الجرائم المنظمة لأنها تضم مجموعة كبيرة من المرتزقة والمنحرفين وأصحاب السوابق واللذين يتم التلاعب بأفكارهم دينياً أو عقائدياً أو سياسياً والعبث في أذهانهم بأفكار جريمة تتأرجح بين زرع الأمل الكاذب بالحصول على المال الوفير و بين التكفير عن الذنب والحصول على المغفرة والجنة . كل ذلك يتم بتحريض على ارتكاب أعمال الإرهاب والقتل والخطف والتعذيب وأخذ الرهائن .
ارتباط الإرهاب الديني أو السياسي أو العقائدي بالجريمة المنظمة ليس جديداً ، فقد كشفت الإحصائيات المنشورة على مواقع الشبكة العنكبوتية أن هناك أكثر من 390 منظمة إرهابية منتشرة حول العالم تستعمل وسائل الجرائم المنظمة لتسهيل أهدافها الجرمية . [4]
فرغم الاختلاف العقائدي بين هذه المنظمات( ومنها : منظمة كاخ اليهودية ـ منظمة الجيش الأحمر الياباني ـ الجيش الجمهوري الإيرلندي والمنظمات الدينية الإسلامية المتطرفة ) فإن التعاون بينها حثيثاً أن لجهة استعمال وسائل تبيض الأموال أو لناحية تبادل الخبرات أو لجهة تبادل البيانات والمعلومات أو لجهة الالتقاء على نفس الأهداف التخريبية في بعض الأحيان .
لقد سهلت عولمة التكنولوجية الحديثة لتلك المنظمات عملها وتعاونها وسهل انتقال الجرائم التي عادة ما كانت تحدث في إقليم دولة معينة إلى جرائم دولية يكون المحرض والمشترك والوسائل والفاعل فيها خارج حدود الوطن في كثير من الأحيان لكنها تطال في آثارها الدولة المعنية وغيرها من الدول .
في مقالة نشرت في صحيفة القبس الكويتية للمحامي / يعقوب عبد العزيز الصانع تبين أن سلوك العنف الجرمي في جرائم الإرهاب يدخل ضمن زمرة الجرائم المنظمة التي تمر في مراحل عديدة تتعدي الأماكن الجغرافية لتكوينها حدود الدول السياسية . الاقليمية ، وذلك للارتباط المباشر بعالم التكنولوجيه الذي لا ينحصر التعامل من خلاله بحدود أو إقليم أو أرض . [5]
فجريمة الإرهاب كما أي جريمة منظمة تنتقل من مرحلة الفكر إلى مرحلة التأسيس والإنشاء ومنها إلى مرحلة التمويل ، ومن ثم إلى التنظيم والإدارة والقيادة أو الزعامة ، ومن ثم إلى مرحلة التجنيد والتدريب والتسليح لتنتهي عند مرحلة التنفيذ والعمليات المرافقة واللاحقة لها .
في كل هذه المراحل تتداخل العناصر وتتعدد الأماكن الجغرافية لمرتكبيها لتتخطى بذلك أركان الجريمة المنظمة وخاصة جريمة الإرهاب كل الحدود ويطل تأثيرها كل مناطق ودول العالم . كل ذلك يجب أن يستتبع بتعاون دولي حثيث وجدي لمكافحة الإرهاب وكل الجرائم المنظمة المرتبطة بها ، الأمر الذي حاولت تنظيمه اتفاقية الأمم المتحدة بشأن الجريمة العابرة للأوطان الصادرة في 15 نوفمبر 2000 والتي فرضت التزامات دولية على الأطراف الموقعة تلزمها بكثير من التعديلات على قوانينها الداخلية وبجدية في التعاون الدولي.


3 - عولمة مكافحة الإرهاب والآثار المترتبة على ذلك :-
فرضت جريمة الإرهاب نفسها على كل مجتمعات الأرض وانتقلت من كونها مجرد ظاهرة اجتماعية تجرم في بعض الأحيان داخل الحدود الإقليمية إلى جريمة دولية منظمة تطال في دائرة تأثيرها شتي أنحاء الكرة الأرضية ، كل ذلك كان في جزء كبير منه يسبب العولمة التي – كما راينا – سهلت التخطيط و الاعداد و التنفيذ في جريمة الارهاب مستقلة بشكل سيئ احسابها التقدم التكنولوجي .
أمام هذا الوقع فرضت العولمة نفسها مرة أخرى على السبل القانونية لمكافحة ظاهرة الإرهاب فكان لابد للمشرع في كل دولة أن يأخذ بالاعتبار ظاهرتين أساسيتين فرضهما الواقع نشير من ناحية إلى مقتضيات التعاون الدولي الحثيث لمكافحة الظاهرة الذي يفرض من ناحية أخرى بحث التنازل الجزئي عن مفهوم السيادة الوطنية للدول .
في هذا السياق لابد من التاكيد على أن المجتمع الدولي متمثلاً بهيئة الأمم المتحدة بذل جهوداً كبيرة في سبيل مكافحة الإرهاب ومنذ زمن بعيد حيث تم وضع اتفاقيات دولية متعددة تطال فروعاً متعددة من مظاهر الإرهاب العالمي ( قمع الجرائم المرتبكة على متن الطائرات أو السفن ، حذر استعمال المواد النووية ـ حماية الأشخاص المتمتعين بحماية دولية... ) صدقت الكويت على جزء من هذه الاتفاقيات وبقي عدد منها قيد التصديق بعدما وقعت عليها السلطات المختصة [6].
رغم أهمية هذه الاتفاقيات في سياق التعاون الدولي فإن دراستها تحتاج لتفصيل كبير لا تسع له هذه السطور ، ما يهمنا التركيز عليه فيما يلي هو إلقاء الضوء على مؤتمر الرياض الدولي لمكافحة الإرهاب كأحد فعاليات التعاون الدولي في هذا السياق "أ" .
لننتقل منه إلى دراسة تأثير التعاون الدولي الذي فرضته عولمة ظاهرة الإرهاب على السيادة الوطنية للدول من حيث المساس ببعض مسلماتها القانونية والدستورية " ب "

أ - مؤتمر الرياض ، خطوة جديدة في عولمة مكافحة الإرهاب :-
انطلاقاً من المعاناة المباشرة للمملكة العربية السعودية من الإرهاب والتطرف الديني وتأكيداً على دورها المهم في الشرق الأوسط ، بذلت السلطات السعودية جهوداً جبارة لتنظيم مؤتمر دولي لمكافحة الإرهاب شارك فيه أكثر من خمسين دولة بهدف التعاون الجدي والحثيث لمكافحة خطر الإرهاب الداهم على كل أصقاع الأرض .
شكل هذا المؤتمر أول منتدى عالمي دولي متخصص جدياً في مكافحة الإرهاب ، حيث تبادل المؤتمرون خبراتهم وأفكارهم في سبيل الوصول إلى رؤية واضحة لمكافحة دولية جدية للإرهاب .
أتى هذا المؤتمر تحت عنوان أساسي يتمحور حول " عولمة مكافحة الإرهاب " والذي بات أمراً ملحاً أكثر من ذي قبل خاصة بعد أن شملت الأعمال الإرهابية مناطق العالم أجمع ولم تسلم منها قارة من قاراته " وطالت آثارها كل مجتمعات الأرض مهما اختلفت دياناتها ومعتقداتها وثقافاتها [7].
ناقش الحاضرون في المؤتمر عدة محاور أساسية يمكن تقسيمها إلى أربع :
الأول ركز على البحث في جذور الإرهاب ، والثاني ناقش علاقة الإرهاب بالجرائم الدولية الأخرى وناقش الثالث تجارب الدول التي عانت من ظاهرة الإرهاب وحاولت مكافحته أما القسم الأخير فقد ناقش التنظيمات الإرهابية وتشكيلاتها .
خرج المؤتمرون بتوصيات مهمة بلغ عددها خمس وخمسون يجب على المشرع الكويتي أن يعمل جاهداً للأخذ بها في أي تشريع مرتقب لمكافحة الإرهاب في الكويت ونذكر منها :-
1 - التركيز على العمل الجماعي ، بما معناه عولمة العمل وعولمة الاستراتيجية الشاملة للتعامل مع الإرهاب الدولي ، والتركيز على أهمية احترام القرارات الدولية المتعلقة بهذا الشأن .
2 - تفعيل التعاون الدولي فيما يتعلق بانتقال المواد الضارة والقاتلة خاصة النووية والتقنيات الحديثة المستعملة في الأعمال الإرهابية واتخاذ كل التدابير للحول دون وصول هذه المواد ليد الإرهابيين .
3 - تفعيل عمل مؤسسات المجتمع المدني في مكافحة الإرهاب والاهتمام بالتنمية المستدامة وتحسين الاقتصاد ومحاربة الفقر والأمية والتصدي لكل عناصر البيئة التي تشجع على إنتشار العنف والفكر المتطرف .
4 - العمل جدياً على تحقيق اقتراح الأمير عبد الله بن عبد العزيز بإنشاء مركز دولي متخصص في مكافحة الإرهاب ، تشترك فيه دول العالم بمتخصصين وأصحاب خبرة لتبادل الأفكار وتمرير المعلومات بشكل فوري يتوازى مع سرعة الأحداث الإرهابية وسرعة انتشارها وسرعة نواي المخططين لها والمنفذين .
5 - التركيز على محو كل طابع ديني أو ايديولوجي أو عقائدي عن الإرهاب فهو من غير دين أو لون أو عقيدة يطال في ضرره كل الأديان والثقافات والشعوب .
6 - تطوير التشريعات ووضع المعايير القانونية الواضحة لمعالجة الظواهر التي تساعد على انتشار الإرهاب بين الدول ومنها :
* مظاهر اللجوء والهجرة واستخدام أراضي الدول التي تساعد في ذلك بتجنيد وتدريب وتمويل المنظمات الإرهابية .
* ظاهرة انتشار الهيئات الخيرية والإنسانية غير الربحية من غير ضوابط قانونية أو رقابية مما يسهل تمويل المنظمات الإرهابية بغطاء إنساني مقنن
* ظاهرة انتشار الأسلحة بيد الشعوب تحت أي ذريعة .


7 - تقديم الدعم المعنوي والمادي للدول المحتاجه في سبيل تطوير جهودها في إدارة الأزمات وتشجيعها على إنشاء مراكز وطنية متخصصة في مكافحة الإرهاب .
ورغم أهمية الخطوة الدولية المتخذة ورغم أهمية التوصيات التي نتجت عن هذا المؤتمر، خاصة إذا ما فعلت بشكل جدي في التشريعات الوطنية في كل دولـة ، لم يخلو الأمر من خلافات جدية بين الدول المجتمعة تمحورت أهمها على :-
1 - تعريف الإرهاب وتفريق عن الحق المشروع للشعوب في مقاومتها للاحتلال الأجنبي ، حيث كان لبعض الدول ومنها ( لبنان ـ سوريا ـ إيران ) تحفظات على هذا الموضوع ، مما أدى إلي بروز تحفظات جدية ونقاشات حادة لم تلقى الا حلاً جزئياً . [8]
2 - الخلاف الثاني والذي لا يعتبر بعيداً عن الأول تتمحورعناصره حول تحديد القوائم الإرهابية التي يجب مكافحتها عالمياً ومن قبل كل الدول تداخل في هذه النقطة كثير من الأمور السياسية و المصلحية والايديولوجية ووصل الأمر إلى اعتراف رئيس وفد الأرجنتين بفشل المؤتمر بتحديد تعريف واضح للإرهاب " [9].
3 - أما التحفظ الأخير الذي نتناوله في هذه الأسطر القليلة يركز على الآليات الوطنية للتصديق على الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالإرهاب ، حيث برز نقاش جدي حول وجوب أو عدم جواز توقيع الدول على هذه الاتفاقيات من غير أو مع تحفظات .
تسلط الدراسة المتأنية للتوصيات والتحفظات التي نتج عنها المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب الضوء على نقاط أساسية وجوهرية يجب على الباحث والمشرع والمسؤول الذي يعمل في وضع الحلول القانونية والعملية النظرية لمكافحة الإرهاب أن يأخذها بالاعتبار .
من هنا أتت أهمية عولمة مكافحة الإرهاب كرد طبيعي ومنطقي على عولمة جريمة الإرهاب .

ب - آثار عولمة مكافحة الإرهاب على التشريعات الجزائية الوطنية :-
لم يبق مجالا من مجالات الحياة إلا وأثرت به العولمة ، الأمر الذي استدعي معالجة تشريعية خاصة لكل دولة تكون بالقدر الكافي من السرعة والدقة لمعالجة التطورات الجديدة . ففي المجال الاقتصادي مثلاً كان لابد للمشرع الوطني أن يأخذ بالاعتبار مستجدات النظام الاقتصادي والنقدي الدولي الجديد والذي برز في كثير من الأوجه منها إنشاء صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية والذي فرض التعامل معهما كثيراً من التغيرات القانونية والاقتصادية أظهرت شركات عالمية متعددة الجنسيات وترافقت مع تدفق رؤوس الأموال المصرفية والاستثمارات الأجنبية في شتى أنحاء الأرض ... وهكذا في كل ميادين الحياة الحديثة فرضت العولمة تأثيرها على التشريعات الخاصة بالاجتماع والسياسة والاقتصاد والبيئة.
كجزء مهم من التشريعات الوطنية ، وقع قانون الجزاء في أي من الدول التي تحاول مكافحة الإرهاب تحت تأثير العولمة مما اقتضى أن تأخذ بعين الاعتبار كثيراً من التغيرات التي تفرضها العولمة على المفاهيم القانونية التقليدية في هذه الدول .
فعلي صعيد العلاقة القانونية بين التشريعات الداخلية والتشريعات الدولية، فرضت عولمة الجريمة وخاصة جريمة الإرهاب وعولمة مكافحتها على الدول إلزامية التعامل مع القانون الدولي الجنائي والذي ينطلق من استعمال مجلس الأمن لسلطته التي نص عليها الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة للتعامل مع كل ما ينتهك السلام والأمن الدولي . يضاف إلى ذلك إنشاء محاكم دولية متخصصة لمحاكمة المسئولين عن الجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية
( يوغسلافيا 1993 ـ رواندا 1994 ) وما تبعها من إنشاء للمحكمة الدولية الجنائية التي أسست لها معاهدة روما لسنة 1998 . [10]
إن احترام قرارات مجلس الأمن واحترام الأحكام القانونية الدولية التي تنظم عمل وحجية الأحكام الصادرة عن المحاكم الدولية تفرض على الدول الكثير من الالتزامات التي تضرب في بعض الأحيان المفاهيم القانونية الجنائية " كمفهوم شرعية التجريم " ومبادئ تسليم المجرمين وامتداد اختصاص المحاكم الدولية إلى رعايا الدول المستقلة .
فمبدأ مشروعية التجريم الذي ينص على أنه لا جريمة ولا عقوبة دون نص يتخذ وفق الخطوات التشريعية الوطنية يضمحل لصالح احترام ما تحكم به المحاكم الدولية والتي تستمد تشريعاتها عادة من العرف الدولي المنطبق على الجرائم التي تنظر بها بما يضرب مفهوم النص المكتوب الذي يجب أن يحكم كل تجريم وكل عقوبة في التشريعات الداخلية للدول. ناهيك عن عدم احترام القانون الجنائي الدولي المطبق في المحاكم الدولية وفي كثير من الأحيان لمبدأ عدم " رجعية قانون العقوبات " على الجرائم المرتكبة قبل تفعيل أي تشريع مكتوب أو غير مكتوب . [11]
من جهة أخرى فإن العولمة وخاصة فيما يتعلق بعولمة المكافحة الدولية للجريمة تؤثر في التشريعات الجنائية الوطنية في تراجع مفهوم السيادة التي تتمسك بها كل دساتير الدول وكل قوانينها الداخلية. فقد أكد الدكتور / أحمد فتحي سرور ، رئيس مجلس الشعب المصري في محاضرة له ألقاها في جامعة الإسكندرية حول نفس الموضوع أن الاتفاقيات الدولية التي فرضتها العولمة وفرضت معها التزامات على الدول أدى إلى مناخ تراجعت معه السيادة الوطنية " تجلى بوجه خاص في مظهرين : الأول هو القضاء الدولي الجنائي والثاني هو الاختصاص الجنائي العالمي للقضاء الوطني ".
إن مكافحة الإرهاب الذي أتخذ صفة الجريمة المنظمة الدولية لا يبعد عن هذا الإطار خاصة إذا دخل ضمن دائرة اختصاص المحاكم الدولية التي فرضته العولمة ومفاهيم حماية مصالح المجتمع الدولي على حساب السيادة الوطنية للدول يضاف إلى ذلك تراجع السيادة الوطنية أمام الاختصاص الجنائي الدولي لبعض القضاء الوطني في عدد من الدول و منها على سبيل المثال بلجيكا ، حيث يعقد الاختصاص للقضاء الوطني في هذه الدول حسب قوانينها لمحاكمة أشخاص ترجع جنسيتهم إلى دولة أخرى في حال ارتكابهم لأفعال تنتهك القانون الإنساني الدولي حتى ولو لم تقع الأفعال الجرمية على إقليمها ولو لم تقع الجريمة على أحد مواطنيها.
ويزداد الأمر خطورة على السيادة الوطنية حين يعرف أن مثل هذه القوانين قد تطال في أحكامها اشخاصاً لهم حصانة معينة وفق التشريعات الوطنية الخاصة بكل دولة ، هذا ما حصل حين استدعي آرييل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي بصفة متهم لمحاكمته أمام القضاء البلجيكي رغم تمتعه بحضانة رئاسية في إسرائيل .
يضاف إلى كل ذلك ما ذهب إليه فقه القانون العام الدولي [12] الذي ركز على التضارب الذي يحصل بين الاختصاص العالمي لمحاكم بعض الدول وبين ما تفرضه معظم التشريعات الوطنية من مفاهيم تكفل احترام ضمانات المحاكمة المنصفة للمتقاضي أو المتهم .
ويشار أخيراً إلى إمكانية محاكمة نفس الشخص على نفس الواقعة في محاكم دولته وفي محاكم الدول التي تعتمد ، باسم العولمة ، الاختصاص العالمي لقضائها ، ويزيد الأمر سوءاً عندما تنتفي الاتفاقيات الثنائية المنظمة لمثل هذه الأمور .



* الخلاصـة :-
حقائق يجب التنبه إليها في التشريعات المرتقبة لمكافحة الإرهاب في الكويت :-
رغم ما يؤكد عليه الفقه الجنائي في دولة الكويت من كفاية النصوص الجزائية الكويتية لمكافحة الإرهاب [13] تفرض العولمة على المشرع وعلى كل من يفكر في مكافحة الإرهاب في دولة الكويت أن يأخذ بالاعتبارات التالية :-

1 - ظاهرة الإرهاب هي ظاهرة اجتماعية كان للعولمة أثر بارز في تحولها إلى ظاهرة جرمية من خلال التداخلات الثقافية ، الاجتماعية ، الدينية ، السياسية والاقتصادية التي خلطت العولمة أوراقها وسهلت تناقلها بين مجتمعات العالم .
لذلك فإن تعديل التشريعات الجزائية غير كافية وحدها لمكافحة الإرهاب بل يجب إعادة النظر في كل القوانين وملئ الفراغ التشريعي لمكافحة آثار العولمة ومجارات تداخلاتها في كل نواحي الحياة .
2 - تفعيل كل الاتفاقيات الدولية الخاصة بمكافحة الإرهاب ومكافحة الجرائم العابرة للحدود والتي وقعت عليها الكويت وإعادة صياغة التشريعات الضرورية لأعمال مفاهيمها .
3 - التعامل بجدية مع توصيات المؤتمرات الدولية ومع مقتضيات التعاون الدولي في سبيل مكافحة الإرهاب .
4 - النظر بجدية بما تفرضه العولمة ـ عن خطأ أو عن صواب ليس الأمر مطروحاً للنقاش ـ من مفاهيم جديدة خاصة في أمور تعميم مبادئ حقوق الإنسان والديموقراطية الغربية على أصقاع الأرض.
يظهر الأمر جلياً في ضرورة الموازنة بين العنف في مكافحة الإرهاب وضرورات احترام حقوق الإنسان والمواطن وحرياته الأساسية .
5 - التعامل بجدية مع ما تفرضه العولمة من تغيرات على واقع السياسة الجنائية في كل الدول ومنها الكويت وفي هذا الإطار تطرح عدة أسئلة يجب على المشرع أن يجيب عليها :-
أ - هل تصمد نصوص التجريم أمام حقيقة اختلاف محل الجريمة في بعض الأحيان وتحوله بفضل المعلوماتية ووسائل الاتصال من كيان مادي ملموس إلى مجرد وجود معنوي على شبكة تتخطي الحدود السياسية للدول ؟
( مثال التحريض على جريمة الإرهاب عبر مواقع الانترنت أو سرقة البيانات عبر نفس الشبكة ومنها ) .
ب - بشكل أكثر عمومية هل النظريات العامة للقانون الجنائي ما زالت تنطبق بكل فاعلية على بواعث أو محل أو أركان الجريمة الإرهابية التي تستعمل الشبكة العنكبوتية ملاذاً آمناً لها ؟
جـ- هل تكفي التشريعات الكويتية لتغطي مستلزمات مبدأ المشروعية في التفتيش والبحث عبر النظم التقنية في قواعد البيانات والمواقع المعلوماتية كما هو الحال عند التفتيش في المنازل أو المكاتب أو السيارات عن دلائل الإثبات مثلاً ؟
د - هل أن النظام القضائي الكويتي يستوعب بشكل كاف القرارات الدولية وقرارات المحاكم الجنائية الأجنبية أو الدولية ، وهل تفي النصوص بغرض توزيع الاختصاصات بين محاكم وطنية ودولية أو أجنبية .
هـ- هل أخذ المشرع الكويتي بمستلزمات العولمة حين تفرض على كل الدول مبادئ جديدة في القانون الجنائي والدستوري ومنها :
( الخلل في مبدأ الشرعية ـ الخلل في مبدأ عدم القياس في النصوص الجرمية ـ تخطي أركان الجريمة عبر الانترنت كل الحدود الاقليمية – الخلل بمبدأ السيادة الوطنية ) ؟
نكتفي فيما سبق بالقاء الضوء على هذه النقاط ونبقى تفصيلها وتطويرها إلى حلقات نقاشية متخصصة وجهود جدية يجب إستنفاذها علميا قبل البت في أي قانون لمكافجة الإرهاب .

د. بلال عقل الصنديد
15/3/2005

التعبير العنيف عن ظاهرة التطرف الديني

التعبير العنيف عن ظاهرة التطرف الديني
بين الواقع والمعالجة

مقدمــــــة:

يعتبر العنف من أخطر الظواهر الاجتماعية التي تغزو المجتمعات البشرية في كل أصقاع الأرض. فمهما اختلفت درجات التقدم في هذه المجتمعات ومهما اختلفت أيديولوجياتها ودياناتها ومهما تنوعت ثقافاتها فإن ظاهرة العنف تعتبر من السمات الرئيسية لها، دون أن نتجاهل أن درجات العنف وتوسع دائرته وطرق معالجته تختلف من دولة إلى أخرى ومن مجتمع إلى آخر وفق خصوصية كل منها.
في الفترة الأخيرة، عانت الكويت من ظاهرة غريبة عن عاداتها وتقاليدها، استحقت أن يستنفر لها كل المجتمع السياسي والمدني وكل وسائل الإعلام ورجال الأمن للحد من غلوائها. فالتعبير العنيف عن ظاهرة التطرف الديني آخر ما كان يتوقعه المجتمع الكويتي الذي تميز على مر العصور بحرية ثقافية وفكرية وبديموقراطية كانت منبوذة لفترة قريبة في المجتمعات المحيطة به.
الواقع أن ظاهرة العنف، الديني، المدرسي أو الاجتماعي...، بدأت تنحى منحى خطيراً في دولة الكويت منذ بداية ثمانينيات القرن العشرين، الأمر الذي ازداد سوءاً مع الغزو العراقي وما ترتب على أثره من انتشار للأسلحة بيد الأشخاص العاديين. وآخر فصول هذه الظواهر الخطيرة كان التعبير العنيف عن الأفكار الدينية المتطرفة أو ما أطلق عليه تجاوزاً عبارة (الإرهاب الديني).
في هذا السياق، تأخذ ظاهرة (الإرهاب الديني) سمة التعبير العنيف عن الرأي وعدم تقبل الرأي الآخر واللجوء في سبيل مجابهته إلى أساليب لا تمت للحضارة ولا للإنسانية ولا للدين الحنيف بصلة.
الحقيقة، أن ما سمي (بالإرهاب الديني)، إذا ما وضع ضمن دائرة المفاهيم الصحيحة، يظهر على حقيقته كمشكلة اجتماعية يجب دراسة ومعالجة أسبابها دون الاكتفاء بالتخفيف من وطأة آثارها. ولفهم واقعها بشكل أدق، يجب ربطها بالمتغيرات والظروف الإقليمية والدولية المحيطة بالمجتمع الكويتي، ومن ثم فانه يسهل تقييم دور كل من الدولة ومؤسسات المجتمع المدني في محاربة المسببات، ضمن رؤية متكاملة لمواجهة التطرف الديني.
انطلاقاً مما سبق، نتناول في بحثنا ثلاثة أقسام :

أولاً : إشكالية الصلة بين التطرف الديني ومظاهر العنف في المجتمع الكويتي.
ثانياً : الإطار الدولي، الإقليمي والداخلي لظاهرة التطرف الديني في دولة الكويت.
ثالثاً : استراتيجية مواجهة التطرف الديني في دولة الكويت.

أولاً : إشكالية الصلة بين التطرف الديني ومظاهر العنف في المجتمع الكويتي.
صار واضحاً أن ظاهرة العنف، مهما اختلفت ميادينها، لا تعدو أن تكون إلا محاولة غير حضارية لفرض الرأي و المعتقدات بوسائل هي، في جانب كبير منها، انحراف لشهوات ونزوات نفسية وذهنية تتجسد بتصرفات عنيفة بحق الرأي المخالف. فجرائم الاغتصاب أو العنف المنزلي أو القتل والتمثيل بالضحية، كما أن العنف المدرسي أو الجنسي وغيرها من المظاهر غير السوية في المجتمعات... هي في الأصل مشاكل نفسية أثرت في نشأتها وفي بلورتها ظروف محيطة ساعدتها على الظهور بهذا الشكل السيئ.
فإن صح أن الظروف المساعدة على بلورة العنف في المجتمع الكويتي لم تكن في مكان يدعو للقلق في الفترة ما قبل الثمانينات من القرن الماضي، فإن الأمر بعد هذا التاريخ يسترعي الوقوف بجدية على ظاهرة انتشرت بشكل مثير في مجتمع لا يتقبلها أصلاً. ففي دراسة إحصائية أعدها المحامي عبد الله الكندري ونشرها في صحيفة الخليج بتاريخ 21/8/2002 يتضح أن عدد الجرائم في الكويت ما بين عامي 1992 و2001 بلغ (87258) جريمة بمعدل (52) جريمة في اليوم الواحد.
إن مثل هذا المؤشر الإحصائي يعتبر من الدلالات الخطيرة على عجز التقاليد والقيم الأخلاقية والدينية للمجتمع الكويتي من أن توقف وحدها الجنوح المطرد لظاهرة العنف. فمن غير السليم أن يصل معدل الجرائم في مجتمع صغير، يعيش على مسطح جغرافي قليل المساحة، إلى هذا الحد دون أن تتضافر الجهود الرسمية و غير الرسمية لإيجاد علاج سريع وفعال لهذه الظاهرة.
مما لا شك فيه أنه من أخطر مظاهر العنف المقلقة لأي مجتمع، هي ظاهرة (الإرهاب الديني). فعلى خلاف معظم مظاهر العنف التي تقع آثارها على شخص واحد أو على مجموعة صغيرة من البشر، على أكثر تقدير، فإن الإرهاب الديني يُدخل المجتمع بأكمله ضمن دائرة المحذور. فالمتطرفون والمنحرفون عن النهج الديني الصحيح لا يكتفون بإرهاب أو بقتل أو بإيذاء فرد أو مجموعة، بل تطال أعمالهم الانحرافية كامل المجتمع بكل عناصره ومؤسساته. فكل من يخالف هؤلاء الرأي هو (كافر) يسقط بحقه الحد الشرعي.
إلا انه ما يجب التنبيه إليه، في هذا الإطار، هو أن أي ظاهرة من مظاهر العنف المختلفة، إذا لم تعالج وإذا توفرت لها الظروف المساعدة، من السهل أن تتحول إلى ظاهرة إرهاب أو تطرف ديني. كما انه من المنطق القول أن المتطرف الديني صاحب السوابق الجرمية والتصرفات العنيفة يكون أعنف في أسلوبه و أحنك في جرمه من المتطرف الذي دخل عالم الانحراف الديني من خلفية غير ملوثة.
هذه العلاقة العضوية بين الانحراف الديني و المظاهر السلوكية الأخرى تقودنا إلى أن ننظر بعين الحذر إلى بعض مظاهر العنف، التي يعاني منها المجتمع الكويتي، خوفاً من تطورها إلى حالات تطرف ديني يعبر أصحابه عن رأيهم بوسائل عنيفة متأثرين في ذلك بخلل أسري أو اجتماعي أو نفسي معين.
ففي إحصائيات عديدة نشرت في الصحف الكويتية بدايات هذا القرن نجد أن وزارة التربية أحصت اكثر من الفي حادثة عنف شهدتها المدارس الكويتية أحيل منها اكثر من مئة حالة، حدثت في المدارس الثانوية، إلى مخافر الشرطة المتعددة.
هذه الظاهرة من الخطورة بمكان لعدة أسباب نذكر منها :
- إن البنية الاجتماعية التي يكونها عالم الطلبة، الذين عادة ما يكونوا في عمر صغير و حساس، هي بنية هشة يسهل التلاعب بها.
- نتيجة لانفتاح الكون على بعضه، عبر وسائل الاتصالات الحديثة، اجتاحت المتغيرات السلبية كل المجتمعات المعاصرة ومنها المجتمع الكويتي... فسهل على المراهقين تبادل الأفكار و الخرافات والبدع، الأمر الذي قد يؤدي إلى تحول أي ظاهرة عنف إلى أزمة تضرب عمق البنية الأساسية لأي مجتمع.
- إن خطورة هذه الظاهرة اكثر ما تكمن في أنواع العنف الممارس في مثل هذه الحوادث. الواقع أننا لم نعد بصدد مجرد تبادل لضرب خفيف أو أمام مشاجرات فردية، بل تطور الأمر إلى حالات عنف خطيرة تمثلت بحوادث اعتداء وضرب وتهديد بالسكين وبمشاجرات جماعية أدت إلى أعمال تخريبية طالت أبنية المدارس ومحتوياتها وجلبت الأذى لأفراد الهيئة التعليمية ولبعض رجال الشرطة .
الواقع انه ما يجب التركيز عليه في خانة الربط العضوي بين التطرف الديني و المظاهر السلوكية العنيفة هو ما كشفته دراسة ميدانية أعدتها إدارة الخدمات الاجتماعية والنفسية بوزارة التربية من خلال البحث عن الظروف الشخصية التي يعيشها الطالب الذي يستعمل العنف كوسيلة للتعبير عن رأيه. اتضح من هذه الدراسة أن حوالي 37 % ممن أجريت عليهم الدراسة كان تصرفهم العنيف نتاج حالات غضب دائم عند مواجهة أي مشكلة، وأن 59 % منهم كان تصرفهم العنيف بسبب غضب مؤقت، و24 % منهم لا يستطيع التمييز بين كل ما هو خطأ وصواب. أليس في كل هذه الأسباب مؤشر خطير حول إمكانية تحول هؤلاء إلى إرهابيين يسهل استغلالهم من قبل المنظرين للتطرف الديني ؟ الجواب قطعاً لا يبشر بالخير!!!
وفي دراسة أكثر شمولية لمعدل الجريمة الجنائية قدمت الإحصائيات السنوية للإدارة العامة للتخطيط والتنظيم بوزارة الداخلية مؤشرات خطيرة في نطاق البحث، يمكن إيجازها بما يلي :
- ارتفاع عدد جرائم القتل خلال عشر سنوات من 0.14 بلاغ من أصل كل البلاغات الجرمية إلى 0.20 من إجمالي هذه البلاغات.
- ارتفاع عدد جرائم الاعتداء بالضرب والأذى بنسبة 9.86 % خلال عشر سنوات.
- ارتفاع عدد جرائم الشروع بالقتل بنسبة الضعف.
- ارتفاع مواز لعدد بلاغات السلب بالقوة، الاختطاف، هتك العرض والاغتصاب.
- يضاف إلى كل ذلك الارتفاع الكبير لعدد قضايا الشغب والعنف التي تتجاوز الألفي قضية والتي يشترك فيه أكثر من ثلاثة آلاف متهم.
- والأخطر من كل ما سبق هو الارتفاع الملموس في جرائم الأحداث لتتجاوز ثلاثة آلاف جريمة.
إن كل هذه المؤشرات إذا ما تم ربطها بظاهرة التطرف الديني لا بد وان تولد لدينا الشعور بالقلق. فوسائل الإعلام تطالعنا وبشكل يومي بأخبار تؤكد على وجود سوابق جرمية للعناصر المتطرفة دينياً.
نختم هذه الفقرة بالتأكيد على أن هذه الحقائق لابد أن تؤثر بشكل سلبي وكبير على تطور حالات التطرف الديني من حيث الكم والنوعية. فأصحاب السوابق هم تربة خصبة يودع فيها المنظرون للتطرف الديني ابشع ما يمكن غرسه من أفكار و عقائد، بهدف الاستفادة من (خبراتهم الجرمية) في نشر الأذى والقتل والإرهاب مقابل عوائد مادية أو مخدرات أو أية مغريات أخرى. كما أن البعض منهم كثيراً ما يسهل استغلاله من خلال شعوره وحاجته للتكفير عن الذنب فيتم التلاعب النفسي به و إقناعه بضرورة (الاستشهاد) غسلاً لعار ماضيه.

ثانياً: الإطار الدولي، الإقليمي والداخلي لظاهرة التطرف الديني في دولة الكويت :
من بديهيات القول أن المجتمع الكويتي لا يعيش على جزيرة معزولة عن كل التأثيرات السلبية التي تحيط به و تتفاعل معه من الخارج و في الداخل. في نفس السياق تتأثر ظاهرة التطرف الديني بغيرها من مظاهر العنف والسلوكيات و الظروف الاجتماعية الخاصة بالمجتمع الكويتي...كما أنها تتأثر بكل المتغيرات الخارجية، الدولية والإقليمية.
1- أحداث "الحادي عشر من سبتمبر" والحرب على (الإرهاب) :
شكلت الأحداث التي هزت الولايات المحتدة الأمير كية في 11 سبتمبر (أيلول) 2001 تحولاً نوعياً في كل ما يتعلق بالتطرف الديني، إن من حيث السعي الجدي لمكافحته أو من حيث تناميه المطرد في العالمين الغربي والإسلامي.
الواقع أن اهتمامات الدول بهذه الظاهرة تضاعفت بشكل كبير بعد الحملة التي قادتها أميركا على ما سمته (الإرهاب)، و الذي صورته وحشاً كاسرا، إذا لم يتم القضاء عليه، سيفترس المجتمعات في جهات الكرة الأرضية الأربعة. فكان لهذا الاهتمام غير المسبوق آثارا كبيرة سلبية و إيجابية.
أظهرت الادعاءات التي تلت مباشرة أحداث الحادي عشر من سبتمبر أن منفذي تلك الهجمات كانوا من العرب والمسلمين، الأمر الذي مهد لحرب سريعة ومخطط لها اجتاحت العالم بأثره بالنار و البارود حيناً و بالإملاءات أحيانا أخرى. فقد قسم رئيس الولايات المتحدة الأميركية العالم بين محورين واحد لا يتوافق مع سياسات بلاده الخارجية فاستحق بالتالي أن يكون (محور الشر) الذي لا مجال "لتأديبه" إلا (بحرب صليبية)، والمحور الآخر هو (محور الخير) الذي يضم تحت رعايته كل دولة اقتنعت، أو تظاهرت بالاقتناع، بأهداف و جدوى هذه الحرب.
من الطبيعي ألا تبقى المجتمعات العربية والإسلامية بمنأى عن هذه المتغيرات التي امتدت آثارها إلى كل مظاهر الحياة الاجتماعية والتربوية والمؤسساتية. فالحرب الأميركية على الإرهاب خلفت وراءها آلاف القتلى والجرحى والأسرى المسلمين، كما أن محاولات السلطات في الداخل لقمع بعض التيارات الدينية، أدى إلى تعاطف كبير في بعض الأوساط العربية و الإسلامية مع من يحمل لواء " الجهاد المقدس" و يتعرض في الخارج و في الداخل لأشد أنواع القسوة المادية و المعنوية.
ناهيك عن ذلك، خرج إلى العلن على لسان كبار المسؤولين الغربيين بعض العبارات و التصريحات التي شكلت استفزازاً واضحاً لمشاعر العرب و المسلمين، الشيء الذي ولد في بعض المجتمعات، ومنها المجتمع الكويتي، بعض التعاطف مع الاشخاص الذين رهنوا حياتهم من اجل "إعلاء كلمة الله" و "التصدي" للحروب الصليبية المستجدة. من بين هذه الاستفزازات ما صرح به المدعي العام الأمريكي (جون اشكروفت) في مقابلة مع إحدى الصحف الأميركية، حيث قال ما يمكن ترجمته بأن (الإسلام هو الدين الذي يطلب فيه الله منك أن ترسل ابنك ليموت من أجله، أما في المسيحية فإن الله يرسل ابنه ليموت من أجلك). هذا التصريح كغيره من التصريحات والمواقف الغربية التي طالت الإسلام بشكل مباشر أو غير مباشر، كان لها الأثر السلبي الكبير في بروز ظاهرة التطرف الديني و تناميها في الدول العربية و الإسلامية ومنها دولة الكويت.
فمنذ 1982، العام الذي وقعت فيه محاولة الاغتيال التي تعرض لها أمير دولة الكويت السابق، صاحب السمو "المغفور له الشيخ جابر الأحمد الصباح"، و منذ الاعتداء الذي تعرضت له جريدة "السياسة"، لم يوصم أي حادث إجرامي أو أمني في الكويت بعبارة (الإرهاب) حتى تاريخ 8/10/ 2002، اليوم الذي تعرضت فيه القوات الأميركية الرابضة في الكويت لحادث أمني في جزيرة "فيلكا"... الأمر الذي تكرر في منطقة "الدوحة" بتاريخ 21/1/2003 وفي15/12/2003 حيث تعرضت حافلة لهذه القوات إلى إطلاق نار وصف، هو أيضا،ً بالعمل الإرهابي.
و تأتي الأحداث الأمنية التي تكررت في العام 2005 في كل من مناطق "حولي، أم الهيمان، السالمية والصليبخات" لتؤكد على خطورة المنحى الذي اتخذه التطرف الديني مسلكاً له. فصار الحديث عن (الإرهاب الديني في دولة الكويت) و عن مكافحته لازمة يومية تملأ صفحات الجرائد و تتكرر على كل لسان.
ما يمكن ملاحظته من هذا العرض التاريخي للأحداث التي وصفت بالإرهاب داخل المجتمع الكويتي، هو حدوثها كلها- باستثناء الحادثين الأولين- بتواريخ لاحقة لـ (11) سبتمبر وللحرب الأميركية على أفغانستان .
هذه الملاحظة تبرز الدور السلبي الذي تركته الحملة الدولية الأميركية على "الإرهاب" الذي ارتبط اسمه، بهتاناً، بالدين الإسلامي، على المجتمع الكويتي المحافظ. فقد أدت الحرب على أفغانستان إلى تنامي روح الكره و الغضب لدى الشعوب العربية و الإسلامية - ومنها المجتمع الكويتي- اتجاه الغطرسة الغربية. كما انه نتج عن هذه الحرب عودة مئات ما سمي (بالمجاهدين العرب) إلى بلادهم الأصلية مما شكل أرضية مناسبة لنمو وتصاعد ظاهرة التطرف الديني المسلح و المدرب، والذي كانت آخر فصوله ما حدث في الكويت من أحداث أمنية مرتبطة بهذا العبث الديني.
2- الواقع الجغرافي لدولة الكويت:
عانت دولة الكويت، بمساحتها الجغرافية الصغيرة وبعدد سكانها الضئيل مقارنة مع غيرها من الدول المجاورة، من مشكلة الموقع الجغرافي. فقد وجد المجتمع الكويتي نفسه داخل بؤرة من التناقضات السياسية والإيديولوجية والدينية تحيط به من كل الجوانب. فكان لا بد لهذا المجتمع الحيوي بطبيعته أن يتأثر بكل التيارات والتناقضات الدينية و المذهبية و الإيديولوجية التي تحاصره عن يمينه و عن يساره. فكان لا بد "للثورة الإسلامية" في إيران وللتيارات "السلفية" و"الوهابية" و لغيرها... في المملكة العربية السعودية أن تجد لها الصدى المدوي في بعض الأوساط الكويتية، الأمر الذي أدى إلى وجود تناقضات فكرية في مجتمع صغير لا يتحمل هذا العبث الفكري والعقائدي. والأخطر من كل ذلك هي العلاقة الكويتية العراقية التي شكلت في كل مراحلها نقطة ضعف و توتر في الواقع الكويتي. كل هذه العوامل كان لا بد من أن تؤثر سلباً على كل الأصعدة ومن ضمنها على نمو و تصاعد ظاهرة التعبير العنيف عن التطرف الديني.
فالارتباط العائلي وتقارب العادات والتقاليد و وحدة التاريخ والمسار بين المجتمع الكويتي والمجتمعات المحيطة به، كانت سبباً أكيدا للتأثير المتبادل، سلباً وإيجابا، في أي ظاهرة اجتماعية أو أمنية أو فكرية في أي من هذه المجتمعات.
فلا يمكن و الحال كذلك، لأي باحث مثلاً، أن يفصل العلاقة الوطيدة بين الأحداث الإرهابية التي تعصف بالمجتمع السعودي و ما يحدث أو يمكن أن يحدث، داخل الكويت، خاصة إذا اخذ بعين الاعتبار سهولة تصدير هذه الظاهرة من قبل المتطرفين إلى دولة الكويت لعدة أسباب منها :
- وجود قرابة عائلية بين بعض المسؤولين و المتورطين في هذه العمليات و أشخاص كويتيين أو مقيمين على أرض الكويت.
- تقارب الفكر الديني والاجتماعي والسياسي بين هذه الجماعات وغيرها من الجهات في المجتمع الكويتي.
- سهولة الانتقال بين دول مجلس التعاون الخليجي، بطريقة شرعية، عبر التسهيلات الحدودية الممنوحة للمواطنين والمقيمين تنفيذاً للاتفاقيات الثنائية والجماعية بين هذه الدول. يضاف إلى ذلك وجود عديد من المسالك و المنافذ غير الشرعية المنتشرة في كل الصحارى الحدودية.
أما لناحية العلاقات الكويتية الإيرانية، فلا يمكن إخراجها من دائرة الارتباط الوثيق و المصيري بين الكويت والدول العربية الشقيقة. فالحرب العراقية-الإيرانية، على سبيل المثال، كان لها انعكاسات خطيرة على الكويت، ليس اقلها تدهور العلاقات مع الجمهورية الإسلامية في فترة الحرب والتي أدت بشكل مباشر أو غير مباشر إلى ظهور بعض الأحداث الأمنية المرتبطة بالاختلاف العقائدي ومنها محاولة اغتيال المغفور له الشيخ جابر الأحمد الصباح. كما أن وجود إيران على تخوم أفغانستان قد يؤدي بشكل أو بآخر الى تأمين المد اللوجستي والفكري من خلال أراضيها إلى التيارات الكويتية المتشددة في أفكارها و عقيدتها الدينية.
يضاف كل ذلك إلى الآثار السلبية المباشرة التي تركها الغزو العراقي على الكويت، دولة و مؤسسات ومجتمعا. فهذا العدوان الغاشم أدى، وفق دراسات عديدة، إلى انتشار حالات نفسية معينة عانى منها الكويتيين فأبرزت لدى البعض منهم ميلا مرضيا للعنف السلوكي، ترجعه دراسة أعدها "مركز الإنماء الاجتماعي" التابع للديوان الأميري إلى ما شهده المواطنون وعايشوه من آثار للدمار والتخريب ومشاهد العنف والقتل وتنامي الشعور الاندفاعي غير المدروس لمجابهة الواقع المرير. يترافق ذلك مع ما خلفه الغزو العراقي من أسلحة وذخائر يدخل بعضها في خانة الأسلحة الكبيرة كالصواريخ. إن مجرد وجود سلاح غير شرعي و بهذا الشكل في أيدي المواطنين يعد بحد ذاته – ولو لم يستعمل– دافعا غير ملموس على ارتكاب الجريمة، الأمر الذي يشتد خطورة إذا ارتبط بأفكار متطرفة و عشوائية .
واخطر من كل ما سبق، ما تشهده العراق، منذ سقوط نظام البعث البائد، من انفلات أمنى و طائفي يخشى من تأثيراته السلبية على الواقع الكويتي. فوجود تيارات تكفيرية متعددة الانتماءات في بلاد الرافدين، ناهيك عن نقمة البعض منهم على دول الجوار... كل ذلك يشكل عاملاً مساعداً وأساسياً في إمكانية اضطراب الوضع الأمني بشكل عام والمتعلق منه بالإرهاب بشكل خاص في دولة الكويت.

3- بعض الأسباب الداخلية المؤثرة:

بالإضافة إلى العوامل الخارجية الإقليمية والدولية المساعدة على بروز، نمو وتطور فكر التطرف الديني في دولة الكويت، هناك بعض الأسباب و العوامل الداخلية تعتبر مساهمة في هذا الأمر، نذكر باقتضاب واضح البعض منها :
أ – العامل الاقتصادي :
لقد أدى ارتفاع الدخل الفردي للمواطن الكويتي، مقارنة مع غيره في دول المنطقة، إلى رفاهية ولدت لديه نمطاً استهلاكياً اثر فيه بالسلب نظام العولمة الاقتصادية والاجتماعية.
فمع الانفتاح الاقتصادي العالمي وتداخل المجتمعات فيما بينها، تضاعفت حاجات المواطن العادي و تحولت ما تعتبر في الأصل من كماليات إلى مستلزمات ضرورية للعيش المعاصر. فالتلفون النقال والإنترنت والسيارة الفخمة والرحلات السنوية خارج البلاد...، كل ذلك وضع الفرد الكويتي تحت وطأة الدين، ناهيك عن وجود طبقة فقيرة من الأساس تعاني بدورها من البطالة و سوء التصرف.
هذه الظروف الاقتصادية الصعبة لا شك أنها تشكل في بعض الأحيان أرضية خصبة توفر لمنظري الجماعات المتطرفة فرصة ملائمة لاستقطاب كل من يحمل النقمة على وضعه الاقتصادي المتردي أو من يسعى لتغييره بأي ثمن أو طريقة.
ب – المخدرات :
أكدت الإحصائيات، وعلى لسان كبار المسؤولين الأمنيين ، أن عدد قضايا المخدرات بلغت في السنوات العشر الأخيرة من القرن الماضي حوالي عشرة آلاف قضية. يضاف إلى ذلك الإحصائيات التي تجريها المؤسسات الاجتماعية المتخصصة ومنها (إدارة الخدمات الاجتماعية والنفسية في وزارة التربية) التي أكدت اكثر من مرة على انتشار ظاهرة المخدرات بشكل متصاعد وخطير بين الطلبة وحتى بين أعضاء هيئة التدريس.
إن تعاطي المواد المخدرة تعد من الأسباب الرئيسية التي تقف وراء أي عمل جرمي ومن ضمنه العمل الإرهابي. فقد يحدث وأن يتعامل منظرو الفكر المتطرف مع متعاطي المخدرات، الذين يفقدون السيطرة على مشاعرهم وعلى سلوكهم، فيجبرونهم على تنفيذ أعمال و تصرفات تحت وطأة الحاجة إلى المال أو تحت تأثير الشعور بالذنب و الرغبة بالتكفير عنه.
ج - التنشئة الأسرية والتربوية والتعليمية:
مما لاشك فيه أن سوء التنشئة الأخلاقية والفكرية والتعليمية يؤثر بشكل كبير على تنامي الظواهر الاجتماعية و السلوكية المنحرفة ومنها ظاهرة التطرف الديني التي من الممكن أن تتحول فيما بعد إلى سلوك عنيف في التعبير عنها.
فالأسرة التي تعتبر النواة الأساسية لأي مجتمع، من المفترض أن تزرع في ذهن الطفل القيم الأخلاقية، الدينية و السلوكية الحميدة، لما في ذلك من اثر كبير على سلوكياته يرافقه في كل مراحل الحياة. هذا الأمر ليس من السهل الحصول عليه حين تتخلى الأسر عن واجب التربية وتتركه إلى الخدم بحجة الانشغال بالعمل و بالحياة.
ولا يغفل في نفس الإطار عن وجود بعض الحالات المتزايدة من التفكك الأسري في المجتمع الكويتي ، ناهيك عن وجود بعض الحالات الأسرية التي تبث الفكر المتطرف في ذهن الأولاد دون أي حسبان لعواقب مثل هذا العبث الفكري.
كل ذلك يؤثر سلباً على تنامي الفكر المتطرف في هذا المجتمع ويسهل عمل الساعين إلى تحويله لعنف سلوكي في التعبير، سرعان ما يأخذ طابع الإرهاب البغيض.
وهذا ما يبقى صحيحاً فيما يتعلق بعمل المدارس والجامعات والمعاهد الدينية والتربوية والأكاديميات و دورها في تنشئة جيل يتمتع بروح الاعتدال الديني و الفكري، بعيد عن أي تطرف أو مغالاة في التعبير عن قناعاته الصحيحة.
د - وسائل الإعلام:
تؤكد الدراسات التي تتمحور حول دور الإعلام في نشر ثقافة العنف و التطرف الديني على أن وسائل الإعلام الأجنبية والعربية تساهم بشكل كبير في التغيير السلبي لسلوكيات الأطفال، من خلال ما تعرضه من أفلام ومسلسلات وبرامج عنيفة و دموية تتركز مشاهدها في العقل الباطني للأفراد.
يضاف إلى ذلك ما تبثه القنوات الفضائية من برامج إخبارية و وثائقية تتناول تفاصيل بعض العمليات الإرهابية، بكل ما يسبقها من تحضيرات و تنظير لها، و ما يرافقها من مشاهد للدم والدمار، وما يستتبعها من تعاطف شعبي في بعض الأحيان. كل ذلك قد يؤثر بشكل كبير على المراهق الكويتي من خلال ما تكشفه له هذه البرامج من أساليب جديدة للعنف، ومن خلال ما قد تولد لديه من شعور بعدم الرضى على الواقع الذي يعيشه، بالإضافة إلى خطر تأثره بالمناظرات و النقاشات التي ترافق و تعقب الأحداث الإرهابية.
هـ- الأسباب الأخرى :
بالإضافة إلى كل ما سبق هناك الكثير من الأسباب و العوامل الخاصة بالمجتمع الكويتي ساهمت عن غير قصد بتنامي ظاهرة التطرف الديني في دولة الكويت.
خلال مداخلة له في ندوة نظمها معهد الكويت للدراسات القضائية والقانونية، عدد المحامي جمال الشهاب بعضاً منها، نكتفي بذكرها كما وردت على لسانه من غير أي توسع كونها تصلح لدراسات متخصصة اكثر عمقاً :
- اختلال التركيبة السكانية للمجتمع المقيم على أرض الكويت بين مواطن ووافد.
- انغلاق بعض وسائل التعبير والتغيير أمام البعض.
- عدم القناعة عند البعض بفاعلية المؤسسات والسلطات بأنواعها.
- عدم الأخذ بالخطط المقترحة لتوظيف قدرات الشباب.
- الرغبة بالانتقام من بعض الأجهزة الأمنية...الخ.


ثالثاً: استراتيجية مواجهة التطرف الديني في الكويت:
شأنها شأن أي خطة واقعية تهدف إلى وضع حلول مستدامة، يجب البحث في استراتيجية مكافحة التطرف والإرهاب الدينيين في الكويت من خلال مرحلتين : واحدة تقييمية لواقع الخطوات المتخذة في هذا المجال، والأخرى تقتضي التركيز على الخطوات المستقبلية التي يجب اتخاذها بشكل مدروس و فعال.

1- نظرة واقعية على بعض الخطوات المتخذة من قبل المؤسسات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني في محاربة التطرف الديني :
صار من الواضح، من خلال ما سبق في القسم الأول، أن الأسباب والعوامل الداخلية التي تساهم في تنامي الفكر المتطرف داخل المجتمع الكويتي، تتمحور حول ثلاثة عناوين أساسية : تزعزع الأمن الاقتصادي والاجتماعي، العبث الإعلامي والديني ، والتصدع الأسري والتربوي .
لا شك في أن هذه العناوين هي عناوين عريضة من الصعب حصر اتجاهاتها في الأسطر التالية القليلة، فنكتفي والأمر كذلك بعرض سريع لعدد من الخطوات المتخذة من قبل بعض المؤسسات الرسمية وغير الرسمية المرتبطة والمعنية بهذه العناوين ولا سيما في فترة الأحداث الأخيرة عام 2005.
أ - وزارة الداخلية :
في كل مرة يؤكد المسؤولون في وزارة الداخلية و يبرهن رجال الأمن، بكافة مستوياتهم العسكرية، على نواياهم الصادقة والفعالة في تقصي وتجفيف منابع التطرف الديني ومكافحة آثاره.
فرجال وزارة الداخلية لم يتوانوا لحظة عن القيام بواجباتهم التي تشمل تنفيذ عمليات مداهمة وتفتيش وحملات أمنية على الأماكن المشبوهة التي يشك بإيوائها لفئات ضالة.
كما يشهد للإدارات والمؤسسات التابعة لوزارة الداخلية للدور الكبير الذي لعبته في الحملات الدعائية والتوعوية المحذرة من خطر التطرف و الإرهاب، ويشهد لها أيضاً للجهود التي بذلتها بإقامة الندوات والمحاضرات المرتبطة بنفس الإطار.
ومن أهم ما يبرز الدور النشط والفعال لأجهزة الوزارة هو عدم اكتفائها بمعالجة آثار الحدث الأمني بعد حدوثه بل سعيها لاستباقه والقيام بالإجراءات اللازمة للحؤول دون ذلك. يسجل في هذا الإطار للشرطة الكويتية أن الأحداث الإرهابية الأخيرة التي عصفت بالكويت في عام 2005، انطلقت شرارتها الأولى بمبادرة من رجال الأمن مما ابرز فاعلية مراقبتهم للمتطرفين و للفئات الضالة.
ب - وزارة الإعلام :
أثبتت المؤسسات التابعة لوزارة الإعلام الكويتية من تلفزيون وإذاعة وعيها الكامل لخطورة الانحراف السلوكي المرتبط بالتطرف الديني على المجتمع، فسعت جاهدة لممارسة دورها الحيوي في التوعية من خطورة هذا المنزلق. فاستنفرت الطاقات و بذلت الجهود لبث برامج دينية، اجتماعية وسياسية تكون على مستوى الحدث و على قدر مسؤولية تشارك بها كل المجتمع في إطار نشر فكر الاعتدال الديني ونبذ التطرف من النفوس قبل مكافحته على الأرض.
ج - وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية :
بدورها، لم تقصر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في اتخاذ كل الخطوات الضرورية لمكافحة الغلو الديني الذي من شأنه، إذا ما رافقته عوامل مساندة، أن يتحول إلى ظاهرة تطرف وإرهاب دينيين. فكل الخطوات التي يحاول مسئولو الوزارة اتخاذها في هذا الإطار تصب في خانة مكافحة أكيدة وفعالة للفكر الإرهابي.
يسطر للوزارة في هذا السياق قيامها جاهدة بتنظيم دورات ولقاءات متكررة لائمة المساجد والخطباء تهدف إلى تذكيرهم بنهج الاعتدال والوسطية الذي يميز الدين الإسلامي. ناهيك عن جهدها المتواصل فيما يتعلق بالمحاولات الرامية إلى توحيد مراجع الفتوى الدينية لكل شرائح المجتمع في الكويت والمقيمين فيها.
د - مجلس الأمة :

تنبه مجلس الأمة الكويتي للخطورة التي يولدها انتشار ظاهرتي التطرف الديني و الإرهاب في المجتمع الكويتي، فسارعت كل تياراته – وخاصة التيارات الدينية – إلى الإعلان بأكثر من مناسبة و بأكثر من طريقة، عن نبذ المجتمع الكويتي بكل أطيافه للفكر الإرهابي.
كما سارع مجلس الأمة كمؤسسة إلى عقد اجتماع سري ناقش فيه الحاضرون مشروع قانون قدمته الحكومة لجمع الأسلحة والذخائر، فوافق عليه النواب بالإجماع، ومن ثم صدقه سمو أمير البلاد على وجه السرعة، فنشر في الجريدة الرسمية (الكويت اليوم) بتاريخ 31/12/2005 تحت رقم 74/2004.
هـ - مؤسسات المجتمع المدني:
لاشك في أن للديوانيات، وهي خلية الديمقراطية الأساسية في الكويت، كما لكل الجمعيات و المؤسسات غير الحكومية دور بارز في نبذ التطرف الديني ومكافحة الإرهاب. فقد أثبت المجتمع الكويتي بكل ركائزه وكل مؤسساته الأهلية أنه بعيد كل البعد عن الأفكار العبثية التي تقف وراء الأحداث الإرهابية الأخيرة، فبرز الاستعداد لدى معظم فئات هذا المجتمع - ومنهم أهالي المتورطين بالأحداث الإرهابية الأخيرة- اقتناع راسخ برفض التطرف الديني وبضرورة استئصال مسبباته من الجذور.

2- الخطوات المستقبلية لمكافحة الإرهاب الديني:
مع تجدد الأحداث المرتبطة بالإرهاب و التطرف الديني، يتأكد للجميع، أفرادا و مؤسسات، انه ما زال هناك الكثير لفعله في سبيل القضاء و التخفيف من وطأة أي انحراف فكري أو سلوكي.
لا يمكن لأحد أن ينكر على المؤسسات الحكومية والمدنية دورها الفعال في مكافحة وتجفيف منابع الإرهاب، إلا انه بالمقابل لا يجوز تجاهل الخلل الذي سمح و يسمح بتكرار الأحداث الإرهابية، الأمر الذي يقتضي من المعنيين المساهمة في وضع وتنفيذ رؤية استراتيجية تؤدي لتحقيق المنشود في هذا الإطار.

من هذا المنطلق تفترض الاستراتيجية المتكاملة لمكافحة الإرهاب وجود شبكة متداخلة من الخطوات والإجراءات التي من الواجب اتخاذها على كل الأصعدة من قبل كل الجهات الحكومية وغير الحكومية المعنية بالأمر.

نكتفي في ما يلي ببعض الإشارات إلى ما يمكن أن تقدمه هذه الجهات والمؤسسات :
أ- على الصعيد الحكومي:
تعتبر الحكومة مجتمعة، كسلطة تنفيذية مسؤولة بشكل أساسي و مباشر عن اتخاذ و تنفيذ الخطوات اللازمة لمكافحة الإرهاب. إلا انه هناك بعض الوزارات و الجهات الحكومية التي تعتبر معنية اكثر من غيرها في هذا الإطار و منها : وزارة الداخلية، وزارة الخارجية، وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وزارة العدل، وزارة التربية و التعليم العالي، وليس أخرا وزارة الإعلام...
- فعلى وزارة الداخلية، اتخاذ كل الخطوات التي تساعد في مكافحة التطرف الديني ومعالجة آثاره ولاسيما :
• إنشاء وتفعيل مراكز الدراسات الأمنية المتخصصة للمساهمة الجدية في تحليل ومعالجة كل العوامل والعناصر المكونة لظاهرة الإرهاب وتقديم النصح فيما يتعلق بكيفية التعاطي معها.
• إنشاء الأجهزة الأمنية المتخصصة بمكافحة الإرهاب و إعداد أفرادها معنوياً، فكرياً و لوجيستياً، بما يساعدهم في تنفيذ واجبهم للوصول إلى الغاية المطلوبة بفاعلية تامة.
• تفعيل دور إدارة الرقابة التي تشير إليها النصوص المنظمة للهيكل التنظيمي لوزارة الداخلية وذلك بهدف مراقبة و ضبط أي انحراف فكري أو سلوكي محتمل للعناصر الأمنية ومتابعة نشاطاتهم وكيفية تعاملهم مع كل الشرائح الاجتماعية.
- كما على وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أن تفعل الخطوات التالية :
• إنشاء مراكز متخصصة لدراسة الارتباط السببي بين ظاهرة الإرهاب وكل الظواهر الاجتماعية المتعلقة بعمل الوزارة، ومنها البطالة والفقر. وذلك بهدف تحديد وسائل المكافحة المناسبة والعمل الجدي على ذلك بالتنسيق مع كل الجهات الحكومية و غير الحكومية المعنية.
• الاهتمام الكبير برعاية الأطفال والمراهقين الذين يعانون من التصدع الأسري واتخاذ كل الخطوات الوقائية، الرعائية والعلاجية المناسبة لمنع انزلاقهم نحو أي انحراف سلوكي أو عقائدي.
• المبادرة والمشاركة في الندوات والمؤتمرات واللقاءات الدولية والمحلية المتخصصة في مكافحة الإرهاب وتتبع أسبابه ونتائجه الاجتماعية.
- كما على وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية أن تقوم بالخطوات التالية :
• متابعة العمل الجدي، خارج فترة الأزمات كما أثناءها، على نشر ثقافة الاعتدال و الوسطية، وذلك من خلال الاستمرار بتنظيم الندوات والمؤتمرات والحلقات النقاشية للائمة و الخطباء و الفقهاء بهدف تذكيرهم بدورهم الريادي و المؤثر في توجيه المجتمعات إلى القمة أو الانزلاق بها إلى الهاوية.
• العمل على توحيد اتجاهات الإفتاء الديني، والفقه والبحوث الشرعية وتفعيل الرقابة المنضبطة على دور النشر والطباعة والمكتبات الإسلامية المتخصصة.
• توزيع الاهتمام على جميع الشرائح في المجتمع الكويتية ولاسيما المرأة والشباب.
• الاهتمام بتوحيد الرؤية الدينية والاجتماعية للمقيمين على أرض الكويت.
- و بدورها على وزارة الخارجية أن تقوم بما يلي ذكره :
• اتخاذ كل الخطوات اللازمة، بالتنسيق مع الوزارات و الجهات المعنية، للتعاون مع الدول الصديقة والشقيقة في مسألة تسليم المجرمين وتبادل المعلومات المتعلقة بالتيارات و المنظمات الدينية المتطرفة. والعمل على مساعدة الجهات المعنية للاستفادة من تجارب وخبرات الدول التي عانت من نفس الظاهرة.
• العمل على التنسيق مع الجهات المختصة لتفعيل كل الاتفاقيات الموقعة من دولة الكويت والمرتبطة بمكافحة الإرهاب، والبحث في إعادة النظر برفض الحكومة الكويتية للتوقيع على بعض منها لأسباب لا مجال لذكرها في هذا المقام.
• إعادة النظر دوريا بعلاقات الكويت الخارجية انطلاقاً من انعكاساتها على الواقع الكويتي ولا سيما المرتبط منه بالتطرف الديني و تنامي مشاعر الغضب و الاستياء من سياسات بعض الدول في العالمين الإسلامي و العربي.
• يبقى على كل الجهات و الوزارات المعنية (كوزارات : التربية، العدل و الإعلام) أن تقوم بالعمل الجدي، كل في مجال اختصاصه، على جمع القدر الأكبر من المعلومات عن الفئات الضالة وعن كيفية تمويلها وإعداد كوادرها وتنفيذ مخططاتها و عن الدعم الخارجي والداخلي الذي تتلقاه، بهدف الاستفادة من ذلك في وضع خطط و خطوات عملية تتدارك الآثار السلبية للأعمال الإرهابية.
فوزارة التربية مثلاً يمكنها المساهمة الفعالة بإعادة صياغة المنهج التربوي الإسلامي لتأخذ به نحو الاعتدال و الوسطية المطلوبين، كما أن لوزارة الإعلام دور بارز في تشجيع المتطرفين على التوبة والرجوع عن الخطأ. يترافق كل ذلك مع دور جوهري لوزارة العدل في تحديد الوسائل القانونية المناسبة للحد من التداعيات الجنائية لظاهرة التطرف الديني.
ب – على صعيد مجلس الأمة:
بدوره يمكن لمجلس الأمة، في كل نشاطاته السياسية والتشريعية، أن يشارك بفعالية في الخطة العملية لمكافحة الإرهاب ولاسيما وفق ما يلي :
- التعاون مع وزارة العدل و كل الجهات الحكومية و غير الحكومية المعنية في إعداد ورشة تشريعية لدراسة واقعية للقوانين الجزائية والاجتماعية والتربوية المتعلقة بظاهرة الإرهاب، وذلك نحو تفعيلها وتطويرها بما يتناسب مع الضرورات المفروضة.
- التعاون الصادق بين كافة التيارات السياسية و الدينية الممثلة في مجلس الأمة لإعطاء الصورة السليمة والحقيقية للمجتمع الكويتي الذي ينبذ الإرهاب و التطرف وكل مظاهر العنف.
- التعاون الحثيث مع الحكومة في تسهيل أعمال هذه الأخيرة في مجال مكافحة الإرهاب.
ج- الأســرة:
على كل الأسر أن تؤمن أنها النواة الأساسية لأي مجتمع. فكلما نمت في الأسرة ثقافات الحوار والسلام والطمأنينة، كلما ازدهر المجتمع بأسره، وكلما اهتم الوالدان برعاية أطفالهم كلما نمت حصانتهم من الانزلاق إلى هاوية السلوكيات المنبوذة ومنها التطرف الفكري والعقائدي.
د – المؤسسات التعليمية:
لا يخفى على أحد الدور المهم للمؤسسة التعليمية في إعداد الأجيال الصالحة الذي تؤمن الاستمرارية الصحيحة لمجتمعاتها.
انطلاقاً من هذه المسلمة يجب القيام بالخطوات العملية التالية:
- إعداد الهيئات التعليمية الإعداد الكافي الذي يضمن تجنبهم للأساليب غير الحضارية و غير التربوية عند تعاملهم مع التلامذة و الطلاب، لما لذلك من انعكاسات إيجابية على تنمية السلوك السليم لدى هذه الفئة الاجتماعية الحساسة. إن النجاح في هذه الخطوة يخفف كثيرا من تركيز و تنامي الفكر العنيف في اللاوعي عند الأطفال و الطلبة.
- تنمية ثقافة الحوار و الديمقراطية لدى الطلاب وتخويلهم المشاركة في انتخابات طلابية يعبرون فيها عن آرائهم. إن التركيز على حرية التعبير بوسائل ديمقراطية يحصن الأجيال الشابة من خطر استغلال حماسهم من قبل البعض في نشر التطرف الديني وتحويله فيما بعد إلى رعب و إرهاب غير محمودي العواقب.
والله ولي التوفيق
الدكتور/ بلال عقل الصنديد

قراءة في إشكالية توزير المرأة الكويتية

جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة لشركة لادس www.ladis.com


قراءة في إشكالية توزير المرأة الكويتية


إعداد : الدكتور بلال عقل الصنديد


الوقائع والإشكالية الدستورية
على أثر الإنجاز التاريخي الذي بمقتضاه عدل مجلس الأمة الكويتي المادة الأولى(1) من قانون الانتخاب رقم 35/1962 لصالح إعطاء المرأة الكويتية حقوقها السياسية من خلال مساواتها بالرجل في حقي الانتخاب والترشيح لعضوية مجلس الأمة، صار من الممكن والأمر كذلك تنصيب المرأة في المواقع السياسية التي كانت ممنوعة عليها قبل التعديل لا سيما في المجلس البلدي وفي مجلس الوزراء.
ذهبت الحكومة الكويتية في هذا الاتجاه وعينت في المجلس البلدي شخصيتين نسائيتين وأتبعت خطوتها هذه بإنجاز تاريخي آخر فعينت بتاريخ 12/6/2005 أول وزيرة كويتية(2) .
أثارت هذه الخطوة إشكالية دستورية لناحية تفسير نص المادة (125) من الدستور الكويتي معطوفة على نص المادة (82) منه(3) . بمقتضى هذين النصين يشترط على كل من عضو مجلس الأمة والوزير أن تتوافر فيه شروط الناخب وفقا لقانون الانتخاب.
لقد أدى التفسير الحرفي الذي اتبعه البعض لهذا النص إلى اعتبار توزير المرأة الكويتية، مخالفة للدستور باعتبار أن من بين الشروط التي يجب أن يتمتع بها الناخب ليمارس حقه بالانتخاب هو تسجيل اسمه بالجداول الانتخابية. و حيث أنه، لحين تعيين أول وزيرة كويتية، لم تسجل بعد أي امرأة كويتية في جداول الانتخابات مما يرتب، وفق هذا المنطق، عدم جواز توزيرها دستورياً كونها لم تحصل على كامل شروط الناخب.
وجهة نظر في المسألة
مع تقديرنا المطلق للمتمسكين بمثل هذا التفسير الحرفي لنصوص الدستور الكويتي، فان هذا الرأي الدستوري مردود عليه من أكثر من اتجاه نحاول اختصارها قدر الإمكان فيما يلي :
1- المبدأ في تفسير النصوص القانونية والدستورية وفق ما اتفق عليه علماء الأصول والفقه القانوني أن تفسير النص يجب أن يتجه " نحو الإعمال وليس نحو الإهمال " .. وعليه يجب قدر المستطاع التوجه نحو تفسير النص بروحية الاستفادة من أحكامه وليس نحو التركيز على موانعه... وهذا المنطق ينطبق بطبيعة الحال و دون أي جدال على القيد الدستوري الذي يفرض على الوزير "أن تتوافر فيه شروط الناخب".
الواقع إن إعمال هذا النص لا يكون إلا بالتفريق بين نوعين من الشروط الواجب توافرها في الناخب :

• الشروط الموضوعية :

وهي الشروط التي تكسب "حق الانتخاب" وبالتالي حق الترشيح ومنها مثلاً حسب نص المادة (82) من الدستور " أن يكون كويتي " و" أن يجيد القراءة والكتابة "، وحسب المادة (2) من قانون رقم 35/62 في شأن انتخاب أعضاء مجلس الأمة " أن لا يحكم عليه بعقوبة جنائية أو جريمة مخلة بالشرف أو بالأمانة ".
• الشروط الشكلية :

وهي الشروط التي يجب أن تتوفر ليتمكن الناخب من ممارسة حقه بالانتخاب وليس لكسب هذا الحق. ويعتبر القيد في الجداول الانتخابية من ضمن هذه الشروط، إذ من الممكن أن يكون الإنسان مسجلا على لوائح القيد لكن يحرم من حقه في الانتخاب لأسباب موضوعية أخرى ومنها مثلا، حسب المادة (2) من قانون الانتخاب، ارتكابه لجريمة مخلة بالشرف.
وعليه فإن مجرد توفر الشروط الموضوعية كلها في المرأة الكويتية يكسبها الأمر حق الانتخاب ويبقى أمر تسجيلها في الجداول الانتخابية إجراءا شكليا ضروريا لممارسة هذا الحق ...

2- وفي هذا السياق فإننا نرى أن المشرع الكويتي فرق في قانون الانتخاب 35/62 بين كل من الناخب والمرشح لناحية اشتراط التقييد في جدول الانتخاب لكل منهما : فنص صراحة في المادة (19) على أنه " يشترط فيمن يرشح نفسه لعضوية مجلس الأمة أن يكون اسمه مدرجا في أحد جداول الانتخاب" وهنا القيد يعتبر شرطاً جوهرياً وليس شكليا إذ أن القيد في الجداول يجب أن يسبق الترشيح بينما في نص المادة (17) من نفس القانون يعتبر القيد في جدول الانتخاب من قبيل الشروط الشكلية التي تلحق اكتساب حق الانتخاب وتمكن الناخب من ممارسته له . يستدل ذلك من قول المشرع في المادة (17) أنه : "لا يجوز لأحد الاشتراك (في الانتخاب) ما لم يكن اسمه مقيدا في الجداول..."

وبالتالي فإن شرط القيد في جداول الانتخاب هو ضروري للاشتراك في الانتخاب وليس لكسب حق التصويت...

3- في نفس الإطار وأثناء مناقشة المادة (82) من الدستور في جلسة 10/7/1962 للمجلس التأسيسي ولجنة الدستور برز في محضر الاجتماع كلام مهم تم فيه التفريق بين الشروط التي يجب أن تتوافر بالمواطن الكويتي ليكتسب حق الانتخاب وبين الإجراء الشكلي الذي يفرض وجود اسمه في جداول الانتخاب لممارسة حقه الانتخابي.

فقد ورد ، أثناء المناقشات، على لسان احد الخبراء الدستوريين تعليقاً على النص الذي كان مقترحاً للفقرة (ب) من المادة (82)(4) أن (( هذه الفقرة قد توجد بعض الصعوبة في الكويت عند تعيين الوزراء أو نائب الأمير حيث تطبق هذه المادة في الحالتين، الوزراء أو نائب الأمير، وقد يكونون من الأسرة المالكة التي لا يشترك أعضاؤها في الانتخابات ومعاركها ولا يحق لهم الترشيح للانتخاب، ومن ثم لا يهتمون بقيد أسمائهم في جدول الانتخاب، فيخشى أن يظهر ذلك كعقبة مفاجئة عند اختيار أحدهم وزيرا أو نائب أمير، ولذلك عدلت تعديلا بسيطا في البند (ب) من المادة بحيث يشترط أن تتوفر فيهم شروط الناخب دون إلزامهم بأن يقيدوا أسماءهم بجداول الانتخاب، وعليه يصبح نص الفقرة (ب) المذكورة كالآتي : " أن تتوفر فيه شروط الناخب" )).

4- يضاف إلى ذلك أنه من القواعد القانونية الأساسية في التدرج التشريعي أن " المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً"، فلا يوجد أحد من القانونيين يناقش فكرة وجود عرف دستوري يتبع ويصبح له قوة قانونية مماثلة لنص الدستور. ومن الأعراف الدستورية المعتمدة في دولة الكويت، توزير أشخاص من الأسرة الحاكمة دون إدراجهم في الجداول الانتخابية. وهذا ما أكده وزير الخارجية الكويتي في تصريح لــه نشر في صحف يوم 13/6/2005 .

يستنتج مما سبق أن عادة توزير أشخاص في الحكومة الكويتية ارتقت إلى كونها عرفا دستوريا يجوز إتباعه و القياس عليه عند توزير أي مواطن كويتي (ذكر أو أنثى) سواء أكان من الاسرة الحاكمة أم لم يكن .

5- في نفس الاتجاه وحسب الرؤية الحديثة للقضاء الدستوري في العالم عند تفسير أي نص دستوري وبعكس المدارس التقليدية والتاريخية "يطالب أنصار نظرية العلم والصياغة المفسر بالتعرف على الواقع وحاجاته ومقتضياته حسبما تنبئ عنه المشاهدة والتجربة، وفرض ما هو واجب في شأن ذلك الواقع حسبما يمليه العقل من مثل عليا وغايات بعيدة" .(5)

هذا ما اعتمدته المحكمة الدستورية العليا في جمهورية مصر العربية حين اعتبرت أن "تفسير النصوص الدستورية لا يجوز النظر إليها بما يبتعد بها عن غايتها النهائية ولا بوصفها هائمة في الفراغ أو باعتبارها قيما مثالية منفصلة عن محيطها الاجتماعي، وإنما يتعين دوما أن تحمل مقاصدها بمراعاة أن الدستور وثيقة تقدمية لا ترتد مفاهيمها إلى حقبة ماضية وإنما تمثل القواعد التي يقوم عليها والتي صاغتها الإرادة الشعبية، انطلاقا إلى تغيير لا تصد عن التطور آفاقه الرحبة" .(6)

يستدل مما سبق انه لا يجوز العودة بتفسير النص موضوع الخلاف إلى الحقبة التي سبقت الإنجاز التاريخي بإعطاء المرأة الكويتية حقها بالانتخاب و الترشح، بل يجب التوجه في إعماله نحو تفعيله وتعزيزه بتوزير المرأة انسجاماً مع المتطلبات الديمقراطية ومبادئ العدالة و المساواة ومع الواقع السياسي العالمي الذي يصر على هذا التوجه. هذا ما أبرزه أكثر من مرة سمو رئيس مجلس الوزراء الكويتي في تصريحات عديدة مفادها أن "توزير المرأة أمر مبتوت به وغير مخالف للدستور"، تماشياً مع كثير من المعطيات السياسية، الدستورية و القانونية و التي تعتبر أكثر واقعية من تفسير النص على خلاف الواقع الحقيقي الذي ارتضاه ممثلو الأمة الكويتية حين أعطوا المرأة حقوقها السياسية .

لا يجوز الاستدلال من كلامنا هذا أنه يجوز مخالفة القانون أو الدستور في سبيل إرضاء التوجهات السياسية بل ما أردنا قوله أنه طالما يجوز، كما أسلفنا، تفسير النص الدستوري الغامض على أكثر من محمل، يجب و الحال كذلك الأخذ بالتفسير الذي يعمله انسجاما مع واقع الحال، خاصة أن أمر إدراج المرأة على جداول الانتخاب هو أمر إجرائي غير معقد يصبح جاهزاً في أي لحظة ينتهي فيها العمل التقني لإنجازه. فما فائدة انتظار إدراج المرأة على جداول الانتخاب حتى يتم توزيرها ؟ وما هي الخطورة العملية في توزيرها قبل ذلك ؟ .

نخلص إلى القول بأن توزير المرأة الكويتية قبل إدراج إسمها في جداول الانتخاب هو أمر جائز دستورياً وقانونياً ويخدم كل المعطيات الواقعية السياسية والديمقراطية.

هوامش
1- مادة (1) من قانون الانتخاب رقم 35/1962 قبل التعديل : لكل كويتي من الذكور بالغ من العمر إحدى وعشرين سنة ميلادية كاملة حق الانتخاب، ويستثنى من ذلك المتجنس الذي لم تمض على تجنسه عشرون سنة ميلادية وفقاً لحكم المادة (6) من المرسوم الأميري رقم 15 لسنة 1959م بقانون الجنسية الكويتية .
2- الدكتورة / معصومة المبارك .
3- تنص المادة (125) من الدستور الكويتى على أن (( تشترط فيمن يولى الوزارة الشروط المنصوص عليها في المادة (82) من هذا الدستور)) كما تنص المادة (82) على أنه (( يشترط في عضو مجلس الأمة :
أ- أن يكون كويتي الجنسية بصفة أصلية وفقا للقانون .
ب - أن تتوافر فيه شروط الناخب وفقا لقانون الانتخاب .
ج- ألا تقل سنه يوم الانتخاب عن ثلاثين سنه ميلادية .
د- أن يجيد قراءة اللغة العربية وكتابتها .))

4- تنص المادة (82) بصيغتها القديمة المقترحة على أنه (( يشترط في عضو مجلس الأمة :
أ- ... .
ب - أن يكون أسمه مدرجا في أحد جداول الانتخاب ...))

5- يراجع : شفيق إمام، المحكمة الدستورية ومعضلة التوفيق بين سيادة القانون وسيادة الشعب، ص. 16.
6- يراجع المحكمة الدستورية العليا بمصر – جلسة 4/1/1993 ق 22 س 8 ق.

وجهة نظر في إشكالية المادة (37) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة الكويتي – مجلة معهد الكويت للدراسات القضائية والقانونية - صفحة 153 الكويت / ديسمبر 2007.

وجهة نظر في إشكالية المادة (37) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة الكويتي – مجلة معهد الكويت للدراسات القضائية والقانونية - صفحة 153 الكويت / ديسمبر 2007.

وجهة نظر في المادة (37) من
اللائحة الداخلية لمجلس الأمة الكويتي




د./ بلال عقل الصنديد
2006




وجهة نظر في المادة (37) من
اللائحة الداخلية لمجلس الأمة الكويتي

في خضم الجدل القانوني و السياسي الذي دارت رحاه في فترة الإعداد لمشروع تعديل قانون البلدية و التصويت عليه في القسم الأول من العام 2005 والذي نتج عنه في نهاية الأمر منح المرأة الكويتية حقوقها السياسية مما سمح لها بالتصويت في الانتخابات البلدية و البرلمانية ، طفت على السطح من جديد الإشكالية التي يطرحها تفسير المادة (37) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة التي تتناول مسألة الامتناع عن التصويت من قبل أعضاء مجلس الأمة.

الواقع، أنه في نهار الاثنين الموافق فيه 2 /5/ 2005، و خلال التصويت الثاني لأعضاء مجلس الأمة الكويتي على مشروع تعديل المادة الثالثة من قانون البلدية القديم، أدلى (29) نائباً بالموافقة عليه بينما رفضه (2) منهم و امتنع عن التصويت (29) آخرين. على أثر هذه النتيجة قرر رئيس مجلس الأمة تعليق التصويت على مشروع القانون دون اعتباره موافقا عليه من قبل مجلس الأمة ودون اعتباره بنفس الوقت مرفوضاً، متحاشيأ بذلك تطبيق نص المادة (109) من الدستور و نص المادة (97) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة، و فيهما نقرأ أن (( كل مشروع قانون اقترحه أحد الأعضاء و رفضه مجلس الأمة لا يجوز لأحد تقديمه ثانية في دور الانعقاد ذاته)).

تجدر الإشارة إلى أن أعضاء مجلس الأمة الكويتي يبلغ عددهم (50) عضوا يضاف إليهم في حينه (14) وزيرا من الوزراء غير المنتخبين الذين اكتسبوا عضويتهم في مجلس الأمة ((بحكم وظائفهم)) عملاً بأحكام المادة (80) من الدستور.

إشكالية البحث

الإشكال القانوني الذي سمح لرئيس مجلس الأمة باتخاذ مثل هذا الموقف الرمادي والذي له عدة سوابق مماثلة يعود إلى تعدد التفسيرات التي تعطى لكلمة (الأغلبية) الواردة في الفقرة الثانية من المادة (37) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة والتي تنص على ما يلي :

(( يعتبر الامتناع عن التصويت بمثابة الغياب عن الجلسة ، فلا تحسب أصوات الممتنعين ضمن أصوات المؤيدين أو المعارضين كما لا تدخل في حساب الأغلبية ، كل ذلك إذا كانت الأصوات التي أعطيت لم تقل عن النصاب القانوني اللازم لانعقاد الجلسة .
أما إذا كان عدد المؤيدين والمعارضين يقل عن هذا النصاب فان الامتناع عن التصويت لا يعتبر غياباً عن الجلسة وتدخل أصوات الممتنعين في حساب الأغلبية .
ويسرى حكم هذا المادة على الأوراق غير الصحيحة)).

المشكلة تطرح إذا في معرض تفسير كلمة (الأغلبية) والتي تدخل أصوات الممتنعين في حسابها وفق الفقرة الثانية من المادة (37)، فهل هذه الكلمة هي اختصار غير مبرر لعبارة (أغلبية المؤيدين) أم أنها اجتزاء خاطئ لعبارة (أغلبية المعارضين)، أم أنها تعني (الأغلبية المطلوبة لانعقاد جلسات مجلس الأمة) بشكل قانوني و صحيح ...أم أن لها تفسير آخر مختلف؟

الواقع أن الجدل القانوني بشأن تفسير المادة (37) ليس بجديد على الحياة البرلمانية والدستورية في الكويت، فكانت هذه المادة و لا سيما الفقرة الثانية منها محور النقاش في عديد من المرات خلال الفصول التشريعية السابقة فنذكر في هذا الإطار، على سبيل المثال لا الحصر، ما تعرضت له من النقد عندما أثير أمر تعديلها بالقانون رقم (3) لسنة 1982، ثم في الفصل التشريعي السابع عندما صوت (16) عضواً بالموافقة على مشروع تعديل قانون المخدرات وامتنع عن التصويت (18) آخرين من أصل الحضور البالغ (34) عضواً، الأمر الذي رتب اعتبار التصويت معلقا من قبل رئيس الجلسة، ولا ننسى أيضاً ما أثاره من خلافات تطبيق أحكام نفس المادة على نتيجة التصويت في انتخابات رئاسة المجلس للفصل التشريعي الثامن و ذلك على اثر إعلان فوز النائب / أحمد عبد العزيز السعدون برئاسة مجلس الأمة لهذا الفصل في جلسة تصويت أخرى. وقبل ذلك بفترة طبقت هذه المادة على انتخابات رئاسة المجلس في سنة 1967 حيث فاز برئاسة المجلس السيد / احمد زيد السرحان بحصوله على (22) صوتاً اعتبرت بمثابة الأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين بعد استبعاد (12) وزيراً ممتنعاً عن التصويت من مجموع الحاضرين وكان عددهم في هذه الجلسة (53) عضواً...


التفسيرات المتعددة

عند كل مناسبة، يتم التطرق فيها إلى مسألة تفسير المادة (37)، كانت الآراء تتوزع على عدة اتجاهات فقهية يمكن اختصارها في ثلاثة آراء أساسية برزت بمناسبة الجدل القانوني و الدستوري الذي رافق التصويت على مشروع تعديل قانون البلدية في عام 2005.

اتجه الرأي الأول للقول أنه يقصد بنص الفقرة الثانية من المادة (37) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة أن أصوات الممتنعين عن التصويت تدخل في حساب أغلبية المؤيدين أو المعارضين، ولما كانت الأغلبية المؤيدة (29) صوتا ويضاف إليهم أصوات الممتنعين وعددهم (29) صوتا، وبذلك يكون القرار قد صدر بالموافقة بأغلبية 58 صوتا .

أما الرأي الثاني فقد ذهب إلى إن تطبيق المادة (37) من اللائحة الداخلية يفيد أن العدد (29) (الموافقة) لم يصل إلى الأغلبية المطلوبة. ومن ثم فان الرأي هو تعليق القرار وليس سقوط المشروع أو رفضه، مما يتعين معه ضرورة إعادة طرحه مرة أخرى للتصويت .

واعتبر الرأي الثالث المشروع مرفوضا بحكم عدم حصوله على الأغلبية اللازمة للقبول (29 من 60)، وذلك بعد اعتبار الممتنعين حاضرين استكمالا للنصاب اللازم لانعقاد الجلسة .

ونحن من كــل ذلك، لنا وجهة نظــر تعتبر الرأي الثــاني أكثر واقعية وأكثر انسجاماً مع النص القانوني روحاً و نصاً وذلك للاعتبارات التالية :


مبررات الرأي :

1 - يشار أولا إلى أن المادة (37) قد تم تعديلها بالقانون رقم 3 لسنة 1982. بمقتضى هذا القانون أضيفت الفقرة الثانية إلى المادة موضوع البحث وتم تعديل الصياغة في الفقرة الأولى لخدمة هذه الإضافة، هذا وقد نصت المادة (37) قبل تعديلها على أنه :

(( يعتبر الامتناع عن التصويت بمثابة الغياب عن الجلسة فلا تحسب أصوات الممتنعين ضمن أصوات المؤيدين أو المعارضين ، كما لا تدخل في حساب الأغلبية بشرط إلا يقل عدد الأصوات التي أعطيت عن النصاب القانوني اللازم لانعقاد الجلسة ، ويسرى هذا الحكم في شأن الأوراق غير الصحيحة )) .

برأينا أن التعديل الجديد لم يضف شيئا جديداً إلى نص المادة (37) القديم إنما حاول المشرع من خلال صياغة أوضح - أو بشكل أصح من المفترض أن تكون أوضح - أن يؤكد على المعنى الذي يجب أن تفسر عليه المادة (37)، وهو منع النواب من التأثير على النصاب القانوني من خلال امتناعهم عن التصويت، فالفقرة الأولى في كلا النصين تعتبر بوضوح تام أن الامتناع عن التصويت هو بمثابة الغياب عن الجلسة ولكن الفقرة الثانية من النص الجديد أيدت وأكدت على المفهوم الذي كانت عليه المادة القديمة وهو أن أصوات الممتنعين تدخـــل ضمن (الأغلبية اللازمة لانعقاد المجلس) بشكل صحيح إذا اثر عدد هذه الأصوات على النصاب القانوني للجلسة .

ولتوضيح الفكرة أكثر، ضربت المذكرة التفسيرية للقانون رقم (3) لســنة 1982 بشــأن تعديل المــادة (37) مــن اللائحــة الداخلية مثــالاً وهــو حضور (45) عضوا في الجلسة عند التصويت على قرار معين منهم : عدد الموافقين (17) ، عدد المعارضين (16) و عدد الممتنعين (12) (غائبون) مجموع الحاضرين (33) . فإن القرار (حسب المذكرة التفسيرية في هذه الحالة) يصدر بالموافقة حيث حاز على أغلبية الحاضرين وحيث اعتبر الممتنعون بمثابة الغائبين .

أما إذا كان عدد الموافقين والرافضين اقل من النصاب القانوني اللازم لانعقاد الجلسة أي أقل من (33) فإن اللائحة الداخلية لم تعتبر الامتناع عن التصويت بحكم الغياب عن الجلسة في حساب الأغلبية اللازمة لإصدار القرار، حيث أن المناط في تعليق هذا الحكم هو ألا تقل الأصوات المعطاة موافقة أو رفضا عن النصاب القانوني اللازم لانعقاد الجلسة، أما إذا قلت هذه الأصوات عن هذا النصاب اعتبر الامتناع عن التصويت حضورا تشددا في الأغلبية المتطلبة لإصدار القرار ...

نحن لا نملك إلا تأييد هذا التفسير وحجتنا في ذلك أن الفقرة الثانية من النص الجديد أتت معطوفة بشكل واضح على الفقرة الأولى التي تناولت عدم تأثير الغياب على (النصاب القانوني اللازم لانعقاد الجلسة). فاستعمال عبارة (هذا النصاب) في الفقرة المضافة أتى في نظرنا تأكيداً على ربطها بعبارة النصاب القانوني المذكورة في الفقرة الأولى...

و في نفس الإطار، يكمل المشرع بهذا الربط من خلال استعماله كجواب للشرط عبارة (فان الامتناع عن التصويت) في هذه الحالة لا يعتبر غيابا بل يدخل في حساب (الأغلبية) التي من المفترض أن تحافظ على النصاب القانوني. والمقصود هنا بكلمة الأغلبية ما ورد بشأنها في المادة (97) من الدستور التي تشترط لصحة اجتماع مجلس الأمة حضور أكثر من نصف أعضائه ولصدور القرارات عنه موافقة أغلبية الحاضرين.

الواقع أن نص المادة (97) من الدستور الكويتي يعتبر أساسا عاماً لحساب الأغلبية المطلوبة لانعقاد الجلسات بشكل قانوني في مجلس الأمة وكذلك الحال بالنسبة للأغلبية المطلوبة في اتخاذ القرارات فيه . فهناك حسب نص هذه المادة نصابان : نصاب انعقاد الجلسة وهو الأغلبية المطلقة (أي ما يزيد عن النصف) من الأعضاء اللذين يتألف منهم المجلس وهم حالياً (64) أي (50) نائبا و(14) وزيراً - حسب ما تم توضيحه فيما سلف - و هناك أيضاً النصاب الآخر وهو نصاب اتخاذ القرارات الصادرة عن مجلس الأمة وهي الأغلبية المطلقة للحاضرين، ما لم ينص على أغلبية أخرى في نص دستوري أو أي نص تشريعي أدنى .

إن الربط بين نص المادة (37) ونص المادة (97) يدعم وجهة نظرنا، حيث أنه كان واضحا من العرض السابق أن غاية المشرع، في النص الأصلي للمادة (37) وفي التعديل الذي اقره سنة 1982، هي الحفاظ على النصاب القانوني للإنعقاد (وهو في حالتنا أكثر من نصف الـ (64) أي (33) نائباً).

بتطبيق هذا التفسير على الوقائع موضوع البحث يتضح أنه لو اعتبرنا أن الـ (29) نائباً الممتنعين عن التصويت هم بحكم الغياب يبقى حاضرا (29) صوتوا بالقبول و(2) رفضوا أي بمجموع (31) نائبا مما يؤثر سلباً على صحة النصاب اللازم لانعقاد الجلسة، وهو كما ذكرنا (33) نائبا، وفي هذه الحالة حسب نص المادة (37) يعاد احتساب أصوات الممتنعين ضمن الأغلبية اللازمة لانعقاد الجلسة.

لقد اعتبر بعض من يناقضون وجهة النظر هذه أنها ستؤدي إلى وجود نصابين : واحد وفقا للمادة (97) من الدستور يحسب على أساس العدد الكلي لأعضاء مجلس الأمة ونصاب آخر يحسب بناءً على الحاضرين جسدياً في الجلسة باستبعاد الغائبون جسدياً من الحساب . إلا أن الرد على ذلك، بأنه حين تحسب الأغلبية المطلوبة لانعقاد مجلس الأمة بشكل قانوني و صحيح، يؤخذ بالاعتبار مجموع أعضاء مجلس الأمة وهم (64) فيكون النصاب القانوني في هذه الحالة هو(33) عضواً، مما يؤكد عدم تجاهلنا لما نصت عليه المادة (97)، بل على العكس، فأن هذه الوجهة بالتفسير لنص المادة (37) تعمل نص المادة (97) ولا تهمله. بما معناه أن هذه الطريقة بحساب الأغلبية تضع حداً لأي محاولة سياسية أو برلمانية لتعطيل النصاب القانوني - و بالتالي لتعطيل العمل البرلماني- الذي يفترض لانعقاد مجلس الأمة بشكل صحيح حسب ما نصت عليه المادة (97). ليس بعيداً عن هذا ما قاله بعض المشتغلين بالفقه الدستوري من انه لا يجوز للامتناع عن التصويت (أن يقف عقبة في سبيل صدور ) قرارات مجلس الأمة خاصة و أن التصويت وفق بعض النظريات هو من الواجبات الوطنية وليس فقط من الحقوق .

2 - حجة القائلين أن كلمة (الأغلبية) تفسر بأنها أغلبية المؤيدين أو المعارضين اللذين صوتوا، أن المشرع لو أراد أن يأخذ هذه الكلمة على المعنى الذي نعتمده نحن وهو (النصاب القانوني لانعقاد الجلسة) لكان أحرى بواضعي النص أن يستبدلوا كلمة (الأغلبية) بإحدى العبارات التالية (أغلبية الانعقاد ) أو (الأغلبية اللازمة لصحة انعقاد الجلسة ) .

الجواب على هذا المنطق بالمنطق نفسه فنحن أيضا نقول لو كان المشرع قاصدا إدخال أصوات الممتنعين عن التصويت - في حال تأثيرهم على النصاب القانوني لانعقاد الجلسة - في عداد أغلبية المؤيدين أو المعارضين اللذين صوتوا لكان نص صراحة على ذلك واستبدل كلمة (أغلبية) بعبارة (أغلبية المعارضين أو المؤيدين) أو بعبارة ( أغلبية المصوتين)... أو بأي عبارة أخرى تفيد نفس المضمون.

وخلاصة القول في هذا الإطار أن الاعتماد على هذا المنطق في تصور و إضافة فقرات أو عبارات أو كلمات على النص القانوني غير موجودة في الأصل يمكن أن يستفيد منه كل الأطراف بحيث يضيف كل طرف عبارة تعزز وجهة نظره وهذا ليس من المنطق القانوني السليم مع احترامنا لكل من قال بمثله. فكل رأي يحتمل الصواب والخطأ ولكل منا في القانون وفي العلم وجهة نظره.

3 - مع اختلاف السبب والمضمون، هناك حالة مماثلة تعرضت بسببها المحكمة الدستورية في جلسة 8/1/1997 إلى تفسير المادة (37) موضوع البحث بمناسبة انتخاب رئيس مجلس الأمة، وكان ذلك جواباً على طلب التفسير رقم (26) لسنة 1996- دستوري.

إن موقف المحكمة الدستورية فيما يخص الأغلبية الواردة في المادة (37) لم يبتعد عن وجهة النظر التي وجدناها أكثر واقعية، مما يعزز موقفنا في هذا الشأن. وفي خلاصة رأي المحكمة الدستورية أن ((المقصود بالأغلبية للحاضرين المنصوص عليها في المادة (92) من الدستور، إنما يجرى التعرف عليه في ضوء غيرها من المواد المرتبطة، وبخاصة المادتان (97) و (117) من الدستور والمواد (28 ، 36 و 37) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة، والعبرة في الحضور الذي تحسب على أساسه تلك الأغلبية هو حضور من شارك في التصويت فعلا بشكل إيجابي وصحيح، فتستبعد من حساب الحاضرين الأصوات الباطلة والممتنعة، وهو ما يسرى حكمه على الورقة البيضاء الذي يعتبر صاحبها ممتنعاً عن التصويت، أي بمثابة، الغائب عن الجلسة، كل ذلك متى كانت النسبة الدستورية اللازمة لانعقاد المجلس متوافرة والأغلبية المطلقة تعنى أكثر من نصف الأصوات الصحيحة المعطاة، أياً كان قدر هذه الزيادة )) .

الواقع أن المحكمة الدستورية في موقفها هذا تكون قد أكدت على القراءة المنطقية لنص المادة (37) والتي مفادها - كما يقول المستشار شفيق إمام، في كتابه، المحكمة الدستورية ومعضلة التوفيق بين سيادة الدستور و سيادة الشعب- أن هذه المادة (( لم ترتب على الامتناع عن التصويت إلا الأحكام التي رأتها ضرورية لمنع تعطيل أعمال المجلس ولتفعيل دوره في أدائه لوظائفه وصلاحياته حين أضفت على هذا الامتناع حكم الغياب الاعتباري عن الجلسة في حالة وحيده هي تصويت ما يزيد على نصف أعضاء المجلس على القرار قبولا ورفضا، ذلك أن بلوغ المصوتين على القرار هذا العدد معناه أن الموضوع محل القرار قد استنفذ حقه في المناقشة والبحث كاملين من كلا الجانبين المؤيد والمعرض مما أدى إلى النتيجة التي انتهى إليها التصويت على القرار، سواء كانت قبولا أو رفضا، فتلك هي النتيجة التي عبرت عنها الإرادة الشعبية متمثلة في عدد المصوتين على القرار، الذين يزيدون على نصف عدد أعضاء المجلس )) .

و في مكان آخر نقرأ في الصفحة 230 من نفس الكتاب انه ((ربما تكون المادة (37) من اللائحة الداخلية للمجلس فيما تضمنته من أحكام خاصة بالتصويت أو بالامتناع عنه، هي إعمال لروح الدستور إزاء ما يفضى إليه الامتناع لوظائف السلطة التشريعية ، بل وشلها عن اتخاذ بعض القرارات الاقتراحات بقوانين أو مشروعات القوانين، وما نادى به الفقه الدستوري من أن المفروض في النائب العضو أن يعبر عن رأيه فيها يعرض على المجلس من قرارات بوضوح سواء بنعم أو لا ، أما حضور الجلسات والامتناع عن التصويت فهو موقف مانع يجدر أن ... يتجنبه النائب، و ألا تشجع عليه أحكام الدساتير أو اللوائح الداخلية للمجالس النيابية )) .

موقف رئيس مجلس الأمة

أما وقد اتضح أن التفسير المنطقي و السليم لكلمة الأغلبية على أنها تعني النصاب القانوني لانعقاد الجلسة يبقى التساؤل حول موقف رئيس مجلس الأمة بتعليق التصويت على مشروع تعديل قانون البلدية إلى جلسة أخرى.

الواقع أن قرار رئيس مجلس الأمة هو قرار واقعي أتى في محله سياسياً و عقلانياً، حتى و لم يكن على درجة كبيرة من الوضوح القانوني، وهو في نفس الوقت قرار تكرر اتخاذه في السوابق البرلمانية المذكورة سابقاً مما عزز موقف رئيس المجلس .

فبعد أي تصويت يكون على الرئيس إعلان حالتين : إما رفضه إذا كان عدد الرافضين قد شكلوا الأغلبية المطلقة للحاضرين المنصوص عليها في المادة (97) من الدستور، وإما عليه إعلان قبولـه من قبل الأغلبية المطلقة حسب نص نفس المادة. أما في حالتنا، التي تعتبر استثنائية رغم حدوثها أكثر من مرة و رغم إمكانية تكرار ذلك في أي وقت، فإن أغلبية الـ (29) صوتاً الموافقة لا تعتبر أغلبية مطلقة من الحاضرين، وبالتالي لا يجوز اعتبار مشروع القانون قد وافق عليه مجلس الأمة، بالمقابل فإن الصوتين اللذين رفضا مشروع القانون لا يمثلان أيضا الأغلبية اللازمة لاعتبار المشروع مرفوضاً وفق نص المادة (97) من الدستور.

أمام هذا الواقع، لم يبق لرئيس المجلس إلا اللجوء إلى قرار تعليق التصويت على مشروع القانون إلى جلسة أخرى، مما يطرح جديأ على بساط البحث – مرة أخرى – ضرورة تعديل المادة (37) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة بما يفسر بشكل أوضح معنى (الأغلبية) المتنازع في تفسيرها .

وجهة نظر

نختم عرضنا للمسائل المرتبطة بمعضلة تفسير المادة (37) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة بوجهة نظر، نطرحها للنقاش الدستوري و القانوني، مفادها أن كل ما سبق من أراء و تفسيرات في هذا الإطار، سواء سلمنا بصحتها أم لم نسلم بذلك، هي مجموعة من الرؤى المنطلقة من مسلمة واحدة مؤداها أن الأحكام التي تقررها المادة (37) فيما يتعلق بالامتناع عن التصويت هي أحكام عامة يصلح تطبيقها على كل أعمال مجلس الأمة التي تتضمن تصويتاً، سواء أتعلق هذا الأمر بالتصويت على اقتراح بقانون أو على مشروع قانون أم تعلق بأي أمر آخر كانتخاب رئيس المجلس أو أعضاء اللجان البرلمانية على سبيل المثال... إلا أن لنا في ذلك وجهة نظر مختلفة، لا تسلم بحتمية تطبيق هذه المادة على كل تصويت يقوم به أعضاء مجلس الأمة إنما يحصر تطبيق نص المادة (37) على انتخابات أعضاء مكتب المجلس.

حجتنا فيما نقول أن المادة (37) سالفة الذكر قد أتت ضمن المواد التي تكون الفصل الثالث من الباب الأول المعنون (مكتب المجلس). بصيغة أخرى، نقصد بما سبق أن تبويب اللائحة الداخلية لمجلس الأمة وتقسيمها إلى أبواب وفصول، كل منها بعنوان منفصل، يجعل المواد التي تنضوي تحت أي من هذه العناوين تطبق فقط في موضوع العنوان دون غيره ؛ فالمواد التي تؤلف الفصل الأول من الباب الأول في هذه اللائحة تنطبق فقط على (تأليف المجلس وأحكام العضوية) فيه ، وكذلك الحال فيما يتعلق بالمواد التي تشكل الفصل الثاني المعنون ( رئاسة المجلس).

وعليه، فان المواد من (32) إلى (41) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة تطبق فقط على كيفية تشكيل (مكتب المجلس) - عنوان الفصل الثالث- وعلى إجراءات هذا التشكيل وعلى شروط الترشيح وآلية التصويت وما شابه ذلك ... فلا يجوز استعارة أي حكم خاص من التي تنص عليها مادة من هذه المواد على حالة أخرى خارج إطار تشكيل مكتب المجلس والأمور المرتبطة بهذا التشكيل. كما أنه لا يستقيم أن تطبق أي مادة أخرى موقعها في فصل آخر من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة على انتخابات مكتب المجلس إلا إذا اتصفت صيغتها بالعمومية.

ما يحكم هذا المنطق في القول إذا هو مبدأ التخصيص، فالخاص لا يطبق على العام إنما العكس قد يكون جائزاً. فحين تأتي مادة معينة (المادة 32 مثلاً) وتنص صراحة على أن يتكون مكتب المجلس من (الرئيس ونائبه و...) فأنه لا تأويل في معرض صراحة النص، و بالتالي لا يجوز القياس على هذا النص أو استعارته لتطبيق أحكامه على تأليف اللجان مثلاً والتي خصص لها المشرع فصلاً كاملاً وهو الفصل الرابع، وإلا فقد التبويب الذي وضعه المشرع للائحة الداخلية مبرر وجوده وأصبح هذه التقسيم لغواً لا طائل منه، في الوقت الذي يعرف فيه كل قانوني أنه لا يجوز نعت المشرع أو النص التشريعي باللغو.

في نفس الإطار أتى نص المادة (37) منسجماً ومتكاملاً مع المواد السابقة واللاحقة له، فالمادة (36) جاءت بأحكام تنظيم أمر الفعل الايجابي بالتصويت وهو إدراج ورقة التصويت والكيفية والشروط التي يقتضيها هذا الفعل، ثم أتت المادة (37) من بعدها مباشرة لتنص على الفعل السلبي المرتبط بالتصويت وهو الامتناع عنه، والمقصود هنا في كلا الحالتين التصويت المرتبط فقط بانتخاب أعضاء مكتب المجلس وليس التصويت بشكل عام. فالتخصيص هنا لا يجوز القياس عليه ولا فرضه كقاعدة عامة تطبق على أي تصويت يقدم عليه أعضاء مجلس الأمة.

المنطق نفسه خصص الفرع الأول من الفصل الأول من الباب الثالث لمشروعات القوانين وخصص الفرع الثاني للمراسيم بقوانين وجعل الأحكام الخاصة بكل من هاذين الموضوعين مختلفاً عن الإحكام الخاصة بالآخر. فهل يجوز استعارة حكم خاص بالتصويت على الاقتراحات بقوانين و بالتحضير لهذا التصويت لنعممه على غير حالات و منها التصويت على مشاريع القوانين؟ الجواب البديهي و المباشر لا نظنه ايجابياً و إلا ما معنى تخصيص فرع لكل من الموضوعين !؟

إن الأمر الوحيد الذي يضعف من صلابة هذه الرؤية المطروحة للنقاش هو عدم وجود أي نص لا في اللائحة الداخلية لمجلس الأمة ولا في الدستور نفسه يعالج مسألة الامتناع عن التصويت، مما قد يجعل الأمر مقبولاً بعض الشيء تعميم نص المادة (37) على أي تصويت في مجلس الأمة، وهذا ما أعلنته المحكمة الدستورية بردها على طلب التفسير رقم (26) لسنة 1996، فأشارت صراحة إلى عموم حكم المادة (37) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة حيث وضحت أنه : (( وإذا كان من المقرر أن المطلق يجرى على إطلاقه والعام يبقى على عمومه ما لم يقم الدليل على تخصيصه ، وإذا جاء حكم المادة (37) المشار إليها عاماً بغير دليل على تخصيصه فإنه يكون واجب التطبيق في كل ما يعرض على المجلس للتصويت عليه وأخذ قرار فيه، يستوي في ذلك أن يكون في عملية انتخاب أو مشروع قانون أو أي قرار يصدره المجلس ومنه انتخاب رئيسه - من باب أولى لأهمية مركزه)) .
يشار هنا إلى أن اللائحة الداخلية تتضمن نصوصاً لها صبغة الدستورية بموجب تطبيق أحكام المادة (117) من الدستور التي تنص على أن (( يضع مجلس الأمة لائحته الداخلية ...)) والتي فسرت على أنها تنازل من قبل المشرع الدستوري عن تنظيم أو استكمال تنظيم بعض المسائل التي تعتبر بطبيعتها من المسائل الدستورية ليعهد بهذا الأمر إلى مجلس الأمة. وهذا يعني أن الدستور نفسه فوض مجلس الأمة بإصدار قانون بهذا الشأن يتضمن نصوصاً لها الصبغة الدستورية وتعامل أحكامها على أنها مكملة أو مفسره للدستور.

في الإطار نفسه، قضت المحكمة الدستورية في الكويت بموجب قرارها الصادر بشان طلب التفسير رقم (2) لسنة 1981 و بتاريخ 11/ 7/1981 أن المادة (114) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة قد شرعت على سند من تفويض تشريعي بمقتضى نص المادة (117) من الدستور .

بناء على ما سبق وفي حال وجود نقص أو غموض أو خلو كامل في النص الدستوري بشأن تنظيم مسألة معينه، تأتي النصوص التي تحمل الصبغة الدستورية في اللائحة الداخلية لتكمل أو لتفسر أو لتسد الفراغ في هذا الشأن. وذلك انسجاماً مع المنطق القائل أن القواعد الدستورية، في أي قالب سكبت، هي صنو الدستور بسبب طبيعة ما تتناوله من مسائل.

و بالتالي فان إغفال نصوص الدستور و نصوص اللائحة الداخلية لمجلس الأمة لمسألة الامتناع عن التصويت فتح المجال لقبول فكرة سد الفراغ الدستوري في هذا الشأن بتعميم نص - أساسه خاص بمكتب المجلس - على كافة حالات التصويت التي تتضمنها أعمال مجلس الأمة. و ذلك يتضح جلياً في توجهات المحكمة الدستورية حين أبدت رأيها بمناسبة طلب التفسير رقم (26) لسنة 1996- سابق الذكر- فأشارت إلى أنه : ((ولما كانت هذه الأحكام (المواد 32 ، 34 ، 35 ، 36 ، 37 من اللائحة الداخلية) تتعلق بتكوين مكتب مجلس الأمة وانتخاب أعضائه وعلى قمته رئيسه ونائبه وجاءت مفصلة لما عممه الدستور ومبينة لما أجمله في خصوص ما فوضت المادة (117) من الدستور للائحة في تنظيمه، والتي جاءت المادة (92) خلواً منها لزومها ومن بينها معالجة الأوضاع التي تقتضيها ممارسة المجلس التشريعي لصلاحياته بما فيها أصول التصويت بما لزم معه الرجوع إليها وبخاصة المادة (37) متى كانت لا تتعارض مع أي حكم دستوري، وذلك للتعرف على التطبيق الصحيح للمادة (92) المشار أليها ونطاق أعمال حكمها ومداه وصولاً لوجه الحق في المسألة المثارة)).

إلا أننا نخالف المحكمة الدستورية في هذا المنطق، الذي و إن اعتبر مقبولاً في البداية كحل مؤقت لمشكلة اعترضت الحياة الدستورية للمرة الأولى وبشكل غير مسبوق، فانه لا يجوز الاستمرار به على أساس أنه حل جاهز للتطبيق في كل مرة تبرز في الحياة السياسية و الدستورية الكويتية مشكلة مماثلة.

الخلاصة

إن ما طرحناه فيما سبق، على الرغم من قناعتنا بصوابيته، لا يقلل من أهمية أي رأي آخر ولا يحول دون قبول - لا بل الدعوة إلى- نقاش علمي وقانوني بناء، يجب مهما اختلفت وجهات النظر فيه أن ينتهي إلى دعوة مجلس الأمة بأسرع وقت ممكن لتعديل نص المادة (37) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة بحيث يتم تحديد معنى (الأغلبية)، التي وردت في الفقرة الثانية منها، بشكل أوضح مما تم في التعديل الذي طرأ على هذه المادة بموجب القانون رقم (3) لسنة 1982 والذي لم ينجح في وضع حل نهائي للمعضلة التي تعترض العاملين بها في كل مرة يتصدون لتفسير أحكامها .

كما أن المشرع الدستوري مدعو أيضاً، وعلى سبيل العجلة كذلك، إلى وضع نص دستوري عام يتناول مسألة الامتناع عن التصويت، يختلف عن نص المادة (37)، بشكل يضع حداً لإشكالية تعميم النص الخاص بانتخابات أعضاء مكتب المجلس على كافة أعمال مجلس الأمة المتضمنة تصويتأ، وهذا ما ناقشناه واعترضنا عليه فيما سبق.

وبكل الأحوال فان مجلس الأمة مدعو دوماً للاستعجال بوضع حلول للمعضلات الدستورية والقانونية بدلاً من انتظار حدوث أزمات تتكرر مرة بعد مرة فيتم البحث فيها و معالجتها في حينها بشكل قد يكون في بعض المرات غير مناسب لا سياسياً ولا قانونياً !!!

و الله ولي التوفيق
د. بلال عقل الصنديد
الأمانة العامة لمجلس الوزراء
2006

وجهة نظر في المادة (37) من
اللائحة الداخلية لمجلس الأمة الكويتي

في خضم الجدل القانوني و السياسي الذي دارت رحاه في فترة الإعداد لمشروع تعديل قانون البلدية و التصويت عليه في القسم الأول من العام 2005 والذي نتج عنه في نهاية الأمر منح المرأة الكويتية حقوقها السياسية مما سمح لها بالتصويت في الانتخابات البلدية و البرلمانية ، طفت على السطح من جديد الإشكالية التي يطرحها تفسير المادة (37) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة التي تتناول مسألة الامتناع عن التصويت من قبل أعضاء مجلس الأمة.

الواقع، أنه في نهار الاثنين الموافق فيه 2 /5/ 2005، و خلال التصويت الثاني لأعضاء مجلس الأمة الكويتي على مشروع تعديل المادة الثالثة من قانون البلدية القديم، أدلى (29) نائباً بالموافقة عليه بينما رفضه (2) منهم و امتنع عن التصويت (29) آخرين. على أثر هذه النتيجة قرر رئيس مجلس الأمة تعليق التصويت على مشروع القانون دون اعتباره موافقا عليه من قبل مجلس الأمة ودون اعتباره بنفس الوقت مرفوضاً، متحاشيأ بذلك تطبيق نص المادة (109) من الدستور و نص المادة (97) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة، و فيهما نقرأ أن (( كل مشروع قانون اقترحه أحد الأعضاء و رفضه مجلس الأمة لا يجوز لأحد تقديمه ثانية في دور الانعقاد ذاته)).

تجدر الإشارة إلى أن أعضاء مجلس الأمة الكويتي يبلغ عددهم (50) عضوا يضاف إليهم في حينه (14) وزيرا من الوزراء غير المنتخبين الذين اكتسبوا عضويتهم في مجلس الأمة ((بحكم وظائفهم)) عملاً بأحكام المادة (80) من الدستور.

إشكالية البحث

الإشكال القانوني الذي سمح لرئيس مجلس الأمة باتخاذ مثل هذا الموقف الرمادي والذي له عدة سوابق مماثلة يعود إلى تعدد التفسيرات التي تعطى لكلمة (الأغلبية) الواردة في الفقرة الثانية من المادة (37) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة والتي تنص على ما يلي :

(( يعتبر الامتناع عن التصويت بمثابة الغياب عن الجلسة ، فلا تحسب أصوات الممتنعين ضمن أصوات المؤيدين أو المعارضين كما لا تدخل في حساب الأغلبية ، كل ذلك إذا كانت الأصوات التي أعطيت لم تقل عن النصاب القانوني اللازم لانعقاد الجلسة .
أما إذا كان عدد المؤيدين والمعارضين يقل عن هذا النصاب فان الامتناع عن التصويت لا يعتبر غياباً عن الجلسة وتدخل أصوات الممتنعين في حساب الأغلبية .
ويسرى حكم هذا المادة على الأوراق غير الصحيحة)).

المشكلة تطرح إذا في معرض تفسير كلمة (الأغلبية) والتي تدخل أصوات الممتنعين في حسابها وفق الفقرة الثانية من المادة (37)، فهل هذه الكلمة هي اختصار غير مبرر لعبارة (أغلبية المؤيدين) أم أنها اجتزاء خاطئ لعبارة (أغلبية المعارضين)، أم أنها تعني (الأغلبية المطلوبة لانعقاد جلسات مجلس الأمة) بشكل قانوني و صحيح ...أم أن لها تفسير آخر مختلف؟

الواقع أن الجدل القانوني بشأن تفسير المادة (37) ليس بجديد على الحياة البرلمانية والدستورية في الكويت، فكانت هذه المادة و لا سيما الفقرة الثانية منها محور النقاش في عديد من المرات خلال الفصول التشريعية السابقة فنذكر في هذا الإطار، على سبيل المثال لا الحصر، ما تعرضت له من النقد عندما أثير أمر تعديلها بالقانون رقم (3) لسنة 1982، ثم في الفصل التشريعي السابع عندما صوت (16) عضواً بالموافقة على مشروع تعديل قانون المخدرات وامتنع عن التصويت (18) آخرين من أصل الحضور البالغ (34) عضواً، الأمر الذي رتب اعتبار التصويت معلقا من قبل رئيس الجلسة، ولا ننسى أيضاً ما أثاره من خلافات تطبيق أحكام نفس المادة على نتيجة التصويت في انتخابات رئاسة المجلس للفصل التشريعي الثامن و ذلك على اثر إعلان فوز النائب / أحمد عبد العزيز السعدون برئاسة مجلس الأمة لهذا الفصل في جلسة تصويت أخرى. وقبل ذلك بفترة طبقت هذه المادة على انتخابات رئاسة المجلس في سنة 1967 حيث فاز برئاسة المجلس السيد / احمد زيد السرحان بحصوله على (22) صوتاً اعتبرت بمثابة الأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين بعد استبعاد (12) وزيراً ممتنعاً عن التصويت من مجموع الحاضرين وكان عددهم في هذه الجلسة (53) عضواً...


التفسيرات المتعددة

عند كل مناسبة، يتم التطرق فيها إلى مسألة تفسير المادة (37)، كانت الآراء تتوزع على عدة اتجاهات فقهية يمكن اختصارها في ثلاثة آراء أساسية برزت بمناسبة الجدل القانوني و الدستوري الذي رافق التصويت على مشروع تعديل قانون البلدية في عام 2005.

اتجه الرأي الأول للقول أنه يقصد بنص الفقرة الثانية من المادة (37) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة أن أصوات الممتنعين عن التصويت تدخل في حساب أغلبية المؤيدين أو المعارضين، ولما كانت الأغلبية المؤيدة (29) صوتا ويضاف إليهم أصوات الممتنعين وعددهم (29) صوتا، وبذلك يكون القرار قد صدر بالموافقة بأغلبية 58 صوتا .

أما الرأي الثاني فقد ذهب إلى إن تطبيق المادة (37) من اللائحة الداخلية يفيد أن العدد (29) (الموافقة) لم يصل إلى الأغلبية المطلوبة. ومن ثم فان الرأي هو تعليق القرار وليس سقوط المشروع أو رفضه، مما يتعين معه ضرورة إعادة طرحه مرة أخرى للتصويت .

واعتبر الرأي الثالث المشروع مرفوضا بحكم عدم حصوله على الأغلبية اللازمة للقبول (29 من 60)، وذلك بعد اعتبار الممتنعين حاضرين استكمالا للنصاب اللازم لانعقاد الجلسة .

ونحن من كــل ذلك، لنا وجهة نظــر تعتبر الرأي الثــاني أكثر واقعية وأكثر انسجاماً مع النص القانوني روحاً و نصاً وذلك للاعتبارات التالية :


مبررات الرأي :

1 - يشار أولا إلى أن المادة (37) قد تم تعديلها بالقانون رقم 3 لسنة 1982. بمقتضى هذا القانون أضيفت الفقرة الثانية إلى المادة موضوع البحث وتم تعديل الصياغة في الفقرة الأولى لخدمة هذه الإضافة، هذا وقد نصت المادة (37) قبل تعديلها على أنه :

(( يعتبر الامتناع عن التصويت بمثابة الغياب عن الجلسة فلا تحسب أصوات الممتنعين ضمن أصوات المؤيدين أو المعارضين ، كما لا تدخل في حساب الأغلبية بشرط إلا يقل عدد الأصوات التي أعطيت عن النصاب القانوني اللازم لانعقاد الجلسة ، ويسرى هذا الحكم في شأن الأوراق غير الصحيحة )) .

برأينا أن التعديل الجديد لم يضف شيئا جديداً إلى نص المادة (37) القديم إنما حاول المشرع من خلال صياغة أوضح - أو بشكل أصح من المفترض أن تكون أوضح - أن يؤكد على المعنى الذي يجب أن تفسر عليه المادة (37)، وهو منع النواب من التأثير على النصاب القانوني من خلال امتناعهم عن التصويت، فالفقرة الأولى في كلا النصين تعتبر بوضوح تام أن الامتناع عن التصويت هو بمثابة الغياب عن الجلسة ولكن الفقرة الثانية من النص الجديد أيدت وأكدت على المفهوم الذي كانت عليه المادة القديمة وهو أن أصوات الممتنعين تدخـــل ضمن (الأغلبية اللازمة لانعقاد المجلس) بشكل صحيح إذا اثر عدد هذه الأصوات على النصاب القانوني للجلسة .

ولتوضيح الفكرة أكثر، ضربت المذكرة التفسيرية للقانون رقم (3) لســنة 1982 بشــأن تعديل المــادة (37) مــن اللائحــة الداخلية مثــالاً وهــو حضور (45) عضوا في الجلسة عند التصويت على قرار معين منهم : عدد الموافقين (17) ، عدد المعارضين (16) و عدد الممتنعين (12) (غائبون) مجموع الحاضرين (33) . فإن القرار (حسب المذكرة التفسيرية في هذه الحالة) يصدر بالموافقة حيث حاز على أغلبية الحاضرين وحيث اعتبر الممتنعون بمثابة الغائبين .

أما إذا كان عدد الموافقين والرافضين اقل من النصاب القانوني اللازم لانعقاد الجلسة أي أقل من (33) فإن اللائحة الداخلية لم تعتبر الامتناع عن التصويت بحكم الغياب عن الجلسة في حساب الأغلبية اللازمة لإصدار القرار، حيث أن المناط في تعليق هذا الحكم هو ألا تقل الأصوات المعطاة موافقة أو رفضا عن النصاب القانوني اللازم لانعقاد الجلسة، أما إذا قلت هذه الأصوات عن هذا النصاب اعتبر الامتناع عن التصويت حضورا تشددا في الأغلبية المتطلبة لإصدار القرار ...

نحن لا نملك إلا تأييد هذا التفسير وحجتنا في ذلك أن الفقرة الثانية من النص الجديد أتت معطوفة بشكل واضح على الفقرة الأولى التي تناولت عدم تأثير الغياب على (النصاب القانوني اللازم لانعقاد الجلسة). فاستعمال عبارة (هذا النصاب) في الفقرة المضافة أتى في نظرنا تأكيداً على ربطها بعبارة النصاب القانوني المذكورة في الفقرة الأولى...

و في نفس الإطار، يكمل المشرع بهذا الربط من خلال استعماله كجواب للشرط عبارة (فان الامتناع عن التصويت) في هذه الحالة لا يعتبر غيابا بل يدخل في حساب (الأغلبية) التي من المفترض أن تحافظ على النصاب القانوني. والمقصود هنا بكلمة الأغلبية ما ورد بشأنها في المادة (97) من الدستور التي تشترط لصحة اجتماع مجلس الأمة حضور أكثر من نصف أعضائه ولصدور القرارات عنه موافقة أغلبية الحاضرين.

الواقع أن نص المادة (97) من الدستور الكويتي يعتبر أساسا عاماً لحساب الأغلبية المطلوبة لانعقاد الجلسات بشكل قانوني في مجلس الأمة وكذلك الحال بالنسبة للأغلبية المطلوبة في اتخاذ القرارات فيه . فهناك حسب نص هذه المادة نصابان : نصاب انعقاد الجلسة وهو الأغلبية المطلقة (أي ما يزيد عن النصف) من الأعضاء اللذين يتألف منهم المجلس وهم حالياً (64) أي (50) نائبا و(14) وزيراً - حسب ما تم توضيحه فيما سلف - و هناك أيضاً النصاب الآخر وهو نصاب اتخاذ القرارات الصادرة عن مجلس الأمة وهي الأغلبية المطلقة للحاضرين، ما لم ينص على أغلبية أخرى في نص دستوري أو أي نص تشريعي أدنى .

إن الربط بين نص المادة (37) ونص المادة (97) يدعم وجهة نظرنا، حيث أنه كان واضحا من العرض السابق أن غاية المشرع، في النص الأصلي للمادة (37) وفي التعديل الذي اقره سنة 1982، هي الحفاظ على النصاب القانوني للإنعقاد (وهو في حالتنا أكثر من نصف الـ (64) أي (33) نائباً).

بتطبيق هذا التفسير على الوقائع موضوع البحث يتضح أنه لو اعتبرنا أن الـ (29) نائباً الممتنعين عن التصويت هم بحكم الغياب يبقى حاضرا (29) صوتوا بالقبول و(2) رفضوا أي بمجموع (31) نائبا مما يؤثر سلباً على صحة النصاب اللازم لانعقاد الجلسة، وهو كما ذكرنا (33) نائبا، وفي هذه الحالة حسب نص المادة (37) يعاد احتساب أصوات الممتنعين ضمن الأغلبية اللازمة لانعقاد الجلسة.

لقد اعتبر بعض من يناقضون وجهة النظر هذه أنها ستؤدي إلى وجود نصابين : واحد وفقا للمادة (97) من الدستور يحسب على أساس العدد الكلي لأعضاء مجلس الأمة ونصاب آخر يحسب بناءً على الحاضرين جسدياً في الجلسة باستبعاد الغائبون جسدياً من الحساب . إلا أن الرد على ذلك، بأنه حين تحسب الأغلبية المطلوبة لانعقاد مجلس الأمة بشكل قانوني و صحيح، يؤخذ بالاعتبار مجموع أعضاء مجلس الأمة وهم (64) فيكون النصاب القانوني في هذه الحالة هو(33) عضواً، مما يؤكد عدم تجاهلنا لما نصت عليه المادة (97)، بل على العكس، فأن هذه الوجهة بالتفسير لنص المادة (37) تعمل نص المادة (97) ولا تهمله. بما معناه أن هذه الطريقة بحساب الأغلبية تضع حداً لأي محاولة سياسية أو برلمانية لتعطيل النصاب القانوني - و بالتالي لتعطيل العمل البرلماني- الذي يفترض لانعقاد مجلس الأمة بشكل صحيح حسب ما نصت عليه المادة (97). ليس بعيداً عن هذا ما قاله بعض المشتغلين بالفقه الدستوري من انه لا يجوز للامتناع عن التصويت (أن يقف عقبة في سبيل صدور ) قرارات مجلس الأمة خاصة و أن التصويت وفق بعض النظريات هو من الواجبات الوطنية وليس فقط من الحقوق .

2 - حجة القائلين أن كلمة (الأغلبية) تفسر بأنها أغلبية المؤيدين أو المعارضين اللذين صوتوا، أن المشرع لو أراد أن يأخذ هذه الكلمة على المعنى الذي نعتمده نحن وهو (النصاب القانوني لانعقاد الجلسة) لكان أحرى بواضعي النص أن يستبدلوا كلمة (الأغلبية) بإحدى العبارات التالية (أغلبية الانعقاد ) أو (الأغلبية اللازمة لصحة انعقاد الجلسة ) .

الجواب على هذا المنطق بالمنطق نفسه فنحن أيضا نقول لو كان المشرع قاصدا إدخال أصوات الممتنعين عن التصويت - في حال تأثيرهم على النصاب القانوني لانعقاد الجلسة - في عداد أغلبية المؤيدين أو المعارضين اللذين صوتوا لكان نص صراحة على ذلك واستبدل كلمة (أغلبية) بعبارة (أغلبية المعارضين أو المؤيدين) أو بعبارة ( أغلبية المصوتين)... أو بأي عبارة أخرى تفيد نفس المضمون.

وخلاصة القول في هذا الإطار أن الاعتماد على هذا المنطق في تصور و إضافة فقرات أو عبارات أو كلمات على النص القانوني غير موجودة في الأصل يمكن أن يستفيد منه كل الأطراف بحيث يضيف كل طرف عبارة تعزز وجهة نظره وهذا ليس من المنطق القانوني السليم مع احترامنا لكل من قال بمثله. فكل رأي يحتمل الصواب والخطأ ولكل منا في القانون وفي العلم وجهة نظره.

4 - مع اختلاف السبب والمضمون، هناك حالة مماثلة تعرضت بسببها المحكمة الدستورية في جلسة 8/1/1997 إلى تفسير المادة (37) موضوع البحث بمناسبة انتخاب رئيس مجلس الأمة، وكان ذلك جواباً على طلب التفسير رقم (26) لسنة 1996- دستوري.

إن موقف المحكمة الدستورية فيما يخص الأغلبية الواردة في المادة (37) لم يبتعد عن وجهة النظر التي وجدناها أكثر واقعية، مما يعزز موقفنا في هذا الشأن. وفي خلاصة رأي المحكمة الدستورية أن ((المقصود بالأغلبية للحاضرين المنصوص عليها في المادة (92) من الدستور، إنما يجرى التعرف عليه في ضوء غيرها من المواد المرتبطة، وبخاصة المادتان (97) و (117) من الدستور والمواد (28 ، 36 و 37) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة، والعبرة في الحضور الذي تحسب على أساسه تلك الأغلبية هو حضور من شارك في التصويت فعلا بشكل إيجابي وصحيح، فتستبعد من حساب الحاضرين الأصوات الباطلة والممتنعة، وهو ما يسرى حكمه على الورقة البيضاء الذي يعتبر صاحبها ممتنعاً عن التصويت، أي بمثابة، الغائب عن الجلسة، كل ذلك متى كانت النسبة الدستورية اللازمة لانعقاد المجلس متوافرة والأغلبية المطلقة تعنى أكثر من نصف الأصوات الصحيحة المعطاة، أياً كان قدر هذه الزيادة )) .

الواقع أن المحكمة الدستورية في موقفها هذا تكون قد أكدت على القراءة المنطقية لنص المادة (37) والتي مفادها - كما يقول المستشار شفيق إمام، في كتابه، المحكمة الدستورية ومعضلة التوفيق بين سيادة الدستور و سيادة الشعب- أن هذه المادة (( لم ترتب على الامتناع عن التصويت إلا الأحكام التي رأتها ضرورية لمنع تعطيل أعمال المجلس ولتفعيل دوره في أدائه لوظائفه وصلاحياته حين أضفت على هذا الامتناع حكم الغياب الاعتباري عن الجلسة في حالة وحيده هي تصويت ما يزيد على نصف أعضاء المجلس على القرار قبولا ورفضا، ذلك أن بلوغ المصوتين على القرار هذا العدد معناه أن الموضوع محل القرار قد استنفذ حقه في المناقشة والبحث كاملين من كلا الجانبين المؤيد والمعرض مما أدى إلى النتيجة التي انتهى إليها التصويت على القرار، سواء كانت قبولا أو رفضا، فتلك هي النتيجة التي عبرت عنها الإرادة الشعبية متمثلة في عدد المصوتين على القرار، الذين يزيدون على نصف عدد أعضاء المجلس )) .

و في مكان آخر نقرأ في الصفحة 230 من نفس الكتاب انه ((ربما تكون المادة (37) من اللائحة الداخلية للمجلس فيما تضمنته من أحكام خاصة بالتصويت أو بالامتناع عنه، هي إعمال لروح الدستور إزاء ما يفضى إليه الامتناع لوظائف السلطة التشريعية ، بل وشلها عن اتخاذ بعض القرارات الاقتراحات بقوانين أو مشروعات القوانين، وما نادى به الفقه الدستوري من أن المفروض في النائب العضو أن يعبر عن رأيه فيها يعرض على المجلس من قرارات بوضوح سواء بنعم أو لا ، أما حضور الجلسات والامتناع عن التصويت فهو موقف مانع يجدر أن ... يتجنبه النائب، و ألا تشجع عليه أحكام الدساتير أو اللوائح الداخلية للمجالس النيابية )) .

موقف رئيس مجلس الأمة

أما وقد اتضح أن التفسير المنطقي و السليم لكلمة الأغلبية على أنها تعني النصاب القانوني لانعقاد الجلسة يبقى التساؤل حول موقف رئيس مجلس الأمة بتعليق التصويت على مشروع تعديل قانون البلدية إلى جلسة أخرى.

الواقع أن قرار رئيس مجلس الأمة هو قرار واقعي أتى في محله سياسياً و عقلانياً، حتى و لم يكن على درجة كبيرة من الوضوح القانوني، وهو في نفس الوقت قرار تكرر اتخاذه في السوابق البرلمانية المذكورة سابقاً مما عزز موقف رئيس المجلس .

فبعد أي تصويت يكون على الرئيس إعلان حالتين : إما رفضه إذا كان عدد الرافضين قد شكلوا الأغلبية المطلقة للحاضرين المنصوص عليها في المادة (97) من الدستور، وإما عليه إعلان قبولـه من قبل الأغلبية المطلقة حسب نص نفس المادة. أما في حالتنا، التي تعتبر استثنائية رغم حدوثها أكثر من مرة و رغم إمكانية تكرار ذلك في أي وقت، فإن أغلبية الـ (29) صوتاً الموافقة لا تعتبر أغلبية مطلقة من الحاضرين، وبالتالي لا يجوز اعتبار مشروع القانون قد وافق عليه مجلس الأمة، بالمقابل فإن الصوتين اللذين رفضا مشروع القانون لا يمثلان أيضا الأغلبية اللازمة لاعتبار المشروع مرفوضاً وفق نص المادة (97) من الدستور.

أمام هذا الواقع، لم يبق لرئيس المجلس إلا اللجوء إلى قرار تعليق التصويت على مشروع القانون إلى جلسة أخرى، مما يطرح جديأ على بساط البحث – مرة أخرى – ضرورة تعديل المادة (37) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة بما يفسر بشكل أوضح معنى (الأغلبية) المتنازع في تفسيرها .

وجهة نظر

نختم عرضنا للمسائل المرتبطة بمعضلة تفسير المادة (37) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة بوجهة نظر، نطرحها للنقاش الدستوري و القانوني، مفادها أن كل ما سبق من أراء و تفسيرات في هذا الإطار، سواء سلمنا بصحتها أم لم نسلم بذلك، هي مجموعة من الرؤى المنطلقة من مسلمة واحدة مؤداها أن الأحكام التي تقررها المادة (37) فيما يتعلق بالامتناع عن التصويت هي أحكام عامة يصلح تطبيقها على كل أعمال مجلس الأمة التي تتضمن تصويتاً، سواء أتعلق هذا الأمر بالتصويت على اقتراح بقانون أو على مشروع قانون أم تعلق بأي أمر آخر كانتخاب رئيس المجلس أو أعضاء اللجان البرلمانية على سبيل المثال... إلا أن لنا في ذلك وجهة نظر مختلفة، لا تسلم بحتمية تطبيق هذه المادة على كل تصويت يقوم به أعضاء مجلس الأمة إنما يحصر تطبيق نص المادة (37) على انتخابات أعضاء مكتب المجلس.

حجتنا فيما نقول أن المادة (37) سالفة الذكر قد أتت ضمن المواد التي تكون الفصل الثالث من الباب الأول المعنون (مكتب المجلس). بصيغة أخرى، نقصد بما سبق أن تبويب اللائحة الداخلية لمجلس الأمة وتقسيمها إلى أبواب وفصول، كل منها بعنوان منفصل، يجعل المواد التي تنضوي تحت أي من هذه العناوين تطبق فقط في موضوع العنوان دون غيره ؛ فالمواد التي تؤلف الفصل الأول من الباب الأول في هذه اللائحة تنطبق فقط على (تأليف المجلس وأحكام العضوية) فيه ، وكذلك الحال فيما يتعلق بالمواد التي تشكل الفصل الثاني المعنون ( رئاسة المجلس).

وعليه، فان المواد من (32) إلى (41) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة تطبق فقط على كيفية تشكيل (مكتب المجلس) - عنوان الفصل الثالث- وعلى إجراءات هذا التشكيل وعلى شروط الترشيح وآلية التصويت وما شابه ذلك ... فلا يجوز استعارة أي حكم خاص من التي تنص عليها مادة من هذه المواد على حالة أخرى خارج إطار تشكيل مكتب المجلس والأمور المرتبطة بهذا التشكيل. كما أنه لا يستقيم أن تطبق أي مادة أخرى موقعها في فصل آخر من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة على انتخابات مكتب المجلس إلا إذا اتصفت صيغتها بالعمومية.

ما يحكم هذا المنطق في القول إذا هو مبدأ التخصيص، فالخاص لا يطبق على العام إنما العكس قد يكون جائزاً. فحين تأتي مادة معينة (المادة 32 مثلاً) وتنص صراحة على أن يتكون مكتب المجلس من (الرئيس ونائبه و...) فأنه لا تأويل في معرض صراحة النص، و بالتالي لا يجوز القياس على هذا النص أو استعارته لتطبيق أحكامه على تأليف اللجان مثلاً والتي خصص لها المشرع فصلاً كاملاً وهو الفصل الرابع، وإلا فقد التبويب الذي وضعه المشرع للائحة الداخلية مبرر وجوده وأصبح هذه التقسيم لغواً لا طائل منه، في الوقت الذي يعرف فيه كل قانوني أنه لا يجوز نعت المشرع أو النص التشريعي باللغو.

في نفس الإطار أتى نص المادة (37) منسجماً ومتكاملاً مع المواد السابقة واللاحقة له، فالمادة (36) جاءت بأحكام تنظيم أمر الفعل الايجابي بالتصويت وهو إدراج ورقة التصويت والكيفية والشروط التي يقتضيها هذا الفعل، ثم أتت المادة (37) من بعدها مباشرة لتنص على الفعل السلبي المرتبط بالتصويت وهو الامتناع عنه، والمقصود هنا في كلا الحالتين التصويت المرتبط فقط بانتخاب أعضاء مكتب المجلس وليس التصويت بشكل عام. فالتخصيص هنا لا يجوز القياس عليه ولا فرضه كقاعدة عامة تطبق على أي تصويت يقدم عليه أعضاء مجلس الأمة.

المنطق نفسه خصص الفرع الأول من الفصل الأول من الباب الثالث لمشروعات القوانين وخصص الفرع الثاني للمراسيم بقوانين وجعل الأحكام الخاصة بكل من هاذين الموضوعين مختلفاً عن الإحكام الخاصة بالآخر. فهل يجوز استعارة حكم خاص بالتصويت على الاقتراحات بقوانين و بالتحضير لهذا التصويت لنعممه على غير حالات و منها التصويت على مشاريع القوانين؟ الجواب البديهي و المباشر لا نظنه ايجابياً و إلا ما معنى تخصيص فرع لكل من الموضوعين !؟

إن الأمر الوحيد الذي يضعف من صلابة هذه الرؤية المطروحة للنقاش هو عدم وجود أي نص لا في اللائحة الداخلية لمجلس الأمة ولا في الدستور نفسه يعالج مسألة الامتناع عن التصويت، مما قد يجعل الأمر مقبولاً بعض الشيء تعميم نص المادة (37) على أي تصويت في مجلس الأمة، وهذا ما أعلنته المحكمة الدستورية بردها على طلب التفسير رقم (26) لسنة 1996، فأشارت صراحة إلى عموم حكم المادة (37) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة حيث وضحت أنه : (( وإذا كان من المقرر أن المطلق يجرى على إطلاقه والعام يبقى على عمومه ما لم يقم الدليل على تخصيصه ، وإذا جاء حكم المادة (37) المشار إليها عاماً بغير دليل على تخصيصه فإنه يكون واجب التطبيق في كل ما يعرض على المجلس للتصويت عليه وأخذ قرار فيه، يستوي في ذلك أن يكون في عملية انتخاب أو مشروع قانون أو أي قرار يصدره المجلس ومنه انتخاب رئيسه - من باب أولى لأهمية مركزه)) .
يشار هنا إلى أن اللائحة الداخلية تتضمن نصوصاً لها صبغة الدستورية بموجب تطبيق أحكام المادة (117) من الدستور التي تنص على أن (( يضع مجلس الأمة لائحته الداخلية ...)) والتي فسرت على أنها تنازل من قبل المشرع الدستوري عن تنظيم أو استكمال تنظيم بعض المسائل التي تعتبر بطبيعتها من المسائل الدستورية ليعهد بهذا الأمر إلى مجلس الأمة. وهذا يعني أن الدستور نفسه فوض مجلس الأمة بإصدار قانون بهذا الشأن يتضمن نصوصاً لها الصبغة الدستورية وتعامل أحكامها على أنها مكملة أو مفسره للدستور.

في الإطار نفسه، قضت المحكمة الدستورية في الكويت بموجب قرارها الصادر بشان طلب التفسير رقم (2) لسنة 1981 و بتاريخ 11/ 7/1981 أن المادة (114) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة قد شرعت على سند من تفويض تشريعي بمقتضى نص المادة (117) من الدستور .

بناء على ما سبق وفي حال وجود نقص أو غموض أو خلو كامل في النص الدستوري بشأن تنظيم مسألة معينه، تأتي النصوص التي تحمل الصبغة الدستورية في اللائحة الداخلية لتكمل أو لتفسر أو لتسد الفراغ في هذا الشأن. وذلك انسجاماً مع المنطق القائل أن القواعد الدستورية، في أي قالب سكبت، هي صنو الدستور بسبب طبيعة ما تتناوله من مسائل.

و بالتالي فان إغفال نصوص الدستور و نصوص اللائحة الداخلية لمجلس الأمة لمسألة الامتناع عن التصويت فتح المجال لقبول فكرة سد الفراغ الدستوري في هذا الشأن بتعميم نص - أساسه خاص بمكتب المجلس - على كافة حالات التصويت التي تتضمنها أعمال مجلس الأمة. و ذلك يتضح جلياً في توجهات المحكمة الدستورية حين أبدت رأيها بمناسبة طلب التفسير رقم (26) لسنة 1996- سابق الذكر- فأشارت إلى أنه : ((ولما كانت هذه الأحكام (المواد 32 ، 34 ، 35 ، 36 ، 37 من اللائحة الداخلية) تتعلق بتكوين مكتب مجلس الأمة وانتخاب أعضائه وعلى قمته رئيسه ونائبه وجاءت مفصلة لما عممه الدستور ومبينة لما أجمله في خصوص ما فوضت المادة (117) من الدستور للائحة في تنظيمه، والتي جاءت المادة (92) خلواً منها لزومها ومن بينها معالجة الأوضاع التي تقتضيها ممارسة المجلس التشريعي لصلاحياته بما فيها أصول التصويت بما لزم معه الرجوع إليها وبخاصة المادة (37) متى كانت لا تتعارض مع أي حكم دستوري، وذلك للتعرف على التطبيق الصحيح للمادة (92) المشار أليها ونطاق أعمال حكمها ومداه وصولاً لوجه الحق في المسألة المثارة)).

إلا أننا نخالف المحكمة الدستورية في هذا المنطق، الذي و إن اعتبر مقبولاً في البداية كحل مؤقت لمشكلة اعترضت الحياة الدستورية للمرة الأولى وبشكل غير مسبوق، فانه لا يجوز الاستمرار به على أساس أنه حل جاهز للتطبيق في كل مرة تبرز في الحياة السياسية و الدستورية الكويتية مشكلة مماثلة.

الخلاصة

إن ما طرحناه فيما سبق، على الرغم من قناعتنا بصوابيته، لا يقلل من أهمية أي رأي آخر ولا يحول دون قبول - لا بل الدعوة إلى- نقاش علمي وقانوني بناء، يجب مهما اختلفت وجهات النظر فيه أن ينتهي إلى دعوة مجلس الأمة بأسرع وقت ممكن لتعديل نص المادة (37) من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة بحيث يتم تحديد معنى (الأغلبية)، التي وردت في الفقرة الثانية منها، بشكل أوضح مما تم في التعديل الذي طرأ على هذه المادة بموجب القانون رقم (3) لسنة 1982 والذي لم ينجح في وضع حل نهائي للمعضلة التي تعترض العاملين بها في كل مرة يتصدون لتفسير أحكامها .

كما أن المشرع الدستوري مدعو أيضاً، وعلى سبيل العجلة كذلك، إلى وضع نص دستوري عام يتناول مسألة الامتناع عن التصويت، يختلف عن نص المادة (37)، بشكل يضع حداً لإشكالية تعميم النص الخاص بانتخابات أعضاء مكتب المجلس على كافة أعمال مجلس الأمة المتضمنة تصويتأ، وهذا ما ناقشناه واعترضنا عليه فيما سبق.

وبكل الأحوال فان مجلس الأمة مدعو دوماً للاستعجال بوضع حلول للمعضلات الدستورية والقانونية بدلاً من انتظار حدوث أزمات تتكرر مرة بعد مرة فيتم البحث فيها و معالجتها في حينها بشكل قد يكون في بعض المرات غير مناسب لا سياسياً ولا قانونياً !!!

و الله ولي التوفيق
د. بلال عقل الصنديد
الأمانة العامة لمجلس الوزراء
2006