الوقائع والإشكالية الدستورية
على أثر الإنجاز التاريخي الذي بمقتضاه عدل مجلس الأمة الكويتي المادة الأولى(1) من قانون الانتخاب رقم 35/1962 لصالح إعطاء المرأة الكويتية حقوقها السياسية من خلال مساواتها بالرجل في حقي الانتخاب والترشيح لعضوية مجلس الأمة، صار من الممكن والأمر كذلك تنصيب المرأة في المواقع السياسية التي كانت ممنوعة عليها قبل التعديل لا سيما في المجلس البلدي وفي مجلس الوزراء.
ذهبت الحكومة الكويتية في هذا الاتجاه وعينت في المجلس البلدي شخصيتين نسائيتين وأتبعت خطوتها هذه بإنجاز تاريخي آخر فعينت بتاريخ 12/6/2005 أول وزيرة كويتية(2) .
أثارت هذه الخطوة إشكالية دستورية لناحية تفسير نص المادة (125) من الدستور الكويتي معطوفة على نص المادة (82) منه(3) . بمقتضى هذين النصين يشترط على كل من عضو مجلس الأمة والوزير أن تتوافر فيه شروط الناخب وفقا لقانون الانتخاب.
لقد أدى التفسير الحرفي الذي اتبعه البعض لهذا النص إلى اعتبار توزير المرأة الكويتية، مخالفة للدستور باعتبار أن من بين الشروط التي يجب أن يتمتع بها الناخب ليمارس حقه بالانتخاب هو تسجيل اسمه بالجداول الانتخابية. و حيث أنه، لحين تعيين أول وزيرة كويتية، لم تسجل بعد أي امرأة كويتية في جداول الانتخابات مما يرتب، وفق هذا المنطق، عدم جواز توزيرها دستورياً كونها لم تحصل على كامل شروط الناخب
وجهة نظر في المسألة
مع تقديرنا المطلق للمتمسكين بمثل هذا التفسير الحرفي لنصوص الدستور الكويتي، فان هذا الرأي الدستوري مردود عليه من أكثر من اتجاه نحاول اختصارها قدر الإمكان فيما يلي :
1- المبدأ في تفسير النصوص القانونية والدستورية وفق ما اتفق عليه علماء الأصول والفقه القانوني أن تفسير النص يجب أن يتجه " نحو الإعمال وليس نحو الإهمال " .. وعليه يجب قدر المستطاع التوجه نحو تفسير النص بروحية الاستفادة من أحكامه وليس نحو التركيز على موانعه... وهذا المنطق ينطبق بطبيعة الحال و دون أي جدال على القيد الدستوري الذي يفرض على الوزير "أن تتوافر فيه شروط الناخب".
الواقع إن إعمال هذا النص لا يكون إلا بالتفريق بين نوعين من الشروط الواجب توافرها في الناخب :
• الشروط الموضوعية :
وهي الشروط التي تكسب "حق الانتخاب" وبالتالي حق الترشيح ومنها مثلاً حسب نص المادة (82) من الدستور " أن يكون كويتي " و" أن يجيد القراءة والكتابة "، وحسب المادة (2) من قانون رقم 35/62 في شأن انتخاب أعضاء مجلس الأمة " أن لا يحكم عليه بعقوبة جنائية أو جريمة مخلة بالشرف أو بالأمانة ".
• الشروط الشكلية :
وهي الشروط التي يجب أن تتوفر ليتمكن الناخب من ممارسة حقه بالانتخاب وليس لكسب هذا الحق. ويعتبر القيد في الجداول الانتخابية من ضمن هذه الشروط، إذ من الممكن أن يكون الإنسان مسجلا على لوائح القيد لكن يحرم من حقه في الانتخاب لأسباب موضوعية أخرى ومنها مثلا، حسب المادة (2) من قانون الانتخاب، ارتكابه لجريمة مخلة بالشرف.
وعليه فإن مجرد توفر الشروط الموضوعية كلها في المرأة الكويتية يكسبها الأمر حق الانتخاب ويبقى أمر تسجيلها في الجداول الانتخابية إجراءا شكليا ضروريا لممارسة هذا الحق ...
2- وفي هذا السياق فإننا نرى أن المشرع الكويتي فرق في قانون الانتخاب 35/62 بين كل من الناخب والمرشح لناحية اشتراط التقييد في جدول الانتخاب لكل منهما : فنص صراحة في المادة (19) على أنه " يشترط فيمن يرشح نفسه لعضوية مجلس الأمة أن يكون اسمه مدرجا في أحد جداول الانتخاب" وهنا القيد يعتبر شرطاً جوهرياً وليس شكليا إذ أن القيد في الجداول يجب أن يسبق الترشيح بينما في نص المادة (17) من نفس القانون يعتبر القيد في جدول الانتخاب من قبيل الشروط الشكلية التي تلحق اكتساب حق الانتخاب وتمكن الناخب من ممارسته له . يستدل ذلك من قول المشرع في المادة (17) أنه : "لا يجوز لأحد الاشتراك (في الانتخاب) ما لم يكن اسمه مقيدا في الجداول..."
وبالتالي فإن شرط القيد في جداول الانتخاب هو ضروري للاشتراك في الانتخاب وليس لكسب حق التصويت...
3- في نفس الإطار وأثناء مناقشة المادة (82) من الدستور في جلسة 10/7/1962 للمجلس التأسيسي ولجنة الدستور برز في محضر الاجتماع كلام مهم تم فيه التفريق بين الشروط التي يجب أن تتوافر بالمواطن الكويتي ليكتسب حق الانتخاب وبين الإجراء الشكلي الذي يفرض وجود اسمه في جداول الانتخاب لممارسة حقه الانتخابي.
فقد ورد ، أثناء المناقشات، على لسان احد الخبراء الدستوريين تعليقاً على النص الذي كان مقترحاً للفقرة (ب) من المادة (82)(4) أن (( هذه الفقرة قد توجد بعض الصعوبة في الكويت عند تعيين الوزراء أو نائب الأمير حيث تطبق هذه المادة في الحالتين، الوزراء أو نائب الأمير، وقد يكونون من الأسرة المالكة التي لا يشترك أعضاؤها في الانتخابات ومعاركها ولا يحق لهم الترشيح للانتخاب، ومن ثم لا يهتمون بقيد أسمائهم في جدول الانتخاب، فيخشى أن يظهر ذلك كعقبة مفاجئة عند اختيار أحدهم وزيرا أو نائب أمير، ولذلك عدلت تعديلا بسيطا في البند (ب) من المادة بحيث يشترط أن تتوفر فيهم شروط الناخب دون إلزامهم بأن يقيدوا أسماءهم بجداول الانتخاب، وعليه يصبح نص الفقرة (ب) المذكورة كالآتي : " أن تتوفر فيه شروط الناخب" )).
4- يضاف إلى ذلك أنه من القواعد القانونية الأساسية في التدرج التشريعي أن " المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً"، فلا يوجد أحد من القانونيين يناقش فكرة وجود عرف دستوري يتبع ويصبح له قوة قانونية مماثلة لنص الدستور. ومن الأعراف الدستورية المعتمدة في دولة الكويت، توزير أشخاص من الأسرة الحاكمة دون إدراجهم في الجداول الانتخابية. وهذا ما أكده وزير الخارجية الكويتي في تصريح لــه نشر في صحف يوم 13/6/2005 .
يستنتج مما سبق أن عادة توزير أشخاص في الحكومة الكويتية ارتقت إلى كونها عرفا دستوريا يجوز إتباعه و القياس عليه عند توزير أي مواطن كويتي (ذكر أو أنثى) سواء أكان من الاسرة الحاكمة أم لم يكن .
5- في نفس الاتجاه وحسب الرؤية الحديثة للقضاء الدستوري في العالم عند تفسير أي نص دستوري وبعكس المدارس التقليدية والتاريخية "يطالب أنصار نظرية العلم والصياغة المفسر بالتعرف على الواقع وحاجاته ومقتضياته حسبما تنبئ عنه المشاهدة والتجربة، وفرض ما هو واجب في شأن ذلك الواقع حسبما يمليه العقل من مثل عليا وغايات بعيدة" .(5)
هذا ما اعتمدته المحكمة الدستورية العليا في جمهورية مصر العربية حين اعتبرت أن "تفسير النصوص الدستورية لا يجوز النظر إليها بما يبتعد بها عن غايتها النهائية ولا بوصفها هائمة في الفراغ أو باعتبارها قيما مثالية منفصلة عن محيطها الاجتماعي، وإنما يتعين دوما أن تحمل مقاصدها بمراعاة أن الدستور وثيقة تقدمية لا ترتد مفاهيمها إلى حقبة ماضية وإنما تمثل القواعد التي يقوم عليها والتي صاغتها الإرادة الشعبية، انطلاقا إلى تغيير لا تصد عن التطور آفاقه الرحبة" .(6)
يستدل مما سبق انه لا يجوز العودة بتفسير النص موضوع الخلاف إلى الحقبة التي سبقت الإنجاز التاريخي بإعطاء المرأة الكويتية حقها بالانتخاب و الترشح، بل يجب التوجه في إعماله نحو تفعيله وتعزيزه بتوزير المرأة انسجاماً مع المتطلبات الديمقراطية ومبادئ العدالة و المساواة ومع الواقع السياسي العالمي الذي يصر على هذا التوجه. هذا ما أبرزه أكثر من مرة سمو رئيس مجلس الوزراء الكويتي في تصريحات عديدة مفادها أن "توزير المرأة أمر مبتوت به وغير مخالف للدستور"، تماشياً مع كثير من المعطيات السياسية، الدستورية و القانونية و التي تعتبر أكثر واقعية من تفسير النص على خلاف الواقع الحقيقي الذي ارتضاه ممثلو الأمة الكويتية حين أعطوا المرأة حقوقها السياسية .
لا يجوز الاستدلال من كلامنا هذا أنه يجوز مخالفة القانون أو الدستور في سبيل إرضاء التوجهات السياسية بل ما أردنا قوله أنه طالما يجوز، كما أسلفنا، تفسير النص الدستوري الغامض على أكثر من محمل، يجب و الحال كذلك الأخذ بالتفسير الذي يعمله انسجاما مع واقع الحال، خاصة أن أمر إدراج المرأة على جداول الانتخاب هو أمر إجرائي غير معقد يصبح جاهزاً في أي لحظة ينتهي فيها العمل التقني لإنجازه. فما فائدة انتظار إدراج المرأة على جداول الانتخاب حتى يتم توزيرها ؟ وما هي الخطورة العملية في توزيرها قبل ذلك ؟ .
نخلص إلى القول بأن توزير المرأة الكويتية قبل إدراج إسمها في جداول الانتخاب هو أمر جائز دستورياً وقانونياً ويخدم كل المعطيات الواقعية السياسية والديمقراطية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق