الجمعة، 24 يونيو 2011

لا ابيض لا اسود

لا أبيض، لا أسود!!!
بقلم: د. بلال عقل الصنديد 2010-06-14
(لا أبيض، لا أسود!) هو عنوان المقال الذي نشرته في جريدة السياسة الكويتية بتاريخ 23 ديسمبر/ كانون أول 2006، وكنت وقتها -ومازلت- مستاء من كيفية إدارة الأمور في لبنان، فاستذكرت ماضي وطننا الحبيب وتاريخ أزماته وحروبه التي تنتهي بنفس النتيجة : لا أبيض، ولا أسود.
وها أنا اليوم استذكر نفس التعبير، عند البحث في الامتناع اللبناني عن التصويت في مجلس الأمن على العقوبات الدولية التي فرضت على الجمهورية الإسلامية الإيرانية. أمام هذه الرمادية في الموقف الذي لا أناقش الآن صوابيته من عدمها، رأيت مناسباً استعادة ما كتبته في عام 2006 لأنه ما زال صالحاً في العام 2010 ويبدو انه سيبقى صالحاً في لبنان طالما أن سياسيينا يديرون أمورنا كما تدار السيارة بالمقود، حتى لا نستعمل تعبيراً آخر أقل لياقة بحقي وحق الشعب الذي أفتخر بانتمائي إليه.
وفي ما يلي نص ما كتبته في العام 2006 حرفياً :
في ختام جولة توفيقية بين الحكومة والمعارضة اللبنانية، صرح أمين عام جامعة الدول العربية السيد عمرو موسى بأن نتيجة جولته ولدت لديه انطباع "التشاؤل"، ذلك الشعور الذي يحتل المنطقة الرمادية بين "اسود" التشاؤم و "ابيض" التفاؤل.
بغض النظر عن رأينا بالأزمة الحالية وبمسؤولية كل الأطراف المحلية والإقليمية والدولية عنها، وبصرف النظر عن قناعتنا الراسخة بصعوبة نجاح أي محاولة أو مبادرة توفيقية من غير "تعريبها" و/ أو "تغريبها"، يبدو واضحاً أن الحالة اللبنانية - حتى لا نقول الآفة اللبنانية - تصيب بالعدوى كل من يحتك بها أو يلامس تعقيداتها حتى ولو كان على رأس أعلى المؤسسات العربية…
فكل ما في لبنان يولد أو ينتهي على شاكلة الشعور "بالتشاؤل" : رمادي اللون، لا ابيض و لا اسود!!!
حروب هذا البلد وأزماته تنتهي بشعار "لا غالب ولا مغلوب"… والمواطنية فيه تحكمها إرادة "العيش المشترك" التي " يجب" أن يلتقي بأحضانها من يرى انه حفيد الفينيقيين مع من يجد نفسه سليل الخلفاء الراشدين… ناهيك عن أن الأحزاب اللبنانية تلتقي - من غير أن تعرف لماذا وعلى ماذا تم لقاؤها- رغم وجودها الإيديولوجي على أطراف التناقضات… كما أن حصة الأقلية البرلمانية في الحكومات اللبنانية لا تعرفها إذا كانت "ضامنة" أم "معطلة" أم "مشاركة"… والطاولات المستديرة "تتحاور" و "تتشاور" في المنطقة الوسطى سياسياً وفي "وسط المدينة" جغرافياً، رغم وجود مؤسسات دستورية من المفترض أنها تمثل كل اللبنانيين… و لم يبقى لهذه "الخصوصية" اللبنانية إلا أن تبتدع، كحل مقترح للأزمة الراهنة، فكرة دستورية وسياسية غير مسبوقة و هي "الوزير الملك" أو وزير الوسط …
= لقد انتهت الحرب الأهلية اللبنانية بتوافق مفروض على أن يخرج منها كل الأطراف لا غالب و لا مغلوب. نتيجة لهذه البدعة شعر الكل - بلا أي استثناء - انهم منتصرون… فلم يجدوا أمام زهو انتصاراتهم إلا ضعف الوطن ; فتقاسموا غنائمهم من خيراته و اخذوا بقايا الشرفاء من مواطنيه سبايا يمارسون عليهم أبشع وسائل القهر السياسي والاقتصادي والاجتماعي… ألم يكن أجدى من كل ذلك أن ينتصر الأقوى إذا كان على حق أو يخسر الكل إذا كانوا على الباطل… فينتصر الوطن وحده ؟!
= لم ندرك نحن اللبنانيون، إلى يومنا هذا، أن الذي يدخلنا في حروب وأزمات متكررة -وان سميت عن حق حروب الآخرين على أرضنا- هو انتماؤنا لكل شيء إلا للبنان. "فلبناننا" غير "لبنانهم"… ولكل منا مواطنية هي ابعد ما تكون عن واجب الانتماء لوطن وليس لأرض تتصارع على ميادينها مصالح الدول حيث نكون نحن، برضانا، آتون نارها و حطب لهيبها. "العيش المشترك" لا يكون إلا بين أعداء اتفقوا، صوناً لمصالحهم المختلفة، أن "يشتركوا" و ليس أن "يتشاركوا" في تقاسم أسباب العيش درءا للموت الحتمي… فعيش مفروض خير من موت جماعي… أهكذا تبنى الأوطان ؟!
= الأغرب من كل ذلك أضحوكة الأحزاب في هذا البلد : فاليمينية منها ابعد ما تكون عن قيم المجتمع وتقاليده، أما اليسارية والاشتراكية فيتزعمها الأثرياء، والتيارات العلمانية ينادي أصحابها بمناصب طائفية، والجماعات الدينية تدخل في توازنات تناقض في كثير من الأحيان ضوابط التعاليم السامية… بالأمس متحاربون واليوم متحالفون، وهذا طبعاً من اجل الوطن!!!… متناحرون في الفكر والعقيدة و متفاهمون كيداً للآخرين، و هذا أيضاً من أجل الوطن ؟؟؟ حرام عليكم… ما فعلتم بالوطن.
= أما الدستور اللبناني فحاله كحال الوطن، هيبته مفقودة وبنوده مستباحة لصالح "تعابير ميثاقية"، رمادية اللون، وسطية التوجه، تخدر العواطف ولا تعالج الهواجس… فالصراع على موقعنا وعلى موقفنا من الأمة العربية ترجمته، منذ زمن، عبارات وسطية في صياغتها، غامضة في مضامينها. فهل لبنان "ذو الوجه العربي" أو لبنان "عربي الانتماء والهوية" هو نفسه لبنان "العربي" الصرف؟ أم أن كل ما في هذه العبارات هو مجرد كلام حق قد يراد به باطل ؟؟؟
= بنود الدستور، الكل يستبيح مكانتها فيقرأها كما يطيب له -وليس كما يجب- أن تقرأ. فهل ألزم الدستور وجود حصة للأقلية البرلمانية عند تشكيل الحكومات اللبنانية؟ وهل هذه الحصة، في حال وجودها، هي "ضامنة" لوجود المعارضة السياسي أم هي حصة تؤمن لها "مشاركة" في إدارة شؤون البلاد والعباد…أم أنها "معطلة" لعمل الأكثرية أم هي في الأساس "عاطلة" عن العمل وفي أدبيات السياسة؟ حين نجد الإجابة على هذه التساؤلات نجد لبنان معافى بدستوره وبمقوماته.
= ومن جديد، كما في كل مرة… تتناحر الأطراف اللبنانية وتتصارع على السلطة انطلاقاً من رؤى متناقضة للبنان… محاولات الخروج من هذه الأزمة، كما في كل مرة أيضاً، لا تكون داخل أروقة المؤسسات الدستورية إنما على طاولات "حوار و تشاور" تمدد اجل الانفجار وتؤخر الانزلاق المعهود بالأزمة إلى الشارع.
= ومن ابرز ما هو رمادي اللون هو ذلك الابتكار اللبناني الذي يتم تداوله في هذه الفترة، كحل للخروج من الأزمة، ومفاده وجود "وزير ملك" داخل الحكومة يكون وسطاً بين الموالاة والمعارضة، لا ينحاز لأي منهم ولا يصوت لصالح أي من الأطراف. فهو كاسمه "ملك يملك ولا يحكم"، وجوده مرضاة لمتطلبات الوفاق و الحضور اللاابيض و اللااسود، ليس له أي ثقل إلا ثقل الحضور و الوجود اللا دستوري.
فهل نستغرب بعد كل ذلك ألا يصاب عمرو موسى بعدوى "التشاؤل" و الرمادية ؟!
صحيح أن لبنان كان و ما زال كطائر الفينيق يقوم دوماً من تحت رماده، و لكن المشكلة انه من كثرة ما قام من بين الرماد صار لونه رمادي...نتركه يحترق لنتغنى بقيامته في كل مرة... ننظم له الأشعار و هو يحتاج لنا وليس لشعرنا... نلتهي بالعبث السياسي وبضوضاء الشارع ولا ندرك أن الوطن الذي يجمعنا صمّت أذناه من صخبنا...آن لنا نحن الموالون للحكومة والمعارضون لها، أن يكون ولاؤنا للبنان و ليس "للبناننا" أو "للبنانهم"...وليس لأي عقيدة أو تيار أو مذهب أو دولة ... للبنان فقط...
"يا شعب لبنان العظيم"، "أيها الشرفاء"، " أيها السياديين الجدد" أوحتى "القدامى"، حذارى، فلبنان "الأخضر" يحترق، لونه صار بلون رماده : "لا ابيض ولا اسود"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق